ما الفارق بين الذهاب إلى طبيب نفسي والحديث مع شخص مقرب؟

يوسف خير
نشر في 2018/11/15

الصورة: منشور

تُستخدم كلمة «عميل» في هذا الموضوع باعتبارها المقابل العربي الأقرب لغويًّا إلى «Client»، وهي الكلمة التى يستخدمها بعض المعالجين والأطباء النفسيين لوصف متلقِّي العلاج، بهدف تقليل الوصم الاجتماعي تجاه المرض والعلاج. تحاول كلمة «عميل» أن تعبِّر أيضًا عن دور متلقي العلاج النفسي في حل مشكلته.

تُستخدم كلمة «مريض» للإشارة إلى من لديه أعراض تتوافق مع تشخيص «DSM»، وكلمة «عميل» للإشارة العامة إلى متلقي العلاج النفسي، ومن بينهم المرضى.


«لماذا أذهب إلى طبيب نفسي، بينما لدي مجموعة مميزة من الأصدقاء، يحبونني ويدعمونني في كل شيء، ومستمعون جيدون لكل ما أبوح به؟». «هل سيحل مشكلاتي أن أجلس أمام شخص ما وأحكي له عن كل ما يضايقني؟ أنا أحكي لأصدقائي بالفعل».

أقابل عددًا من الناس ممن يمرون بمشكلات في حياتهم الشخصية واليومية. وعلى الرغم من إيمانهم بفعالية العلاج النفسي، واستعصاء مشكلاتهم على كل الحلول التقليدية في كثير من الأوقات، فإنني أسمع هذا النوع من الأسئلة كثيرًا، وليس من السهل الرد عليه في عبارات قصيرة.

ربما يختلط الأمران على بعض الناس، فأنت تتحدث بصراحة مع شخص مهتم يستمع لك ويحاول حل مشكلتك. ما الفارق إذًا؟

يوفر العلاج النفسي مساحة للتحسن بطريقة يصعب على الأصدقاء توفيرها، ليس عيبًا في الأصدقاء، ولا في البوح وتلقِّي الدعم منهم (أو توفيره)، بل لأن طبيعة العلاقة بين المعالِج والعميل، أو ما يطلَق عليه «العلاقة العلاجية»، تختلف عن باقي أنواع العلاقات في حياتنا. يتضح ذلك الاختلاف في أربعة محاور رئيسية:

  1. المعالِج
  2. العلاقة العلاجية نفسها
  3. أنت
  4. مكان تلقي العلاج

المعالِج (ولماذا يختلف جذريًّا عن صديقك)

المعالجون النفسيون، سواء كانوا أطباء أو أخصائيين، يمتلكون مجموعة من المهارات تسمح لهم بالتعامل بشفافية مع كل عملائهم وأعينهم صوب هدف أوحد: تحديد المشكلة ثم العلاج.

يصعب بالطبع أن يتخلى المرء عن كل انحيازاته ومعتقداته. لكن المعالجين يهدفون إلى التعامل بشفافية وحيادية مع عملائهم. لذلك يتدرب المعالج على تمييز تلك الانحيازات والمعتقدات ليحيِّدها ويفصلها عن جلسات العلاج تمامًا، ويعمل بناءً على ما يراه أمامه بشفافية، بعيدًا عن أفكاره الشخصية وانحيازاته.

يسمح ذلك للمعالج بأن يُحيِّد سماته الشخصية جانبًا، ليعطي تركيزه بالكامل للعميل وحده وتجاربه وطريقة تفكيره، معتمدًا على طرق علاجية وعلمية.

واحدة من أهم المميزات في العلاج النفسي هي «الاستماع التفاعلي»، أي إنصات المعالج لما تقوله باهتمام شديد. ربما يكرر عليك ما قلت، أو يسألك عما كنت تعني بالضبط.

هدف الاستماع التفاعلي الوصول إلى جذر المشكلة، إلى صورة واحدة يتشاركها معك المعالج عن مشكلتك وكيف تراها.

على الصعيد الآخر، تتحدث مع صديقك وأنتما أكثر راحة في التعبير والأفكار، وأقل رسمية. تتبادلان حديثًا كلٌّ منكما طرف فيه. يشاركك أيضًا بما يفكر فيه، ويستخدم تجاربه وآراءه الشخصية في الحديث. ويؤثر هذا بطبيعة الحال في أفكاره، وحتى نصائحه لو قرر توجيه النصح. وهذا نوع مختلف من المساعدة.

