سينما هندية مقاوِمة: لمحة من دور «بوليوود» في الحرب العالمية

بوستر فيلم «Mother India» - الصورة: Mehboob Productions

أندرو محسن
نشر في 2017/09/19

ما الدور الذي لعبته دولة بحجم الهند في الحرب العالمية الثانية؟ سيبدو السؤال مفاجئًا لبعضنا، إذ رغم غزارة المواد المتوفرة عن تلك الفترة، فإنها تنحصر عادةً في الدول الأوروبية، وبالذات بريطانيا وألمانيا، ومن خارجها الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، بينما من النادر جدًّا معرفة وقائع أخرى عن بقية الدول التي شاركت في الحرب، رغم أنها طالت معظم دول العالم.

يحاول مقال منشور على موقع «The Conversation» تغطية وقائع الحرب العالمية في الهند من وجهة نظر مختلفة، من وجهة نظر السينما والمجلات السينمائية، فكيف رصدت السينما الهندية الشهيرة بمبالغاتها وأغانيها وقائع قاسية مثل تلك؟

معركة الهند على جبهتين

بوستر فيلم «Dr. Kotnis Ki Amar Kahani» - الصورة: Rajkamal Kala Mandir

بينما كانت معظم دول العالم تعاني نيران الحرب على عدة جبهات، كانت الهند تخوض حربها الخاصة، حربها ضد الاستعمار البريطاني، التي كُللت بإعلان الهند دولة مستقلة عام 1947. ويمكن تصوُّر أن السنوات التي دارت خلالها الحرب العالمية الثانية بين 1939 و1945 كانت أَوْجَ مراحل الثورة الهندية للقضاء على الاستعمار.

هكذا يصبح أمامنا مبررًا رئيسيًّا ومهمًّا لعدم تركيز السينما الهندية على أفلام الحرب العالمية حصرًا، وانتقائها نوعية الأفلام التي قدمتها آنذاك، إذ أنها كانت واقعة بين دعم الحلفاء في مقاومتهم للفاشية، وبين مقاومتها للاستعمار البريطاني في الوقت نفسه.

رغم الموقف المتوتر من بريطانيا في ذلك الوقت، اتخذت السينما الهندية، بحسب المقال، موقفًا حادًّا وواضحًا من الفاشية، وكذلك من الاحتلال الياباني للصين، ورفعت شعارات الحرب ضد النازيين.

السينما الهندية تعلن الحرب

مقال في مجلة «The Mirror» يشجع العاملين في السينما الهندية على أداء دورهم في الحرب

كتب المحرر في مجلة «The Mirror» السينمائية الهندية، في أحد أعداد شهر ديسمبر 1941، أن صناعة الأفلام في الدولة تحمل على عاتقها واجبًا في هذه الساعة الفارقة، هو تقديم التسلية لهؤلاء المواطنين الذي سيشاركون في المعركة.

أخلصر فيلم «Dr. Kotnis Ki Amar Kahani» لموضوع الحرب، لكنه لم ينسَ تسليط الضوء على مقاومة الاحتلال البريطاني.

في عام 1945، أفردت مجلة «Picturpost» صفحة كاملة تحت عنوان «حربنا»، ظهر فيها رجال ونساء مدنيون يمشون وراء الجنود، وتحتها تعليق: «في أثناء خسارة عصابات النازية لحربهم ضد العالم، اتخذت الهند مكانها في الحرب ضد العدوان».

حولت السينما الهندية رسالة المجلة إلى فيلم مهم عن احتلال اليابان للصين هو «Dr. Kotnis Ki Amar Kahani» عام 1946 من إخراج «راجارام شانتارام»، الذي لعب أيضًا دور البطولة، واستند الفيلم إلى قصة حقيقة عن تجربة خمسة أطباء كانوا ضمن الفريق الطبي الذي سافر إلى الصين خلال الحرب، وأظهر البوستر تمثال بوذا واقفًا بين الرماد ومخلفات الحرب، في إشارة إلى الأمل والروابط التاريخية والثقافية بين الصين والهند.

على الرغم من أن الفيلم يبدو مخلصًا لموضوع الحرب، لكنه لم ينسَ في رأي المقال تسليط الضوء على مقاومة الاحتلال البريطاني، وصوَّر هذا بتأكيده أهمية تكاتف كل صفوف الشعب، من المزارعين حتى الأطباء، لمقاومة الحرب ومساعدة الصينيين، وبنظرة أوسع: للقضاء على الاستعمار البريطاني.

