الأطفال لا يحبون الدراسة.. وهكذا نجذبهم إليها

أحمد المشاري
نشر في 2018/09/05

الصورة: Getty/Thomas Imo

هل تعرف طالبًا يحب المدرسة؟

ليست لدينا إحصاءات عربية بهذه الدقة، لكن مسحًا شمل أكثر من 81 ألف طالب في أكثر من مئة مدرسة أمريكية يؤكد أن 2% فقط قد يجيبون بنعم، والنسبة لن تبتعد كثيرًا في مدينتك أو بلدك.

بمعنى آخر، 98% من زبائن مؤسستك غير راضين عن خدماتك، وأنت ترد عليهم بإعلان تقديم نفس الأداء، مع استمرار الجميع في منصبه. هذا واقع يومي مشاهد لم يعد يثير أي علامة تعجب.

الطلبة يكرهون المدرسة، وغير مقتنعين بما يدرسونه في الفصل، ويشعرون بالملل كل يوم، ويتمنون لو تتاح لهم فرص التخلص والهروب في أقرب وقت، دون أن نتساءل بجدية: كيف وصلت تجربة التعليم إلى هذا الحد من التوتر والتدهور؟ وما الذي يجعل الطلبة في موقف سلبي كهذا إزاء العلم؟

هل صار التعليم عقبة أمام الحياة بعد أن كان العلم حلًّا لجميع مشكلاتها؟

أسباب كثيرة يضيع الحديث عنها في أروقة الإدارة وأزقة منشآت الوزارة، لكن هناك خبرًا جيدًا: تبقى المدرسة بالنسبة إلى التلميذ، هي تلك الساعة التي يجلس فيها أمام أستاذه. أي إن هناك مساحة فردية يمتلكها كل معلم في الفصل، يستطيع خلالها تغيير تجربة التعليم لأي طالب.

الفكاهة والألعاب والإنشاد والحكايات والصداقات، هذه خلاصة أبحاث ودراسات تنصح بطرق مختلفة للتعليم.

أولًا: التعليم بالضحك

قل لهم نكتة. أبحاث كثيرة تؤكد أن الضحك يعزز الانتباه ويحفز الإدراك والذاكرة عند التعلم، منها هذه الدراسة التي أثبتت منافع الضحك على أطفال لم يتجاوزوا العامين.

في عام 2015، قسمت الباحثة رنا عسيلي مجموعة من الأطفال ناهزت أعمارهم 18 شهرًا، إلى فريقين لتنفيذ بعض المهام، فوجدت أن الأطفال الذين أتموا المهمة عن طريق الضحك كانوا أكثر إنجازًا من أطفال المجموعة الأخرى الذين لم يكونوا يضحكون خلال فترة التعلم.

تفترض رنا أن إفراز هرمون «الدوبامين»، خلال عملية الضحك، العامل المساعد الذي يعزز عملية التعلم، وتشير أبحاث أخرى إلى أن الفكرة لا تقتصر على الصغار، بل يجدي نفعها مع البالغين كذلك.

اقرأ أيضًا: ليس كل الإجابات في المدرسة: الجهل كوسيلة للتعليم

ثانيًا: التعليم باللعب

صمم الدرس بشكل لعبة. التعلم باللعب يتفوق على التعلم بالكتب. فبدلًا من قراءة التاريخ عن «يوليوس قيصر» مثلًا، بإمكان قيصر أن يأخذ الطلاب معه في جولة رومانية افتراضية. وبدلًا من فتح كتاب الفيزياء، سيكون الطلاب قادرين على الدخول في مركبة فضائية بصحبة «آينشتاين»، ليشرح لهم بنفسه ما يعنيه بنظريته النسبية «افتراضيًّا».

هكذا أصبح اللعب يغير ملامح التعليم، بل صار يُستخدم حتى في تدريس مجالات تخصصية مثل الطيران والجراحة، عبر أجهزة المحاكاة الآلية. وقد أثبت المتدربون الذين خضعوا لتدريبات المحاكاة في ألعاب الفيديو أنهم أكثر تفوقًا من غيرهم.

بإمكاننا الاستفادة من إدمان الصغار على اللعب وتحويله إلى إدمان نحو التعلم، لكن كيف؟

في التعليم المدرسي، يبدأ الطالب من نقطة ما، وفي كل مرة يخطئ فيها تهبط درجاته إلى درجة أقل، ثم يرسب بعد محاولات محدودة جدًّا.

أما في عالم الألعاب، فأنت دائما تبدأ من الصفر، وكلما أحرزت خطوة صحيحة ستزداد درجاتك لتصبح أعلى وأعلى. وعبر عدد مفتوح من المحاولات، بإمكانك تحقيق النجاح والفوز في أي وقت. تمامًا كما يفعل أي طفل عند تشغيل لعبة:

  1. يلاحظ مشكلة
  2. يشكِّل فرضية
  3. يختبر الفرضية
  4. يتعلم من نتيجته الفورية، ثم يجربها مرة ومرة

وهذا هو المنهج العلمي.

