فتيات «الرعاية» في السعودية: ظلمهن الأهل وانتصرن بتويتر
في التاسع عشر من يوليو 2017، انطلق هاشتاغ #أنقذو_فتيات_دار_الرعاية على تويتر، ليكشف فظائع مخيفة تجري داخل دور الرعاية الاجتماعية للفتيات في السعودية، تشمل انتهاكات بشرية للنزيلات، وأكد ذلك ظهور حساب باسم «حقيقة دار الرعاية»، يدَّعي أنه متخصص في توثيق شهادات معنَّفات ناجيات من رعايا الدور أو العاملات هناك.
انطلق الهاشتاغ إثر الأحداث الأخيرة في مؤسسة رعاية الفتيات في مكة المكرمة، بعد إصرار تسع فتيات من رعايا الدار على البقاء في السجن العام الذي أُودِعن فيه، وإقدام أربع منهن على الانتحار بعد عمليات الفوضى التي أحدثنها في الدار، عقب اتهامهن الإدارة والعاملات بإساءة معاملتهن طَوَال فترة إقامتهن.
المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، خالد أبا الخيل، تجاهل تلك الادعاءات وأعلن عبر حسابه الرسمي على تويتر أن المؤسسة تبذل جهدها لاستقبال المعنفات أسريًّا وتوفير سبل الحماية لهن.
من بين كل تلك الأقوال المتضادة تُثار أسئلة مهمة، نحاول هنا إجابتها.
ما هي دار الرعاية؟
تأسست أول دار رعاية رسمية للأحداث في الرياض في عهد الملك سعود عام 1954، بهدف إصلاح مرتكبي الجرائم التي يعاقب عليها الشرع، وتقويم الأحداث الخارجين عن سلطة آبائهم وأولياء أمورهم، والمعرضين للانحراف بسبب اضطراب وسطهم الأسري أو المدرسي.
في العام 1961، أُلحقت المؤسسة بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وأُعطيت مسؤولية إدارة رعاية الأحداث من الجنسين. وفي 1963، عُدِّل اسمها من «مؤسسة رعاية الأحداث» إلى «دار الملاحظة الاجتماعية»، ثم أُنشئت دار الرعاية الاجتماعية المخصصة للفتيات لتحقيق التأهيل الاجتماعي وتوفير سُبُل الرعاية العلاجية لهن.
تشترط الوزارة لقبول الفتاة في دار الرعاية أن تكون:
- خارجةً عن سلطة أبيها أو ولي أمرها
- مشردةً لا مأوى لها
- مهددةً بالانحراف بسبب اضطراب أسرتها
- أكبر من سبع سنوات وأصغر من 30 عامًا
- محتاجةً إلى دخول الدار، وفقًا للبحث الاجتماعي
- خاليةً من أي أمراض قد تعيق استفادتها من خدمات الدار
لماذا تحال الفتاة إلى دار رعاية؟
تتصدر قائمة أسباب الإحالة هروب الفتاة من المنزل بسبب التعنيف الأسري أو إرغامها على الزواج من شخص لا تريده، فتلجأ إلى وزارة الشؤون الاجتماعية لعدم وجود مأوًى آخر، خصوصًا أن المعنِّف يكون ولي أمرها، وبالتالي لا تستطيع الإقامة في مكان بمفردها.
يُرفع البلاغ إلى إمارة المنطقة للإصلاح بين الفتاة وأسرتها، وإذا تعذر ذلك تُحال شكواها إلى المحكمة الشرعية للبَتِّ فيها.
وصل عدد الفتيات في دور الرعاية الاجتماعية السعودية حتى عام 2016 إلى 233 فتاة.
تؤكد هذا الاستشارية النفسية منى الصواف، المتخصصة في علاج إدمان الفتيات، بقولها: إن «التعنيف الأسري والفقر، إضافةً إلى الجور الواقع من آباء وإخوة الفتيات عليهن، هو الدافع الأول إلى الهرب من واقع لا يستطعن العيش فيه بسلام».
