هذا الموضوع ضمن هاجس شهر نوفمبر «من نراقب؟ من يراقبنا؟». اقرأ موضوعات أخرى ضمن الهاجس من هنا، وشارك في الكتابة من هنا.
«للكبار فقط»، تلك العبارة التي ترِن في الأذن عند سماعها فيهتم فجأة من هم دون السن، أو تجد اهتمامًا مبالغًا فيه من الكبار فعلًا تجاهها. بنهاية الحال، هي جملة توحي بكثير من التوتر تجاه مضمون الفيلم.
أول ما يتبادر إلى الأذهان أن هذا الفيلم سيتضمن الكثير من الجنس والعُري، لكن هذا ليس ضروريًّا بكل الأحوال، فتصنيف «للكبار فقط» يوضع على أفلام ليس بها جنس أو عُري، ربما فقط كثير من العنف والدماء.
بشكل عام، لم تُخترع تلك العبارة مع اختراع الأفلام، بل كان هناك وقت لا يخضع فيه الفيلم لتصنيفات، فما قصة «للكبار فقط» بالضبط؟
أول فيلم قصير في التاريخ
في عام 1893، بنى المخترع الشهير توماس إديسون أول استوديو فني لإنتاج الأفلام، بالقرب من منزله ومعمله في ولاية نيوجيرسي الأمريكية، وسماه «بلاك ماريا».
في ذلك الاستوديو، صور إديسون أول الفيلم القصير «Fred Ott's Sneeze» (عطسة فريد أُوت)، الذي كانت مدته خمس ثوانٍ فقط، لكنه كان أول فيلم محمي بموجب حقوق التأليف والنشر في الولايات المتحدة الأمريكية. محتوى الخمس ثوانٍ يمكن تخمينه بسهولة: أحد مساعدي إديسون يعطس.
بعد شهرين، صوّر «ويليام ديكسون»، الذي كان يعمل موظفًا لدى توماس إديسون، فيلمًا قصيرًا آخر عن راقصة إسبانية شهيرة مدته دقيقة كاملة، اسمه «Carmencita».
وفي مارس 1897، أُنتِج فيلم جديد سُمي لاحقًا «مصارعة كوربيت وفيتزسيمونز»، يمكن تصنيفه كفيلم وثائقي، ويدور حول مباراة ملاكمة من 11 شوطًا بين «جيمس كوربيت» و«بوب فيتزسيمونز»، التي يشاهدها الآلاف.
عُرض الفيلم في نيويورك، ليصبح أول فيلم وثائقي وروائي طويل أيضًا، إذ بلغت مدته أكثر من مئة دقيقة. وانتقل العرض من نيويورك إلى ولايات أخرى، واستمر حتى نهاية العام، وشاهده آلاف الأمريكيين.
بداية الرقابة على الأفلام
بعد 10 سنوات، صارت مدينة شيكاغو واحدة من أولى المدن التي تضع ضوابط للأفلام على 115 دار عرض، حين ومنحت السلطة الكاملة لرفض أو الموافقة على عرض الأفلام لرئيس الشرطة. المعايير التي حكمت عمل تلك القواعد كانت أن لا يجد فيها رئيس الشرطة ما يستحق المنع، وأيدت المحكمة العليا للولايات المتحدة حق شيكاغو في الرقابة على الأفلام.
لكن تلك القواعد شملت اقتراحًا بوضع عبارة «للكبار فقط» باللون الزهري على فئة معينة من الأفلام، لكن الذي حدث أن تلك الأفلام لاقت رواجًا أكثر من الأفلام الأخرى، حتى أن الجمهور أصبح يبحث عن العلامة ذات اللون الزهري، فكانت علامة إعلانية أكثر منها تصنيفية.
شهد عام 1915 جولة أخرى بين شركات الإنتاج والمحاكم، انتهت باعتبار أن السينما لا تؤثر في الرأي العام، لذا لا تلزمها رقابة.
لم يكد الوضع يستمر عامين حتى وقعت أزمة في نيويورك عام 1909، حين أغلق العمدة «جورج ماكليلان» 550 دار عرض بحجة أن رئيس الشرطة أكد له أن مضمون الأفلام التي تعرضها غير مناسب، الأمر الذي أثار ضجة واسعة بين صُنّاع السينما، وكان عليهم إيجاد حل.
من هنا نشأ المجلس القومي للرقابة كمحاولة لتقنين ضوابط لمحتوى الأفلام، وكان المجلس يُوصي بقطع المشاهد غير اللائقة مقابل مبالغ من المال بدلًا من رفض المحتوى بأكمله.
ظل الحال كما هو عليه حتى عام 1915، إذ قررت المحكمة الإدارية العليا في أمريكا تطبيق قوانين وضوابط الرقابة على الأفلام بشكل متشدد، فكانت جولة أخرى بين شركات الإنتاج والمحاكم، انتهت باعتبار الأفلام والسينما منتجًا يهدف إلى الربح وليس وسيلة للتعبير أو التأثير في الرأي العام مثل الصحافة مثلًا، لذا لا يلزمها كل هذه الضوابط.
اعتُبر ذلك انتصارًا لجبهة صُناع السينما، الذين كانوا أذكى من الانصياع لهذا الحكم فقط، لذا قرروا إنشاء جمعية تضم كل منتجي وموزعي الأفلام السينمائية، عُرفت في ما بعد باسم «جمعية الفيلم الأمريكي» (MPAA)، تمثل الاستوديوهات الستة الرئيسية في هوليوود الآن، وتحمي صناعة السينما منذ نشأتها في أمريكا عام 1922 حتى الوقت الحاضر.
