أسباب شائعة للقتل: كيف نصل إلى مرحلة «عبد المأمور»؟
في ثلاثة من أصل أربعة موضوعات كتبتها مع «منشور»، كان ذكر تجربة «ستانلي ميلغرام» عن «طاعة السُّلطات» يفرض نفسه على سياق الحديث رغمًا عني، ولو في سطر عابر.
خلال كتابة الموضوع الرابع قررت أن لا أفعل، كنت أمضي بصعوبة بين الجمل متحاشيًا ذكر التجربة بشتى الطرق. كان هذا صعبًا، فالكتابة عن علم النفس الاجتماعي دون ذكر ميلغرام وتجربته كالحديث عن موسيقى «الروك آند رول» دون الإشارة إلى «البيتلز»، حديث أجوف فارغ لا قلب له، لذا كان تخصيص موضوع كامل لها أمرًا لا مفر منه.
هناك احتمال لا بأس به أنك تعرف عن هذه التجربة مسبقًا، ربما شاهدت الفيلم الروائي «Experimenter» أو الوثائقي «Obedience»، أو قرأت عنها مقالًا أو كتابًا. التجربة شهيرة فعلًا، لا يفوقها شهرةً في هذا المجال إلا محاولة «فيليب زيمباردو» في تجربة «سجن ستانفورد»، التي نالت شهرتها من درامية نتائجها رغم عدم دقتها العلمية والأخلاقية.
لكن بما أنك وصلت إلى هنا على أي حال فابقَ قليلًا، ربما قلنا جديدًا لم تعرفه قبلًا، أو قلنا خطأً تعرف صحته فتصححه لنا.
في البدء كان هتلر
وكانت ألمانيا، وكانت الحرب العالمية الثانية، ومات الملايين وانتهت الحرب، هذه حكاية أنت تعرفها بالطبع.
ثم كانت المحاكمات، محاكمات لكل من تمكن الحلفاء من القبض عليهم أحياءً من قادة النازيين وضباطهم وحتى أقل جنودهم رتبة، كيف كان منكم ما كان؟ كيف صرتم من واحدة من أكثر أمم العالم رقيًّا وتحضرًا إلى قطيع من القتلة ومجرمي الحرب تحت قيادة ديكتاتور مجنون؟ التبرير الذي تكرر على لسان الجميع: كنا فقط نطيع الأوامر.
كيف يمكن أن يكون في هذا إجابة كافية؟ كيف يبرر مفهوم طاعة الأوامر كل هذه الجرائم الوحشية؟ ألسنا نحن كبشر واعين قادرين على الرفض والامتناع عن تنفيذ مثل هذه الأوامر القاسية؟ ألسنا كائنات طيبة رحيمة بالفطرة؟ إننا نقرن مفاهيم الرحمة والحب بكوننا بشرًا، ونستخدم كلمة «إنسانية» للدلالة على أشد المعاني جمالًا، أفلم يكن هؤلاء بشرًا؟ أم أن الألمان أُمة من المتوحشين بالفطرة؟
كان هذا السؤال هو المسيطر في العقود التالية للحرب على أبحاث علماء النفس والاجتماع، وبطبيعة الحال علم النفس الاجتماعي، حتى جاء ستانلي ميلغرام، البروفيسور المساعد في قسم علم النفس بجامعة ييل الأمريكية، بين عامي 1961 و1963، ليلقي الضوء بتجربته على ما لم نكن نحب أن نعرفه عن أنفسنا.
التجربة
لنفترض أنك، استجابةً لإعلان جريدة يطلب متطوعين للمشاركة في تجربة بسيطة عن الذاكرة وتقنيات التعليم، قررت أن تشارك متبرعًا بساعة من وقتك، خصوصًا أنهم وعدوا بدفع أربعة دولارات مقابل وقتك الثمين، وهذا مبلغ لا يستهان به في هذا الوقت من عام 1963.
ذهبتَ في الموعد الذي تركوا لك حرية اختياره، وهناك قابلت شخصًا قالوا لك إنه متطوع مثلك في التجربة. لا يوجد سبب يدعوك إلى تكذيبهم، ففكرة أن علماء النفس الاجتماعيين يكذبون دومًا في تجاربهم لم تكن معروفة بعد في هذا التوقيت.
