لعبة للوحدة: لو لم نجد عشاقًا لاخترعناهم
نحن، كبشر، نكوِّن صداقات وعلاقات بشكل فطري كي نتجنب الشعور بالوحدة، وكي نرفض فكرة أن أحدًا لا يعبأ بنا. حتى الشخص غير الاجتماعي الذي ينعزل عن الناس بمحض إرادته، يبحث أيضًا عن مخرج خفي لعزلته، كمُصادقة القطط أو الكلاب أو أي حيوان أليف يُشعره بالأُنس والاهتمام، ويهب أيامه تفاصيل ما كنت لتوجد لو كان وحيدًا.
مثال ذلك ما فعلته بريطانيا في بدايات 2018، حين عيّنت وزيرًا للوحدة وظيفته أن يخلق حلولًا للوحيدين، الذين تخطى عددهم تسعة ملايين في المملكة المتحدة وحدها.
لكن إلى أي مدى يمكن للوحدة أن تؤذي إنسانًا لم يختر أن يكون وحيدًا؟ إلى الجنون ربما؟ أو إلى خلق وسائل للاستعاضة عن أُنس الأحبة بأُنس مزيف وهَشٍّ وغير موجود؟
ربما كان هذا سبب النجاح الجنوني للعبة «Love and Producer» (الحُب والمُنتِج) على الهواتف المحمولة بين نساء الصين تحديدًا، إذ تجاوز عدد مستخدماتها أربعة ملايين كل يوم منذ إطلاقها في ديسمبر 2017.
اللعبة تُعتبر «رواية بصرية»، وهي نوع من الألعاب التفاعلية التي نشأت في اليابان في تسعينيات القرن العشرين. في أي لعبة من هذا النوع، تحتاج اللاعبة ببساطة أن تلمس الشاشة ليستمر سردُ قصة ما، وأن تتخذ بعض القرارات التي، بناءً عليها، ستأخذ بالقصة إلى حبكات مختلفة. وتتلقى اللاعبة أيضًا مكالمات هاتفية من شخصيات القصة، لكنها لا يمكنها أن تجيبهم إلا عبر المراسلة بردود مُعدة سلفًا.
ويستعرض مقال منشور على موقع «Quartz» التأثيرات الاجتماعية لهذه اللعبة وأسباب انتشارها.
كيف تعمل «لعبة الحب» والمنتِج؟
أنفقت اللاعبات في شهر يناير 32 مليون دولار لشراء جوائز افتراضية وتحسين فُرص دخول علاقات افتراضية ناجحة.
في لعبة الحب والمنتِج، تتقمص اللاعبة دور منتجة تلفزيونية تحمل على عاتقها إنقاذ شركة إنتاج أبيها الراحل، عبر تقديم مسلسل ناجح. وفي خلال التحضير للعرض، تتطور علاقة رومانسية بينها وبين أربعة شُبان. هم «لي زيان» الرئيس التنفيذي للشركة، و«باي تشي» ضابط شرطة من القوات الخاصة، و«شو موا» العالم العبقري، و«غو تشي لوا» المغني المشهور. يقع أربعتهم في حب اللاعبة، وليس عليها إلا أن تختار بينهم.
وكما في الحياة الواقعية، لا تتمحور العلاقة حول الأخذ فقط دون العطاء. فتحتاج اللاعبة إلى إنفاق بعض «الماس البنفسجي» لتذهب في مواعيد غرامية مع عشاقها الافتراضيين. وتفوز اللاعبة بالماس والبطاقات حين تُنجر مهمة ما، لكن بإمكانها طبعًا شراءها مباشرةً مقابل نقود حقيقية.
ربما يبدو الأمر غير منطقي أن تدفع فتاة مالًا من أجل الذهاب في موعد غير حقيقي تقابل فيه شخصًا ليس بإنسان حتى، إلا أنهن فعلن ذلك، إذ أنفقت اللاعبات في شهر يناير فقط نحو 32 مليون دولار لشراء الماس والبطاقات، من أجل تحسين فُرص دخول علاقات افتراضية ناجحة.
