شهود أكثر.. فرص نجاة أقل: كيف تنجو بحياتك من الجهل الجمعي؟
كانت «كاثرين جينوفيس» جميلة حقًّا. كانت في الثامنة والعشرين من العمر، تعمل نادلة في بار بمدينة كوينز في ولاية نيويورك الأمريكية. أنهت عملها في تلك الليلة، 13 مارس 1964، وتأكدت من إغلاق البار في الثالثة صباحًا، ومضت إلى منزلها. كانت جميلة فعلًا، وربما كان هذا الجمال ما قضى عليها، ويبدو أنه كان مبررًا كافيًا لـ«وينستون موسيلي»، صاحب الـ29 عامًا والسجل الذي يحوي عددًا لا بأس به من الإدانات في جرائم عنف جنسية.
تتبعها موسيلي إلى الحي الذي تسكن فيه، وهجم عليها وطعنها أربع طعنات في ظهرها. صرخت كاثرين، صرخت مثلما ستصرخ أي امرأة تتعرض للطعن في شارع خالٍ في الثالثة صباحًا. صراخها أيقظ الجيران وسكان الشارع، أُضيأت أنوار عدد لا بأس به من النوافذ، ممَّا ينبئ بسكان يتابعون ما يحدث، ناهيك بمن شاهدوا من دون أضواء. صرخ واحد من السكان: «ماذا تفعل؟ دعها وشأنها».
إثر صرخته، أصيب وينستون موسيلي بالرعب وجرى ليختبئ غير بعيد عن كاثرين الملقاة على الأرض تنزف وتبكي، تصرخ طلبًا للمساعدة، مساعدة لم تأتِ.
مرت دقائق على الفتاة ولم يحدث شيء، تشجع وينستون، عاد ليطعنها عدة مرات أخرى، شرع في اغتصابها، ما زالت حية، ما زالت تنزف وتصرخ، ازداد عدد النوافذ المضاءة بشكل أثار خوفه، هرب مرة أخرى واختبأ، فقط ليعود مثلما عاد قبل قليل عندما وجد ضحيته لا تزال تنزف وتصرخ على الأرض دون أدنى مساعدة ممَّن يشاهدون، دون حتى أن يتصل أحدهم بالشرطة.
واحد من الجيران هاتف الشرطة فعلًا، لكن بعد أكثر من نصف ساعة من بدء الحادث، بعد أن ماتت كاثرين وهرب وينستون، ماتت أمام أعين 37 مواطنًا شهدوا أحداث الجريمة بوضوح من منازلهم، دون أن يرفع أحدهم إصبعًا لمساعدتها.
«37 شاهدوا الجريمة ولم يبلغوا الشرطة»
كان هذا عنوانًا في الصفحة الرئيسية لجريدة «النيويورك تايمز» بعد أسبوعين من الحادث، بعدما عرف أحد الصحفيين تفاصيل الجريمة بالصدفة.
الصدمة هزت الولايات المتحدة الأمريكية بالكامل. لم تكن الصدمة للجريمة ذاتها، فجرائم العنف الجنسية ليست غريبة على المجتمع الأمريكي ولا على الجنس البشري عمومًا، إنما كانت الصدمة في أولئك الذين شاهدوا الحادث بالكامل ولم يرفعوا حتى سماعة الهاتف.
اقرأ أيضًا: بيولوجيا الشر: علماء الأحياء يحاولون إجابة أصعب أسئلة الفلسفة
في كتابه الأشهر «التأثير: سيكولوجية الإقناع»، يحكي الدكتور «روبرت سيالديني» أن التفسير الوحيد المتاح وقتها كان الانتقاد التقليدي/الكلاسيكي الذي يُلقيه أبناء المدن المتروبوليتانية (الكبرى) على أنفسهم في مثل هذه الحالات: «شهود الحادث، مثلما كنا لنفعل جميعًا، لم يهتموا بما فيه الكفاية ليتدخلوا لإنقاذ الفتاة. نحن نتحول إلى أمة من الأنانيين عديمي الإحساس. قسوة الحياة اليومية، خصوصًا حياة المدينة، جعلتنا أكثر قسوة، صرنا مجتمعًا باردًا لا يشعر ولا يهتم بمعاناة الآخرين».
