صناعة المشاهير: كيف يتحول النجم إلى سلاح يدمر المجتمع؟

الصورة: Denise Truscello

أندرو محسن
نشر في 2017/03/20

يقوم عدد كبير من البرامج والمطبوعات على تتبع حياة وأخبار المشاهير، ويعود هذا إلى وجود جمهور ضخم يريد أن يعرف هذه الأخبار، وينتظر دائمًا الجديد عن نجمه المفضل.

لكن كيف تحول المشاهير إلى «مشاهير»؟ إن صناعة النجوم ضخمة، ووجها الخفي أسوأ بكثير من الظاهر، لهذا حاول مقال على موقع «الغارديان» كشف هذا الوجه المستتر.

صناعة المشاهير: الجانب المظلم

كانيه ويست
كانييه ويست - الصورة: Kenny Sun

قبل فترة قصيرة أعلن المغني «كانييه ويست» نيته الترشح في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2020. قد يمر هذا الخبر على البعض مرور الكرام، وقد يُقابَل بالسخرية، لكن الجدير بالبحث هو الكيفية التي وصل بها مغنٍّ إلى النجاح والشهرة اللذين يشجِّعانه على الإقدام على هذه الخطوة.

بنظرة مدققة، يمكن معرفة أن صناعة المشاهير ليست لتسلية المشاهدين فقط، بل أصبحت مهمة أساسية لدى كثير من المؤسسات التي تتحكم في العالم، فتعالَ نرجع إلى جذور هذه الصناعة لنلقي نظرة أقرب.

اقرأ أيضًا: «غولدمان ساكس»: الإمبراطورية المالية التي تحكم العالم

لَمْ تُولَد فكرة الشهرة والمشاهير بين الناس فجأة، بل أخذت وقتًا ودعمًا كبيرَين من الرعاة والمعلنين والإعلاميين. لم يكُن هذا دون مقابل بالطبع، فكلما ابتعدت هذه المؤسسات عن الجماهير، اعتمدت على الوجوه المشهورة لتكون حلقة وصل مع الناس.

انقلاب مفاهيم المجتمع

كيم كارداشيان أثناء تزينها
كيم كاردشيان - الصورة: Tim Lundin

أي مؤسسة تتكون من كيان رئيسي ورأسمال، ولكن ما يظهر لنا عادةً ليس الكيان ولا رأس المال، وتسريبات وثائق بنما أعلمتنا أن كثيرًا من المؤسسات تختبئ خلف الشركات العابرة للمحيطات، لهذا فكل مؤسسة من هذه تحتاج إلى «قناع» تستطيع أن تظهر به أمام جمهور المستهلكين.

ما وظيفة كيم كاردشيان الحقيقية؟ إنها ليست ممثلة وإن شاركت في بعض الأفلام، وليست إعلامية أو مغنية، بل يقترن اسمها دومًا بلقب «نجمة برامج الواقع»، كأن هذا يجعل الأمر مفهومًا، لكن مَن يهتم؟ الدور الحقيقي لكاردشيان، التي يتابعها أكثر من 90 مليون شخص على إنستغرام، هو أن تظل موجودة أمامنا طَوَال الوقت وتبقى صورتها في عقول الناس، حتى تكون الوجه الظاهر لكثير من العلامات التجارية التي تقف خلفها حاليًّا.

اقرأ أيضًا: كيف غيَّر «سناب شات» مفهومنا عن الشهرة؟

ربما اعتقدنا أن مفهوم الشهرة يحتل مساحة صغيرة داخل العقول إلى جانب القيم الأخرى، لكن دراسة نفسية أُجرِيَت في أمريكا تذهب إلى عكس هذا.

بحثت الدراسة أبرز القيم الموجودة في برامج الأطفال في سن تسعة إلى أحد عشر عامًا، ووصلت إلى أنه في عام 1997 كانت الريادة لمفاهيم التفاعل مع المجتمع ثم العطاء للآخرين، في حين جاءت فكرة الشهرة في المركز الخامس عشر من أصل 16 مفهومًا.

أما بعد ذلك بعشرة أعوام في 2007، وبعد عرض مسلسلات مثل «Hannah Montana»، انقلبت الصورة وصارت الشهرة تحتل المركز الأول، يليها الإنجاز، فالمظهر، ثم الشعبية والنجاح المادي. وماذا عن مفهوم التفاعل مع المجتمع؟ تقهقر إلى المركز الحادي عشر، وبعده العطاء للآخرين. خلال عشر سنوات انقلب شكل المفاهيم التي تقدَّم للأطفال تمامًا.

