النجومية في عشر ثوان: كيف غيّر «سناب شات» مفهومنا عن الشهرة؟

سحر الهاشمي
نشر في 2016/05/04

 تنبّأ الرسام الأمريكي آندي وارهول في أواخر الستينيات بظهور وسيط إعلامي يوفر للشخص العادي حلم الشهرة السريع، وعبّر عن ذلك في إحدى مقابلاته بمقولته الشهيرة: «في المستقبل، سيتمكن الجميع من أن يصبحوا مشهورين شهرة عالمية خلال 15 دقيقة فقط».
وبعد 50 سنة، تحقّقت نبوءة وارهول النافذة، فخلال ١٠ ثوانٍ أو أقل أصبح بإمكاننا، نحن الأشخاص العاديين، أن نعيش هوس النجومية في عالمنا اليومي البسيط، عبر تطبيق «سناب شات».

فإلى أي مدى غيّرت هذه «الشهرة» حياتَنا؟ وكيف أصبح العالم اليوم في ظل هذا العدد الكبير من النجوم الساعين إلى تسويق أنفسهم بين الآخرين؟

قفزة سريعة نحو الشهرة

warholediesedgwick

لا شكّ أن «سناب شات» استطاع خلال فترة ظهوره القصيرة، إحداث ثورة على المستويين الإعلامي والسياسي عن طريق نقل الوقائع على الهواء مباشرة، أو إنشاء قنوات إخبارية ورياضية عبر التطبيق، إضافة إلى أنه أداة للتسويق الفني والشخصي أيضًا إذا ما استُغلّ بطريقة مدروسة.

لكن لماذا «سناب شات» بالتحديد؟ هناك العديد من التطبيقات الأخرى التي تحقق غرض الشهرة المرجوة بأسرع وقت ممكن. وكي نجيب هذا التساؤل علينا أن نفهم ما يميّز التطبيق عن نظرائه.

عندما أُطلق «سناب شات» أواخر عام 2011 ليُعتمد كتطبيق تواصل اجتماعي، تصدّر  تطبيقات التواصل الاجتماعى الأخرى خلال فترة وجيزة، فهو الأسرع نموًا والأقدر على نشر المحتوى الإلكتروني بأدنى جهد، مع حفظ خصوصية المستخدم. لكن الميزة الذهبية فيه هي مبدأ إلغاء اللقطة المتلقاة بشكل سريع من ذاكرة المستخدمين، فجميع اللقطات المتبادلة تبقى «حيّة» مدة لا تزيد على 10 ثوانٍ ثم تُدمَّر تلقائيًا، ما خلق لدى المستخدم شعورًا بالتحرّر من القيد الذي تفرضه المعرفة بوجود ذاكرة راصدة لعفوية اللحظة.

warhol-burger-300dpi

يقول «غاري فاينرتشيك» (كاتب ومقدم  برنامج The Ask Gary Vee Show) بهذا الصدد في مقال بعنوان «جيل السناب شات: الدليل إلى تاريخ سناب شات»:

«الطريقة التي يعمل بها سناب شات كتطبيق، شبيهة إلى حد كبير بالأسلوب الذي نتواصل به  وجهًا لوجه، أكثر من أي وسيلة تواصل اجتماعي أخرى، فعندما نتبادل السلام في الممرات مصادفة أو في حياتنا اليومية العادية، فإن تلك اللحظات لا تلبث أن تختفي سريعًا من الذاكرة بعد حدوثها. سناب شات يحاكي هذا التصرف العفوي على أرض الواقع من خلال بيئة التكنولوجيا الافتراضية».

الخصوصية والمشاهير الجدد

5846

كل تلك الأسباب أوجدت لمشاهير العالم وشخصيات المجتمع اللامعة دافعًا لاستغلال التطبيق في تسويق نجوميتهم من خلال نشاطهم في «سناب شات» بالتحديد لحصد أكبر عدد من المتابعين لتحركاتهم، في خطوة لإظهار الجانب غير المتحفظ من شخصياتهم ،بخلاف صورة النجم التقليدي البعيد عن مخالطة الجماهير، التي سيطرت على الأذهان سنواتٍ طويلة.

فلم نعد، نحن المتلقين، بحاجة لقراءة سيرة الفنان الذاتية لمعرفة معلومات عن حياته الشخصية، ولم نعد مضطرين لمتابعة لقاء تليفزيوني مدته ساعة ونصف يُسأل ويجيب عبره عن أسئلة قد تكون تقليدية ومكررة. وإذا كنا مثابرين على متابعة هذه الشخصية العامة أو تلك، فقد تنشر مقطع فيديو تلقي الضوء فيه على جزء من حياتها المخفية عن الإعلام التقليدي كنوع من «السبق الصحفي» للمعجبين المخلصين، جاعلةً ملايين المتابعين متأهبين لأي لحظة ضعف قد تبدر منها، إلى درجة قد تصل إلى حد «إدمان المتابعة». ففي محاولة لإشراك المتلقي في تفاصيل الحياة اليومية ضاع الحد الفاصل بين الخصوصية وما تحت الأضواء.

واليوم أصبح النجم قادرًا على تشكيل الصورة التي يطمح إليها من خلال اللقطات المرسلة للجموع المتابعة. بل أصبح البعض يبتدع سيناريوهات مقاربة لتلك التي شاهدناها في برامج «تليفزيون الواقع» التي خفت ضوؤها مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة.

وعلى سبيل المثال، وثّقت عائلة كارداشيان (الشهيرة باستغلال وسائط الإعلام استغلالًا بالغ الذكاء)، مناسبة عيد الفصح عبر «السناب شات» الخاص بكل فرد منها، وتمكن أكثر من مليونَي متابع للحساب الواحد من متابعة تفاصيل الاحتفال على طريقتهم «الكارداشيانية» أي 14 مليون متابع فى المُجمل، في حين حصد مجموع لقطات الحلقة عند عرضها بالكامل بالتلفاز مليونَي مشاهدة فقط.

لماذا نضع يومياتنا على وسائل التواصل؟

KW2004-fea2

بالعودة لنبوءة وارهول، أصبح بإمكاننا من خلال التطبيق الدخول إلى فقاعة النجومية بكبسة زر الإرسال، وتوثيق تفاصيل محيطنا الخاص، ومقاسمة لحظاتنا مع الآخرين، ولكن في ظل استحواذ «سناب شات» وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي على لقطات حياتنا، تلاشت جمالية اللحظة، وغدت الثواني المكرسة لمشاركة يومياتنا طقوسًا شبه إلزامية في حياتنا، وأصبحنا مجبرين على إرضاء «الجماهير» التي تتبعنا ضمن سلسلة قرارات نختارها لإشباع شعور النجومية الذي عززه التطبيق. كم مرة مثلًا تختار الوجهة التالية لتمضية يوم الإجازة بملء إرادتك، لا بناءً على رغبتك في أن يراك الآخرون في مشاهد حصرية؟ وكم مرة تخطط لتناول وجبة في مطعم فاخر، لتجد نفسك متجاهلًا لمن هم على الطاولة ومخلصًا لرصد لحظة تقديم الوجبة مع جهات الاتصال؟

جميعنا اليوم مشاهير كما تنبّأ وارهول، أو على الأقل، نعرف طريق الشهرة، ولكن لأي داعٍ؟

Andy-Warhol-Getty-Images

مواضيع مشابهة