يميل الأصدقاء دون وعي منهم إلى التعاطف معك وتجنيبك المشاعر المؤلمة.

حين تبوح بمشكلاتك لأصدقائك تقف طبيعة العلاقة حاجزًا أمام مساعدتك بنفس الطريقة التي يتعامل بها الطبيب أو المعالج. ربما يخاف صديقك على مشاعرك، ويتفادى الإشارة إلى عيوبك وأخطائك مباشرة خشية أن تتأثر علاقتكما. يراك صديقك من خلال عدسة صداقتكما التي تتضمن التجارب التي اشتركتما فيها: ماضيك وماضيه، والتغييرات التي خاضها كلٌّ منكما طوال تلك المدة.

يؤثر هذا الماضي في نظرة الصديق، فبدلًا من أن تتناولا مشكلتك الحالية، ربما تجد نفسك تتعامل مع مواقف أو ذكريات من ماضيك لا تحب (أو لا يفيدك) أن تتعامل معها الآن، كأن يتحدث صديقك عن علاقاتك العاطفية التي لم تنجح، أو يحاسبك على موقف تغيرتَ بعده ولم تعد نفس الشخص.

يميل الأصدقاء كذلك، دون وعي منهم، إلى التعاطف معك والرغبة في تجنيبك المشاعر المؤلمة. هذا «التعاطف» إحساس بالأسى والرأفة من الشخص تجاه موقفك المؤلم. وهو واحد من أساسيات أي علاقة إنسانية ناجحة، أن نتعامل مع الآخر باعتباره إنسانًا.

حين يحكي لك أحدهم عن مشكلة ما، أو تراه يقع على السلالم لينكسر مثلًا، تشعر بالتعاطف تجاهه لأنك تتخيل نفسك مكانه وتشعر بالألم الذي يشعر به. يدفع هذا التعاطف أصدقاءك إلى أن يحاولوا إيجاد حل لمشكلتك، وهذا مطلوب، لكن أحيانًا تكون المشكلة لها جذور أعمق من هذا، أو يحتاج حل المشكلة إلى أن تغير جانبًا معينًا من شخصيتك.

لا يتعاطف المعالج معك، وليست وظيفته أن يفعل. هذا التعاطف عندما يتسرب إلى العلاقة العلاجية غالبًا ما يضر. لكنه في المقابل يحاول أن يتفهم عواطفك ويشاركك إياها.

التعبير الذي تستخدمه مدارس الطب النفسي هنا هو «المواجدة العاطفية»، أو «التقمص الوجداني»، ويعني ببساطة أن يستطيع المعالج فهم مشاعرك وأفكارك دون أن يتسبب هذا في تورطه العاطفي مع حالتك، ويحتفظ بقدرته على توجيه الدعم والعلاج المطلوب، ما يقودنا إلى النقطة الثانية:

العلاقة العلاجية بينك وبين المعالج

خلال مقابلتك المعالج تكون أنت محور الاهتمام، وكل ما تقوله يُسمع باهتمام وحرص شديدين.

العلاقة بينك وبين أصدقائك محورها الأساسي الصداقة والتواصل الاجتماعي. كذلك، للعلاقة بينك وبين أهلك خصوصية معينة، وينطبق الأمر أيضًا على علاقتك بحبيبك أو حبيبتك.

كل علاقة، مهما تكن، لها سياق واضح للتفاعل.

ربما تلبي احتياجاتك العاطفية خلال علاقتك بأصدقائك، مشاركة ما يدور برأسك وتلقِّي الدعم والاعتماد عليهم في المواقف الصعبة. أيضًا تجمعك بأصدقائك المقربين وحبيبتك علاقة أكثر قربًا، محورها الاهتمام ببعضكم.

تختلف الأسباب التي تقربك من الناس، فربما تكون احتياجات عاطفية أو جنسية أو مادية أو هربًا من الوحدة، وتعتمد جودة التعامل بينكما على تلك الأسباب، إضافة إلى مدى نضج الأطراف التي تشترك فيها.

تختلف العلاقة العلاجية بين المعالج النفسي والعميل عن كل الأنواع السابق ذكرها، فالعلاقة العلاجية محورها العميل: مشكلاته واحتياجاته وما يعاني منه فقط.

خلال مقابلتك المعالج، تكون أنت محور الاهتمام، وكل ما تقوله يُسمع باهتمام وحرص شديدين.

