الوقاية هي العلاج: لماذا علينا أن نعيد تعريف «الشفاء» من السرطان؟
مع كل التقدم الذي وصل إليه الطب، سواءً في مجال الأدوية أو المعدات، لم يكتشف حتى الآن العلاج النهائي لمرض السرطان. وبينما نسمع باستمرار عن دواء أو بحث يقترب من التغلب على المرض، فهناك سعي كبير في منطقة أخرى هي معرفة مسببات المرض للوقاية منه.
في محاولة لمعرفة أي الطرق هو الأقرب للوصول إلى نتيجة، نشر موقع (Vox) مقالًا يبحث في طرق العلاج الحالية، لكن سؤاله الأهم كان: ماذا يعني أن «نعالج» السرطان؟
هل يمكن «علاج» السرطان؟
تركز مشروعات الرعاية الصحية عادةً على علاج السرطان، فتُنفق الملايين في الدراسات والأبحاث المتعلقة بالمرض، وتبحث عن طرق للوصول بالعلاج إلى شريحة أكبر، بالإضافة إلى تحسين طرق الوقاية، لكن تبقى الدراسات التي تبحث عن «علاج نهائي» للسرطان هي الشغل الشاغل للبحوث الطبية.
التجربة تخبرنا أن القضاء على السرطان بالعلاج أمر شديد الصعوبة، فالمريض الذي يُعالَج هذا العام من سرطان البروستاتا، سيعود غالبًا بعد سنة أو اثنتين وقد ظهر المرض في أماكن أخرى من جسده، وحينها سيحتاج إلى علاج جديد لإبقاء المرض في حالة خمول.
المشكلة، من وجهة نظر كاتب المقال، أن التركيز يَنْصَبُّ على إيجاد علاج سحري للمرض، في حين أن التركيز الحقيقي يجب أن يكون على الوقاية بقدر ما هو على العلاج.
ربما يكون الأفضل إعادة تعريف كلمة «علاج»، إذ يقترب العلماء حاليًا من الوصول إلى طرق للوقاية قد تقضي على السرطان.
محاولات صائبة.. في الطريق الخاطئ
يذكر كتاب «موت السرطان» (The Death of Cancer) أن البداية الحقيقية لمكافحة هذا المرض في أمريكا كانت في سبعينيات القرن الماضي، والغريب أن الأمر بدأ كمبادرة من بعض السياسيين والمحامين.
في ذلك الوقت، كان تعريف علاج السرطان هو استئصاله، ولهذا بدا العلاج الكيميائي (Chemotherapy) بالنسبة إلى السرطان كالمضادات الحيوية بالنسبة للأمراض الأخرى. ومنذ ذلك الحين أُنفقت ملايين الدولارات لاختراع أدوية جديدة، وكان أحدث شكل للحرب ضد السرطان هو مشروع (Moonshot)، الذي أطلقه الرئيس الأمريكي باراك أوباما عام 2016.
خلال هذه الأعوام حصلت طفرة في مجال أدوية السرطان، وانتقل أطباء الأورام من العلاج الكيميائي الذي يحمل نسبة سُمٍّ إلى علاج الجزئيات المريضة مباشرة (Molecular Therapies)، ومؤخرًا تطورت علوم العلاج المناعي (Immunotherapy) لتحفيز الجهاز المناعي على مقاومة المرض.
ولكن مع كل علاج جديد يظهر، يتضح أن وجود دواء نهائي للمرض طموح بعيد جدًّا، فأنواع السرطان كثيرة ويصل عددها إلى آلاف، ولكل نوع طريقة خاصة للقضاء عليه. وعلى سبيل المثال، فإن سرطان الرئة غير صغير الخلايا (NSCLC) هو أكثر نوع سرطان مسبب للوفاة في الولايات المتحدة.
طبقًا لبيانات «المركز القومي للأورام» (National Cancer Institute)، نصف مصابي سرطان الرئة في أمريكا تم اكتشاف مرضهم بعد انتشار الورم خارج الرئة بالفعل، وتقترب نسبة الوفيات بين حاملي المرض من 80% في العام.
توصل العلماء إلى أكثر من 15 «شكلًا» يمكن أن يصل إليه سرطان الرئة، وهذه الأشكال نفسها موجودة في معظم أنواع السرطان، الأمر الذي يصعِّب عملية العلاج بالطبع.
