إذا كنتَ غريبًا على الدراما السورية، ومررت أمام شاشة التليفزيون صدفةً ووقع نظرك على حارة قديمة ونساء يتَّشِحن بالسواد ورجال يلبسون السراويل ويحملون الخناجر ويصرخون دون داعٍ، فاعلم أنك وقعت في مصيدة مسلسل «باب الحارة».
اهرب سريعًا ولا تتوقف عند أي مشهد تلمحه، لئلا تخسر جهدًا قد تبذله للتعبير في أثناء هذه اللحظات الكابوسية التي ستعيشها مع المسلسل.
باب الحارة.. سلسلة مكسيكية لا تنتهي
تسعة أجزاء، سلسلة مكسيكية، ولمن لم يحالفه الحظ بمتابعة الأعمال المكسيكية فهي تشبه الدراما التركية التي غزت عالمنا العربي بأجزاء لا تنتهي، إلا أنها أكثر مللًا من تلك الحكايات التي بدأها كاتبها ولم يعرف كيف ينهيها.
خسر المسلسل نجومه الذين صنعوا اسمه بسبب صراعات داخل أسرة العمل.
«باب الحارة» الذي لا يريد أن يُغلق لم يكن يومًا لكاتب واحد، بل تنوع كُتَّابه حتى وصل الأمر إلى شائعة راجت على مواقع التواصل الاجتماعي، بأن من يكتب المسلسل أو يرسم شخصياته لكُتَّابه الجُدُد هم الممثلون، الذين باتوا على علم بأن ما يقدمونه من دراما، يُقال إنها تاريخ سوري معاصر، ليست من الدراما ولا التاريخ المعاصر في شيء.
متى بدأ التراجع؟
أحبَّ الناس جزئي المسلسل الأوليين، وبدأت شعبيته تتراجع في الثالث، ثم كانت مرحلة السقوط في الجزء الرابع، حين صارت الحكاية لا تشبه الحكاية وانفكَّ ارتباط الحبكة الدرامية، فلم يعد «باب الحارة» الجديد يشابه ما كان في القديم بأي قصة، سواء بشخصيات تلعب أدوارًا تُطلب منها، يظهر معظم مؤديها كأنهم يعملون من غير شغف، ولا يهمهم إلا ما سيكون عليه المكسب المالي في نهاية الأمر.
يحوي المسلسل أحداثًا لا ترابط بينها، أخطاءً إخراجية وتاريخية، ظُلمًا لمدينة دمشق بإظهارها في ثوب الجهل.
علقت أغنية تتر بداية المسلسل بذاكرة المشاهدين لكونها ترتبط بذكريات البدايات، التي يتحسرون فيها على ما انتهى إليه عملهم المحبب، حين بدأ بخسارة نجومه الكبار الذين صنعوا اسمه نتيجة أزمات وصراعات داخل أسرة العمل، انتهت بانتصار المخرج بسام الملا، فقرر بالتعاون مع كُتَّابه أن يُخرج شخصيات أساسية من المسلسل في أجزائه اللاحقة، بدءًا بعباس النوري «أبو عصام» في الجزء الثالث، وسامر المصري «أبو شهاب» في الرابع، وأخيرًا نزار أبو حجر «أبو غالب» في الجزء السادس.
اقرأ أيضًا: مسلسل «Thirteen Reasons Why»: كيف تستخدم نقاط ضعفك لتقديم دراما جذابة؟
حبكة هزلية: أبو عصام لم يمُت
يبدو أن المخرج بسام الملا، الذي أصبح مشرفًا على العمل لاحقًا وترك عبء الإخراج لآخرين، قرر أن ينزل على رغبة جماهيرية ظهرت في أحد اسكتشات مسلسل «بقعة ضوء» الكوميدي، بإعادة أبو عصام كبير الحارة إلى المسلسل بعد أربعة أجزاء من الغياب.
