إنستغرام يقتل: هوس التقاط الصور الخطيرة يضرب العالم

دينا ظافر
نشر في 2017/10/14

الصورة: A N G E L A N I K O L A U

أمضى المصور «تراهان» وأصدقاؤه ساعة في التقاط الصور في منطقة متنزه تشيدوك بمقاطعة أونتاريو الكندية، وهي بقعة تمتاز بجمال طبيعتها، ففيها المرتفعات وشلالات المياه، وأميال طويلة من المناظر الخلابة.

في أثناء عودتهم، اعترض طريق تراهان ورفاقه بركة وحل، فقرروا أن يسلكوا طريقا ممنوعًا، وأخذ تراهان زمام المبادرة مستخدما الصخور سلمًا للنزول، ثم سمع صرخة، فالتفت وراءه ليجد إحدى صديقاته تسقط و ترتطم بالصخور، وينكسر رسغها وفكها في ثلاثة مواضع.

أَوجدت تطبيقات مثل إنستغرام حالة من التنافسية، القاتلة أحيانًا، بين هواة ومحترفي التصوير، الذين تستفزهم اللقطات المثيرة التي يشاهدونها على التطبيق فيصبحون على استعداد للمخاطرة من أجل أخذ لقطة تلقى إعجاب متابعيهم، وهذا هو ما يتعرض له مقال منشور على موقع «VICE».

إنستامأساة: هوس الحصول على لقطة فريدة

الصور غير المتكررة تلقى اهتمامًا جمًّا على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها تعرض أصحابها لخطر الإصابة أو الوفاة.

يزور المصور تراهان متنزه تشيدوك بشكل منتظم لالتقاط صور جديدة، فقد أصبح المكان وجهة جاذبة لمستخدمي تطبيق إنستغرام النشطين، لكن إصابة صديقته الأخيرة كانت واحدة من أسوأ الإصابات التي شهدها.

رغم أن تراهان لم يكن يلتقط صورًا عندما سقطت صديقته، فإنه يقول إن الذهاب إلى مناطق مثل هذه فقط من أجل التقاط صور مميزة يجعلنا عرضة للمخاطر.

اقرأ أيضًا: الجمال المزعج والمأساة الفنية: كيف تؤثر فينا الصورة؟

خلال الأعوام القليلة الماضية، شهدت مدينة هاميلتون الكندية، الملقبة بعاصمة الشلالات في العالم، تدفقًا من المصورين الهاوين والمحترفين. فإذا بحثت عن صور شلالات هاميلتون على إنستغرام، ستظهر لك آلاف الصور لسيقان مدلَّاة من فوق المرتفعات الشاهقة، وصور السيلفي وفي خلفيتها مرتفعات عملاقة.

لو كانت تلك الصور غير المتكررة تلقى اهتمامًا جمًّا على وسائل التواصل الاجتماعي، فإنها كذلك تعرض أصحابها لخطر الإصابة أو الوفاة، وقد أصبح هذا الأمر مثار قلق المسؤولين.

إنستاهَوَس: حوادث في كل مكان

في عام 2016، نفذت قوات الإطفاء 25 عملية إنقاذ باستخدام الحبال في منطقة شلالات هاميلتون، بزيادة قدرها 65% مقارنةً بالعمليات التي تمت في 2015. وفي عام 2017، نُفذت عدة عمليات إنقاذ أسفر بعضها عن إصابات، وأفضت إحداها إلى وفاة مصور شاب.

غرقت فتاة بعد أن حاولت التقاط سيلفي على صخرة في نهر بنيوزيلندا، ولقي رجل هندي مصرعه بعد أن دهسه قطار خلال التقاطه سيلفي.