يركز المعالج على ما تقول، ليسمح لك أولًا بفرصة للتعبير عن نفسك وما يدور في رأسك دون قيود، وثانيًا ليبحث في كلامك عن نمط ما يتكرر في حياتك ويؤذيك دون وعيك، أو عن أحداث وأسباب أسهمت في مشكلتك، لكنك لم تنتبه إليها.

العلاقة العلاجية ليست متبادَلة، فهي ذات توجه واحد هو مساعدة العميل. يمتنع المعالج عن إلقاء أي حِمل شخصي على العميل، فلا يشارك تجاربه الشخصية بغرض طلب النصيحة مثلًا أو الترويح عن نفسه، بل يشاركها فقط حين يتطلب العلاج هذا، ولا يطلق عليك أي أحكام من قبيل: «غبي» أو «أهوج» أو «صديق سيئ».  

خلْق مساحة آمنة يمكن للعميل أن يتكلم فيها عما يدور في داخله، يسمح له بأن يستكشف نفسه بمساعدة المعالج.

يظهر هنا اسم «كارل روجرز»، أحد رواد المدرسة الإنسانية في العلاج النفسي، الذي طوَّر أسلوبًا علاجيًّا يرتكز بالأساس على الطرف الساعي إلى المساعدة، عن طريق تشجيع الناس على التبصر بحالتهم وتقبُّل مشاعرهم دون أحكام، لتكون وظيفة المعالج هنا أن يساعد المريض على تطوير نفسه بالطريقة التي يراها المريض ويرغب فيها.

يشير روجرز إلى ثلاثة عوامل جوهرية تسهم في حدوث التغيير العلاجي الذي يحتاجه العميل:

  1. مهارة المعالج في أن يضع نفسه مكان العميل، ليتمكن من رؤية حكايته من وجهة نظره وبالطريقة التي عاش بها الموقف، ليس كما رآه الناس من الخارج (نعم، هذه هي المواجدة العاطفية التي تحدثنا عنها)
  2. القبول والدعم غير المشروط لأيٍّ ما يشاركه العميل في رحلته العلاجية
  3. أن يصل العميل إلى التناغم بين ما يريد أن يكون أو الصورة المُثلى التي يرى نفسه عليها، والطريقة التي يرى نفسه بها حاليًّا

القبول غير المشروط هو الطريق إلى هذا التناغم. خلْق مساحة آمنة يتكلم فيها العميل عن كل ما يدور بداخله، دون أحكام أو آثار من الماضي، يسمح له بأن يستكشف نفسه بمساعدة المعالج ومحاولة تقريب الفارق.

أنت ومشكلتك (داخل المناخ العلاجي)

الملاحظة الأولية أن نوع العلاج النفسي يختلف بحسب العميل ومشكلته، وكذلك حسب ما يراه المعالج أفضل وأوقع تأثيرًا.

كثير من الأمراض النفسية أو الاضطرابات السلوكية التي يواجهها المعالج والعميل في علاقاتهما العلاجية ينبع من تجارب مؤلمة مر بها العميل في ماضيه. ربما يحاول من مر بتجربة أو حدث مؤذٍ لنفسه، بقصد أو دون قصد، أن يدفن هذه الذكرى تمامًا خوفًا من أن تؤلمه، أو لرغبته في أن يوقف هذا الألم، بل إنه أحيانًا ما ينساها، أو يحكيها وقد غيَّر كثيرًا من تفاصيلها.

تعتمد بعض أنواع العلاج، مثل «العلاج النفسي الديناميكي»، على إظهار كل العواطف والذكريات المدفونة في ماضي العميل، الذي ربما لا يكون واعيًا بها في بداية العلاج.

يلجأ المعالج إلى هذه الطريقة ليتمكن العميل من إمعان النظر أو «التبصر» بما في داخل نفسه وحياته. الهدف أن يستطيع العميل الجمع بين الاعتراف بوجود التجارب التي آلمته، وبين تقبُّل وجودها فترة في حياته، مع إدراك أنها أصبحت ماضيًا بالفعل وليس لها تأثير فيه وفي أفعاله في الحاضر.

بناءً على نوع المشكلة التي يعاني منها العميل، ربما يختار المعالج النفسي أن يستخدم إحدى طرق العلاج النفسي الأخرى.

خلال النمو، ونتيجةً لتجارب بعينها نمر بها، يطور بعضنا أفكارًا مؤذية تتحول إلى معتقدات راسخة، نعتمد عليها في تصرفاتنا دون أن نعي مصدرها.