يبدو الأمر صعبًا كمحاولة هزيمة جيش كامل عن طريق القضاء على عدد محدود من جنوده، وكذلك لا يمكن القضاء على نوع كامل من السرطان باستخدام علاج واحد.
اقرأ أيضًا: اهتم بوضعية جسمك تستقم قامتك.. وحياتك
الوقاية هي العلاج
بسبب صعوبة الوصول لشفاء تام، يفضِّل أكثر من 60% من أطباء الأورام عدم إخبار المرضى بأنهم قد تمَّ علاجهم نهائيًّا من السرطان، لأنه حتى مع أحدث طرق العلاج يُمكن الحدُّ من انتشار المرض، لكن من الصعب القضاء عليه.
الوقاية هي الحل، والوقاية تستلزم الامتناع عن التدخين، والتغذية الجيدة، ومزاولة النشاط الرياضي.
الوقاية ليست خيرًا من العلاج، الوقاية هنا هي أفضل علاج. فبينما تعاني دول الخليج من تعاظُم معدلات الإصابة بسرطان الثدي، التي زادت في الإمارات مثلًا بنسبة 20% منذ 2009 طبقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية عام 2013، استطاعت الولايات المتحدة حماية قرابة 1.7 مليون شخص من الموت بالسرطان في آخر عقدين، ويعود هذا إلى الاهتمام الكبير بالوقاية بطُرُق عديدة؛ منها فحص الثدي بأشعة الماموجرام (Mammography)، ومنظار القولون (Colonoscopy)، وانتشار التطعيم.
الأهم من هذا هو نجاح الوقاية في أن تضع حدًّا لأنواع من السرطان لم يُكتشف علاج لها بعد.
قد يعجبك أيضًا: 6 أفلام عن السرطان.. لأنه لا يأخذ عطلة في نهاية الأسبوع
ترتفع احتمالية الإصابة بسرطان الكبد، وهو ثاني أكبر سبب للوفاة بالسرطان في العالم، بين المصابين بالتهاب الكبد C إلى 17 ضعفًا مقارنة بمن ليس لديهم فيروس C. في مصر وحدها، تصل معدلات الإصابة بفيروس C إلى 1 من كل 10 أشخاص متوسط أعمارهم بين 15 و59 عامًا، وهو ما يجعلهم معرضين للإصابة بسرطان الكبد أيضًا أكثر من غيرهم.
حتى وقت قريب لم يكن هناك علاج نهائي لفيروس C، إلى أن اعتُمد في 2013 عقار «سوفوسبوفير» (Sofosbuvir)، المعروف تجاريًّا باسم «سوفالدي» (Sovaldi)، كوقاء دائم من الفيروس، وبالتالي قلَّت نِسَبُ الإصابة بسرطان الكبد.
نجاح «سوفالدي» في القضاء على فُرَص الإصابة بالسرطان أعاد النظر في كيفية علاجه.
الوقاية هي الحل، والوقاية تستلزم الامتناع عن التدخين، والتغذية الجيدة، ومزاولة النشاط الرياضي، وهذه الممارسات تقي من نصف أنواع السرطان تقريبًا، وبالتركيز عليها ربما نتوصل للقضاء على المرض الذي طارد البشرية لأكثر من نصف قرن.
على الرغم من هذا، يظل الاهتمام منصبًّا على اكتشاف علاج جديد. وحتى الآن، تهمِل المشروعات المخصصة لعلاج السرطان مسألة الوقاية، كما يُلاحَظ في مشروع أوباما السابق ذكره؛ فأولويات المشروع العشر تهتم قليلًا بالاكتشاف المبكر للسرطان كأحد جوانب الوقاية، فيما ينصبُّ التركيز الأكبر على العلاج، لكن العكس هو ما يجب أن يحدث.
إن الاستمرار في هذه السياسة بالطبع قد يؤدي إلى إيجاد «علاج مناسب» لعدة أنواع من السرطان، لكن ليس «العلاج النهائي»، في حين تبقى الوقاية أفضل حل ممكن، ويظلُّ الاهتمام بها هو «العلاج» الذي يحلم به الكثيرون للقضاء على السرطان.
أندرو محسن