لا تقتصر حالات الإصابة والوفيات على منطقة شلالات هاميلتون. ففي 2017 أيضًا، تمكنت فرق الإنقاذ من إنزال شقيقين تسلقا الجبال في منطقة مرتفات سكاربورو بمقاطقة أونتاريو الكندية من أجل التقاط صور سيلفي وعلقا في المنطقة، حسبما أشارت التقارير. وأُلقي القبض على رجلين يحملان معدات تصوير بعد أن نجحا في تسلق نحو 70 قدمًا من جسر «ليونز جيت» في فانكوفر.

في العالم بأسره، ازدادت حالات الوفاة الناتجة عن محاولات التقاط صور عادية أو سيلفي، ومسببات الوفاة الأساسية في تلك الحوادث هي الغرق، وطلقات الرصاص، والدهس بالقطارات، والسقوط من المرتفعات، والأخير الأكثر شيوعًا وفقًا للمقال.

اقرأ أيضًا: صورة «A Sister's Care»: كيف تكسر القواعد وتبني الجمالية

في مستهل العام، غرقت فتاة عمرها 21 عامًا بعد أن حاولت التقاط صور سيلفي مع أصدقائها على صخرة نائية في نهر وايكاتو بنيوزيلندا. وفي مارس، مات مراهقان عقب التقاطهما صورًا على أحد المرتفعات في بريطانيا، وكذلك لقي رجل هندي مصرعه بعد أن دهسه قطار في أثناء وقوفه مع صديقه على القضبان لالتقاط سيلفي.

إنستاوقفة: المسؤولون يتنبهون إلى المشكلة

يمثل التقاط صورة مبتكرة لرفعها على إنستغرام هاجسًا لمستخدميه، لذا فإن الإقدام على تصرف خطير من أجل الفوز بلقطة فريدة قد يكون مغريًا. وقد لفت الأمر نظر السلطات الكندية، فبدأت في اتخاذ تدابيرها للحد من طيش مستخدي إنستغرام.

زاد عدد زوار منطقة متنزهات هاميلتون بسبب الصور التي يلتقطها الزوار، وتدفع غيرهم إلى المجيء لخوض التجربة والتقاط نفس الصورة.

قد يعجبك أيضًا: كيف وقف «إنستغرام» في وجه الرقابة الإيرانية؟

بدأت «كارا بن»، مديرة منطقة متنزهات هاميلتون، تطبيق عدد من الإجراءات للحد من الإصابات والوفيات. تؤكد بن أن الأمر لا يستحق أن يخاطر الناس بحياتهم، فهي تحبس أنفاسها في كل مرة ترى أحدهم يلتقط صورة تعرضه للخطر، وحتى المتنزهون أصحاب الخبرة قد يسقطون بمنتهى السهولة لو أنهم أخذوا خطوة غير صحيحة أو كانت الأرض مجرَّفة.

من أجل صرف الزوار عن السير في طرق ممنوعة، وضعت كارا أسوارًا ولوحات توضح المخاطر وأحكام القانون، وكذلك الغرامة التي تُفرض على المخالفين وقيمتها القصوى 10 آلاف دولار كندي.

رغم المشكلات التي تواجهها بن بسبب جنون التصوير، فإنها تُرجع زيادة أعداد زوار المتنزه إلى وسائل التواصل الاجتماعي، لأن الصور الرائعة التي يلتقطها الزوار تدفع غيرهم إلى المجيء من أجل خوض نفس التجربة والتقاط نفس الصورة، غير أن ما يشاهدونه من صور لا يخبرهم عن المخاطر التي عليهم أن يخوضوها من أجل أخذ اللقطة.

إنستادرينالين: مصور يشرح سر المتعة

قد يتطلب التقاط «الصورة المثالية» جرعة أكبر من المغامرة في كل مرة، فربما تكون تلك الخطوة الإضافية مجزية نفسيًّا وماديًّا على نحو فارق، لذا سيظل عشاق المغامرة يضعون حياتهم على المحك من أجل مزيد من الصور لإنستغرام.

