أفراح بالليل وديون بالنهار: كيف يتزوج الشباب في غزة؟
في الحياة أمور تحدث أيًّا كانت الظروف. ورغم أي عوائق تقف في طريقها، فإنها تجد سبيلًا للقفز فوقها. أحد هذه الأمور هو الزواج.
في غزة، العائق الأساسي للزواج هو الظروف الاقتصادية التي يمر بها الشباب الذين يمثلون شريحة كبيرة من المجتمع. إذ بلغت نسبة الأفراد من الفئة العمرية بين 15 و29 عامًا، 29.5%. لكن لمواجهة هذا العائق ابتكر حلولًا للإفلات منه.
لم يجد الشاب مصطفى المجدلاوي (30 عامًا) سبيلًا أمامه لتكوين أسرة سوى اللجوء إلى مؤسسات تيسير الزواج، والتي أضحت منتشرة في جميع أرجاء القطاع، وتشهد رواجًا بين المقبلين على الزواج، أملًا في مساعدتهم لتحقيق حلمهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تشهدها غزة.
حلم الزواج
يقول المجدلاوي لـ«منشور»: «تخرجت في قسم اللغة الإنجليزية بجامعة القدس المفتوحة قبل سبعة أعوام. تقدمت مرارًا للالتحاق بوظيفة حكومية، فلم يحالفني الحظ لأن المحسوبية أقوى من المؤهل العلمي. بعد أكثر من خمسة أعوام من البحث، قررت أخيرًا تأسيس عمل حر ليفي بأبسط احتياجاتي».
يضيف: «أعمل على عربة صغيرة لبيع المشروبات الساخنة والباردة والسجائر والحلوى في شارع الرشيد المحاذي لشاطئ بحر مدينة غزة، كبداية مؤقتة إلى حين توفير فرصة عمل تناسب مؤهلي العلمي. اخترت المكان بعناية، حيث تنشط حركة المارة الذين يترددون وعائلاتهم على البحر».
بعد عامين من بداية المشروع، قرر مصطفى الزواج. لكنه لم يملك المال الكافي. يقول: «بعد خمسة أشهر تقريبًا من الخطوبة، بدأت عائلة خطيبتي تطالبني بالإسراع في الزفاف، وإلا ينبغي فسخ الخطبة، حتى وجدت ضالتي في مؤسسات تيسير الزواج».
اتجه مصطفى إلى إحدى مؤسسات تيسير الزواج في القطاع، والتي أبلغته بالحد الأقصى من المال الذي تُقرِضه للشباب وكيفية سداده، وبعض الشروط الأخرى. أنفقت المؤسسة على حفل الزفاف والأثاث، مقابل دفع قيمة هذه الخدمات على أقساط شهرية طبقًا للعقد الذي وقَّع عليه الشاب.
بعد الزواج مباشرة، التزم مصطفى بتسديد الأقساط الأربع الأولى. وبعد هذه الفترة، بسبب تردي الأوضاع، عجز عن توفير القسط الشهري للمؤسسة.
اشترت المؤسسة الاحتياجات اللازمة للزواج مقابل مبلغ مالي يُقدَّر بنحو 3500 دولار أمريكي، يُسدَّد بالتقسيط على عامين ونصف، بمعدل 120 دولار شهريًّا. ولا بد من دفع القسط الأول بعد الشهر الثاني من الزواج. وافق مصطفى على الشروط رغم أنها باهظة، وذلك لمجاراة عادات أهالي غزة وتقاليدهم في تكاليف الزواج.
يضيف مصطفى: «لم يكن إقبالي على الزواج في غزة بالأمر السهل. فالتكاليف باهظة جدًّا مع انعدام الوظائف وارتفاع معدلات البطالة، وتوقيعي على إيصال بالمبالغ التي ينبغي تسديدها شهريًّا للمؤسسة، لتجنُّب اتخاذ المؤسسة أي اجراءات قانونية ضدي».
«بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، ألغينا حضور الفرقة الموسيقية التي ترافق العروسين حتى وصولها إلى قاعة الزفاف، وتقلصت وليمة حفل الزواج لتشمل أقرباء العروسين فقط، واكتفينا بالتصوير الفوتوغرافي».
مع ذلك، حدث ما لم يتوقعه مصطفى. فبعد الزواج مباشرة، وبحسب العقد، التزم بتسديد أقساط الأشهر الأربع الأولى. بعد هذه الفترة، وبسبب تردي الأوضاع الاقتصادية في القطاع، عجز عن توفير القسط الشهري للمؤسسة. تلقى عدة تحذيرات من المدير بأنه سيحيل الأمر إلى القضاء إذا لم يدفع المبالغ المتراكمة، وذلك بعد أن رفض الاستماع لمقترح مصطفى بتمديد مهلة السداد.
يؤكد مصطفى: «بعد إغلاق جميع الأبواب والمنافذ في وجهي، ورغم تدخُّل بعض الناس وسطاء بيني وبين المؤسسة، فقد صدر أول أمر قضائي ضدي بالحبس على ذمة مالية في أغسطس 2018، ومكثت في السجن 21 يومًا، إلى أن حصلت على الإفراج شريطة ايجاد آلية لحل الخلاف مع المؤسسة».
اقرأ أيضًا: الزواج كصفقة: هاتوا ما عندكم، نعطِكم ما عندنا
حل أزمة بأزمة أخرى
تراجعت نسبة عقود الزواج بنسبة 18% عام 2017 مقارنة بـ2015. بسبب الفقر والانهيار الاقتصادي.
