لا امتيازات ذكورية لـ«البط»: كيف خضع الرجال للمنشطات الجنسية؟

مصطفى شلش
نشر في 2017/08/30

الصورة: Virecta

منذ عرف الرجل الشرقي القلق كأحد أعراض الحياة، وراوده الشك حول هرم أولوياته، الذي تقلص بسبب عديد من العوامل الاجتماعية والنفسية والسياسية، اهتم أكثر بتكوين مفهوم شخصي ذكوري لحماية ما تبقى من نفوذه، واتجه نحو الحبوب المنشطة جنسيًّا كوسيلة حماية وسيطرة على حالته الذكورية أولًا، وبحثًا لا ينتهي عن السعادة ثانيًا.

أصبح واضحًا، وبصورة متزايدة، كيف وجدت الصناعة الصيدلانية الدولية هذه الحالة الاندفاعية للبحث عن أكبر قدر من المتعة موقعًا جديدًا لممارسة سُلطتها على جسم الإنسان، فتمددت صناعة المنشطات الجنسية نحو مساحات جديدة من الاستنزاف، تشمل تجربة الإنسان الجنسية ليلًا بعد نهاية حياته الرسمية في العمل، أو تكوين الخيال والأحلام والمخاوف والرغبات في المجتمع وإعادة طرحها، كقراءة جديدة للهوية الذكورية تشكِّلها شركات الأدوية في عصر الفياغرا.

رحلة الفياغرا المقدسة

الصورة: allen watkin

يسرد الباحث يوسف رامز، في رسالته الميدانية للماجستير المقدمة إلى قسم العلوم الإنسانية في الجامعة الأمريكية عام 2015، حكاية اختراع مادة كيميائية تسمى «سِترات السيلدينافيل» في 1990 كدواء لبعض أمراض القلب.

المرضى الذين استخدموا هذه المادة خلال المراحل التجريبية والتجارب السريرية ذكروا أنها تسبب الانتصاب كعَرَض جانبي، فاعتبرت شركة «فايزر» هذا التأثير الجانبي «استخدامًا ثانيًا» للسيلدينافيل، وفي مارس 1998، منحتها الولايات المتحدة حق إنتاج السترات تحت اسم تجاري هو «فياغرا»، كأول منشط جنسي عن طريق الفم يعالج ضعف انتصاب العضو الذكري.

احتكرت «فايزر» إنتاج «الحبة الزرقاء» في مصر، حتى دعم الإخوان قوانين تسمح للشركات بإنتاج الحبوب المنشطة جنسيًّا.

لم يُسمح للفياغرا بدخول مصر لمدة أربع سنوات (1998 - 2002)، ويشير رامز إلى تصريحات وزير الصحة آنذاك، التي أكدت أن سكان مصر ذوو قدرة إنجابية عالية، وأن البلاد لا تحتاج إلى فياغرا لأن «طبيعة الرجل المصري مختلفة عن الأمريكي».

اعتبر وزير الصحة، وكذلك الخطاب الإعلامي وقتها، أن الفياغرا خطر يهدد «الأخلاق» المصرية و«العلاقات العائلية»، ويؤثر في صحة الرجل سلبًا، لكن مصر سمحت لشركة «فايزر» بإنتاج الفياغرا في يونيو 2002، عقب التوقيع على اتفاقية التريبس المتعلقة بالتجارة الدولية.

احتكرت «فايزر» إنتاج «الحبة الزرقاء» في مصر حتى حصلت جماعة الإخوان المسلمين على 21% من مقاعد مجلس النواب في عام 2005، فدعمت قوانين تسمح للشركات المصرية بإنتاج الحبوب المنشطة جنسيًّا، وهو ما اعتبره محمد الكتاتني، رئيس المجلس وقتها، إنجازًا، وتضعه الجماعة ضمن إنجازاتها في مجال السياسة.

يوضح يوسف رامز أنه في عام 2006، منح وزير الصحة 10 شركات محلية صلاحية إنتاج الحبوب المنشطة جنسيًّا، فهبط سعرها في السوق من 45 جنيهًا إلى خمس جنيهات فقط.

قوبل القرار باستحسان واسع وقتها من رجال أعمال الحزب الوطني وبعض أحزاب المعارضة المالكين لشركات أدوية، لأنه يزيد من مراكزهم المالية، والسياسية بالضرورة.

كانت سُمعة الحبة الزرقاء أفضل مروِّج لزميلاتها محلية الصنع وذات الألوان المختلفة، فأصبحت مصر من ضمن أكثر 10 دول استهلاكًا للمنشطات الجنسية في العالم، وبلغت مبيعاتها سنويًّا نحو 800 مليون جنيه، حسب تقرير نقابة الصيادلة.