من ضمن الأسباب أيضًا، تورُّط الفتاة في قضايا أخلاقية، مثل القتل أو الحمل سفاحًا أو الاعتداء على الغير أو الممتلكات، فتحيلها جهات الاختصاص (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر/النيابة العامة) في هذه الحالة إلى دار الرعاية، لتخدم محكوميتها لفترة يُفترض أن يتم خلالها تقويمها اجتماعيًّا وإعادة تأهيلها للعودة إلى المجتمع.
ووصل عدد الفتيات في دور الرعاية الاجتماعية حتى عام 2016 إلى 233، وفقًا لإحصائيات الهيئة العامة للإحصاء في وزارة العمل الاجتماعية.
يوجد سبب ثالث يُلقي بالفتاة في الدار، هو ما تصفه نائبة رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان لشؤون الأسرة، الدكتورة نورة العجلان، بخوف الأسرة من وصمة العار المجتمعية، إذ يُستغَل نظام ولاية الرجل على المرأة في المملكة لإحالتها إلى الدار بعد أن يرفع ولي أمرها قضية عقوق والدين ضدها في مركز الشرطة، وهو ما حصل مع كثير من الحالات التي تداولها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في 2017.
قد يهمك أيضًا: كيف تحيا المرأة السعودية تحت ولاية الرجل؟
كيف أثار تويتر قضية دور الرعاية؟
طرحت قصة مريم العتيبي قضية استغلال الأهالي دور الرعاية.
تشير دراسة أجراها موقع «غلوبال ويب إنديكس» عام 2013 إلى أن معدلات استخدام تويتر في المملكة هي الأعلى بين دول العالم، إذ إن 42% من مستخدمي الإنترنت في السعودية نشطاء على تويتر، وتوفر وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديدًا تويتر، فرصة للمواطنين للتعبير عن آرائهم تحت أسماء مستعارة، لذا تحظى مواضيع الهاشتاغ الحساسة بزخم كبير من وسائل الإعلام، بسبب عدد التغريدات الضخم في السعودية.
كانت بداية ظهور قضايا دور الرعاية الاجتماعية عبر تويتر في العام 2016 مع هاشتاغات مثل #SaveDinaAli، إذ طرح قضية دينا السلوم التي أُرغمت قسرًا على العودة إلى المملكة بعد محاولتها الهروب من زواج مدبَّر، عن طريق السفر عبر الفلبين إلى أستراليا لتقديم لجوء إنساني، وبعد أن فشلت في الخروج من سفارة الفلبين أعيدت إلى المملكة وحدث تكتم كبير على قضيتها، وأُوقف تداول تفاصيل القضية عبر وسائل الإعلام.
كذلك هاشتاغ #أخرجوا_مريم_العتيبي، الذي طرح مشكلة استغلال الأهالي سوء إدارة دور الرعاية الاجتماعية للقضايا الإنسانية، مثلما تعرضت له الناشطة الحقوقية مريم العتيبي من والدها، الذي رفع نفس الدعوى ضدها بسبب عدم تنازلها عن قضية قذف وتهديد رفعتها ضد أخيها، لأنه هددها بالقتل بعدما نشرت صورًا من أوراقها الرسمية في تويتر لتأكيد صحة أقوالها.
اقرأ أيضًا: لماذا تتقبل المرأة العربية عنف الرجال؟
لم تكن الجهات الرسمية في السعودية تعلق قبل هذا على مواضيع كتلك إلا بعد استفحال الوضع، مثلما حدث لأول مرة مع قضية دينا السلوم التي اقتضت تدخل السلطات الفلبينية، فأصدرت السفارة السعودية في الفلبين عبر حسابها على تويتر بيانًا رسميًّا بأن ما حدث «شأن عائلي».
من يقول الحقيقة: تويتر أم أبا الخيل؟
تشكو نزيلات دور الرعاية من الحرمان من وسائل الترفيه، والمنع من مواصلة التعليم، وعدم السماح بالخروج بتاتًا، بالإضافة إلى سوء التغذية.