لكن، هل هذا هو التفسير الحقيقي لما حدث فعلًا؟
الدليل الاجتماعي (Social Proof)
فجأة ينظر الجميع حولك إلى أعلى بدون سبب واضح، ماذا ستفعل؟ ستنظر إلى أعلى بالطبع. الجميع يجرون في رعب في اتجاه ما، أنت لا تعرف السبب، لكنك لن تذهب بالتأكيد في عكس اتجاههم، ستجري معهم، وربما تشاركهم صرخات الرعب أيضًا.
الدليل الاجتماعي مسؤول عن بقائك حيًّا، لكن هناك ثغرات في هذه الظاهرة النفسية.
إنه الدليل الاجتماعي، الظاهرة النفسية التي تحدث عندما يحاكي الفرد أفعال الآخرين، محاولًا إيجاد التصرف الصحيح في موقف ما. هذا هو الكود المكتوب في برامج تشغيل كل الكائنات الحية تقريبًا، وهو المسؤول عن تولي القيادة بدلًا منك في أمور شَتَّى.
إن توقفت لتفكر في السبب الذي يجعل كل هؤلاء الناس يجرون، وأخذت وقتك في اتخاذ قرار بمشاركتهم أو لا بناءً على نتائج تفكيرك المنطقي، سيكون النمر الذي يطاردهم قد بلغك وصرت وجبة غدائه وانتهى كل شيء. إنه برنامج الطيار الآلي الذي يتولى القيادة في هذه اللحظات، اجرِ أولًا، وفكِّر لاحقًا.
يبدو شيئًا رائعًا، هو كذلك بالفعل، فهو مسؤول بشكل جزئي عن نجاتنا وبقائنا أحياء، نحن وشتى أنواع الكائنات الحية. لكن، والحق يقال، إنه ليس بهذه الكفاءة، هناك من الثغرات في سطور كود البرنامج ما يسبب عدة أنوع من الأخطاء في التشغيل اليومي.
تأثير المتفرج (Bystander Effect)
في حالة كثرة الشهود في مشكلة ما، تتوزع مسؤولية المساعدة عليهم جميعًا، فيتكاسل المرء عن المساعدة.
الضجة الكبيرة التي أثارها حادث موت كاثرين المؤسف أشعلت فضول اثنين من علماء علم النفس في نيويورك، «بيب لاتان» و«جون دارلي». كانا باحثَين صغيري السن مليئين بالحماس، خصوصًا أن صدى تجربة ميلغرام الشهيرة عن طاعة السُّلطات كان لا يزال يدوي في الهواء. علم النفس الاجتماعي وقتها بدأ نجمه يعلو، وصار مجالًا يغري الجميع بدخوله وترك بصمتهم فيه بشكل أو بآخر.
درس لاتان ودارلي تفاصيل الحادث معًا، وقرءا شهادات الشهود وتعليقاتهم، وقدما التفسير الأغرب: ربما كانت كاثرين لتظل حية لو كان عدد أقل من الشهود موجودًا وقتها.
قدم الباحثان إلى العالَم نظريتهما عن «تأثير المتفرج»، وهي نظرية تقترح ببساطة أن احتمالية مساعدة من يتعرض لخطر ما تتناسب عكسيًّا مع عدد الشهود على ما يحدث، ويرجع هذا إلى سببين:
- كثرة الشهود، إذ تتوزع مسؤولية المساعدة عليهم كلهم، فإن كان الجميع يشهدون ما يحدث، «لماذا عليَّ أنا بالذات المساعدة؟».
- الجهل الجمعي (Pluralistic Ignorance).
ما هو الجهل الجمعي؟
هذه فكرة مهمة ومحورية في علم النفس الاجتماعي، وتعيدنا إلى الحديث عن موضوعنا الرئيسي مرة أخرى: الدليل الاجتماعي.
أنت ترى تلك الفتاة، يبدو على وجهها القلق وتتحرك في توتر بين الزحام في الحافلة. تتعرض للتحرش؟ أم هي تبدو كذلك فقط نتيجةً للجو الخانق وضيق الحافلة؟ ربما هي متأخرة عن موعد ما وقلقة مثلًا؟
هل تذهب إليها وتسألها عمَّا يضايقها؟ لا لا لا، ستكون الأحمق الوحيد الذي يفعل. أترى كل من حولك؟ لا أحد يبدو عليه أنه يرى شيئًا خاطئًا غيرك، الجميع يبدون واثقين ممَّا يرون، فاهمين كل ما يحدث، سيسخرون منك عندما تسألها بمنتهى الغباء إن كان يحدث ما يضايقها، ولربما اعتبروك أنت المتحرش.