قد يعجبك أيضًا: ماذا يتغير فينا بتأخر أول ممارسة جنسية؟

ميديا للجنس فقط

إعلان للترويج للمنشطات الجنسية في مصر

صورت إعلانات المنشطات الجنسية للمتلقي أنه لا سعادة بدون الفحولة المضاعفة لعشرات المرات، مع تجاهل الحاجة إليها وأضرارها، فتوالت الحملات الإعلانية بشكل مكثف، تليفزيونية ومقروءة، لصناعة خطاب جديد ومصطلحات مغايرة للتعبير عن الجنس. صار الرجل «بطة» في حالة ضعف أدائه الجنسي، ويمكن أن تتركه المرأة لهذا السبب، ولذا عليه استخدام هذه الحبوب المنشطة ليتحول إلى «أسد».

طبقًا للفيلسوف الفرنسي «ميشيل فوكو»، نجد أنفسنا أمام خطاب شعبوي غير علمي يحاول السيطرة على جسد الإنسان بشكل استهلاكي أكثر، لصالح منظومات صناعية تسيطر على مؤشرات البورصة، دون النظر إلى سلبيات هذا الترويج للشهية الجنسية المفرطة في المجتمعات.

التلاعب بمخيلة الناس دائمًا ما يأتي بثماره، فتؤكد دراسة للدكتور يوسف بن عبده عسيري، من كلية الصيدلة بجامعة الملك سعود، أن إنتاج شركة «فايزر» من الفياغرا وصل إلى مليار حبة بعد ست سنوات فقط من طرحها في الأسواق، ووصل نصيب الشرق الأوسط إلى نحو 10% من إنتاج الشركة، بقيمة 69 مليون دولار مقسمة بين الشرق الأوسط وإفريقيا. كذلك، تشير آخر إحصائية متوفرة إلى أن التونسيين يتداولون 140 ألف حبة منشطة جنسيًّا في الشهر.

قد يهمك أيضًا: الجنس في مصر: طريق السعادة أم اكتشاف المجهول؟

تصوِّر الإعلانات للمتلقي أنه لا سعادة ولا راحة بدون هذه الفحولة المضاعفة لعشرات المرات، مع تجاهل الحاجة إليها وأضرارها. وقع الرجل في ساحة دائمة من القلق والتساؤلات عن أدائه الفحولي، ولعب هذا دورًا كبيرًا في إعادة تشكيل العلاقات الاجتماعية بين الجنسين.

هذا ما أكدته الطبيبة الصيدلانية «س. ج.» لـ«منشور»، فهي كزوجة سترفض التعامل مع أي رجل يستخدم مثل هذه المنشطات دون داعٍ، لِمَا يعنيه هذا من عدم ثقة بالنفس، ولِما تُحدثه من مشاكل صحية ومشاكل في العلاقة بين الزوجين.

تدمر الماكينة الإعلانية لهذه المنتجات الأُسُس الأُسَرية والروابط العاطفية أيضًا، وترى الفيلسوفة الأمريكية «جوديث بتلر» أن الجنس بات مساحة للتعبير الجسدي فقط، دون النظر إلى أي معايير أخرى.

الإعلانات والأغاني، رغم أنها تزعج الرجال، فإن صداها يطلب منهم أداءً بطريقة محددة، أن يكونوا أسودًا، ومع هذا فهم لا يريدون لزوجاتهم معرفة أي قصور لديهم أو الشك في قدراتهم الجنسية، لذا تشكِّل تلك الحبوب في وعيهم وسيلةً للحصول على الرضا، حتى وإن كان مؤقتًا.

أحاط الرجال التجربة الجنسية بسور من الخوف والقلق بسبب المقارنة الدائمة مع النموذج الفحولي للإعلانات، وهذا ما أكدته الصيدلانية «هـ. إ.» لـ«منشور»: «الرجال يطرحون أسئلة كثيرة حول الحبوب المنشطة، ويصيبهم القلق إذا تأخر مفعولها. أحد الزبائن اتصل بالصيدلية ليسأل: هي الحباية دي مشتغلتش ليه؟».

تكون القلق الذكوري

إعلان لأحد أصناف المنشطات الجنسية في مصر

ليس من السهل أبدًا أن تكون ذكرًا في مجتمع «ذكوري-رأسمالي»، فالاستعراض أحد أهم مميزات الرأسمالية، ليس فقط سلعيًّا، بل جسديًّا أيضًا، فظهرت ثنائية «البطة والأسد» ليلًا، وتحمُّل بقايا المجتمع القبلي وأفكاره نهارًا، فانضمامك إلى الذكور يعني قدرتك على الحصول على أطول فترة من الانتصاب وقوة الأداء الجنسي.