بعد أن قرر الملا أن أبو عصام مات في الجزء الثالث خلال معركة ضد الفرنسيين، أحياه في الجزء السادس بتمهيد سريع يحكي أنه كان أسيرًا وعاد مرة أخرى، ليكون البطل المحوري في الأجزاء اللاحقة بعد أن انتهت النزاعات بين الملا والممثل عباس النوري.
عاد أبو عصام وتغيرت مجريات المسلسل كثيرًا: أحداث لا ترابط بينها، أخطاء إخراجية وتاريخية، ظُلم لمدينة عريقة مثل دمشق بإظهارها في ثوب الجهل، الذي يؤكد المؤرخون أنها لم تكن عليه يومًا، بل وصلت إلى درجة من الرُّقِيِّ تقارَن بأعظم عواصم الشرق والغرب، وكانت أرضًا لحراك سياسي وصحفي تثبت الوثائق التاريخية صحته.
قد يعجبك أيضًا: متى تثور الدراما في الخليج على النمطية؟
تاريخ مزيف: فرنسا شماعة كل شيء
لأن العاطفة أساس تمرير كل شيء، يبقى الاحتلال الفرنسي عربةً يمكن أن يمرَّر عليها كل ما يريده صُنَّاع المسلسل من أفكار وحكايات ساذجة.
فرنسا التي كانت تحتل سوريا هي أساس يرتكز عليه صناع العمل في قصصهم، فلا يمر جزء إلا وتكون خاتمته ضربة قوية لجيش الاحتلال، وكأن الكاتب يبغي بتلك الضربة تكفير ثِقل المسلسل على المتلقي العارف بأن ما يراه ليس الحقيقة، ويصير ذاك المشهد جزءًا من الاتجاه التجاري الذي اعتمده «باب الحارة» في أجزائه، التي يُذاع تاسعها في موسم رمضان 2017.
جزء عاشر في الطريق
ليس على المتابعين الذين ضاقوا ذرعًا بالمسلسل سوى انتظاره في العام القادم ليكون وقتًا لقيلولتهم.
لم تتغير الأفكار، لم يتغير الاتجاه التجاري خلال ما عُرض من الجزء التاسع. الطرح واحد ويزداد سوءًا مع كل عام، شخصيات تدخل في العمل كحشوٍ لملئ دقائقه الأربعين يوميًّا، أي أن المسلسل يستغرق 20 ساعة يمكن أن نتخلص من نصفها دون أدنى جهد، إذ تفنن الكاتب في الإطالة والشد إلى أن قطع آخر حبال الود مع مشاهديه.
قد يهمك أيضًا: لماذا لا يتابع المشاهد العربي المسلسلات المغاربية؟
لم تنتهِ الحكاية بعد، فالقائمون على مسلسل «باب الحارة» يرفعون راية التحدي، والأخبار تتناثر هنا وهناك عن إمكانية إنتاج جزء عاشر يكمل ما بدأ في الحارة.
رغم الانتقادات الكثيرة التي توجَّه للعمل سنويًّا، إلا أن الاعتماد الأكبر في نجاحه ما زال مبنيًّا على الجماهيرية الزائفة التي تدعمها بعض الظروف السياسية، والعلاقة القديمة مع بعض المشاهدين الذين يرفضون فكرة أن المسلسل تجاوز حدَّ المعقول في طرحه، فضلًا عن السوق الإعلانية التي يمكن أن يجذب مسلسل كهذا الكثير منها.
ليس على المتابعين الذين ضاقوا ذرعًا بمسلسل «باب الحارة» إلا أن يترقبوا موعد عرضه في العام القادم، لتكون تلك الساعة على الأقل وقتًا لقيلولتهم التي يحتاجونها بعيدًا عمَّا يثير النفس ويلغي العقول، ليرتاحوا قليلًا ويحلموا بأن هذا الباب لا بد سيُغلق في النهاية.