اقرأ أيضًا: سينما الأقاليم الهندية: الهروب من «الأفورة»

التقاء الحرب والاستقلال

المهاتما غاندي في مسيرة الملح

في عام 1942، بدأ العمل على فيلم دعائي قصير بعنوان «Face of India» (وجه الهند)، من إنتاج فرع الأفلام في الحكومة البريطانية. وفي خمس دقائق فقط هي مدة الفيلم، كان ينبغي أن يتعرض لجهود الحلفاء في الحرب ميبرز الدور الإيجابي للهند كجزء من الإمبراطورية، لكنه لم يخرج إلى النور.

يحتفظ الأرشيف الوطني في لندن بعدد من المسوَّدات التي عمل عليها «أليكساندر شاو» لصناعة الفيلم. كان شاو يصنع وينتج الأفلام الوثائقية بجانب كونه المشرف على المجلس الاستشاري للأفلام في الهند «Film Advisory Board»، المسؤول عن صناعة الأفلام الدعائية هناك. وعن طريق هذه المسوَّدات والمراسلات بينه وبين وزارة المعلومات البريطانية، نكتشف لماذا توقف العمل على الفيلم.

وجد صناع الفيلم أنه من الصعب التعرض لدور الهند البارز في الحرب العالمية الثانية دون الإشارة إلى تصاعد حركات العصيان ضد الاستعمار البريطاني بقيادة غاندي في الوقت نفسه، لكن الخوف الأكبر جاء من أن إبراز قدرة الهند قد يكون سببًا أدعى لتحريرها واعتمادها كدولة مستقلة تستطيع قيادة نفسها بنفسها.

قد يهمك أيضًا: وجه غاندي القبيح: كره النساء والأفارقة وفرَّق بين أبناء جنسه

الانتصار والخسارة في السينما الهندية

«سابو داستاغير» في فيلم «الطبل» - الصورة: London Film Productions

 يعد الممثل «سابو داستاغير»، المعروف عالميًّا باسم سابو، أحد أشهر الممثلين الهنديين قديمًا على مستوى العالم، لأنه شارك في أفلام مهمة مثل «The Thief of Baghdad» (لص بغداد)، أحد أشهر وأول الأفلام التي تناولت الأساطير الشرقية وصوَّرتها بشكل جذاب.

لا يعرف كثيرون أن سابو لم يكن ممثلًا مشهورًا فقط، بل كان من أبطال الحرب أيضًا، إذ شارك في الحرب العالمية الثانية ضمن سلاح الطيران في الجيش الأمريكي بعد حصوله على الجنسية عام 1944،  وتقلد وسامًا رفيعًا نتيجة جهوده.

لكن سابو لم يكن بنفس الشهرة في الهند، ويعود جزء كبير من الغضب الهندي ضده إلى مشاركته في الفيلم الإنجليزي «The Drum» (الطبل) عام 1938، الذي كانت هناك حملة كبيرة ضده، لسوء تصوير الشخصيات الهندية.

حاول سابو المشاركة لاحقًا في عدد من الأفلام الهندية، لكن مشاركاته لم تلقَ الحفاوة المطلوبة، حتى عندما تقدم للحصول على دور رئيسي في فيلم «Mother India» عام 1957 رُفض، وكان هذا الفيلم أحد أهم الأفلام الهندية في تاريخها الممتد.

هكذا تمنحنا إعادة النظر في تاريخ السينما الهندية في فترة الحرب العالمية الثانية رؤية أشمل لموقف السينمائيين آنذاك، إذ لم يقفوا مكتوفي الأيدي، بل سخَّروا صناعتهم للمشاركة في مقاومة الاستعمار بأشكاله المختلفة.

على الجانب الآخر، تعكس هذه المشاهدة في رأي المقال الدور الذي لعبته الهند لجاراتها من الدول الآسيوية التي كانت تعاني أيضًا، مثل الصين. ومع أن العلاقة الحالية بين الصين والهند متوترة بسبب الخلاف على منطقة حدود الهيمالايا، فإننا بالعودة إلى الأفلام القديمة لن نشاهد سوى التكاتف بين البلدين، في حربهم المشتركة ضد المعسكر الفاشي في الحرب العالمية الثانية.

مواضيع مشابهة