هل تنقذنا الزراعة تحت الماء من أزمة الغذاء؟
تُقدّر مساحة الأراضي الزراعية على مستوى العالم بنحو 11% من إجمالي مساحة اليابسة، أي ما يقارب مساحة كندا والولايات المتحدة الأمريكية مجتمعتين. ورغم ذلك، فإن إنتاجها من المحاصيل قد لا يكفي لتلبية الطلب المتزايد عليها مع النمو المطرد في أعداد البشر. لذا يسعى البشر إلى التوسع الأفقي، أي زيادة مساحة الأراضي المزروعة عن طريق استصلاح أراضٍ جديدة وقطع الغابات، وكذلك التوسع الرأسي، بزيادة إنتاجية المحاصيل ومحاربة الآفات واستعمال الأسمدة والمخصبات.
لكن بعيدًا عن الحلول التقليدية المكلفة من الناحيتين الاقتصادية والبيئية، التوجه الجديد هو الزراعة المائية. وأبسط أشكال الزراعة المائية يوجد بالفعل منذ زمن طويل في قارة آسيا، إذ تمثل الطحالب والأعشاب البحرية مكونات أساسية في النظام الغذائي لسكان عدة دول هناك، ويُزرع بعض أنواعها داخل أحواض أو على سواحل البحار والأنهار، لكن الجديد هذه المرة هو إنشاء مزارع تحت الماء.
يوفر موقع المزرعة الفريد تحت الماء حصانة طبيعية ضد الحشرات والآفات.
للوهلة الأولى قد يبدو هذا المنظر في الأعلى من أحد أفلام الخيال العلمي، لكنه حقيقي تمامًا. صاحب الفكرة هو «سرجيو غامبريني» الذي يهوى الغوص والزراعة، وساعده خياله الجامح وعمله في شركة لمعدات الغوص على أن يجمع بينهما في مشروع مبتكر للزراعة تحت الماء.
أنشأ غامبريني هذه المزرعة التجريبية المسماة «حديقة نيمو» عام 2012 قبالة ساحل نولي شمال غربي إيطاليا.
الزراعة تحت الماء طريقة مستدامة لتأمين الغذاء وعدم الإضرار بالبيئة، بخلاف الزراعة التقليدية التي تستهلك كميات مهولة من الماء العذب.
تتكون المزرعة من بالونات كبيرة فارغة مثبتة إلى قاع البحر، ثم يُضَخ الهواء داخلها لتصبح بيئة مثالية لنمو النباتات، فيصلها ضوء الشمس، وتتوفر المياه اللازمة للري عن طريق تبخر مياه البحر وتكثفها على الجدران الداخلية، وتتوفر الحرارة والرطوبة الملائمة. إلى جانب أن موقع المزرعة الفريد تحت الماء يوفر حصانة طبيعية ضد الحشرات والآفات.
ويتابع العاملون النباتات بواسطة كاميرات ومستشعرات خاصة ترصد مستويات الأكسجين وثاني أكسيد الكربون ودرجات الحرارة ومستوى الرطوبة داخل كل بالونة.
أمكن بالفعل زراعة عدة نباتات مثل الريحان والخس والفاصوليا والنعناع. ولاحظ الباحثون أن معدل النمو ومحتوى الزيوت العطرية في تلك النباتات يفوق مثيلاتها المزروعة على الأرض في ظروف طبيعية. ربما يكون هذا مدخلًا لتأمين الغذاء في المناطق التي تفتقر إلى احتياجات الزراعة الأساسية، كالتربة الملائمة والماء العذب.
قد يهمك أيضًا: التكنولوجيا تتدخل لإنقاذ العالم من أزمة الغذاء
هناك نمط آخر للزراعة تحت الماء هو الزراعة ثلاثية الأبعاد، وفيه تتكون المزرعة من طبقتين:
- طبقة علوية: تمتد رأسيًّا من سطح الماء إلى أسفل، وتنمو عليها الطحالب والأعشاب البحرية
- طبقة سفلية: تمتد أفقيًّا على قاع البحر، وتتكون من أقفاص لتربية أنواع عديدة من المحار والبطلينوس
الأمريكي «برين سميث»، الذي يمتلك مزرعة من هذا النوع، يعتقد أن مساحة من المحيط تعادل ولاية واشنطن يمكنها تأمين الغذاء الكافي لجميع سكان العالم، إذ يتميز هذا النمط من الزراعة بوفرة الإنتاج، ويصل حصاد مزرعة مساحتها 100 متر مربع إلى 26 طنًّا من الأعشاب البحرية خلال خمسة أشهر فقط بحسب قوله، علاوةً على إمكان زراعة عدة أنواع من الأعشاب بما يلبي متطلبات الأسواق المختلفة.
هذه طريقة مستدامة لتأمين الغذاء وعدم الإضرار بالبيئة، بخلاف الزراعة التقليدية، التي تستهلك كميات مهولة من الماء العذب وتتطلب استخدام المخصبات والأسمدة، فتزيد من تركيز النيتروجين والفوسفور في مياه الصرف، التي تصب في نهاية المطاف في البحار والمحيطات، وتستنزف الأكسجين وتقضي على الحياة البحرية.
أما الزراعة المائية ثلاثية الأبعاد فلها أثر حميد، إذ تمتص الأعشاب عناصر الكربون والنتيروجين والفوسفور من الماء، فتحمي البيئة حولها من آثار التلوث المدمرة.
يؤكد سميث أن مزرعته تشهد وجود عدة أنواع من الكائنات البحرية، مثل السرطانات والجمبري، بخلاف المناطق المحيطة بها، التي يصفها بأنها «ميتة تمامًا».
تتميز الأعشاب البحرية بتعدد مجالات استعمالها، إذ تدخل في كثير من الصناعات الغذائية ومستحضرات التجميل والصناعات الدوائية والوقود الحيوي.
لكن أصعب تحدٍّ يواجه سميث، ومن يزرعون تحت الماء عمومًا، هو تسويق أعشاب البحر كغذاء، رغم أنها تتفوق على اللحوم الحمراء في محتواها من البروتين والحديد، وتحتوي على كالسيوم أكثر من الموجود في الحليب. فهل تكون الأعشاب البحرية ملاذنا من أزمة غذاء قريبة؟
أحمد عمارة