قد يعجبك أيضًا: ألعاب الفيديو: فيروس أم علاج؟
أكبر من مجرد لعبة
تتحول اللعبة بالتدريج إلى منافسة رومانسية حادة بين الشخصيات، فكل واحد من العشاق له قواه السحرية وأقواله العاطفية الخاصة به ليكسب قلب اللاعبة. فمثلًا، لي زيان قادر على أن يوقف الوقت، ويقول: «بغض النظر عن الماضي أو الحاضر، كل ما أريده أن يتوقف وقتكِ لأجلي». أما باي تشي فيتحكم في الرياح والطيران، ويقول: «لن يمسُّكِ شرٌّ أبدًا، ما دمتِ في مهب الريح فسأجدكِ دائمًا».
محاكاة المواعدة فكرة شائعة في الألعاب الأنثوية، خصوصًا عندما تُضاف قصص الحب مع تطور الحبكة.
رغم أن الشركة المطوِّرة للعبة أنتجت عدة ألعاب ذات طابع أنثوي، مثل لعبة «Miracle Nikki»، فإن سبب شهرة ونجاح لعبة «الحب والمنتِج» تحديدًا هو تنوُّع الشخصيات فيها، مما يجذب أكبر عدد من اللاعبات، لأنهن حتمًا سيجدن ما يروق لهن في واحد من الشخصيات الأربعة المطروحة. استعارت الشركة فكرة اللعبة من المسلسل الكوري المشهور «You Who Came from the Stars»، الذي يحكي قصة ممثلة ناشئة تقع في حب شخص أجنبي.
وكدليل على مدى جنون هؤلاء اللاعبات بخصوص عشاقهن الخياليين، اشترت معجبات لي زيان، الذي يجمد الوقت، لافتة إعلانية مُضيئة بقيمة 39 ألف دولار على ناطحة سحاب في مدينة شينزين الصينية يتمنون له فيها عيد ميلاد سعيد.
يوضح «توريان تان»، محلل الألعاب في شركة «IDC» للبحوث في العاصمة الصينية بكين، أن محاكاة المواعدة فكرة شائعة في الألعاب الأنثوية، خصوصًا حين تُضاف قصص الحب المُحتملة مع تطور الحبكة، والنساء تحديدًا معروفات بنشاطهن في الألعاب الهاتفية، لأنها سهلة التشغيل ومريحة في اللعب وبها محتوى أنثوي أكثر.
يؤكد نجاح لعبة «الحب والمنتِج» كيف أصبحت النساء هن القوة الدافعة الجديدة لصناعة ألعاب الهواتف المحمولة كلها، وليس ذات الطابع الأنثوي فقط. فعدد من يمارسن ألعابًا مثل «Honor of kings» يفوق اللاعبين الذكور. لاحظ المحلل أيضاً أن هناك الكثير من الألعاب التي طُرحت في السوق قد استُوحيّت أفكارها من آنمي وقصص مصورة يابانية، حيث أن هذه الحكايات شكلت عامل الجذب الأساسي للمُستخدمات.
لا يطيق الإنسان، وخصوصا نحن، أبناء العصر الحديث، البقاء وحيدًا. يفرض نمط الحياة علينا أن نكون وحيدين، نمضي ساعات طويلة في العمل جالسين إلى مكاتب منفردة، بعيدين عن أي تواصل، ثم نعود إلى بيوت لا نجد فيها أحدًا. نحاول التغلُّب على هذا بكل طريقة ممكنة، بتربية حيوان أليف، بارتياد المقاهي، أو حتى بلعبة على هواتفنا المحمولة، تنقل إلينا إحساسًا مزيفًا بأننا طرف في قصة عاطفية، نتأثر بها، ونتغلب، ولو لساعات تنقضي، على شعور داخلي بأنه لا يوجد هنالك من يهتم بأمرنا ويُشركنا في قصصه.
مريم ناجي