لسنا كائنات تقليدية: العلم يبحث في الحياة الجنسية لأسلاف البشر
هل تتفق منظومة الزواج الحالية، التي تجمع بين رجل واحد وامرأة واحدة، مع طبيعتنا كبشر؟
قد تبدو الإجابة واضحة لا تحتاج بحثًا وراءها، لكن العلماء لا يعترفون بالمسلَّمات، لذا توجَّب عليهم النبش في الماضي، في حياة أجداد البشر الذين عاشوا فوق الأرض منذ ملايين السنين، كي يُمحِّصوا الإجابة.
يؤثر فهمنا لسلوكيات البشر الأوائل في فهمنا لحاضر الإنسان، لذلك تزيد أهمية دراسة الماضي، لأنه يساعدنا في الربط بين التصرفات «الطبيعية» والتقاليد الثقافية، وفي إثراء نقاشاتنا الأخلاقية، لنتمكن من استنباط ما هو الأفضل للإنسان في الوقت الراهن، ولهذه الأسباب حاول مقال منشور في موقع «Evolution Institute» أن يتناول آراء العلماء المختلفة في تاريخ العلاقات الجنسية.
الحياة الجنسية للإنسان الحائر
تختلف آراء العلماء حول تطور سلوك البشر جنسيًّا، وأنماط التزاوج التي تبعتها، فقد مرت العلاقات الجنسية عبر التاريخ بعدة تحولات، إذ سيطر الجنس المشاعي على المجتمع البشري لفترة، ومارس الذكور والإناث على حد سواء الجنس مع أكثر من فرد دون الارتباط بشخص بعينه، ثم انتهت المشاعية، وظهرت منظومة الزواج على النحو الذي نعلمه مع اختلافات طفيفة.
يظل الإنسان حائرًا في ما يتعلق بالتوازن بين الجنس والحب والالتزام، وهذا ما يرجحه تتبع ماضي الإنسان، وتداخل دوافع الجنس والحب والإنجاب.
ينقل المقال عن العالمة في العلوم الإنسانية، «هيلين فيشر»، قولها إن «أسلافنا عاشوا فوق أرض وعرة، جعلت الرباط الزوجي ضروريًّا للإناث وعمليًّا للذكور، لذا تطور الزواج الأحادي، وهو عادة بشرية تعني الزواج من شخص واحد فقط في وقت محدد».
اقرأ أيضًا: علم النفس التطوري والسلوك الجنسي للبشر
يسيطر الزواج الأحادي من الجنس المغاير على معظم المجتمعات الحديثة، ويُعَد النموذج المُفضل للتزاوج، ومع ذلك كثرت التساؤلات حول هذا النمط من العلاقات باعتباره ممارسةً عفا عليها الزمن، أو تقليدًا قديمًا مُتأثرًا بتوقعات مبالَغ فيها، أو سلوكًا بشريًّا في حاجة ماسة إلى التعديل، خصوصًا حين انتشرت الفضائح الجنسية الخارجة عن الإطار المتفق عليه.
بحسب المقال، يرى «روبرت سابولسكي» أننا لسنا كائنات تقليدية تجري التعددية في جيناتها، أو تدفع الفطرة ذكورها إلى التنافس في ما بينهم للحصول على أكبر عدد من الإناث لحمل أبنائهم، فنحن كائنات مشوشة، لا ننتمى إلى ذلك أو ذاك.
اتفاقًا مع هذا الرأي، قد يصل الإنسان أحيانًا إلى تحديد الأفضل بالنسبة إليه في ما يتعلق بالتوازن بين الجنس والحب والحميمية والالتزام، لكنه يظل حائرًا في حياته بطريقة مأساوية، وهذا ما ترجحه علوم السلوك والبيولوجيا في تتبعها لماضي الإنسان التطوري، وتداخُل دوافعه للجنس والحب والإنجاب بعضهم مع بعض، والاختلافات الفردية في الميول الجنسية ودوافعها، وأخيرًا التأثير القوي للثقافة على الأشخاص.
أشكال العلاقات الجنسية للبشر الأوائل
يظن المرء، استنادًا إلى أهمية الجنس والتزاوج في المنحنى التطوري للإنسان، أن الانتخاب الطبيعي يمنحنا رؤية واضحة عن طبيعة الجنس الملائمة لنا ليستمر الجنس البشري، لكن هل يقدم التطور إجابة حاسمة؟
يبدو أن الإنسان يميل أحيانًا إلى الزواج المتكافئ، الذي يرتبط فيه الشخص بآخر من الخلفية العِرقية أو الاجتماعية الثقافية نفسها، لكنه يميل كذلك إلى «الزواج الخارجي»، الذي يترك فيه جماعته التي نشأ فيها للبحث عن أزواج محتملين، وقد أثبتت دراسة عمرها مليوني سنة أن إناث «الأسترالوبيثكس» (جنس قديم من أشباه البشر) كانت تترك جماعاتها لهذا السبب.
من الجرأة أن يدَّعي العلماء معرفة تفاصيل علاقات أسلافنا الجنسية، بسبب اختلاف سلوكهم عن الحفريات التي ندرسها الآن.
يرى كاتب المقال أن علم الأحياء لا يضع القوانين، لأنه مجرد دراسة للتوجهات العامة والميول، لذا تمنحنا الثقافات الإنسانية نماذج مختلفة للارتباط، مثل الزواج من الجنس المغاير، وزواج الأقارب، والزواج الأحادي، بالإضافة إلى تعدد الأزواج، وتعددية الزوجات، وأنماط أخرى كثيرة من العلاقات. وتؤكد هذه الروابط المختلفة أن طبيعة الجنس البشري غير بسيطة، بل تميل ميلًا واضحًا إلى التعقيد.
قد يعجبك أيضًا: كيف تطور الوعي البشري عبر التاريخ؟
هل سيصل العلم إلى إجابة؟
من الجرأة غير المحسوبة، حسب المقال، أن ندَّعي معرفة كل ما يخص تفاصيل علاقات أسلافنا الجنسية، إذ تخدعنا محاولات تفسير الماضي، بسبب اختلاف سلوك البشر الأوائل عن الحفريات التي يمكن حفظها لملايين السنين حتى يحين موعد دراستها.
قد يعجبك أيضًا: علاقة واحدة ربما لا تكفي: هذا ما لا يخبرنا به العلم
هل ستنير لنا الأنثروبولوجيا الثقافية، وعلم النفس، وعلم الوراثة، ودراسة التشريح الطريق من أجل الحصول على إجابات صريحة عن حياة أسلافنا الجنسية، لتضيف إلى نقاشاتنا بشأن ما يناسبنا من علاقات في عصرنا الحاضر؟ أم ستهدَر جهود الباحثين وسط الترجيح والتخمين المستمر؟
ندى حنان