من دراسة أخرى أعدَّتها «المجلة الدولية للدراسات الثقافية»، نعرف أن اهتمام متابعي أخبار المشاهير في بريطانيا بالاشتراك في المنظَّمات المجتمعية أقل ثلاث مرات ممَّن يهتمون بالأخبار الأخرى، كما يقل اهتمامهم بالتطوُّع بنسبة 50%. يمكن القول إن أخبار العالم الافتراضي عوضت المشاركة في العالم الواقعي.

بالنظر إلى كَوْن المجتمعات العربية استهلاكية في معظمها، خصوصًا في ما يتعلق بصناعة المواد الإعلامية وتحديدًا الموجَّهة إلى الأطفال، فالنتائج لدينا لن تختلف كثيرًا عن الدراستين.

مواصفات الوجه الإعلاني

تختار العلامات التجارية النجوم والمشاهير الذين يمثلونها بعناية، لأن هذا النجم سيكون واجهتها للتعامل مع الجمهور، بعيدًا عن الشكل التقليدي الذي يراه الناس من شعار المنتج، ومع الوقت يتحول النجم نفسه إلى علامة تجارية.

 قد يهمك أيضًا: كيف حوَّل التليفزيون السياسة إلى عرض ترفيهي؟

والمشاهير في هذا ليسوا سواءً، بل ينقسمون إلى شرائح من حيث قدرتهم على التأثير في الجماهير وتغيير دفة اهتماماتهم، وهكذا نجد في العالم العربي أكثر من وجهٍ لنفس العلامة التجارية، وفي بعض الأحيان فنان من لبنان وآخر من مصر وثالث خليجي، لتوسيع دائرة الانتشار لمنتج واحد. لهذا أيضًا، من المستحيل أن نجد نجومًا بعينهم يرعون شركة بطاطس أو مشروبات غازية ناشئة أو محدودة، فالنجوم الأكثر شهرة يعملون مع الشركات الأكثر شهرة.

كلما كان عقل النجم خاويًا صارت إعادة تشكيله أسهل.

في الولايات المتحدة، يأتي الممثلون والمطربون على رأس الشريحة الأكثر جذبًا لاهتمام المجتمع. لا تتوفر أرقام واضحة في الدول العربية، لكن بناءً على المشاهدات نجد أن الفئتين أنفسهما هما الأكثر جذبًا بين المشاهير، وينضم إلى القائمة كذلك لاعبو كرة القدم، حتى الأجانب منهم.

ألم يلفت انتباهك أكثر من مرة الثقافة الضعيفة لبعض النجوم خلال الحوارات التليفزيونية، وعدم قدرتهم على الرد على كثير من الأسئلة التقليدية؟

هذا ملمح آخر للوجوه الإعلانية: ليس ما يهم الشركات هو الداخل، العقل أو الشخصية أو ما شابه، بل يمكن القول إنه كلما ازداد النجم «خواءً» كان ذلك أفضل، لأنه سيكون أكثر قابلية للتشكيل. المهم هو المظهر الخارجي، الجمال والوسامة والرشاقة، وبعدها يمكن للشركات الراعية أن تعلِّم هؤلاء النجوم كيف يتكلمون وبمَ يردون على الأسئلة. وعندما يخرج النجم عن الخط الموضوع له ويبدي رأيًا في قضية عليها خلاف، يُسحب البساط من تحته سريعًا ويتحول الدعم إلى هجوم.

خطورة المشاهير على المجتمع

ترامب ومؤيديه
الصورة: Gage Skidmore

يرى كاتب المقال أن المشاهير لديهم وجه آخر أكثر خطورة، فبناء على دراسة «المجلة الدولية للدراسات الثقافية» السابقة، يقلُّ تفاعل ومشاركة الذين يتابعون المشاهير في أي عمل سياسي، ليس هذا فحسب، بل إنهم الأقل مشاركةً في أي حركات احتجاجية، وحتى في الانتخابات.

لا يعني هذا أنهم غير مهتمين بمتابعة الأخبار، بل يتابعونها بالضبط كما يفعل غير المهتمين بأخبار المشاهير، لكن تفاعلهم معها يكون أقل.

لا يمكن أن نلغي وجود النجوم من حياتنا بالطبع، النقطة المهمة فقط هي مدى تدخُّلهم فيها. ربما حان الوقت لتقليل الاهتمام بهذه الشخصيات التي تظلُّ افتراضيةً بالنسبة إلينا، لأننا لن نرتبط بهم بأي شكل في الواقع، في مقابل إعطاء فرصة أكبر لأحداث وأشخاص حقيقيين.

مواضيع مشابهة