الموسم الفقيد: متى تعود أفلام الصيف؟

الصورة: Mohammed Tarek Mohammed

أندرو محسن
نشر في 2017/08/09

يتضاءل موسم أفلام الصيف في مصر عامًا بعد الآخر، بسبب دخول رمضان في الصيف وتدهور الإنتاج بعد ثورة 25 يناير، وهكذا صارت إجازتا عيدي الفطر والأضحى أهم موسمين للسينما، وصار من النادر أن يقدم النجوم أفلامهم إلا في الأعياد، وبالتالي تشتد المنافسة داخل الموسم للحصول على الإيرادات الأعلى، لكن هل يصب هذا في صالح المُشاهد؟

احتل موسم عيد الفطر لهذا العام مكانة مختلفة عن سابقيه، إذ أتي مع بداية الصيف، لتصبح أمام أفلامه فرصة مزدوجة، فمن جهة أمامها أيام إجازة عيد الفطر، ومن جهة أخرى أمامها الإجازة الدراسية التي بدأت منذ أسابيع قليلة، ولهذا فلا يوجد أمام هذه الأفلام ما يمنعها من نَيْل مطلبها من التذاكر حتى حلول عيد الأضحى القادم بأفلامه.

مع الإقبال الجماهيري على أفلام عيد الفطر، ينظر البعض إلى إمكانية أن تكون تلك الأفلام بإيراداتها المرتفعة مقدمة لعودة موسم الصيف مرة أخرى، بينما ترى آراء أخرى أن كل ما حدث ما هو إلا زخم خاص بالعيد انتهى بانتهائه، ولا يوجد فيه ما يبشر بعودة الموسم الفقيد، فأي الرأيين أقرب إلى الواقع؟

مقدمة مبشِّرة

إعلان فيلم «الأصليين»

حملت إعلانات أفلام هذا الموسم بشارة اختلاف، إذ ضمت أفلام أكشن وكوميدي ورومانس كوميدي ودراما نفسية.

لسبب غير مفهوم، قررت شركات الإنتاج أن تحصر منافستها في معظم الأعوام السابقة بين نوع أو نمط واحد من الأفلام،  فمهما زاد عدد الأفلام المعروضة تظل المنافسة بين النوع نفسه باستثناء فيلم وحيد.

هكذا شاهدنا في عيد الفطر 2016 خمسة أفلام تنتمي أربعة منها إلى الكوميديا، بينما انفرد فيلم «من 30 سنة» بتقديم الاختلاف. لم يبتعد عيد الأضحى في العام نفسه عن هذه المعادلة، فمن بين ستة أفلام عُرضت جاء فيلم وحيد بعيدًا عن الكوميديا، هو «صابر جوجل».

لهذا كان الإعلان عن الأفلام الخمسة لهذا الموسم يحمل بشارة بالاختلاف، إذ ضمت فيلمين ينتميان إلى نوع التشويق والأكشن هما «هروب اضطراري» و«جواب اعتقال»، وفيلمًا كوميديًّا هو «عنتر ابن ابن ابن ابن شداد»، وفيلمًا من نوع الرومانس كوميدي هو «تصبح على خير»، وأخيرًا فيلمًا مختلفًا يعتمد على الدراما النفسية بشكل ما، هو «الأصليين».

قد يهمك أيضًا: السينما الكويتية تكافح ضد محاذير الرقابة

للمرة الأولى منذ فترة طويلة، يكون لكل فيلم من الأفلام المعروضة جمهور متشوق للمشاهدة، مع الابتعاد عن الأفلام ضعيفة المستوى والإنتاج التي تسد بها الشركات خانة، أو تجرب حظها مثلما حدث مع أفلام من نوعية «بارتي في حارتي» أو «30 يوم في العز» في 2016.

استمرت أفلام العيد، كما هو متوقع، لمدة شهر كامل دون أن تنازعها أفلام مصرية أخرى، ثم قررت الشركات المغامرة بأفلام جديدة مع بداية شهر أغسطس.

أفلام بين العيدين

إعلان فيلم «سمكة وصنارة»

عُرض فيلمان مع بداية أغسطس هما «عمر الأزرق» و«سمكة وصنارة»، ومن المنتظر عرض فيلم «دعدوش» قبل أسبوع من نهاية الشهر، وبهذا تكون لدينا صورة عن الأفلام التي ملأت فراغ الشهرين بين عيدي الفطر والأضحى.

لن تتعدى أفلام شهر أغسطس مجرد التجربة، ومع عدم وجود خطة قوية لتسويقها، لن تلبث أن تُرفع من دور العرض مع حلول عيد الأضحى.