ربما يعاني عميل من «كرب ما بعد الصدمة» (PTSD) وتمنعه النوبات (Flashbacks) من الاستمتاع بحياة طبيعية. عميل آخر متصالح مع ماضيه، لكنه يعاني سلوكًا ما يعرقل حياته، سواء كان بيده أو خارجًا عن إرادته، كإدمان سلوك غير مقبول اجتماعيًّا، أو مادة مخدرة، أو حتى التوتر في التجمعات.

لنقل إن تعرُّقك الزائد، أو رغبتك الملحة في التدخين حين تكون محاطًا بكثيرين، يسبب لك ضيقًا ويمنعك من أن تتواصل مع الناس كما تحب. كيف يساعد الكلام عن مشكلتك في حلها؟

بدلًا من الكلام عن ماضيك ومشاعرك، يركز معالجو المدرسة السلوكية على السلوك المزعج للعميل. والفكرة هنا أنه إذا غيَّر العميل سلوكه الذي يسبب له الضيق إلى سلوك آخر أكثر نفعًا، فبالتبعية يختفي شعوره السيئ حول التجمعات الكبيرة مثلًا، ويظهر بدلًا منه شعور أكثر صحة يسبب السعادة، وذلك من خلال تقنيات سلوكية كالتعلم الاستجابي أو المشروط.

(توجد ترجمة إلى العربية)

في حالات أخرى، يكون العميل مرتاحًا مع ماضيه، أو لا يتعامل معه باعتباره مصدر مشكلة، لكن أفكاره وطريقة تقييمه لنفسه وللعالم من حوله هي التي تضع عبئًا على أي فعل يمارسه، وكل يوم جديد يمر به.

هذا النموذج تلائمه أكثر مدرسة «العلاج المعرفي»، فهي تركز أساسًا على صاحب المشكلة وطريقته في التعبير عنها.

خلال النمو، ونتيجةً لتجارب بعينها نمر بها، يطور بعضنا أفكارًا مؤذية. مثل «لا أحد يتقبلني» أو «لن أنجح أبدًا». ومع الوقت، تتحول هذه الأفكار إلى معتقدات راسخة، نعتمد عليها في بناء أحكامنا وتصرفاتنا دون أن نعي الأفكار أو مصدرها.

تؤمن مدرسة العلاج المعرفي باتصال الأفكار والمشاعر والأفعال ببعضها، وبذلك يعتمد توجهها العلاجي على تغيير أفكار العميل لتتغير مشاعره وسلوكه.

تضم المدرسة المعرفية العلاج السلوكي إليها في كثير من الأوقات، بسبب التشابه في الأسلوب العام، ليشكلا معًا «العلاج السلوكي المعرفي» (CBT).

تختلف أنواع المشكلات والشخصيات التي تحتاج إلى علاج نفسي. يقابل هذا الاختلاف تنوع في طرق العلاج وأدواته لتلائم أكبر عدد ممكن من المعالجين والعملاء، وينضم إليهم المناخ العلاجي ضلعًا ثالثًا في مثلث العلاج.

المناخ العلاجي

ماذا لو افترضنا أن صديقك المقرب طبيب أو أخصائي نفسي، هل يمكنك أن تتحدث معه عن مشكلاتك بينما تتناولان العشاء مثلًا؟ أليس الشخصان المطلوبان (أنت والطبيب) متوفرين، والمشكلات موجودة؟ هل بإمكانك الاستعاضة هنا عن الذهاب إلى طبيب نفسي بأن تتحدث مع صديق هو نفسه طبيب نفسي؟

الإجابة المختصرة: لا. أما الإجابة التفصيلية فهي لا، لكن إذا كان هذا سيُشعِرك ببعض الاطمئنان، ربما بإمكانك أن تطرح عليه مشكلتك وتطلب منه أن يرشح طبيبًا أو أسلوبًا علاجيًّا بعينه، بحكم الصداقة ومعرفته العلمية. لكن أن يعالجك أنت، فالإجابة لا.

العلاقة في العلاج أشبه بالمثلث: أنت والمعالج والمناخ العلاجي الذي كان وما زال محور اهتمام كثير من خبراء علم النفس. يشير هذا المصطلح إلى البيئة العلاجية التي تتضمن الحدود والقواعد في التعامل بين المعالج والعميل: مدة الجلسات العلاجية وعددها، واهتمام المعالج بالعميل، والعميل.

