كابتن ماجد: هكذا تكرِّس الرسوم المتحركة هيمنة كرة القدم

الصورة: TV Tokyo

عبد الحفيظ سجال
نشر في 2018/05/15

لم يكن غريبًا أن تتفق تعليقات مواقع التواصل الاجتماعي، في الثالث من إبريل 2018، على استذكار مسلسل الرسوم المتحركة «كابتن ماجد»، بعد الهدف الذي سجله البرتغالي كريستيانو رونالدو لريال مدريد في مرمى يوفنتوس الإيطالي ضمن مباريات دوري أبطال أوروبا.

في ذاكرة كل واحد منا، سواء كنت جزائريًّا منبهرًا بمراوغات رياض محرز وكعب رابح ماجر، أو مصريًّا مغرمًا بأهداف محمد صلاح وتلاعب أبو تريكة بالمدافعين، أو فرنسيًّا تسحرك أناقة زيدان في اللعب، أو برشلونيًّا تأسرك مداعبة ميسي للكرة، أو مدريديًّا تشدك أهداف رونالدو غير المنتظَرة، بغض النظر عن كل هذا، ستجد غالبًا في داخلك ذلك الطفل الصغير الذي يحب لاعب كرة قدم خارق اسمه «كابتن ماجد».

من باب الصدفة أن يتزامن هدف رونالدو مع إطلاق النسخة الجديدة للكابتن ماجد في اليابان، تحت الاسم الأصلي بالطبع، كابتن «تسوباسا أوزورا»، الذي تُرجِم إلى عدة لغات فتغير اسم البطل بتغير البلد الذي يعرضه، إذ اشتهر عند الفرنسيين باسم «أوليف وتوم»، وفي إسبانيا «أوليفر وبنجي».

كابتن ماجد: الحكاية وما فيها

تاريخ مسلسل «كابتن ماجد»

الخطة التي فاز بها كابتن ماجد بكأس العالم، تمكن بفضلها منتخب اليابان من الحلول ثانيًا في كأس العالم للشباب عام 1999.

كتب «يوشي تاكاهاشي» قصة الكابتن ماجد مدفوعًا بغرامه بكرة القدم، ومن أجل توسيع شعبية اللعبة المتواضعة في اليابان.

يبدو أن مسعى تاكاهاشي قد نجح، فكرة القدم لها شعبية كبيرة في اليابان الآن، وصار حضور المنتخب الياباني في المونديال شبه دوري، وأصبح من الفِرَق التي يُحسَب لها حساب.

لكن كابتن ماجد بُثَّ حتى في الدول المعروفة بحب شعوبها للكرة، فهل كان ذلك محاولة لتكريس هيمنة هذه الرياضة التي لم تعد اليوم مجرد لعبة، وإنما صناعة مرتبطة بالاقتصاد والسياسة، أم أن الأمر محض صدفة؟

بعض المحللين يرون أن شخصية كابتن ماجد ليست مجرد بطل رسوم متحركة خيالية فقط، بل تملك ارتباطًا بقصة حقيقية تعود إلى اللاعب الياباني «كازويوشي ميورا»، الذي استمر في لعب كرة القدم حتى بعدما تجاوز الخمسين من عمره.

كادت نبوءة كابتن ماجد تتحقق في عام 1999، فخطة اللعب المعتمَدة في الرسوم المتحركة (4/3/2/1)، التي مكَّنت ماجد من الفوز بكأس العالم للشباب، اعتمدها المنتخب الياباني عند مشاركته في كأس العالم للشباب أيضًا، وبفضلها تمكن من بلوغ النهائي، غير أنه انهزم أمام منتخب إسبانيا.

ستمزج النسخة الجديدة من الكابتن ماجد أيضًا بين الحقيقة والخيال، بإدماج شخصيتي البرتغالي كريستيانو رونالدو والأرجنتيني ليونيل ميسي والألماني مانويل نوير في الجزء الجديد.

ستُقدَّم النسخة الجديدة من «اللاعب الخارق» للجمهور في موسمين يتكون كل واحد منهما من 24 حلقة، يتحدى فيها ماجد رونالدو وميسي ونوير.

يتناول الجزء الأول مسيرة المنتخب الياباني الذي يلعب معه ماجد في بلوغ نهائيات كأس العالم في روسيا 2018، في حين سيعرض الجزء الثاني ما يفعله اللاعب الخارق لصنع تاريخ جديد لمنتخب الساموراي في المونديال.

كرة القدم حياة

مشهد من مسلسل «كابتن ماجد»

ربما تبدو فكرة الأجزاء الأولى من سلسلة كابتن ماجد، للوهلة الأولى، بسيطة ترتكز على بطلين: ماجد من فريق «المجد»، ومنافسه بسام من فريق «الفرح»، في مشهد يشبه ما نعيشه من صراع دائم بين قطبي الكرة الإسبانية برشلونة وريال مدريد، ونجميهما ميسي ورونالدو. غير أن المتمعن في عمق هذه القصة سيعي أنها تريد تقديم رسائل للمستقبلين بلغة علوم الإعلام والاتصال، مفادها أن كرة القدم ليست مجردة لعبة، وإنما نظام وهدف حياة بالنسبة إلى كابتن ماجد وزملائه، أو ربما هي «الحياة» ذاتها.