لا تفعل شيئًا، قف ثابتًا، ضع على وجهك قناع الذكاء وعدم المبالاة حتى لا يعرف الآخرون أنك بهذا الغباء، تشاغل بالعبث في هاتفك.
يدور هذا الحوار في عقلك كلما شهدت واقعة مشابهة، تتخذ قرارك معتقدًا أنك ذكي بما يكفي للوصول إليه بناءً على عملية تفكير منطقية ذكية راجعة إلى مهاراتك الاجتماعية العالية التي حمتك من لحظة إحراج قاسية.
لكنك لم تفكر أبدًا أن كل الواقفين حولك في الحافلة المزدحمة يمرون بنفس سلسلة الأفكار التي حسبتها أنت نتاجًا خاصًّا لعقلك المميز، الجميع حولك، مثلك، يرون شيئًا خطأً يحدث، لكن أحدًا ليس متأكدًا من ذلك، فيبحث عن الدليل على حدوثه في تصرفات الآخرين، مع المحافظة على تصرفاته الشخصية هادئة جامدة لا تعبِّر عن شيء من توتره الداخلي، حفاظًا على مظهره الاجتماعي.
النتيجة أن الجميع يبدون غير مهتمين بما يحدث، والفتاة هناك تعيش واحدة من ألعن لحظات حياتها. تهانينا، لقد مررت لتوك، أنت وكل أولئك المحيطين بك، بتجربة «الجهل الجمعي».
اقرأ أيضًا: 10 من أفكار «سيغموند فرويد» المؤثرة في علم النفس إلى اليوم
كل شاهد في مقتل الفتاة كاثرين جينوفيس كان يبحث في تصرفات باقي الشهود عن دليل للتصرف الأمثل الذي يجب عليه اتباعه، دون أن يعلم أن البقية مثله يبحثون فيه كما في الآخرين عن دليل لهم، فلم يحرك الجميع طرفًا، وقُتلت كاثرين.
التفسير كان مزعجًا، غريبًا، أكثر تعقيدًا وأقل دراميةً من التفسير الأسهل بأننا صرنا مجتمعًا باردًا قاسي القلب عديم الأخلاق. لم يكن التفسير مناسبًا للعناوين الرئيسية في الجرائد، لكن مختصي علم النفس الاجتماعي لا يهتمون بعناوين الصحف، إنما هدفهم الأوراق العلمية، ولتحقيق هذه لا يكفي تقديم تفسير مبني على افتراضات فكرية، لا بد من إثباته بالتجارب، التي هي أكثر جوانب علم النفس الاجتماعي متعة.
في مقطع الفيديو السابق، شاهدنا كيف يتَّبع الفرد وضعية وقوف باقي ركاب المصعد الأغراب عنه تمامًا، ويقلدهم في حركاتهم وتصرفاتهم الغريبة لمجرد أن كلهم يفعلونها.
بالطبع كل ركاب المصعد ممثلون متفقون على خطواتهم من قبل. هذه تجربة بسيطة مثيرة للضحك ويسهل تخمين نتائجها قبل حدوثها، توضح كيف نتبع مبدأ الدليل الاجتماعي بشكل أعمى دون فهم الأسباب، أما التجارب التالية فليست بمثل هذه البساطة ولن تثير الضحكات بالتأكيد.
عندما يجلس الشخص موضوع التجربة وحيدًا في غرفة، ثم يرى دخانًا أبيض غريبًا يدخل عبر فتحات التهوية، سيفزع فورًا بالتأكيد وينادي طلبًا للمساعدة، أو يخرج من الغرفة، أو يصدر عنه رد فعل يوضح قلقه من الدخان.
أما عندما يحدث الشيء نفسه في وقت يكون فيه ذلك الشخص مع أغراب في الغرفة، سيتأخر رد فعله لفترة طويلة، إذ يتفقَّد الحاضرون ردود أفعال الآخرين بحثًا عن رد الفعل المناسب، ويستغرق هذا وقتًا كافيًا لوقوع مصيبة لو كان مصدر الدخان حريقًا، أو لو كان سامًّا.