قد تدفع وسائل التواصل مستخدميها إلى المغامرة أكثر، لأنها تجعل الحاجز بين المخاطرة المحسوبة والطائشة ضبابيًّا.

«أدريان سي» مصور يعيش في نيويورك، اشتهر بالتقاط صور سيلفي من ارتفاعات شاهقة يظهر في خلفيتها أفق واسع لمدينته، ولدى أدريان أكثر من 56 ألف متابع على إنستغرام، وهو واحد من مصورين كُثْر على استعداد لأن يصعدوا إلى أي مكان من أجل التقاط صورة تحبس الأنفاس. يعتبر أدريان تسلقه مبنى «بارك أفينيو»، المبنى الأطول في نصف الكرة الغربي بارتفاع يبلغ 425 مترًا، أهم إنجازاته على الإطلاق.

احتاج أدريان أيامًا ليبحث كيفية صعود المبنى، قبل أن يقرر أن يتنكر في زي عامل بناء ويصعد في الرابعة فجرًا، في مغامرة كاد أن يحبطها موظفو الأمن. وبعد صعوده، تسلق أدريان رافعة من أجل الوصول إلى حافة المبنى.

يقول أدريان إنه يعي تمامًا ما هو مقدِم عليه عندما يشرع في صعود أحد تلك المباني، لكن «ما أن تفكر في الأمر فلا يمكن لشيء أن يوقفك، تظل الفكرة تتضخم حتى يصبح التقاط الصورة هوسًا. وبشكل ما، ينتهي بك الأمر وقد التقطتها».

الأكثر من ذلك أن أدريان يعترف بأنه بمجرد خروجه من المبنى الذي اعتلاه للتقاط صورة فريدة، حتى يشعر برغبة في تكرار التجربة، رغم أنه على دراية بالمخاطر وبالأشخاص الذين لقوا حتفهم في نيويورك بسبب تجارب مماثلة. فذلك الهوس وتدفق الأدرينالين في الدم هو ما يجعل كثيرين على استعداد للمخاطرة بكل شيء.

رغم اعترافه أنه لن يُثني أحدًا يوَدُّ خوض تجارب كهذه، فهو ينصح من يقدِم عليها بأن يتحلى بالحذر، وأن يعي تمامًا أن ما يفعله محض مخاطرة.

قد يهمك أيضًا: صور إنستغرام المعدلة تهدد صحتنا النفسية

إنستاخطر: لماذا المغامرة أصلًا؟

تقول «أنابيل كوان هاس»، أستاذة علم الاجتماع في جامعة أونتاريو الغربية، إن وسائل التواصل الاجتماعي هي «صناعة جذب الانتباه»، فالشباب الصغار على استعداد لأن يخاطروا من أجل أن يكونوا محطًّا للأنظار، ولهذا قد تدفع وسائل التواصل مستخدميها إلى مزيد من المغامرة، إذ تجعل الحاجز بين المخاطرة المحسوبة والطائشة ضبابيًّا.

لا تدعو أنابيل الشباب إلى المجازفة بحياتهم دون حسابات، بل ترى أن المغامرة جزء من عملية النضوج، وقد تكون كذلك ضرورية للنجاح.

أما أدريان فيعتبر أن هدفه من وراء المغامرة إلقاء الضوء على المجهول: «إذا كان هناك جدار مثلًا، فبعض الناس لا يفعلون شيئًا سوى تخيل ما وراءه، أما نحن فنتسلقه، ونرى ما يحدث وراءه ثم نعود لنُري صورنا لمن لا يستطيعون تجاوز الجدار. أعتقد أننا نولد هكذا».

لا يختلف رأي تراهان كثيرًا عن أدريان، وإن بدا أكثر حيطةً منه، فهو يظن أنه «أحيانًا يكون عليك الخروج قليلًا عن المألوف لالتقاط صورة جيدة، لكنني لا أعتقد أن عليك الخروج كثيرًا لدرجة وضع حياتك في خطر».

دينا ظافر