يحاول كاتب سيناريو المسلسل أن يغرس في الأطفال حبًّا فريدًا لكرة القدم من خلال مسيرة الوصول إلى الهدف الأسمى المتمثل في الفوز، وبث كم هائل من الأحاسيس ممزوجًا بكثير من الجهد الذي يتطلب صبرًا وصبرًا من أجل مقصد واحد: لعب كرة القدم، وليس المال كما نعرفه اليوم في كرة القدم الاقتصادية.

يوجه مسلسل كابتن ماجد فكرته لمجتمع غربي وفق نظرة تجارية، فتحمل في طياتها مضامين النظرة الليبرالية التي لا تتوافق مع منطقتنا الشرقية.

يوضح مهدي زعموم، الأستاذ المحاضر في كلية الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر، والمهتم بمضامين الرسوم المتحركة، أن الكابتن ماجد صار واحدًا من عناصر التنشئة الاجتماعية التي تغرس في الطفل الحب الكبير لكرة القدم، ما قد يجعله في المستقبل يعمل على الانتماء إلى هذه الرياضة، لكن الخطورة أنه بعد النضوج يصطدم بأنه لن يستطيع أداء الحركات التي أحبها في السلسلة وحلم بتحقيقها.

يرى زعموم أن الرسوم المتحركة تعمل على الاستثمار في المراحل العمرية للطفل التي تتسم بحب المغامرة، عن طريق تلبية حاجاته بالمضامين التي تقدمها.

اقرأ أيضًا: عاد إليكم من جديد: كابتن ماجد، أفضل لاعبي طفولتنا

رسالة كابتن ماجد هي جعل كرة القدم في أذهاننا «نمط حياة»، ويظهر ذلك في عدم حصر البطولة في ماجد فقط، حتى وإن كان هو أساس القصة، إلا أنه يغرس في عقولنا أيضًا أن الحياة تقاسُمٌ ومشاركةٌ للأدوار، بإظهاره أهمية باقي اللاعبين مثل الحارس وليد والمدافع عمر، بحسب النسخة العربية، وكذا فشل كل الرياضات، وجعلها تبدو ثانوية أمام كرة القدم.

لكن زعموم يحذر، في حديثه لـ«منشور»، من سلبيات المسلسل وغيره على الطفل العربي، لأنها في الأساس موجهة إلى مجتمع غربي وفق نظرة تجارية، لذلك تنقل رفاهية لم تتحقق في مجتمعاتنا، غير أن مواجهة ذلك يبقى مرهونًا بمدى استطاعة المنتجين العرب تقديم البديل المنافس لـ«المانغا اليابانية».

اقرأ أيضًا: «الأنيمي»: لمحات من تاريخ الرسوم المتحركة في اليابان

تكريس شعبية كرة القدم

هل حبنا لكرة القدم عفوي، أم نتيجة حتمية لبرمجة تلقيناها في مرحلة تنشئتنا عبر الرسوم المتحركة، وفي مقدمتها «كابتن ماجد»؟

سعى كابتن ماجد، في العالم وفي منطقتنا العربية، إلى تكريس هيمنة كرة القدم على باقي الرياضات الأخرى، لذلك تبقى حتى اليوم تحتل المركز الأول في قائمة الرياضات الأكثر اهتمامًا ومتابعة وشعبية في جميع الدول العربية، إذا ما استثنينا لبنان، الذي تتصدر فيه كرة السلة قائمة الرياضات الأكثر اهتمامًا.

ليس كابتن ماجد الوحيد في قائمة الرسوم المتحركة التي شاهدها الطفل العربي وغرست في عقله حب الساحرة المستديرة، فهناك على سبيل المثال سلسلتا «كابتن رابح»، و«شوت» وبطلها «شامل»، إلا أن الكابتن ماجد يبقى الأكثر رسوخًا في أذهاننا.

يقول مهدي زعموم إن سلسلة كابتن ماجد استطاعت أن تجذب المشاهدين بسبب احترافية اليابانيين وتفوقهم في إنتاج الرسوم المتحركة. ونجاح كابتن ماجد، وفقًا له، يظهر في ترجمته إلى عدة لغات، فهو مبني وفق نظرة الصناعة السينمائية الهادفة إلى استرجاع قيمة تكاليف الإنتاج، لذلك استغل شعبية الكرة لجلب مشاهدين أكثر، وبالتالي نشر هيمنة تلك الرياضة وشعبيتها في عقول الأطفال.

لا ينكر زعموم أن مضامين كابتن ماجد تؤكد أن المسلسل يسعى إلى جعل الاهتمام بكرة القدم أعلى من باقي الرياضات الأخرى.

يظل السؤال نفسه يختلج داخلنا: هل حبنا لكرة القدم عفوي، أم نتيجة حتمية لبرمجة تلقيناها في مرحلة تنشئتنا عبر الرسوم المتحركة، وفي مقدمتها «كابتن ماجد»؟ سؤال تبقى الإجابة عنه محل شكوك دائمة، بما أن منطقتنا العربية تفتقر غالبًا إلى دراسات تهتم بهذا المجال الموجه إلى أجيال الغد، وأيضًا لغياب بديل شرقي قادر على إظهار الفارق الذي تتركه الإنتاجات الغربية في نفوس أطفالنا.

مواضيع مشابهة