ينمو قلق الذكر نحو علاقاته الاجتماعية، التي تغيرت بشكل كلي وصارت أكثر ارتباطًا ظاهريًّا بشكل جسده وعضلات بطنه، وجانبها الخفي المرتبط بمدى فحولته وقدرته الجنسية، كل هذا جعل الرجل يلجأ إلى المنشطات الجنسية كحصن من مخاطر خسارة المرأة وامتيازاته الذكورية، في وسط محيط يرفض كل ما يمس الرجولة من ضعف جنسي أو مثلية.

اقرأ أيضًا: لماذا تخشى المجتمعات العربية تدريس الجنس؟

تجد شركات صناعة الأدوية الجنسية مجالًا للاستثمار في أكثر من مجرد سلعة، بل صناعة أيديولوجيا كاملة، يمثل فيها استهلاك الفياغرا جزءًا من السعي إلى إعادة إنتاج نظام الاستغلال الرأسمالي، فالحبوب تساعد الذكور في الشعور بالسعادة، ممَّا ينعكس على تحسين قدرتهم على الإنتاج، وبالتالي يزيد قدرتهم المالية على شراء مزيد من الحبوب للحصول على قدر أكبر من السعادة.

أضف إلى هذا فرضية الخوف من سؤال «ماذا لو صارت النساء شبقات لدرجة أن الرجال لم يعودا قادرين على إرواء هذا الظمأ؟». هذا يعني كارثة تحل على الرجل الشرقي.

تصديق الناس شائعة العلكة الإسرائيلية التي تزيد نشاط الغدد الجنسية يمثل علامة على ذكورية مهددة.

تسرد مي غصوب، في كتابها «الرجولة المتخيَّلة»، شائعة طريفة لكنها توضح كيف غيرت الأدوية الجنسية خيالنا وطريقة تعاملنا. ففي يونيو 1996، نشرت صحيفة «الأحرار» الليبرالية خبرًا عن علكة إسرائيلية تزيد نشاط الغدد الجنسية بنحو 50 ضعف القدرة العادية، ممَّا يدمر الأجهزة التناسلية للرجل، ويؤدي إلى إيقاف النشاط الجنسي في الدول العربية خلال عدة أشهر.

أعلنت صحيفة «العربي» المصرية أنها اكتشف الخبر أولًا، وقالت إنها سلمت المعلومات إلى نائب في مجلس الشعب فتحي منصور، الذي وضع للمسألة مكانًا على جدول أعمال البرمان.

تحول الأمر من مجرد شائعات صحفية إلى مسألة مخابراتية، فكتبت جريدة «النهار» اللبنانية في 19 يونيو أن النائب نفسه أكد لها وصول العلكة إلى مصر، وأن نحو 15 فتاة من طالبات إحدى جامعات الأقاليم أصيبت بحالة من الشبق نتيجة تناولهن نوعًا من العلكة، وأن مجلس الشعب كلف لجنة ببحث الأمر وإلقاء القبض على المسؤولين.

في 25 يونيو، أعلنت جريدة «الأخبار» أن العلكة من اختراع جهاز المخابرات الإسرائيلي «الموساد»، بالتعاون مع الاستخبارات الروسية «KGB»، وأن إسحاق رابين، رئيس وزراء إسرائيل سابقًا، هو من أعطى الإذن بترويجها وزيادة إنتاجها.

رغبة الناس في تصديق مثل هذه الشائعات وليس نفيها، وتعاملهم معها بكل هذه الجدية، علامة على ذكورية مهدَّدة وعَرَض من أعراض إعادة التكوين السلعي في العلاقة بين الجنسين في مصر والشرق الأوسط.

أدت ضخامة مكاسب الحبوب المنشطة جنسيًّا إلى الاعتماد على التلاعب بمخيلة الناس، وصنع عالم جديد من العلاقات القائمة على الإنتاج الجنسي. تحولت سعادة البشر إلى سعي في عالم صناعي مكون من منتجات كيميائية بعيدًا عن أي اعتبارات روحية، تقلصت فيه ذواتنا، وانسحبنا من مساحات التحاور إلى مساحات المتعة العنيفة في الليل، ممَّا أدى إلى تغير جسد الرجل في الشرق، وانتقاله من مرحلة الالتزام الديني والسرية في الحياة الجنسية إلى الاستعراض، الذي يدعمه ثنائية «لو شايفاك بطة، خليك أسد».


هذا الموضوع نتاج فكرة اقترحها أحد قرَّاء «منشور»، وعمل مع محرري الموقع على تطويرها، وأنت كذلك يمكنك المشاركة بأفكارك معنا عبر هذه الصفحة.

مصطفى شلش