إنهم يستخدمونه لخداعنا
هل سمعت بمسلسل «Friends» الأمريكي؟ حسن، شاهد مقطع الفيديو السابق إذًا.
ما رأيك؟ لو كنت تعرف المسلسل فستجد شيئًا ناقصًا، أليس كذلك؟ هناك بعض النكات جعلتك تبتسم دون شك، ولكن.. هذا ليس «Friends» المعتاد، يبدو ساذجًا قليلًا، سمجًا أحيانًا، «جوي» يبدو أكثر غباءً من المعتاد مثلًا؟ ماذا حدث؟
إنه افتقاد «الضحك المعلَّب» يا سادة، هدية مهندس الصوت الأمريكي «تشارلز دوجلاس» إلى صُنَّاع الكوميدية الكسالى محدودي الموهبة في جميع أنحاء العالم. أنت تسمع الضحكات المسجلة، تعرف أنها كذلك، لكن هذا لا يمنع أنها تدفعك إلى الضحك فعلًا حتى لو كانت المزحة سخيفة، لأنه إن كان هناك آخرين يضحكون، فلا بد أن الأمر مضحك فعلًا، أليس كذلك؟
يتولى الدليل الاجتماعي قيادة تصرفاتك تحت تأثير الشك والغموض.
أما في الدعاية والإعلان فحدث ولا حرج. يخبرونك في كل الإعلانات أن الناس كلهم يشترون ذلك المنتج، خصوصًا أولئك مَن يبدون مثلك ويتحدثون بلهجتك ويعانون نفس مشكلاتك. أنت تعلم أن كلهم ممثلون، وكل ما حدث في الإعلان وليد خيال المخرج أو صاحب الفكرة، أنت ذكي بما فيه الكفاية ولن تصدق هذا.
أهنئك على ذكائك، لكن لا تنسَ أنك تختار نفس المنتج في كل مرة مِن بين منافسين بالعشرات قد يتفوقون عليه في الجودة والسعر، لماذا؟
بالبحث عن «Social Proof» على الإنترنت، سنجد أن نتائج البحث التي تخص علوم التسويق (Marketing) تساوي تقريبًا نتائج علم النفس الاجتماعي، أما لو بحثنا باللغة العربية عن «الدليل الاجتماعي» فلن نجد سوى نتائج قليلة وكلها تقريبًا عن التسويق، فلا أحد يهتم بعلم النفس الاجتماعي في المنطقة العربية، لكن الكل يهتمون بالتسويق.
قد يهمك أيضًا: كيف تطور الوعي البشري عبر التاريخ؟
شروط تحقق الدليل الاجتماعي
يقترح روبرت سيالديني أنه كي يتولى الدليل الاجتماعي قيادة تصرفاتك، يجب توفر على الأقل شرط من اثنين، وبالطبع كلما زاد تأثير هذا الشرط أو اجتمع الشرطان، صار التأثير عليك أقوى.
الشرط الأول: الشك والغموض (Uncertainty & Ambiguity)
ربما كان هذا واضحًا في الحديث عن مقتل كاثرين ومفهوم الجهل التعددي، فكلما أصبح الموقف غامضًا وملتبسًا على الشخص، بحث أكثر في تصرفات الآخرين عن دليل يقوده إلى التصرف الأمثل.
الشرط الثاني: التشابه (Similarity)
يعمل الدليل الاجتماعي بأقصى قوته عندما نلاحظ أولئك الذين يماثلونا، مَن نتشابه معهم في السن والجنس واللون والدين والطبقة الاجتماعية، أولئك الذين يشجعون نفس فريقنا ويتحدثون بنفس لهجاتنا، أولئك الذين يرتدون نفس نوع الأحذية ويفضلون الملابس المخططة بالعرض عن تلك المخططة بالطول. كلما زادت تفاصيل التشابه بيننا وبين المحيطين بنا، صرنا أكثر عرضةً للتأثر بتصرفاتهم واعتبارها التصرفات الأمثل في المواقف الحالية.
