إلى الباحثين عن الحب الأبدي: «طلع كمين»

آية صبري
نشر في 2018/02/14

لقطة من مسلسل «Friends» - الصورة: Warner Bros

«يا حبيبي الحب حياتنا وبيتنا وقوتنا»، هذه بعض كلمات أغنية «ألف ليلة وليلة» لأم كلثوم، أدخلتني في حالة من زيادة الشعور بالحب والهوى، حتى انتقل بي موقع يوتيوب نقلة لا أعلم من أين أتت أو كيف حدثت، فإذا بصوت آخر يصيح بأقوى ما لديه: «الحب طلع كمين: 30% حماس، 20% عزيمة».

بعد الانتهاء من حالة الاندهاش، دخلت في إحدى دوامات الأسئلة الوجودية عن ماهية الحب، ولماذا يحدث، وكيف، وهل حقًّا «الحب طلع كمين»؟

لو كنت من أصحاب التجارب العاطفية الكثيرة الفاشلة، أو حتى الناجحة لكنها تمر بفترات انطفاء لا تعلم من أين أتت ولا متى ستنتهي، ولو كنت ممن ينبض قلبهم عند سماع جملة «Happily ever after» في نهاية الأفلام الرومانسية وأفلام الأنيمي، فأنت واقع بالكامل في «كمين» الحب.

بداية الكمين: العقل أم القلب؟

أغنية «صوتك» لمحمد منير

الأذن تؤدي دورها ضمن مسببات الحب، فنبرات الصوت تلعب دورًا مهمًّا في التأثير فينا تجاه الشخص المختار.

ظهرت براءة القلب من جميع الاتهامات الموجهة إليه بأنه سبب الحب، أو أنه يؤدي أي دور في حياتنا سوى ضخ الدم. فالمسؤول الأول عن المرور بتلك التجربة هو العقل، وبمجرد أن يرى العقل فارس الأحلام، ينفذ مجموعة من الحسابات السريعة: يستدعي الحواس كلها لاجتماع طارئ بهدف مواجهة هذه الحالة، فالعقل لا يأخذ مثل هذه القرارات منفردًا، بل إن كل حاسة من الحواس تجمع المعلومات، وتنفذ إحصائيات سريعة، وتصل إلى استنتاجات بالرفض أو القبول.

النظر هو أول حاسة تستطلع، فنحن لا ننجذب إلى شخص لا تتوفر فيه على الأقل صفة من صفات الجمال البصري، الذي يختلف من شخص إلى آخر، ومن مكان إلى آخر. فكثير من الرجال لا يستطيعون مقاومة الشعر الطويل والجسم الممشوق، والعضلات المفتولة والطول من صفات فارس أحلام أغلب الفتيات.

الأنف لا تشم العطور فقط، لكنها تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، إنها قادرة على التقاط الإشارات الكيميائية الطبيعية المعروفة باسم «الفيرومونات». ليس هذا فقط، بل تنقل المعلومات المادية أو الوراثية المهمة حول مصدرها، وتستطيع تفعيل استجابة فسيولوجية أو سلوكية في المتلقي.

الأذن تؤدي دورها أيضًا، فنبرات الصوت تلعب هي الأخرى دورًا مهمًّا في التأثير فينا تجاه الشخص المختار، ويظهر هذا في أغنية محمد منير «صوتك»، فالنساء يفضلن الرجال ذوي النبرة المنخفضة، عكس الرجال الذين يفضلون النبرة العالية.

هناك أيضًا حاستا اللمس والتذوق. نعم، وهذه مراحل متقدمة بالنسبة إلى العلاقات العاطفية الشرقية، لأن من يصل إليها يكاد يكون قد وقع في «الكمين».

وسط الكمين: مراحل الحب

الصورة: czu_czu_PL

في مراحل الانجذاب تحدث دقات القلب السريعة، والرعشة، والاضطراب عند مقابلة المحبوب، وهذا مسؤول عنه الأدرينالين والسيروتونين.

في أثناء أداء تلك الحواس أعمالها، تكون هناك بعض الهرمونات التي يطلقها الجسد تعبيرًا عن الموافقة على عدة مراحل يمكن اختصارها في ثلاث:

  1. الرغبة: يفرز الجسم خلال تلك المرحلة هرمونَي التستوستيرون والأستروجين بعد الحصول على موافقة جميع الحواس، وهذان الهرمونان مسؤولان عن إعلان الرغبة الجنسية. ويوجد هرمون التستوستيرون عند الرجال بنسبة أعلى عن الأستروجين، والعكس بالعكس عند النساء، وكلما ارتفعت كمية الهرمون زاد الانجذاب إلى الجنس الآخر
  2. الانجذاب: أفضل المراحل، إذ تحدث فيها دقات القلب السريعة، والرعشة، والاضطراب عند مقابلة المحبوب، وهذا مسؤول عنه هرمونا الأدرينالين ثم السيروتونين، وهذا لزوم أداء كل الأمور الجنونية التي يفعلها العشاق. وآخر هرمون هو الدوبامين، المسؤول عن الشعور بالسعادة والرضا
  3. الارتباط: في هذه الحالة أنت تستفتي قلبك: هل أُكمِلُ هذه العلاقة أم لا؟ لكن جسدك يفرز مزيدًا من الهرمونات التي تغير قرارك. يفرز الأوكسيتوسين، الذي يفرزه كِلا الجنسين في أثناء النشوة الجنسية، ويُعتقَد أنه يعزز الترابط عند البالغين خلال اللقاءات الحميمية، وهرمون فاسوبريسين الذي يجعل الشخص أكثر إخلاصًا وتحملًا للمسؤولية تجاه الحبيب كي يحافظ على النسل، إذ يعزز الرابطة بين الآباء والأبناء