الملاحظة الأولى على هذه الأفلام أنها لا تعتمد على نجوم الصف الأول بالمعنى المعروف، بل هي تجارب لوجوه شابة أو ممثلين يجربون حظوظهم مع البطولة، لكنها بالقطع ليست تجارب ينتظرها الجمهور بشغف.

الملاحظة الثانية عن شركات الإنتاج، فكما هو الحال مع النجوم، لا توجد شركات إنتاج كبرى أو ذات تاريخ كبير وراء الأفلام المعروضة.

هكذا نرى أن هذه الأفلام لن تتعدى مجرد تجربة من منتجيها، فمع عدم وجود خطة قوية لتسويقها بشكل جيد، لن تلبث أن تُرفع سريعًا من دور العرض بحلول عيد الأضحى وأفلامه. وحتى وإن بقيت هذه الأفلام في السينما، فمن الصعب أن تدخل ضمن خيارات الجمهور، الذي يبحث عادةً عن النجم بجانب الموضوع الذي يحبه، وهو ما كان أقرب لما حدث في عيد الفطر، ومن المتوقع تكراره في عيد الأضحى، وهكذا يمكن أن نعود إلى السؤال الأول:

هل يعود الموسم الصيفي؟

إعلان فيلم «القرد بيتكلم»

حتى قبل عام 2011، وقبل دخول رمضان في الصيف، كان الموسم الصيفي هو موسم عرض الأفلام الرئيسي، فمنذ بداية يونيو وحتى منتصف سبتمبر تقريبًا يُعرض فيلم جديد كل أربعاء، وما ينجح يبقى على الشاشة لفترة أطول.

تفاءل كثيرون بقدوم عيد الفطر هذا العام في بداية الصيف، ومع استقرار وضع الإنتاج السينمائي إلى حد كبير، طُرح تساؤل: «هل يعود موسم الصيف؟».

جزء من تميز الموسم الصيفي كان في عرض الأفلام أسبوعيًّا، فكان لدى المشاهد جديد كل أسبوع.

رغم الإيرادات الكبيرة لأفلام العيد حتى الآن، لا يمكن القول بأن هذا مقدمة لعودة الموسم السينمائي الصيفي لسببين:

  1. يحل بعد شهرين فقط عيد الأضحى، الذي يشهد نسبة إقبال كبيرة من الجمهور، ولهذا يفضل المنتجون طرح أفلامهم الكبيرة في موسم يضمنون جمهوره بالفعل، وليس المغامرة بطرحها بين الموسمين،  وهو ما حدث بالفعل بالنظر إلى الأفلام المعروضة في فترة ما بين العيدين.
  2. جزء من تميز الموسم الصيفي كان في عرض الأفلام أسبوعيًّا كما ذكرنا، وهكذا تُجمع الإيرادات على مدار أسابيع طويلة ويصعب حسمها سريعًا، بينما يختلف الأمر تمامًا بالنسبة للأعياد، فالشريحة الأكبر من الإيرادات تأتي من أيام العيد بالفعل، ثم يقل الإقبال تدريجيًّا في الأيام اللاحقة. هكذا يصعب أن تُعوِّض أفلام العيد التي تُطرح معًا الحالة التي كانت موجودة سابقًا.

لهذا، ورغم أن أفلام عيد الفطر ظلت تحقق إيرادات جيدة حتى بعد مرور أسابيع على عرضها، لا يبدو أن هناك نية حقيقية لإعادة إحياء موسم الصيف،  وسُيكتفى بأفلام العيد مرة أخرى.

لكن على الرغم من هذا، عُرضت في الربع الأول من العام عدة أفلام في أسابيع متتالية في ما أسموه موسم إجازة نصف العام أو موسم رأس السنة، بينما امتد الموسم بعيدًا عن الاثنين.

قد يهمك أيضًا: 4 مخرجين بمثابة مدارس سينمائية مستقلة

الملاحظ أن الموسم ضم تجارب لنجوم مثل محمد رمضان في «آخر ديك في مصر»، وحققت بعض أفلامه إيرادات تقترب من الإيرادات التي حققتها أفلام العيد، مثل «القرد بيتكلم» الذي حصد نحو 12 مليون جنيه مصري، و«مولانا» الذي تجاوزت إيراداته 13 مليونًا.

يعني هذا أن الجمهور يريد الذهاب إلى السينما، لكنه كذلك يريد أن يجد أفلامًا ترضيه، ولا تبحث عمَّا في جيبه فقط دون أن تقدم له أي قدر من المتعة أو الاختلاف.  في النهاية، ما يهم متابعي السينما هو وجود أفلام جيدة، وليس اسم الموسم الذي تُعرض فيه.

لكن يصعب ترك أفلام العيد دون النظر إلى تأثيرها في هدم وتأكيد عدد من الأساطير السينمائية.

