حب إيه؟ الرومانسية الحالمة قد تفسد صحتك
هل عشتَ تحلم بنعيم القُرب من الحبيب، ثم ارتطمت بواقع تمتزج فيه لحظات الحب الحلوة بالأنين والخذلان؟ أو حلمت بالحب غير المشروط وخاب أملك؟ ربما كان عليك أن تكفَّ عن البحث عن هذه الرومانسية الخيالية، لأن إصرارك عليها قد يصيبك بالأمراض، حسبما أكدت «سوزان فوسمر»، المحاضِرة في مجال علم النفس السريري بجامعة هال الإنجليزية، في مقال على موقع «The Conversation».
الحب الرومانسي أسطورة
يعود أساس التصوُّر الرومانسي لعلاقة الحب بين الرجل والمرأة إلى الأساطير الإغريقية، تحديدًا كتاب «المأدبة: فلسفة الحب» لأفلاطون، الذي يصف جلسة جماعية شارك في إحيائها الفيلسوف سقراط والشاعر «أريستوفان» (Aristophanes)، وفيها اعتبر أريستوفان أن الآلهة الإغريقية الغاضبة قررت أن تشطر البشر إلى نصفين، رجال ونساء، وبهذا يكون الحب هو رغبة كل طرف في العثور على نصفه الآخر، أو «توأم روحه».
تشير فوسمر إلى أن حالة الحب الرومانسي في المجتمعات الغربية تتخذ شكلًا نمطيًّا، يصبو فيه كلٌّ من الرجل والمرأة إلى نصفه الآخر الذي يكمله، غير أن قليلين فقط ينعمون بمثل هذا الحب الحالم.
لا تزال هذه القوالب والأنماط الجاهزة للعلاقات، مثل أسطورة الحب الرومانسي، موجودة في الثقافات الشعبية وقصص الحب وأفلام الكوميديا الرومانسية، وكثيرًا ما يبحث الأشخاص عن «نصفهم الآخر» المثالي دون أن يكونوا واعين تمامًا لذلك، لأن هذه القوالب النمطية المُلحَّة شكَّلت هُويَّاتهم الاجتماعية بالفعل، لكن معدَّلات الطلاق المرتفعة، من ناحية أخرى، تثبت أنه لا توجد للأرواح توائم.
قد يهمك أيضًا: لماذا يصعُب على جيل الألفية العثور على شريك الحياة؟
ماذا عن الحب على الإنترنت؟
يهرب كثير من الناس هذه الأيام إلى العالم الافتراضي للبحث عن العلاقات المثالية، فيلجؤون إلى مواقع التعارف، ويستخدمون هواتفهم لإرسال رسائل حب، ويتبادلون رسائل الغزل الجنسي (Sexting) للتخلص من مشاعر الوحدة، أو من آلام فقد أشخاص غالين، أو لتعويض نقص الحميمية.
ففي براح شبكة الإنترنت يمكننا أن نكون ما نريد، وهذا الأمر يحقِّق لنا نشوة بالغة، غير أنه يجذبنا أيضًا إلى عالم تخيلي هو عالم اللا وعي، الذي تتحقق فيه رغبات لم نكن نعلم حتى بوجودها في داخلنا.
أثبت العلم أن انكسار القلب بسبب العلاقات الفاشلة يؤثر على الصحة النفسية والبدنية.
تشير كاتبة المقال إلى أنه من السهل أن يُدمن الواحد منا الدخول إلى هذا العالم لأنه لا مجال لمقارنته بالواقع، بل قد يكون الرجوع إلى الواقع صعبًا أو حتى مستحيلًا، وهذا ما تُظهِره معدَّلات إدمان مواقع التواصل الاجتماعي والخيانة عن طريق الإنترنت.
اقرأ أيضًا: خبير سابق في غوغل يرصد كواليس هوسنا بوسائل التواصل الاجتماعي
قد يكون للتعلُّق بهذا العالم الافتراضي آثاره العاطفية، مثل الضغط النفسي واليأس والغضب والألم، وآثاره السلوكية، مثل الشجار ونشر صور فاضحة بغرض الانتقام والطلاق وتعاطي المخدرات واضطراب الشهية ورفض تناوُل الطعام.
