في فلسطين المحتلة عام 2001، وتحديدًا في مدينة اللُّد جنوب تل أبيب، ارتفع صوت الراب لأول مرة، كي يقاوم.
«مين إرهابي؟ أنا إرهابي؟ كيف إرهابي وأنا عايش في بلادي؟ مين إرهابي؟ أنتَ إرهابي، ماكلني (سارقني) وأنا عايش في بلادي، قاتلني زي ما قتلت جدادي».
‒ من أغنية «مين إرهابي؟» لفرقة «دام»
فرقة «دام»: راب فلسطيني متأثر بـ«توباك»
يبدأ مقال على موقع «Your Middle East» رحلته مع الراب الفلسطيني بفرقة «دام» (Dam)، أول فرقة «هيب هوب» في فلسطين، التي أسسها ثلاثة من أحفاد عرب 1948 (يمثلون نحو 18% من سكان إسرائيل)، يحملون الجنسية الفلسطينية والإسرائيلية، هم تامر نفار صاحب الفكرة، وأخوه سهيل نفار، ومحمود جريري.
كنت أطبع كلمات الأغنية ثم أترجمها من القاموس.
تَربَّى تامر نفار في مدينة اللُّد، التي يحيا فيها العرب والإسرائيليون معًا، وفي تسعينيات القرن العشرين سمع أغاني نجم الراب الأمريكي «توباك» (Tupac Shakur)، الذي اغتيل عام 1996 رميًا بالرصاص في مدينة لاس فيغاس الأمريكية، وسنُّه لم تتجاوز 25 عامًا.
الموضوعات الشائكة التي تَطرَّق إليها توباك بلغة حادة وعنيفة في أغنياته حول معاناة الأمريكيين من أصل إفريقي، حفَّزت تامر ليسلك الطريق نفسه، بخاصة بعدما شعر بالتشابه الكبير بين صراع الأفارقة في أمريكا سعيًا للحصول على المساواة، وما يمر به الفلسطينيون في إسرائيل.
تَخيَّلْ طفلًا صغيرًا يشاهد فيديو لأغنية ولا يفهم شيئًا من كلماتها، لكنه يشعر أنها ترتبط بواقعه، ماذا سيفعل؟ هذا ما حدث حين شاهد تامر نفار أغاني توباك المصورة للمرة الأولى، إذ رأى مشهدًا يظهر فيه رجال الشرطة وهم يطاردون مجموعة من الأمريكيين الأفارقة، فأحسَّ أن تلك الأغاني تعبِّر عن حياة عرب الداخل في مدينة اللد، وهكذا وُلدت فرقة «دام».
قد يهمك أيضًا: كيف تتحول من مستمع للموسيقى إلى «مستمتع» بها؟
«لا أتحدث الإنجليزية، لكني كنت أبحث عن كلمات الأغنية على الإنترنت ثم أطبعها، وأجلس في المدرسة لأترجمها من القاموس».
‒ تامر نفار
صدام الراب العربي واليمين الإسرائيلي
بدأت «دام» مشوارها في أواخر التسعينيات، وأصدرت أولى أغنياتها «مين إرهابي» عام 2001 للاعتراض على العنصرية ضد العرب في إسرائيل. وعلى الرغم من وصول الفرقة إلى قلوب عرب إسرائيل والفلسطينيين، فإنها لم تلقَ قَبول آخرين، منهم وزيرة الثقافة الإسرائيلية الحالية «ميري ريغيف» (Miri Regev)، التي شغلت من قبل منصب رئيس قسم الرقابة العسكرية على وسائل الإعلام.
اعترضت ريغيف على الأغنية، واتهمت تامر نفار باستغلال كل فرصة متاحة أمامه للتحريض ضد إسرائيل باعتبارها دولة الشعب اليهودي، وسعت لإلغاء حفلاته، فوضعته بذلك في مواجهة مع أنصار التيَّار اليميني.
وسائل الإعلام الإسرائيلية شرحت أن ريغيف اعترضت على مقطع بعينه في الأغنية يقول: «ديمقراطية؟ والله إنكم نازية، من كُتر ما اغتصبتوا النفس العربية، حبلت، ولدت ولد اسمه عملية انفجارية، وهين ناديتنا إرهابية»، وردَّ نفار في أحد لقاءاته الصحفية مؤكِّدًا أن «ريغيف مجرد ناطقة بلسان الحكومة تنشر السُّمَّ العنصري».
