ما الهوموفوبيا؟ ولماذا يخاف البعض من المثليين؟
هذا الموضوع ضمن ملف «الهوية الجنسية»، لقراءة موضوعات أخرى في الملف اضغط هنا.
عند الحديث عن المثلية الجنسية قد تستمع لكثيرين يتداولون مصطلح الهوموفوبيا، فـما الهوموفوبيا؟ ولماذا تأتي غالبًا في صيغة اتهام؟ وهل هناك فعلًا شيء في علم النفس بهذا الاسم؟
الهوموفوبيا في اللغة هي رهاب المثلية أو ما يسمَّى بالخوف الشديد من المثليين، إلا أنه غالبًا يستخدم عند التمييز ضدهم أو كراهتيهم الشديدة.
لم يصنَّف مصطلح الهوموفوبيا في إطار التصنيف السريري للرهاب، ولا في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM)، أو التصنيف الإحصائي الدولي للأمراض والمشاكل الصحية ذات الصلة (ICD).
تواجه أديان كثيرة مسألة المثلية بالرفض، على رأسها المسيحية والإسلام، أكثر الديانات انتشارًا في العالم.
تكمن مشكلة الهوموفوبيا في أسبابها، إذ ما الذي يدعو الأشخاص لكراهية من يختلف عنهم في التوجه الجنسي؟
هناك عدة عوامل دينية واجتماعية وثقافية قد تؤدي للهوموفوبيا:
العوامل الدينية
تواجه أديان كثيرة مسألة المثلية بالرفض، وأهمها المسيحية والإسلام، وهما أكثر الديانات انتشارًا في العالم، إضافة إلى الديانة الإبراهيمية الثالثة وهي اليهودية, فقد ذكر الكتاب المقدس في عهده الجديد أن «لا تضلوا، لا زناة، ولا عبدة أوثان، ولا فاسقون، ولا مأبونون، ولا مضاجعو ذكور (...) يرثون ملكوت الله» (كورنثوس الأولى 10،9:6)، وكذلك ما ورد في توراة موسى: «لا تضاجع ذكرًا مضاجعة امرأة، إنه رجس». (اللاويين 18: 22)، أما القرآن فرفض المثلية عبر قصة قوم لوط، الذين عاقبهم الله لفعلتهم بعد أن دعاهم النبي لوط: «وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ(80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ(81)». (الأعراف).
التاريخ الإسلامي عجَّ بأسواق الغلمان والخلفاء الذين أحبوا المُردان وعاشروهم.
ويأتي أغلب سكان عالم من خلفية دينية لواحدة من هذه الديانات، التي تؤصِّل للفرد المؤمن بها رفضه للمثلية الجنسية، وتركز غالبًا على مثلية الذكور، إلا إن عدم انتشار اليهودية في العالم قد لا يسلط الضوء عليها كديانة كارهة للمثليين، خصوصًا مع التلميع الإعلامي لليهودية لغاياتٍ سياسية.
أما المسيحية فلا تزال تنازع بين تقبل المثلية وكراهيتها؛ فالكاثوليك المتدينون لا يزالون يرون فيها إثمًا لا يقبله السيد المسيح، ويخرج بعض المسيحيين المتدينين في مظاهرات ضد المثلية حاملين شعارات عن كراهية الرب للشذوذ، كما أن الفاتيكان كان يصرِّح بخلود المثليين في الجحيم لما يقترفونه، إلا إن الباباوية مع الحركة المدنية للمثليين والضغط من عدة جهات صارت تخفف كثيرًا من حدة رفضها للمثلية، حتى إن البابا صار يتدرج في تصريحاته عن الموضوع؛ فأولًا كان يقول: «من أنا لأحكم على الناس»، ثم صار يرى أن الملحدين والمثليين من الممكن أن يدخلوا الجنة، وتحاول الباباوية المسيحية بهذا مجاراة المتغيرات حتى تنجو بنفسها، في ظل تحرر الكثير من أتباعها من القيود الدينية.
وظل الإسلام ثابتًا على رفض المثلية، رغم أن التاريخ الإسلامي عجَّ بأسواق الغلمان والخلفاء الذين أحبوا المُردان وعاشروهم. وعلى الرغم من انتشار المثلية في العالم الإسلامي حتى التاريخ الحديث، فلا تزال هناك مطالبات متكررة بإقامة الحد عليهم؛ وهو الرمي من علوٍّ شاهق!
قد يهمك أيضًا: المأساة الجنسية في العالم العربي
هناك نظرة سائدة للمثلي على أنه شخص مهووس جنسيًّا ويجب عدم الاقتراب منه.
المشكلة هنا في التناقض الذي يعيشه بعض الأشخاص الذين يرغبون في أن يكونوا جزءًا من هذه الأديان الكارهة للمثلية، وأن يتمسكوا ويؤمنوا بها، لكنهم في الوقت ذاته يحملون في صدورهم رغبة مثلية يضطرون لكبتها ودفنها في نفوسهم، فتظهر عندهم في كثير من الأحيان كراهيةً مبالغ فيها للمثليين المتحررين من هذا القيد الديني.