جمعية الفيلم الأمريكي
بدأت جمعية الفيلم الأمريكي في وضع قوانينها الخاصة لتصنيف الأفلام، وعممتها على جميع استوديوهات الإنتاج، فقدمت تصنيفين للأفلام:
- أفلام مرفوضة: تتضمن تناول المخدرات، رقيق أبيض، سخرية من رجال الدين
- أفلام «احرص منها»: تتضمن وسائل للتهريب، مشاهد فيها عَلم أمريكا، مشاهد بين رجل وامرأة في سرير واحد
وفي 1930، أنشأت الكنيسة الكاثوليكية منظمة «رابطة الآداب العامة الكاثوليكية»، لتتعاون مع جمعية الفيلم الأمريكي من أجل الرقابة على مضمون الأفلام السينمائية، ومن هنا بدأ تصنيف الأفلام.
فمثلًا، صنفت رابطة الآداب العامة الكاثوليكية فيلم «Miracle on 34th Street» ضمن الفئة «B»، بحجة أنه قدّم الأم المُطَلّقة، مما يعني أنه يتضمن بعض السقطات الأخلاقية.
ألغت المحكمة العليا قرار اعتبار الأفلام غير مؤثرة، فعادت سلطة الرقابة عليها كاملةً في أيدي جمعية الفيلم الأمريكي.
مثل تلك التدخلات لاقت كثيرًا من السخط من صُناع السينما، فليس على كل فيلم أن يلاقي المعايير الأخلاقية التي تضعها الجمعية، ومن فوقها الكنيسة الكاثوليكية، لذا سعى بعض المتمردين من صُناع السينما لتوزيع أفلامهم خارج الاستوديوهات أعضاء جمعية الفيلم الأمريكي آنذاك.
من بين هؤلاء كان الممثل تشارلي شابلن، أحد مؤسسي استوديو «United Artist» غير التابع للجمعية، فصارت هناك جهة جديدة يمكنها تقليص دور الرقابة المفروض من جمعية الفيلم الأمريكي ورابطة الآداب العامة الكاثوليكية.
اقرأ أيضًا: شارلي شابلن: الصعلوك الذي وضع قواعد السينما ثم كسرها
في 1948، صدر قانون جديد يمنع استوديوهات الإنتاج من امتلاك دور العرض لمنع سياسة الاحتكار، الأمر الذي فتح الباب بشكل أكبر أمام صُناع السينما لاختيار الأفلام التي يرغبون في عرضها، سواءً وافقت عليها جمعية الفيلم الأمريكي أم لا، مما قلص دور الرقابة بشكل أكبر، لكن الأمر انقلب تمامًا في 1952.
في ذلك العام، قررت المحكمة العليا إلغاء قرارها الصادر من قبل باعتبار الأفلام حرية تعبير ولا تؤثر في الناس، وأكدت وجوب الرقابة عليها بشكل تام، لتعود السلطة من جديد بشكل كامل إلى جمعية الفيلم الأمريكي.
لكن، لحسن الحظ، عُدِّل نظام التصنيف بالكامل على يد «جاك فالنتي»، الذي عمل مساعدًا للرئيس الأمريكي ليندون جونسون، قبل أن يتولى رئاسة جمعية الفيلم الأمريكي لاحقًا.
جاك فالنتي: مؤسس نظام تصنيف الأفلام
آمن فالنتي بحرية التعبير، فكان يقول إن «المخرج حر في أن يقدم فيلمًا لا يُحذف منه ملليمتر واحد، لكن الحرية دون مسؤولية لا تُجدي أحدًا، خصوصًا أن بعض الأفلام لا يجب أن يشاهدها الأطفال».
قدّم الرجل تصنيفًا للأفلام من أربع فئات، هي:
- فئة «G»: تتيح مشاهدة الأفلام لجميع فئات الجمهور
- فئة «M»: تعني ضرورة وضع توصية باحتواء الأفلام على مشاهد غير لائقة للصغار، سواء كانت عنفًا أو مخدرات أو جنسًا، وتغير اسم تلك الفئة لاحقًا إلى «PG»
- فئة «R»: تُحظر مشاهدة تلك الأفلام لمن هم دون 16 عامًا إلا بصحبة أحد البالغين
- فئة «X»: تُمنع مشاهدة تلك الأفلام لمن هم أقل من 16 عامًا تمامًا، وتغير اسم التصنيف في ما بعد إلى «NC-17»
في بداية تطبيقه، أثار التصنيف سخرية وانتقادات هوليوود، لكن صُناع السينما عادوا ليكتشفوا حكمة القرار لاحقًا، فالنظام الذي وضع فالنتي لوائحه سمح لاستوديوهات هوليوود بطرح أفلام تجارية أكثر، وتحقيق نجاح أكبر، وأسهَم في انتشار هذه التصنيفات في جميع أنحاء العالم.
أما تصنيف «PG-13» فقد اقترحه المخرج ستيفن سبيلبرغ حين عُرض فيلمه «Jaws» عام 1977، إذ كان مصنفًا «PG» رغم ما يحتويه من دماء وعنف رأى أنه أكثر من أن يتحمله من هُم دون 13 سنة، لكن لم تستجب جمعية الفيلم الأمريكي. وفي عام 1984، أخرج سبيلبرغ فيلم «Indiana Jones and the Temple of Doom» فخضع للفئة «PG» كذلك، فاقترح بشكل رسمي تصنيفه لمن هم أكبر من 14 عامًا.
اقرأ أيضًا: الزمن الذي يهزم «سبيلبرغ».. الزمن الذي يقاومه «سكورسيزي»
في عام 1985، قررت جمعية الفيلم الأمريكي أخذ مقترح سبيلبرغ بعين الاعتبار وتفعيله، فأضافت فئة «PG-13»، وكان فيلم «Red Dawn» أول من يخضع للتصنيف الجديد.