قالوا لك إن هدف التجربة سيكون بحث تأثير العقاب على العملية التعليمية، فأحدكم سيكون المُعلم والآخر المتعلم. قالوا لك إنهم أجروا قرعة، وبناءً عليها ستكون المُعلم وزميلك، الذي لا تعرف أنه ممثل مشارك في التجربة أو «Confederate» بلغة علم النفس الاجتماعي، هو المتعلم. قالوا لكما بوضوح إنه أيًّا كانت نتيجة التجربة سيحصل كلٌّ منكما على المبلغ المتفق عليه، مهما حدث في التجربة.
وضعوا زميلك في غرفة مغلقة بعد توصيل جسده بأسلاك أقطاب كهربية، أما أنت فجلست إلى مكتب قريب من مكتب مدير التجربة.
على مكتبك جهاز مخيف الشكل وميكروفون، قال لك مدير التجربة، الذي هو دكتور جامعي يلبس معطف معمل أبيض ويتحدث في ثقة من يعرف ماذا يفعل: «عبر هذا الميكروفون ستلقي على زميلك أسئلة، وسيختار الإجابة من بين أربعة اختيارات. إن كانت إجابته صحيحة تنتقل إلى السؤال التالي، وإن كانت خاطئة، أو إن لم يستجيب، ستعاقبه بصاعقة كهربية من هذا الجهاز».
ثم شرح لك كيف تزيد قوة الصعقة بمعدل 15 فولتًا في كل مرة تضطر فيها إلى معاقبة زميلك، وأن تدريج الصعقات في الجهاز يبدأ من 15 فولتًا حتى 450. ولمزيد من التوضيح، هناك كلمات مكتوبة على الجهاز مثل «صعقة بسيطة» و«صعقة قوية نسبيًّا» و«صعقة خطيرة جدًّا»، لإعطائك معنَى ما قد لا تفهمه من أرقام تقنية صماء.
للتأكد من إدراكك مدى خطورة الأمر، عرَّضك القائمون على التجربة لصعقة بقوة 30 فولتًا. لم تكن صعقة خطيرة لكنها آلمتك فعلًا، وعرفتَ وقتها أنك لن تحب التعرض لمثلها مرة أخرى.
وبدأت التجربة..
لا بد أنك فكرت أن هذا المتطوع غبي أو بطيء التفكير، هذا هو التفسير الوحيد لكل إجاباته الخاطئة تلك. أرسلت صعقة، ثم زدتها 15 فولتًا وأرسلت أخرى، وزدتها وأرسلتها، وزدتها وأرسلتها. لا بد أنه يتألم بشدة في الداخل، لكن هذه قواعد التجربة التي اتفق كلاكما عليها، عليه أن يحاول أكثر في إجاباته، صعقة أخرى أقوى، ثم أقوى.
وصلتَ إلى 75 فولتًا الآن، أنت تسمع صوت تألمه واضحًا من الغرفة الأخرى، تنظر إلى مدير التجربة متسائلًا، نظرته المطمئنة تجعلك تزيد الصعقة قوةً وترسلها، عند رقم 150 فولتًا يصيح الرجل منزعجًا، تسمع صوته: «أخرجوني من هنا، أرجوكم، عندي مشاكل صحية في القلب وأشعر الآن باضطراب فيه، أخرجوني فورًا، أرجوكم».
تنظر إلى مدير التجربة، تسأله عن رأيه. «الرجل يعاني مشاكل قلبية»، لكن البروفيسور ذا المعطف الأبيض يخبرك بثقة: «استكمل من فضلك، التجربة تتطلب منك أن تستكمل»، فهل ستفعل؟
اقرأ أيضًا: بيولوجيا الشر: علماء الأحياء يحاولون إجابة أصعب أسئلة الفلسفة
نتائج مرعبة
في مرحلة التحضير للتجربة، سأل ميلغرام عددًا من علماء النفس إن كانت تجربته ستؤثر بشكل سلبي في المشاركين. الإجابة كانت أنه لن تكون هناك خطورة إطلاقًا، لأن المشاركين كلهم سيرفضون بالتأكيد الاستمرار في الصعق بمجرد أن يصرح الآخر في وضوح أنه يرفض إكمال التجربة، لكن النتائج لم تكن بالضبط مثلما توقع هؤلاء.
