كلنا في الهم عرب: حكايات اللاجئين السوريين في غزة

إبراهيم عبد الهادي
نشر في 2018/11/11

الصورة: Getty/NurPhoto

رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السكان في قطاع غزة، فإن العشرات من العائلات السورية ذات الأصول الفلسطينية، والهاربة من جحيم الحرب، اختارت اللجوء إلى غزة بحثًا عن مكان آمن يستطيعون العيش فيه على أمل استقرار الأوضاع في سوريا، لكن سرعان ما تبدد حلمهم وازدادت معاناتهم بفعل الحصار المفروض على القطاع منذ أكثر من 12 عامًا.

من حرب إلى أخرى

يعيش في قطاع غزة 2000 لاجئ سوري، منهم سوريون من أصل فلسطيني، أي نحو 275 عائلة تركوا وراءهم كل ما يملكون بسبب الأحداث التي تتصاعد كل لحظة.

يحكي أسعد: رأيت في غزة صعوبة شديدة في المعيشة، وتفشي ظاهرة البطالة، لأكتشف أنني وعائلتي قد انتقلنا إلى العيش في سجن كبير.

أسعد نور الدين (39 عامًا) مهندس مدني، ولاجئ فلسطيني من مخيم اليرموك في سوريا، لجأ إلى قطاع غزة مع بداية الحرب السورية مطلع العام 2012، مع عائلته المكونة من ثلاثة أفراد.

يقول أسعد لـ«منشور» إنه «مع احتدام الحرب في سوريا اتخذتُ قراري الصعب، وهو الخروج منها خوفًا على حياة عائلتي. في البداية توجهت إلى مصر، ومكثت لمدة عام تقريبًا على أمل أن أستطيع العيش فيها، إلا أنني سرعان ما اضطررت إلى مغادرتها بعد انفلات الأوضاع السياسية والأمنية آنذاك، فسافرت إلى قطاع غزة، طمعًا في حياة آمنة وكريمة».

«بعد رحلة السفر الطويلة والانتظار داخل صالة معبر رفح لعدة أيام، دخلت قطاع غزة أخيرًا، والذي يقطن فيه عدد من أقارب والدتي في مدينة خان يونس جنوبي القطاع، لكنني رأيت في غزة صعوبة شديدة في المعيشة، وتفشي ظاهرة البطالة، لأكتشف أنني وعائلتي قد انتقلنا إلى العيش في سجن كبير يسمى غزة».

معاناة أسعد ازدادت بعدما قرر البحث عن عمل في القطاع، ففرص العمل في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة تكاد تكون مستحيلة. حاول مرارًا العمل مهندسًا في إحدى شركات المقاولات، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، فاضطر إلى البحث عن أي عمل آخر دون اشتراط أن يناسب مؤهله العلمي. أخيرًا، استطاع العمل في البناء بعد عدة أشهر من البحث.

يوضح أسعد: «الأجر المالي الذي كنت أحصل عليه لم يكد يكفي لتوفير متطلبات المعيشة واستئجار بيت لعائلتي. واجهت جحيم العجز وعدم مقدرتي على تلبية احتياجات أسرتي، فعشنا على بعض المساعدات الغذائية التي قدمها إلينا كلٌّ من وكالة الغوث الدولية ووزارة الشؤون الاجتماعية بغزة، والتي نحصل عليها كل ثلاثة أشهر تقريبًا».

يضيف أسعد: «لسوء حظنا عايشنا حربين إسرائيليتين على غزة بين عامي 2012 و2014، وذقنا الأمرَّين فيهما، لتعود بنا الذكريات إلى مشاهد الدمار والقتل الذي ارتكبه قوات النظام في سوريا. خلال الحروب المتتالية في القطاع، لم نكن نتوقع أننا سنخرج منها سالمين، وكان الموت يلاحقنا في كل لحظة بسبب ضراوة القصف الإسرائيلي. يبدو أن مصيرنا هو الهروب من موت إلى آخر، حتى تنتهي الحرب وتعود الأمور في غزة إلى طبيعتها، ولو مؤقتًا».