وهناك صلة موثَّقة علميًّا بين الضغط النفسي وانكسار القلب بسبب العلاقات الفاشلة، وكلٍّ من الصحة النفسية (الاكتئاب، واضطراب الوسواس القهري، والأرق) والصحة البدنية (الإرهاق).
قد يعجبك أيضًا: لماذا نقع في الحب: لما تكون خيبة الأمل ضرورية للشعور بالارتياح؟
ما بين الجينات والحب
ما زلنا لا نعرف آثار التعلُّق بأوهام الحب الوردي والبحث عنه في العالم الافتراضي على وجه الدقة، وَفقًا لسوزان فوسمر، غير أنه لا شك أن العقل يتأثر بشدة بجودة العلاقات الاجتماعية التي نخوضها.
إذا كان انكسار القلب يضر صحتنا النفسية، فهل يعني ذلك وجود رابط بين الجينات ونفسية الإنسان؟
وجد «علم التخلُّق» (Epigenetics)، الذي يدرس تأثير العوامل الخارجية والبيئية على جينات الإنسان، أن هذه العوامل تستطيع تثبيط عمل بعض الجينات دون أن تغيِّر الجينات نفسها، ويشير هذا إلى وجود روابط بين «تمَظهُر الجينات» (Gene Expression)، وهي الطريقة التي تتحول بها الشفرة الجينية إلى سلوك عضوي ملموس أو إلى تغيرات في البيولوجيا العصبية أو السلوك، وبين التجارب الاجتماعية من ناحية أخرى.
اقرأ أيضًا: ما لا يستطيع العلم كشفه عن مشاعرنا
وحسب كاتبة المقال، تفسِّر مجموعة من الأدلة العلمية المتزايدة كيف يمكن للبيئة الاجتماعية أن تؤثِّر فينا من خلال آليات التخلُّق، وكيف يمكن لهذه التأثيرات الحسيَّة الناتجة عن تجاربنا الاجتماعية أن تُورَّث.
إذا كانت المشاعر والأفكار الواعية والمعتقَدات اللا واعية تشكِّل جزءًا من البيئة الاجتماعية وتؤثر على الجينات من خلال آليات علم التخلُّق، فما التبعات طويلة المدى الناتجة عن أسطورة الحب الحالم؟ وإذا كان انكسار القلب يؤدِّي إلى اعتلال الصحة النفسية، فهل يعني ذلك وجود رابط بين عمليات التخلُّق ونفسية الإنسان؟
في غياب الدراسات المبنية على الأُسُس العلمية الصحيحة، ما زلنا لا نستطيع أن نجزم بوجود علاقة أكيدة بين عمليات التخلُّق وإخفاقنا في العثور على «حب حياتنا»، مع أن تأثير الضغوط الناتجة عن هذا الإخفاق على الجهاز المناعي والقلب والصحة النفسية حقيقة ثابتة علميًّا.
ابحث عن «الحب الحقيقي»
على الأرجح، شاهدنا جميعًا فيلمًا ظلَّت بطلته تبحث عن «توأم روحها» الذي تقع في غرامه «من أول نظرة»، أو قرأنا تلك الرواية التي يؤمن بطلها بأن الحب الحقيقي «لا يأتي سوى مرة واحدة»، أو تابعنا فيلم رسوم متحركة يجتمع البطلان في نهايته ليعيشا معًا «في سعادة أبدية»، أو دندنَّا أغنية يرى مؤديها حبيبته «كاملة الأوصاف».
ينبغي لنا أن نتحرر من هذه الخرافات التى تصُبُّ الحب في قالب واحد، حسب فوسمر، لأن مظاهر الحب وعلاماته تختلف وتتنوَّع بقدر تنوُّع البشر أنفسهم، وقد تكون طريقة التعبير عن الحب بسيطة، ولكنها تعكس اهتمامًا بالغًا.
ابحث عمَّن يَسعَد بقربك، ويشاهد معك فيلمك المفضَّل، ويُعِدُّ لك قهوتك الساخنة، ويضحك على نِكاتك، لأننا لو حطَّمنا أسطورة الحب الرومانسي ستكون لدينا توقعات أكثر واقعية لطبيعة علاقاتنا، وبهذا نحيا حياةً سعيدة وصحِّية في آن واحد.
دينا ظافر