يذكر حساب حقيقة دار الرعاية تفاصيل عديدة تتعرض لها النزيلات في الدار، مثل أساليب التفنن في العقاب، بدءًا من إيقاف الفتاة لست ساعات متواصلة دون راحة، أو إلزامها بتنظيف صالة رياضية كبيرة وحدها، أو وضعها في السجن الانفرادي، وصولًا إلى روتين الجَلد كل خميس، بعد أن ترتدي الفتاة «الزي الشرعي» وتجلس في وضعية الركوع، لتتلقى عقابها من جلاد المؤسسة.
غير ذلك، هناك أساليب المراقبة المهينة التي تتعرض لها النزيلات، وتتضمن تفتيش الفتيات وهن عراة لحظة وصولهن الدار، وتثبيت كاميرات في ممرات المؤسسة كافة، وكذلك في دورات المياه لسلب الخصوصية من حياة الفتيات.
قد يعجبك أيضًا: حكايات المتروكين للموت في لبنان
ورغم أن الغرض الأساسي من إنشاء الدار إعادة تأهيل الفتاة وتوفير خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية، فإن عديدًا من النزيلات تحاول الهرب بسبب سوء الرعاية وعدم توفر سبل الراحة الكافية، وفقًا لمدير فرع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في جدة، صالح سرحان.
يضيف سرحان: «تشكو النزيلات من سوء معاملة القائمين على الدار، وتشبِّهنها بالسجن الكبير، فهن محرومات من وسائل الترفيه كافة، مثل الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر، ويُمنعن من مواصلة التعليم، ولا يُسمح لهن بالخروج بتاتًا، بالإضافة إلى سوء التغذية».
على عكس كل ما يُتداول عبر تويتر، يؤكد خالد أبا الخيل في بيان صحفي لجريدة «عكاظ»، أن مؤسسات الدار الموزعة على أربع فروع في المملكة: الرياض، ومكة المكرمة، والأحساء، وأبها، توفر جميع الخدمات الصحية والنفسية والتربوية للفتاة، وتتواصل كذلك مع بعض الأُسر التي ترفض استلام الفتيات.
اقرأ أيضًا: تاريخ نضال المرأة السعودية لقيادة السيارة ينتهي إلى «الغضب الصامت»
ماذا بعد الدار؟
تُحال الفتاة إلى دار الضيافة، وهي مؤسسة تابعة لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية لإيواء الفتيات فوق سن الثلاثين، اللاتي انتهت محكوميتهن في دور الرعاية الاجتماعية أو السجن وترفض الأُسر استلامهن، حتى إقناع ولي الأمر باستلام الفتاة أو حتى يطلبها أحدهم للزواج.
اليوم، وبفضل المطالبات الحقوقية التي غردت بها مريم العتيبي، ومناشدتها جمعيات الحقوق المدنية ضمن حملة #سعوديات_نطلب_إسقاط_الولاية، أُطلق سراحها من دون حضور ولي أمرها في 30 يوليو، بعد مرور مئة يوم على وجودها في دار الرعاية الاجتماعية بسبب قضية العقوق المرفوعة ضدها.
كانت هذه بداية جيدة جدًّا في طريق التخلص من الشرط الأساسي لدور الرعاية الاجتماعية للفتيات: موافقة ولي الأمر على تسلم الفتاة كي لا تبقى حبيسة الدار إلى الأبد، لكن لا تزال هناك المئات من مثيلات مريم، مجهولات الهوية ولا يُسلَّط عليهن ضوء تويتر والمجتمع المدني، يقضين محكوميات مؤبدة لمجرد رفض أهاليهن تسلمهن وعدم تقدم أحد للزواج منهن.
في ظل نظام ولاية الرجل على المرأة تبقى مسألة الموافقة على حقوق المرأة السعودية، مثل حرية السكن والتنقل والسفر والعمل والدراسة، عائدة إلى وليها وحده، وتُضطر الفتيات إلى قبول الواقع أو الأسوأ منه: الانتقال للعيش في دار رعاية تنتهك كرامتها الإنسانية.
فريق منشور