اقرأ أيضًا: الفرار من سوريا: ﻻجئ سوري يحكي تجربته في السفر إلى أوروبا

لا عمل

الصورة: Boris Niehaus

حكاية أسعد تؤيدها دراسة حول الظروف الاجتماعية والاقتصادية الخاصة باللاجئين إلى غزة من «دول النزاع العربي»، أصدرتها وزارة الشؤون الاجتماعية في غزة أواخر 2017. إذ إن اللاجئين القادمين من دول أخرى إلى غزة، يواجهون التدهور الاقتصادي والعزلة الاجتماعية والخوف الدائم من عدم القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية لعائلاتهم، وهم الأكثر تهميشًا في المجتمع الفلسطيني بسبب عدم وجود عمل أو مسكن مناسب لهم، إلى جانب تراكم الديون عليهم.

بسبب الظروف الاقتصادية، لا تتوفر أي وظائف لأهل غزة، فكيف لمن يلجأون إليها؟

لم يكن حال أسعد بأفضل من حياة النازح السوري مصطفى عقل (41 عامًا) الذي حضر إلى قطاع غزة عبر الأنفاق الحدودية مع مصر قادمًا من مدينة درعا السورية صيف 2015، بعدما منعته السلطات المصرية عدة مرات من العبور إلى غزة لعدم استكمال أوراقه الرسمية.

يقول عقل: «اضطررت إلى الهروب من درعا بعد فقداني والديَّ وثلاثة من أشقائي بعد تعرُّض منزلنا للقصف المباشر بالبراميل المتفجرة التي أسقطها علينا جيش النظام السوري. حينها أدركت أنه لا مكان لي وعائلتي للعيش في درعا، وأنه ينبغي المغادرة إلى مصر بعد فشل محاولات الهجرة إلى دولة أوروبية لعدم قدرتي على دفع تكاليف الهجرة التي تتطلب مبالغ باهظة».

هجرة عقل من درعا كانت صعبة، وسط القصف العنيف واحتدام المعارك في المدينة. توجه إلى مدينة غازي عنتاب على الحدود السورية مع تركيا، ثم سافر إلى مصر، وبعدها انتقل وعائلته إلى غزة ليتمكن بعد فترة وجيزة من استئجار أحد المنازل المتهالكة بالقطاع، لعدم قدرته على استئجار أو شراء منزل جديد.

واجه عقل نفس المأزق الذي واجهه أسعد. فالوضع في غزة ليس مثاليًّا بالنسبة إلى أي لاجئ، والظروف المعيشية في غاية الصعوبة، ولا تتوفر أي وظائف لأهل غزة، فكيف لمن يلجأون إليها؟ بعد فترة طويلة من البحث، حصل على عمل في أحد المطاعم التي أسسها لاجئ سوري جاء إلى غزة قبل سنوات.

عن مأساة اللجوء إلى غزة، يقول مصطفى: «حياتي في غزة صعبة جدًّا. عملي لا يفي بالمتطلبات الحياتية في ظل الغلاء الذي يسود كل المناحي في القطاع، وأعيش على بعض المساعدات التي يقدمها عدد من المؤسسات الدولية والحكومية على فترات طويلة، ولا يتوفر أي تأمين صحي لأتلقى وعائلتي العلاج داخل المستشفيات والمراكز الصحية في غزة. كذلك يُحرَم أبنائي من التعليم الحكومي بسبب أننا لاجئون سوريون، وينبغي إلحاقهم بالمدارس التعليمية الخاصة التي تتطلب رسومًا باهظة».

مصطفى ليس السوري الوحيد المقيم في القطاع. هناك 24 عائلة سورية الأصل في غزة منذ سنوات، ولا يستطيعون مغادرتها، إذ انتهت صلاحية جوازات سفرهم، وليس بإمكانهم تجديدها أو الحصول على فرص عمل.

قد يعجبك أيضًا: رحِّبوا بالمهاجرين: اقتصاد الدول يستفيد من تنوع ساكنيها

وفق تقرير «المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان»، والذي استند إلى شهادات اللاجئين من فلسطينيي سوريا، فإن «وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا) لم تلتزم بتقديم مساعداتها بشكل منتظم بسبب ضعف التمويل، ولم تقدم الجهات الرسمية ومنظمة التحرير الفلسطينية سوى بعض المساعدات القليلة وغير الدورية، إذ يُقدَّر مجموع ما جرى تقديمه من مساعدات مالية إلى الأسرة الواحدة خلال السنوات الماضية، 300 دولار أمريكي فقط.

لكن استمرار الحرب في سوريا، يجعل مَن هم مثل أسعد وعقل مضطرين إلى التكيف مع ظروف معيشتهم الصعبة في غزة، في انتظار تحقيق أحد الحلمين: إما العودة، وإما الهجرة إلى أوروبا.

إبراهيم عبد الهادي