أساطير انكسرت

إعلان فيلم «هروب اضطراري»

استطاعت الأفلام التي عُرضت أن تكسر أفكارًا جاهزة يرددها كثيرون دون دلائل واضحة، بجانب كسر معظم التوقعات في ما يخص الإيرادات وترتيب الفائزين.

أهم ما كُسر هو أسطورة أن الممثل الذي يقدم مسلسلًا في رمضان لن ينجح له فيلم في عيد الفطر. هذه الأسطورة استطراد لمقولة أخرى هي أن الأعمال التليفزيونية «تحرق» الممثل، أي تجعله وجهًا غير مطلوب على شاشة السينما بعد أن ظهر لمدة 30 يومًا على الشاشة الصغيرة.

هذا يفترض أن العمل السينمائي عبارة عن حلقة جديدة من المسلسل، وليس عملًا مستقلًّا أنتجه فريق مختلف تمامًا، ومعالجة وشخصيات جديدة تجذب الجمهور بشكل مختلف، وكان فيلم «هروب اضطراري» هو أفضل رد على هذه الفكرة المغلوطة.

الفيلم بطولة أحمد السقا، الذي عُرض له في رمضان مسلسل «الحصان الأسود»، وإن لم يكن من ضمن المسلسلات التي أحدثت صدًى كبيرًا في رمضان، لكن «هروب اضطراري» يشارك في بطولته أمير كرارة، الذي كان مسلسله «كلبش» من أعلى الأعمال مشاهدةً على يوتيوب في رمضان.

يمكن القول إن ما حدث كان عكس المتوقع تمامًا، فقد أقبلت شريحة من الجمهور على مشاهدة الفيلم لاستمتاعهم بما قدمه كرارة في رمضان، وحقق الفيلم أعلى إيرادات بين أفلام عيد الفطر.

في حين كان التوقع الثاني الذي كسره الموسم السينمائي هو سيطرة محمد رمضان على الإيرادات الأعلى رغم أن فيلمه الأخير «آخر ديك في مصر» لم يحقق إيرادات استثنائية، لكن عودة رمضان إلى الأكشن جعلته المرشح الأقوى للفوز، كما فعل من قبل في فيلم «شد أجزاء» عام 2015.

مرة أخرى كسر الجمهور التوقعات والقواعد ليأتي فيلم رمضان في المركز الثاني في ترتيب الإيرادات في أيام العيد، وينافسه بقوة على هذا المركز فيلم «تصبح على خير».

قد يهمك أيضًا: ما الفن وقد استُهلكت كل الأفكار؟

أسطورة يجب أن تنكسر

إعلان فيلم «لف ودوران»

تخطت إيرادات فيلم «هروب اضطراري» 45 مليون جنيه مصري، وهو رقم غير مسبوق بالفعل في تاريخ السينما، لكن هل يعني أنه أكثر فيلم تحقيقًا للإيرادات؟

أسطورة «أعلى الإيرادات» بجميع مشتقاتها: أعلى إيراد في يوم واحد، وأعلى إيراد في تاريخ السينما، وغيرها، يجب أن تنكسر. فالمتابع لحال السينما في السنوات الأخيرة سيجد أن صفة «الأعلى» صارت تُطلق على فيلم جديد في كل موسم، نال اللقب في عيد الفطر 2016 فيلم «جحيم في الهند»، ثم بعد شهرين وفي عيد الفطر ذهب اللقب إلى أحمد حلمي بفيلمه «لف ودوران»، حتى وصل إلى «هروب اضطراري».

فعليًّا، تزداد الأرقام تزداد بقوة، لكن هل يعني هذا بالضرورة زيادة الإقبال الجماهيري؟ بالتأكيد لا.

شهد العامين الأخيرين تغير أسعار التذاكر أكثر من مرة، وهكذا تتراوح الأسعار حاليًّا بين 30 و70 جنيهًا للتذكرة، وهو رقم لم يكن موجودًا في العام الماضي، وبالتالي فإن المقارنة غير عادلة.

تُغفل الحسابات أيضًا عدد شاشات العرض في كل موسم، إذ شهد عام 2017 افتتاح عدد من الشاشات الجديدة، ممَّا يعني زيادة في الإيرادات، وهذا متغير آخر يغيب عادةً عن الحسبان، وإن كان لا يُحدث تغيرًا كبيرًا مثلما يحدث في أسعار التذاكر.

هكذا سنجد أن فكرة الفيلم الأعلى في الإيرادات بهذا الشكل غير منطقية. يمكن أن تكون أداةً للدعاية، لكن من المستحيل أن تكون أداةً لتسجيل تاريخ السينما.

مواضيع مشابهة