المناخ العلاجي هو المكان الذي يرى المعالج فيه كيف يفكر العميل وما الذي يدور بداخله. وتتمحور أهميته في الفصل الأساسي بين ساعة العلاج (أو أكثر)، وحياة العميل اليومية خارج العلاج النفسي.

العلاج النفسي يساعد العميل بأن يمكِّنه من أدوات ومهارات نفسية، يتعلمها في الجلسة ثم يتدرب عليها في حياته اليومية، ويعود إلى المعالج كي يقيِّم التجربة، وهكذا.

يساعد ثبات المناخ العلاجي وبعض عناصره البسيطة، كالهدوء وتركيز المعالج الشديد، على بناء ثقة العميل في المكان والعلاج أكثر فأكثر مع كل جلسة، فيتوقف العميل عند نقطة ما عن الشعور بالقلق والغربة كلما زار المكتب أو العيادة، وتتحول الجلسة إلى مكان آمن بالنسبة إليه.

بعض العناصر الأخرى، كالحوار بين المعالج والعميل، وتركيز المعالج الكامل مع العميل، وكيفية جلوسهما ورؤيتهما لبعضهما في أثناء الجلسة، يساعد على تجسيد مشكلات العميل ومشاعره وخباياه. بدلًا من التعامل مع حياة العميل كفكرة مجردة، يتصورها كلٌّ من العميل والمعالج بطريقته، يجسد المناخ العلاجي نفسية العميل كأنما نراها في مسرحية. يرى المعالج مشاعر العميل في كيف يتحدث ويحرك جسده، ويرى كيف تتغير طريقته وهيئته مع كل جلسة رغم أن المكان ثابت لا يتغير (العيادة مثلًا).

علاقاتنا بأصدقائنا جزء من حياتنا اليومية، نتلقى منهم نوعًا ضروريًّا ومختلفًا من الدعم، لكنه لا يتعارض مع العلاج النفسي أو يغني عنه.

يؤمن فرويد، على رأس كثير من المؤيدين، بأن المناخ العلاجي وتلك الحدود والقواعد التي تفصله عن الحياة اليومية سبب رئيسي في تحسُّن حالة العميل النفسية، وحتى علاجه إن كان مريضًا.

البيئة العلاجية تحث العميل على أن يستكشف نفسه وما بداخله بصورة أكثر شمولية ودقة، وحتى بعض الضغط والقلق اللذين قد يشعر بهما خلال الجلسة ضروريان للتحسن على المدى الطويل. أما فصل المناخ عن الحياة اليومية، وتخصيص الحوار بين المعالج والعميل فقط لوقت الجلسة، فيحمي العميل من أن يشعر بهذا الضغط على مدار الساعة، ويحسن من جودة المشاركة والعلاج خلال الجلسة.

يمتلك المعالجون مجموعة من الأدوات والمهارات تسمح لهم بالتعامل بشفافية مع عملائهم المختلفين، وأن يستمع المعالج لما يقول العميل ويفكر فيه بمنظوره هو، دون أن يفرض المعالج وجهة نظره أو أحكامه على ما يسمع.

هدف العلاقة العلاجية بكامل مراحلها تمكينك من التعامل مع العقبات المؤذية لحياتك، وعلاج الأمراض النفسية المختلفة. يحدث هذا لوقت محدد خلال إطار العلاقة العلاجية وقواعدها، بهدف حماية العميل والمعالج.

في المقابل، علاقاتنا بأصدقائنا جزء من حياتنا اليومية أو الشخصية، نتلقى منهم نوعًا ضروريًّا ومختلفًا من الدعم، لكنه لا يتعارض مع العلاج النفسي أو يغني عنه.

تختلف أدوات العلاج ومدارسها لتلائم نوع المشكلة التي يعاني منها المرء، سواء كانت في مشاعره أو سلوكه أو أفكاره. ولا تقتصر عملية العلاج على العميل والمعالج، فالمناخ العلاجي وعناصره (مثل زمان تلقي العلاج ومكانه) يجري توظيفهم ليساعد العميل على التعبير عن نفسه بشكل أفضل، وليتمكن المعالج من فهم العميل ومساعدته بدقة أكبر.

هناك اختلافات حقيقية بين مشاركة الأصدقاء ودعمهم في مشكلاتك من ناحية، وطلب مساعدة مختصة في العلاج النفسي من ناحية أخرى. كلاهما ضروري، لكن أحدهما لا يغني عن الآخر قطعًا.

يوسف خير