قد يعجبك أيضًا: تأملات يهودية عربية: صراع الهُوية بين الدين والعِرق
تصاعد الخلاف في أكتوبر 2016، إذ كان من المقرر أن يشارك نفار في مهرجان مُمَوَّل من الحكومة في حيفا، المدينة الساحلية الواقعة شمالِي إسرائيل، فناشدت ميري ريغيف محافظ حيفا سحبَ دعوته. ورغم الضغوط الكبيرة لمنع نفار من إحياء المهرجان، ذهب للغناء في حماية 15 رجل أمن، ووقف على المسرح خلف حاجز يفصل بينه وبين نشطاء يمينيين يرتدون الأعلام الإسرائيلية، لمنعهم من الوصول إليه.
شعر تامر بالخوف الشديد، بخاصة حين سمع صراخ المتظاهرين: «إرهابي»، «عُد إلى غزة»، «يا ابن العاهرة»، فعلى الرغم من كونه فنانًا صداميًّا يتحدى بأغانيه أتباع التيَّار اليميني والفاشيين في إسرائيل، فإنه إنسان قبل أي شيء، يخاف على حياته وحياة من يحب، ويقلق على سلامة زوجته وأطفاله، لذلك فإنه يأخذ التهديدات الموجَّهة إليه على محمل الجد.
الإلهام الفني: كيف تأثرت «دام» بمعاناة اليهود مع النازية؟
لم تتوقف «دام» عند مناقشة مشكلات الفلسطينيين في إسرائيل، بل واجهت المجتمع بعيوبه.
تامر نفار ليس الفنان الوحيد الذي استهدفته وزيرة الثقافة الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة، فميري ريغيف، التي تنتمي إلى الحكومة ذات التوجه اليميني الأكثر تشددًا في تاريخ الدولة العبرية، تعرَّضت للنخبة المثقفة اليساريَّة كذلك، ممَّا دعاهم إلى اتهامها بالسعي لتكميم أفواههم، بسبب ترويجها قانونًا ينصُّ على وقف الدعم المادي للمؤسسات الثقافية التي لا تدين بولائها للحكومة.
لم يقف الفنانون مكبَّلي الأيدي أمام وزيرة الثقافة الإسرائيلية، وردد بعضهم هتافات ضدها في أحد المؤتمرات الثقافية، وهاجموا ما تفعله من فوق المنصة. وفي سبتمبر 2016، اضطُرَّت ريغيف إلى مغادرة أحد حفلات توزيع الجوائز بعد أن ألقى تامر نفار وفنان يهودي قصيدة لمحمود درويش، بصفته «الشاعر الفلسطيني الوطني».
اقرأ أيضًا: التدين ومعضلة «الدولة اليهودية» في إسرائيل
استمر نفار في عطائه الفني وتوجه إلى السينما، فقام ببطولة فيلم «مفرق 48» كما شارك في كتابة السيناريو. يحكي الفيلم قصة مغني راب فلسطيني يعشق موسيقى الهيب هوب، وتشاركه حبيبته الاهتمامات نفسها، ويقاومان بالغناء ما يحدث لهما في مدينة اللد من قمع وظلم.
اقتداءً بتوباك، لم تتوقف فرقة «دام» عند مناقشة مشكلات الفلسطينيين في إسرائيل، بل واجهت المجتمع بعيوبه أيضًا، فأدانت جرائم الشرف التي تنتشر في مدينة اللد.
استلهم تامر نفار فنَّه من الواقع الذي عايشه في شوارع اللد التي نشأ بها، حيث يقضي الناس أيامهم تحت حصار ومعاناة أشبه ما تكون بما عاشه اليهود سابقًا في معسكرات الألمان، حين كانوا عالقين في قبضة النازيَّة.
قد يهمك أيضًا: المتعاطفون مع الفلسطينيين مُدانون في هوليوود
هل ستواصل فرقة «دام» رحلتها الغنائية بسلام بعد أن كوَّنت قاعدة كبيرة في المجتمعَين الفلسطيني والإسرائيلي بسبب القضايا التي تطرحها، أم ستواجه خطر التصفية كما حدث مع توباك؟