كيف نحصل على المساعدة عندما نحتاجها؟
بوصولك إلى هذه النقطة من الموضوع، أنت تعرف الآن أنه إذا تعرضت لحالة طوارئ في شارع يعج بالمارة، فإن احتمال حصولك على المساعدة أقل بكثير من احتمالات حصولك عليها في حالة مرور عدد قليل من الناس. لكن معرفتك بمبدأ الدليل الاجتماعي تعطيك أسلحة تمكِّنك من الحصول على المساعدة التي تحتاجها.
في حالة تعرضك للطوارئ في شارع يعج بالمارة، عليك أن تخصَّ شخصًا واحدًا بالنداء طلبًا للمساعدة.
الناس لا يساعدون الضحية ليس بسبب قسوة قلوبهم كما عرفنا، بل لأنهم لا يدركون إن كانت هناك حالة طوارئ فعلًا أم لا، وغير متأكدين إن كان عليهم المساعدة أو تطبيق مبدأ «هذا الأمر لا يخصني»، خصوصًا في المدن الكبرى التي يعيش الجميع فيها أغرابًا عن بعضهم.
لذا، كل ما عليك فعله، طبقًا لنصيحة سيالديني، في حالة تعرضك لحالة طوارئ مَرَضية مثلًا أن توضح بشكل صريح لا يحتمل اللبس أن ما يصير الآن حالة طوارئ تتطلب تدخلًا مباشرًا من المارة. صرخات الألم غير واضحة المعنى قد لا تُحدث نتيجة مباشرة، إذ يسهل على المارة أن يفكروا أن هذا شخص مجنون آخر من أولئك الهائمين في الطرقات دون مأوى، أو شحاذ يفتعل مأساة ليحصل على بعض النقود، ويبتعدون راضين عن أنفسهم.
ربما لن تُجدي صرخات طلب المساعدة من الجمهور كذلك، فالمسؤولية تتوزع على الجميع، وقد لا يأخذ أحدهم على عاتقه حملها. عليك أن تخصَّ شخصًا واحدًا بالنداء طلبًا للمساعدة، وتنظر مباشرة إلى عينيه، ويُفضَّل أن تعطيه مهمة محددة واضحة ليؤديها: «يا أستاذ، نعم أنت، أنت يا مَن ترتدي القميص الأصفر، اتصل بالإسعاف الآن، أرجوك».
بهذا النداء الواضح المباشر، أنت ألقيتَ على عاتق هذا الشخص بالذات مسؤولية إحضار المساعدة التي تحتاجها، وما أن يتخذ هذا الرجل أي موقف مباشر حتى تنتشر العدوى بين بقية المارة وتنكسر حالة الجهل الجمعي. سيتوقف كثيرون لعرض مساعدتهم بأي شكل ممكن، بعد أن وجدوا في تصرف الشخص الذي توقف لمساعدتك دليلًا على التصرف المناسب.
تذكر جيدًا هذه النصيحة، قد تعني الفارق بين الحياة والموت في لحظة ما، فالناس ليسوا أشرارًا بالضرورة، لكنهم ينتظرون من يوجههم لفعل ما ينبغي فعله.
اقرأ أيضًا: الجماهير القاتلة: هل التعاطف صفة بشرية فطرية أم مكتسبة؟
تذكر، لا أحد في الخارج يهتم بوسامتك، بتسريحة شعرك الرائعة، بملابسك الأنيقة، بحذائك اللامع، هذه أشياء لا تعني أحدًا إلا أنت وقِلةً من المقربين إليك، ومع ذلك، تقضي أغلب أوقاتك في الاهتمام بها.
لكن الجميع، بشكل غير واعٍ، يهتمون جدًّا بتصرفاتك، فأنت دومًا جزء من مجتمع يحيط بآخرين، كل ما تفعله يمثل رسالة إلى غيرك يبحث عمَّا يجب فعله في الموقف الحالي، حتى عندما تجلس ساكنًا دون حراك فأنت ترسل رسالة، مثلما تتلقى دومًا رسائل من آخرين وتحللها.
كن أكثر وعيًا بمبدأ الدليل الاجتماعي، تعلَّم كيف ومتى تدع له القيادة، لأن الآخرين قد يعرفون فعلًا ما التصرف الأمثل، وتعلم كذلك متى تتجاهلهم، فأحيانًا أنت تعرف أكثر، فلم يكن الجَمَال وحده ما قتل كاثرين جينوفيس.
محمد جمال