استمر 65% من المشاركين في التجربة رغم سماعهم صرخات المتطوع الآخر تتوقف، ممَّا ينبئ بأنه فقد وعيه أو مات.
ما حدث أن المشاركين كانوا يلجؤون إلى مدير التجربة بحثًا عن دليل لما يجب أن يفعلونه، ورد مدير التجربة كان واحدًا من أربعة ردود لا تتغير:
- من فضلك استمر
- التجربة تتطلب منك أن تستمر
- من الضروري للغاية أن تستمر
- أنت لا تملك خيارًا آخر سوى أن تستمر
لاحظ أن الردود لا تتضمن سوى أوامر مباشرة، لا يوجد فيها ما يشي بعاقبةٍ لمن يخلف طاعة الأوامر من أي نوع.
استمر المشاركون في زيادة قوة الصعقات وإطلاقها برغم صراخ المتطوع الآخر المستمر، برغم إعلانه في وضوح أن قلبه على وشك الانهيار، وأنه يرغب في الخروج فورًا.
نسبة 65% من المشاركين استمروا في التجربة، استمروا رغم توقف الصرخات تمامًا بعد الوصول إلى 345 فولتًا، ممَّا ينبئ بأن المشارك الآخر غالبًا فقد وعيه، أو ربما مات. استمروا حتى وصلوا إلى نهاية التدريج و450 فولتًا، بل وأطلقوها ثلاث مرات قبل أن ينهي المدير التجربة أخيرًا بنفسه.
بقية المشاركين (35%) انسحبوا من التجربة وامتنعوا عن طاعة أوامر المدير، لكن هذا لم يكن قبل وصولهم إلى صاعقة بقوة 300 فولت وأكثر، مثلما يوضح الرسم البياني السابق.
ما رأيك في هؤلاء الناس؟
أترغب في أن تعرف أشخاصًا مثل هؤلاء؟ هل ترغب أن يكون منهم أصدقاؤك؟ جيرانك؟ زملاؤك في الدراسة والعمل؟ هل ترغب أن يحيط بك أشخاص مستعدون لطاعة أوامر مرعبة تصل إلى حد قتل شخص بريء؟
أنت تفكر الآن، غالبًا، أن هؤلاء مجموعة من الأشرار قساة القلوب، وربما مجانين أيضًا. لن تفعل ذلك أبدًا لو كنت أحد المشاركين في التجربة، بل كنت ستدرك مبكرًا جدًّا خطأ ما يحدث وتنسحب فورًا، أليس كذلك؟
حتى عندما أُخبرك بأن كل هؤلاء أبدوا شتى مظاهر الرفض والاعتراض على ما حدث، وأن منهم من بكى بحرقة بينما يضغط الأزرار، ومنهم من دخل في هيستيريا ضحك عصبي، أو تجمد ذاهلًا غير قادر على النطق أو حتى التنفس، لن تغير هذه الحقيقة رأيك وستتمسك بفكرة أنهم برغم ذلك استمروا في ضغط الأزرار، لم ينسحبوا مثلما كنت ستفعل، أليس كذلك؟
بتفكيرك هذا أنت تتبع بدقة ما ذكَرَته الفرضية الثانية في موضوعي السابق: «في الغالب، نحن لا نعرف لماذا يفعل الآخرون ما يفعلونه». وبما أن هؤلاء الآخرين لم يفعلوا ما كنت تظن أنك فاعله في نفس الموقف، فهم أغبياء أو مجانين أو حقيرون أو منحازون.
حسنٌ، دعني أخبرك أمرًا، وأتمنى أن تتقبله بروح رياضية. في الغالب أنت، عزيزي قارئ هذه السطور، واحد من هؤلاء الذين سيضغطون كل الأزرار حتى إن مات الرجل في الغرفة الأخرى.