ثالثًا: التعليم بالموسيقى

تعتمد بعض البرامج على تدريس الرياضيات باستخدام النوتات الموسيقية، بهدف تبسيط أكثر الموضوعات صعوبة.

غنوا القوانين بشكل جماعي، فالموسيقى والتنغيم والترنيم عوامل ترسِّخ استيعاب الدروس بطريقة حماسية ممتعة، ولا تكلف كثيرًا من الجهد.

كان ذلك انطباع إدارة مدرسة في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، بعد تجريب منهج موسيقي أكاديمي صممه باحثون في جامعة سان فرانسيسكو لتدريس الرياضيات.

تشير النتائج إلى أن الطلبة الذين درسوا المفاهيم الرياضية باستخدام المنهج الموسيقي سجلوا تفوقًا أعلى في الأداء بنسبة 50%، مقارنةً بزملائهم الذين درسوا المنهج النظامي.

يعتمد البرنامج على تدريس الرياضيات باستخدام النوتات الموسيقية والطبول والتصفيق والإنشاد، بهدف تبسيط أكثر الموضوعات صعوبة في مناهج الرياضيات الابتدائية، دون الاستعانة بأستاذ مختص في الموسيقى.

قد يهمك أيضًا: نظام التعليم الفنلندي: معجزة تتحدى المنطق

رابعًا: التعلم بالقصة

قسَّم عناصر الدرس إلى حكاية. أشارت دراسة بعنوان «تطوير المفاهيم العلمية باستخدام القصص» إلى أن الأطفال قادرون على تذكر الدروس العلمية المجردة بشكل أفضل حين يدرسونها على شكل قصة.

لم تعد القصة مجرد أسلوب مقتصَر على المواد الأدبية، بل إنها تساعد المدرسين في تبسيط أكثر المفاهيم المجردة تعقيدًا، حتى في مواد العلوم والرياضيات.

الجميل في القصة هو فعالية تأثيرها ضمن أي جزء من أجزاء الدرس، سواء عند الاستهلال بها ابتداءً لجذب الانتباه، أو بإدخالها في منتصف الحديث لشرح مفهوم معقد، أو بإنهاء الحديث بها كتلخيص لجميع ما سبق.

إذا رأيت أن الطلاب بدأوا بالتملل والنظر إليك بعين متعبة، استرجع انتباههم بقصة.

إذا لاحظت أن هناك أخطاء تتكرر في أجوبة الاختبارات، أعد ترسيخ المعلومة بقصة.

إذا كنت تشرح درسًا جامدًا يصعب على الطلاب فهمه، اسرد خطواته عن طريق قصة.

قد يهمك أيضًا: «التعليم المرن»: هل ينجح المنزل في إلغاء دور المدرسة؟

خامسًا: الحب والدعم العاطفي

أوصت جمعية علم النفس الأمريكية بالترفَّق بالطلبة الخجولين، وذوي صعوبات التعلم، فهم أَولى بالدعم من زملائهم المتفوقين.

اعقِد صداقة مع طلابك، فأول ما يمكن فعله لإنقاذ تلميذ يعاني من الصعوبات الدراسية والسلوكية هو بناء علاقة إيجابية مع أستاذه.

هذا ما تعوِّل عليه جمعية علم النفس الأمريكية، فالعلاقة الأبوية بين الطالب والمدرس ينعكس أثرها مباشرةً بشكل إيجابي على زيادة نسب التفوق وتقليل معدلات الرسوب والهروب من المدرسة.

أوصت الجمعية المعلم ببعض التوجيهات التربوية التي تساعده لتعزيز علاقات داعمة للتعلم مع طلابه:

  • حاول أن تثبت أسماءهم، أو أن تلقبهم بما يميزهم من سمة سلوكية أو دراسية (المبتسم أو المنظم مثلًا)
  • اعرف الدعم المناسب الذي يحتاجه كل طالب، بحسب: قدراته الشخصية وظروفه الاجتماعية
  • احترم طلابك وشجعهم على احترام بعضهم، وتجنب: الصراخ والانتقاد والعقوبات خلال التعلم
  • ترفَّق بالطلبة الخجولين، وذوي صعوبات التعلم، فهم أَولى بالدعم من زملائهم المتفوقين
  • قدِّر ملاحظاتهم حول ما يدرسونه، وأقنعهم بأهميته عبر أمثلة تطبق في البيت، أو مشروعات تنفذ للمجتمع
  • لا تحاسبهم بدقة، بل امنحهم هامشًا للتجربة والخطأ، فالشعور بالأمان يجعلهم أكثر إقدامًا على التعلم

كنا معكم عبر «ضحك ولعب وطرب وحب»، تُرجِمت في معامل بعيدة عن المدارس العربية بتصرف، بعد تأجيل «الجد» إلى وقت لاحق.

أحمد المشاري