يُظهر استطلاع أجراه «مركز الثريا الإعلامي» المختص بالقضايا الاجتماعية، أن 47.1% يرون أن عدم القدرة على تحمُّل النفقات والتكاليف، من أسباب عزوف الشباب عن الزواج، بينما يرى 18.8% أن من تلك الأسباب عدم قدرة الشاب على إيجاد زوجة تقبل بالوضع المالي، في حين أن 9.4% يرون أن عدم وجود مسكن مناسب للشاب يدفعه إلى العزوف عن الزواج.
رغم أن مؤسسات تيسير الزواج في غزة تسهم بحل جزئي لأزمة الزواج، فإنها تضيف أزمات أخرى في ظل وضع اقتصادي صعب. إذ يرى «المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان»، أن «حصار القطاع أدى إلى ارتفاع نسبة الفقر إلى 65%، بينما ارتفعت البطالة إلى 47%، ونسبة الشباب العاطلين عن العمل بلغت 65%، إضافة إلى أن 80% من سكان القطاع يعتمدون على المساعدات الخارجية لتأمين الحد الأدنى من متطلباتهم المعيشية.
وكشف حسن الجوجو، رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي بغزة، تراجع عقود الزواج بنسبة 18% عام 2017 مقارنة بـ2015. في حين ارتفعت معدلات الطلاق بنسبة 8% عام 2017 مقارنة بـ2016. ويضيف الجوجو أن سبب تراجع معدلات الزواج وارتفاع الطلاق هو الفقر والانهيار الاقتصادي الناتج عن الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني، متوقعًا تصاعد هذه المؤشرات وتحولها إلى أزمة كبيرة، إذا استمر التدهور الاقتصادي.
جدير بالذكر أن الشباب يشكلون نسبة كبيرة من المجتمع الفلسطيني. إذ بلغت نسبة الأفراد من الفئة العمرية بين 15 و29 عامًا، في قطاع غزة، 29.5%، ليكون هاجس الصعوبات الاقتصادية أهم ما يواجه المقبلين على الزواج.
من جانبه، يقول أيمن البطنيجي، الناطق باسم الشرطة الفلسطينية في غزة، إن «المحاكم أصدرت 89 أمر استدعاء ضد شباب حديثي الزواج، تخلفوا عن الدفع في الأشهر الأولى. لكن حل الأزمات جاء بشكل ودي أو من خلال العُرف العشائري».
اقرأ أيضًا: بين «النقطة» و«العانية»: عادات الشرقيين في هدايا الأفراح
الشاب تيسير ماضي (28 عامًا) الذي يعمل موظفًا حكوميًّا، يقول: «عندما أقدمتُ على الزواج قبل عام، كان وضعي المادي جيدًا، والتزمت بسداد الأقساط الشهرية التي تبلغ 80 دولارًا شهريًّا، لإحدى مؤسسات تيسير الزواج، دون أي تأخير أو عائق. لكن بعد الأزمة التي طالت موظفي السلطة التابعين للحكومة الفلسطينية في رام الله قبل عدة أشهر، وتقليص الرواتب لأقل من نصفها، لم أستطع سداد الديون للمؤسسة التي أمهلتني شهرين فقط، وإلا اتخذت ضدي إجراءات قانونية بالحبس».
يشير تيسير إلى أن المؤسسة ساعدته كثيرًا على إتمام زواجه، لكن مشكلتها الرئيسية أنها لا تعطي المقترِض وقتًا كافيًا لسداد المبالغ، حتى أصبح شباب غزة يحتاج إلى معجزة كي يستطيع الزواج.
يتساءل ماضي عن كيفية سداد تكاليف زواجه؟ وهل يقضي بقية حياته بين أروقة المحاكم والسجون؟ يقول: «بعد أن عجزت عن سداد المبلغ اتصلت بالمؤسسة، وأبلغتهم بأنني لن أستطيع الوفاء بالتزاماتي، وبإمكانهم الحضور إلى منزلي الذي أدفع رُبع المبلغ الذي أتقاضاه شهريًّا للإيجار. طلبت منهم مصادرة جزء من أثاث بيتي، كالتلفاز والغسالة والمروحة، وبيعها، واحتسابها دفعة مالية للشهور التي لم أسدد أقساطها».
جواب المؤسسة كان مؤسفًا، إذ أبلغوه بأن قضيته أحيلت إلى القضاء الذي أرسل قوة عسكرية لضبط تيسير وإحضاره من منزله، لقضاء 91 يومًا في السجن، وهي أقصى مدة يقضيها من يصدر بحقهم أوامر حبس تتعلق بالذمم المالية.
لمواجهة أزمات الشباب بخصوص الزواج، أعلن «صندوق دعم الشباب الفلسطيني»، التابع لوزارة الشباب والرياضة في قطاع غزة، يوم 24 يونيو 2018، عن بدء التسجيل بالمشروع الوطني الخاص بإحصاء بيانات الذين لم يسبق لهم الزواج بسبب الظروف المادية. وأوضح الصندوق في بيان له أن المشروع يستهدف الذين تجاوزت أعمارهم 35 عامًا، بهدف تجهيز قاعدة بيانات للإسهام في حل المشكلة من خلال التواصل مع المؤسسات ذات الصلة في الداخل والخارج.
ويبقى حلم الزواج يراود كل شاب وفتاة في قطاع غزة، رغم الصعوبات والتحديات التي تواجههم، وتقف عائقًا أمام تحقيق طموحاتهم المشروعة.
إبراهيم عبد الهادي