نعلم أنك طيب القلب رقيق الحواشي حسن الأخلاق، أنت فقط لا تعرف ما لا تعرفه (الفرضية الثالثة)، وأنت غير مدرك لقوة الموقف ولا قوة تأثيره في سلوكك وسلوك الآخرين (الفرضية الأولى، ونتيجة الفرضية الأولى).
يعرِّف علم النفس الاجتماعي الانصياع بأنه تأثير اجتماعي، يحدث عندما يتصرف الفرد بناءً على أمر مباشر من شخص يمثل مصدر سُلطة.
قد يهمك أيضًا: عوامل خفية تشارك في صنع قراراتنا
هناك عاملان رئيسيان يحكمان الموقف في هذه التجربة، يجب عليك إدراكهما واستيعابهما جيدًا قبل أن تحكم على أولئك بأنهم أشرار، أو على نفسك بأنك لن تفعل هذا أبدًا.
العامل الأول: الانصياع للسلطة (Obedience to Authority)
هذا هو العامل الأسهل في التخمين، فهدف التجربة الرئيسي كان بحث مدى تأثير الأوامر المباشرة من سلطات عليا في أشخاص عاديين.
نحن ننصاع لآبائنا، مدرسينا، مديرينا، حكوماتنا، أدياننا، التمرد لا يأتي إلا إذا قررنا في لحظة أن هذه ليست سُلطة حقيقية لسبب أو لآخر.
يعرِّف علم النفس الاجتماعي الانصياع بأنه «أحد أشكال التأثير الاجتماعي، يحدث عندما يتصرف الفرد بناءً على أمر مباشر من شخص آخر يمثل مصدر سُلطة. ويكون تصرفه مختلفًا عمَّا كان سيفعله عادةً بدون هذا الأمر المباشر».
وجب التنبيه أن الانصياع يختلف عن الامتثال، الذي نؤدي فيه الفعل نتيجة ضغط اجتماعي، مثلما هو الحال مع الدليل الاجتماعي.
ما يحدث في حالة الانصياع أننا نحمِّل الشخص صاحب الأمر مسؤولية الفعل بالكامل، فأنت تفكر: «أنا لست مسؤولًا عن النتائج، هو المسؤول وليس أنا»، لكن هذا لم يكن عذرًا مقبولًا أبدًا في كل الأعراف والقواعد البشرية، جرب أن تخبر القاضي في المحاكمة أنك قتلت تنفيذًا لأمر أحدهم فقط، سيشاركك هذا الأحدهم المسؤولية بالفعل، لكنك لن تتخلص منها.
نحن مبرمجون على الانصياع للسُّلطات، لا يمكن أن نعيش كبشر بدون وجود سُلطة حاكمة لمجتمعاتنا وتصرفاتنا، ليس هذا رأيًا فلسفيًّا بل طبيعة وجزء من كينونتنا كبشر. ولكن كي ندخل فعلًا في حالة الانصياع، اقترح ميلغرام وجود شرطين أساسيين:
- أن نقتنع فعلًا أن الشخص الذي يعطي الأمر سُلطة حقيقية مؤهلة لإعطاء أوامر تخبر الآخرين بما يجب عليهم أن يفعلوا.
- أن نؤمن فعلًا أن السُّلطة ستتحمل مسؤولية الفعل بالكامل بعد حدوثه.
في التجربة، كان مصدر السُّلطة هو المدير، عالِم يرتدي بالطو أبيض يقود تجربة في معمل فخم بجامعة من أعرق جامعات العالم. هذا مصدر سُلطة حقيقي بالتأكيد. في إعادات مختلفة للتجربة لم يرتدِ المدير بالطو معمل، وفي مرة أُجريت في مكان مختلف بدلًا من مقر الجامعة، هذه عوامل أدت إلى تقليل قوة السُّلطة الآمرة، وبالتالي كان الانصياع أقل بكثير.