قد يعجبك أيضًا: خرافة كيوبيد: الحب اختيار

عمق الكمين: صلاحية الحب

كيف يحافظ الأزواج على العلاقة بينهم رغم فتور الحب؟

أعراض الحب الأولى تتطابق بشدة مع ما يحدث لنا حين نتعاطى المخدرات لأول مرة.

الآن نحن في العمق، وبطريقة مباشرة وصادمة لا وجود لحب يدوم إلى الأبد، فالحب لديه مدة صلاحية، وهناك من العلماء من يقول إن «الحب يدوم لمدة سنة فقط، بعدها يقل إفراز الهرمونات المسؤولة عنه كما كان في أوله».

في دراسة، أحضر العلماء مجموعة من العشاق، منهم من هم في علاقة طويلة الأمد، ومنهم الذين في بداية علاقتهم العاطفية، والعُزاب، وطلبوا منهم أن يفكروا في أحبابهم. اتضح أن الهرمونات سابقة الذكر ترتفع عند الأشخاص الذين في بداية العلاقة، بينما الذين كانوا في علاقات طويلة الأمد، سنة أو أكثر، كانت نسبة الهرمونات تكاد تقترب من نِسَب العُزاب.

هناك رأي آخر بأن الحب يدوم لمدة ثلاث سنوات، على أن تكون آخر سنة هي عام الملل، تختفي فيها كل المشاعر الخاصة بالتحليق في السماء، واللهفة، والرعشة، وينقص مجموع الهرمونات الخاصة بالرغبة في الطرف الآخر. هذا لا يعني أن الأزواج الذين نراهم من حولنا يكرهون بعضهم بعضًا، لكنهم في مرحلة «التعود». لهذا في «أوروبا والدول المتقدمة» يفعل الأزواج كثيرًا من الأشياء لإعادة الشغف إلي الحياة الزوجية، مثل أن يقضي كل طرف بعضًا من الوقت بعيدًا عن الآخر، أو يذهبا في رحلة بعيدًا عن الأماكن المعتادة، وغيرها من الطرق للمحافظة على شعلة الحب.

قد يهمك أيضًا: كل الزيجات الفاشلة، تفشل لنفس السبب

الحب إدمان

مشاهد من بعض الأفلام العربية عن إدمان الحب

تعبير «الحب إدمان» لم يأتِ من فراغ، ولم يطلقه الناس هباءً. فالوقوع في الحب يشبه تناول جرعة من المخدرات الجيدة.

في دراسة أخرى، نَفّذ العلماء تصويرًا إشعاعيًّا لأدمغة بعض الأفراد الواقعين في الحب، فاكتشفوا أن الأماكن التي تنشط في الدماغ هي نفسها التي تعمل المخدرات على تنشيطها، بل إن أعراض الحب الأولى، مثل دقات القلب والاضطراب والجنون، تتطابق مع الأعراض الأولى لتعاطي المخدرات.

وإذا لم تقتنع بالعلم، يمكن أن تستمع إلى «Love is Drugs»، أغنية المطرب الأمريكي «تيريل كارتر».

لهذا يجب أن نعالج المنفصلين من أثر الوقوع في هذا الكمين، ونأخذ الاحتياطات كافة، ونكون على علم بأننا نتعامل مع مدمن في مرحلة التعافي. وعلى المحبوب المهجور أن يعرف حالته بشكل عام، ويعرف عِلّته، ومن أين تأتي، وكيف يمكن أن يتعافى منها.

لا أعلم إلى أين يمكن أن توصلنا تلك النظرة المادية للحب، لكنها حقيقة علمية توصّل إليها علماء الكيمياء الحيوية، فالحب ليس شيئًا أسطوريًّا، وهو غير خالد، لكن هذا لا ينفي صعوبة العثور عليه. لا تجعلوا هذا المقال يُحدِث صدًى في أدمغتكم العاشقة، واعتبروه مقالًا للمنفصلين فقط حتى يتعافوا، ويقعوا في الكمين مرة أخرى.


هذا الموضوع اقترحته إحدى قارئات «منشور» وعملت مع محرري الموقع على تطويره، وأنت كذلك يمكنك المشاركة بأفكارك معنا عبر هذه الصفحة.

آية صبري