العوامل الاجتماعية والثقافية
قد تدخل الكثير من العوامل الاجتماعية والثقافية في تكريس رهاب المثلية لدى أفراد المجتمع؛ أهمها رفض العقل الجمعي لبعض المجتمعات للمثلية؛ ما يدفع الفرد إلى الانضمام لقطيع الأفراد. وكذلك الجهل بماهية المثلية بشكل علمي، فـالعلم خلال قرون طويلة من التاريخ كان يتجاهل دراسة المثلية ولا ينفتح في تحليلها وتعليمها؛ باعتبارها تصرفًا شاذًّا خارج الطبيعة، ما كرَّس عدم المعرفة لدى كثير من الأشخاص، وتوارثت ذلك الأجيال اللاحقة.
كما أن طريقة تعاطي الإعلام العربي مع مسألة المثلية يحقرها ويصمها بالقذارة، والنقاش فيها لا يكرِّس سوى وجهة نظر واحدة تهاجم الطرف الآخر، إضافة إلى أن هناك نظرة سائدة للمثلي على أنه شخص مهووس جنسيًّا ويجب عدم الاقتراب منه، لا على أنه مجرد شخص مختلف في التوجه الجنسي!
هناك كذلك عامل مهم وهو الأكثر انتشارًا وبروزًا؛ ألا وهو علاقة المثلية بأدوار الذكر والأنثى في المجتمع. ما الذي يعنيه ذلك؟ يعني أننا نتربى في مجتمعات تحدد مسبقًا ماهية الذكورة والأنوثة، وتصبح صارمة جدًّا تجاهها؛ بحيث يصبح أي ميل للذكر ناحية دور الأنثى خنثوية، وأي ميل للأنثى ناحية دور الذكر استرجالًا.
ومثال ذلك: يضع المجتمع العربي الاهتمام بالأزياء في دائرة اهتمامات الإناث، فأي اهتمام لذكر بهذا المجال يعد ميوعة يهاجمها المجتمع، والمثل بالنسبة للإناث، فهذه الأدوار المعدَّة مسبقًا والتعاريف غير الدقيقة لمفهوم الرجولة والأنوثة، إضافة إلى التشدد في التمسك بها، يجعل الخروج عن هذا الإطار أمرًا منبوذًا في المجتمع، ويواجَه بالهجوم والعنف.
قد يعجبك أيضًا: التمرد على التقاليد في إيران.. رجال محجبون ونساء سافرات
صعدت مسألة المثلية إلى مرحلة العنف الجسدي واللفظي، سواءً من الأفراد أو من الدولة.
هذا كله لا يكرِّس الهوموفوبيا فحسب، بل يضاعفها ويجعل لها منطقًا حادًّا، نتيجة الخوف من النبذ والتشكيك في رجولة الذكر أو أنوثة الأنثى.
الهوموفوبيا وتقييد حرية التعبير
على الجانب الآخر من النقاش بشأن الهوموفوبيا، هناك محور مهم يجب أن يوضع بالحسبان؛ ألا وهو حرية التعبير، إذ تعتبر الحقوق المدنية للمثليين في العالم الغربي مسألة حديثة، والموجة المتصاعدة نحو الشرق أيضًا حديثة، والكثير من الأبحاث العلمية التي تتناول مسألة المثلية والدراسات حديثة نسبيًّا، لذلك يجب أن نتوقف عن استخدام اتهام الهوموفوبيا تجاه كل من يريد أن يُبدي رأيًا في الأمر، فالنقاش دائمًا شيء جيد، وقمع الآخر الذي لا يزال يبحث في مسألة المثلية ويناقشها ويضعها موضع الدراسة باسم الرهاب لا يختلف أبدًا عما يواجهه المثليون من قمع.
اقرأ أيضًا: نظرة إلى جذور العنف في منازلنا ومجتمعاتنا
يجب ألا تتم مواجهة القمع بقمع مثله، فـمن حق أي شخص أن يُخضِع مسألة المثلية للتحليل، ويبدي رأيه النقدي، ويقدم أدلته، ويضع الموضوع على طاولة النقاش، لأن هذا جزء من حرية التعبير والنقد العلمي، الذي يجب ألا يفرِّق بين الأشخاص بحسب توجههم الجنسي، ما دام ذلك لا يحرض على العنف أو الكراهية.
إن الإشكالية التي جعلتنا نتوقف اليوم عند مسألة الهوموفوبيا، هي صعودها إلى مرحلة العنف الجسدي واللفظي والإيذاء، سواءً كان هذا عنف أفراد أم عنف دولة عبر تقنين الإيذاء، وهذا ما يجعلنا ننادي بوضع الأمر تحت المجهر ومواجهته.
شيخة البهاويد