نحن ننصاع لآبائنا، مدرسينا، مديرينا، حكوماتنا، أدياننا، طالما آمنَّا إيمانًا كُليًّا بأن هؤلاء هم السُّلطات المؤهلة لتوجيه حياتنا. وعندما لا نفعل، نشعر بالذنب والألم ونطلب العفو والمغفرة. التمرد لا يأتي إلا إذا قررنا في لحظة أن هذه ليست سُلطة حقيقية لسبب أو لآخر، عندها ننصاع لسُلطة أخرى جديدة قررنا اعتبارها كذلك، ونتوقف عن الانصياع للسُّلطة القديمة. التمرد ليس إلا انصياعًا أيضًا، ولكن لسُلطة جديدة.
قد يعجبك أيضًا: هل التعاطف صفة بشرية فطرية أم مكتسبة؟
العامل الثاني: منحدر زلق (Slippery Slope)
بحثتُ كثيرًا عمَّن يورد هذه الفكرة في تفسير نتائج التجربة، فلم أجد إلا ما قاله «ماثيو ليبرمان» في محاضرته بجامعة «UCLA» الأمريكية. برغم هذا أجد الفكرة منطقية بشدة، وذات أهمية محورية في تفسير النتائج.
الثابت أن أحدًا لا يبدأ التجربة بصاعقة بقوة 450 فولتًا، وحتى عندما فعلوها في محاكاة لاحقة للتجربة، رفض المشاركون إطلاق صاعقة بهذه القوة. يبدأ الجميع بصعقة محدودة بقوة 15 فولتًا، الخطوة التالية هي زيادة 15 أخرى لتصبح 30، ثم 45، ثم 60. الزيادة طفيفة وليست ذات أهمية كبرى، ماذا ستفرق الـ60 فولتًا عن الـ75؟ وماذا عن الـ90؟ سيتحملها بالتأكيد طالما تحمل الـ75، والـ105 ليست عنها ببعيد.
إنه منحدر زلق، ما أن تخطو فيه خطوة حتى يصبح التراجع أصعب، التقدم أسهل بكثير من التراجع، خطوة تجُرُّ خطوة تجُرُّ خطوة، هل الـ165 فولتًا رقم عالٍ لا يصح؟ إن قررت ذلك فمعناه أن زر الـ150 الذي ضغطته قبل دقائق كان خاطئًا أيضًا، فالفارق بينهما ليس كبيرًا، وإن كنت على حق في الـ150، فأنت كذلك في الـ165.
أين الخط الفاصل بين ما هو أخلاقي وغير أخلاقي؟ عند أي نقطة بالتحديد يستطيع المشارك أن يتوقف قائلًا: هذا خطأ؟ قد يسهل هذا إن كان معدل الزيادة 50 فولتًا مثلًا، يمكنه عندها أن يرى الزيادة بين الـ100 والـ150 خطرًا حقيقيًّا فيتوقف.
نصَّت الفرضية الخامسة لعلم النفس الاجتماعي على أننا نرغب في أن نكون مُتَّسقين مع أنفسنا، فلو توقفنا الآن سيعني هذا خطأ ما كنا نفعله سابقًا. نحن لا نحب الاعتراف بخطئنا، هذا شعور مؤلم غير مريح، الأسهل والأكثر راحةً أن نبقى مُتَّسقين مع نفس الشخص الذي كنا عليه قبل دقيقة، ونزيد التدريج 15 فولتًا أخرى.
لنعُد إلى السؤال الذي سألناه سابقًا: إذا كنت مشاركًا في التجربة، هل كنت لتستمر في إطلاق الصعقات؟ إن وضعَتْكَ الحياة في موقف تحت إمرة سُلطة وحشية تأمرك بأفعال وحشية صادمة، هل ستنفذها؟
ربما بوصولك إلى هذه النقطة من القراءة تفهم أنك ستميل إلى أن تفعل غالبًا، لكنك تفهم أيضًا أن هذا لن يعفيك أبدًا من مسؤولية أعمالك، فما ترتكبه يدك هو مسؤوليتك مهما كان الأمر. ربما سنفكر، بما تعلمناه عن طبيعة النفس البشرية المائلة إلى الانصياع، مرتين وقتها قبل التنفيذ في ما إذا كانت هذه السُّلطة الآمرة جديرة فعلًا بالطاعة، أتمنى أن نفعل.
محمد جمال