ربما يكون الاكتئاب مفيدًا للإنسان
وفقًا لأحد تقارير منظمة الصحة العالمية، يعاني أكثر من ثلاثمئة مليون شخص من الاكتئاب على مستوى العالم. هذا المرض، الذي يشخَّص بنسبةٍ أكبر لدى النساء مقارنةً بالرجال، يأتي في المرتبة الثانية عالميًّا بين مسببات الوفاة لمن هم بين الخامسة عشرة والتاسعة والعشرين.
تبدأ معظم حالات الاكتئاب في سن مبكرة نتيجةً لتفاعل مجموعة من العوامل الاجتماعية والنفسية والبيولوجية، وتتباين شدته من شخص إلى آخر، من حالات طفيفة ومتوسطة حتى حالات حادة ومزمنة، وهو ما يجعل نوع العلاج المقدَّم لمن يعاني هذا الاضطراب مختلفًا حسب الأعراض التي تظهر مع كل مريض.
من بين الطرق الشائعة لمقاومة الاكتئاب أسلوب العلاج النفسي، مثل العلاج السلوكي المعرفي، والعلاج بواسطة أدوية مضادة للاكتئاب مثل مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات، الذي يتوقع أن تصل أرباحه إلى أكثر من 16 مليار دولار بحلول عام 2020.
في ظل ارتفاع أعداد من يعانون الاكتئاب، تتزايد التخوفات من أن أساليب العلاج الحالية لا تحقق الغرض المطلوب منها. وعلى النقيض من ذلك، هناك من يثير فكرة مفادها أن المصابين بنوبات الاكتئاب لا يحتاجون كل تلك الأدوية التي يصفها لهم أطباء نفسيون، لأن الاكتئاب ليس سوى استجابة تطورية طبيعية من الإنسان لمواقف عليه أن يمر بها ويتجاوزها بمفرده، وفق ما جاء في مقال على موقع «مجلة نيويورك».
لماذا يصيبنا الاكتئاب؟
يعرِّف المعهد الوطني للصحة العقلية نوبة الاكتئاب بأنها حالة تمتد لأسبوعين يتخللها مزاج راكد وفقدان لأي رغبة في ممارسة النشاطات اليومية الاعتيادية، إضافةً إلى اضطرابات في النوم ومشاكل في الأكل وصعوبات في التركيز، وكذا إحساس بالتعب وقلة تقدير الذات.
هذا التعريف، الذي يعتبر الاكتئاب عيبًا في النظام النفسي يجب معالجته وتجاوزه، يلقَى معارضة من بعض الباحثين، الذين يرون أن الاكتئاب ربما يخدم غرضًا إيجابيًّا من منظور تطوري، خصوصًا أنه يوفر في بعض الحالات فرصةً للتوصل إلى رؤًى ومعانٍ كانت خفية علينا من قبل، حسب ما جاء في المقال.
اقرأ أيضًا: كلنا نصاب بالمرض النفسي مرة أو اثنتين في حياتنا
الاكتئاب يجعلنا نعلو فوق همهمة الحياة اليومية، ويدفعنا إلى توجيه الاهتمام لِمَا يعتمل داخل أنفسنا.
انطلاقًا من الأعراض التي ترافق هذا المرض، وعلى رأسها «انعدام التلذذ»، يرى عالم النفس التطوري الأمريكي «بول أندروز» أن الاكتئاب خاصية تمكِّن البشر من التكيف وتحليل المشاكل المعقدة التي تواجههم، إذ يفكر المكتئب مليًّا في مجريات حياته وأحداثها بشكل متكرر، كما أن حالته تدفعه إلى الحصول على مزيد من نوم مرحلة حركة العين السريعة المرتبط بترسيخ الذكريات.
يرى أندروز أن هذا يعبِّر عن استجابة تطورية انتهت إليها منظومة دفاعاتنا النفسية، تهدف إلى سحبنا بعيدًا عن مساعي الحياة اليومية، وحثنا على التركيز لفهم وحل المشاكل التي أدت إلى نوبة الاكتئاب في المقام الأول، سواءً كانت علاقة فاشلة أو فقدان شخص عزيز.
يعني هذا أن الاكتئاب يجعلنا نعلو فوق همهمة الحياة اليومية، ويدفعنا إلى توجيه الاهتمام لِمَا يعتمل داخل أنفسنا، كما ننشغل بمجابهة الأسباب التي أدخلتنا في تلك الحالة ابتداءً، من أجل تجنب حدوث نفس الأخطاء مستقبلًا.
هل يساعدنا الاكتئاب على إيجاد معنًى للحياة؟
يعرض المقال رأي عالمة النفس «لورا كينغ»، التي أمضت سنوات في دراسة تجارب عدد من الأشخاص عن معنى الحياة، لتخرج بنتيجة مفادها أن المعنى الذي يستمده الأفراد من التجارب الصعبة التي يمرون بها لا يعتمد على حجم معاناتهم، بل على مدى تأملهم وتفكيرهم في ما سبَّب لهم حالة الأسى التي مرُّوا بها.
باتباع هذا الرأي، وباعتماد أن وظيفة نوبات الاكتئاب هي حثنا على تحديد الأخطاء التي ارتكبناها والتوفيق بين المشاعر المتضاربة التي أحسسنا بها، وكذا تعيين مسار الأحداث الذي جرَّنا إلى ما وصلنا إليه، يصبح وصف مضادات الاكتئاب من أجل إخراج المريض من هذه الحالة علاجًا في غير محله.
فضلًا عن ذلك، إذا كان شفاء الاكتئاب يتطلب إعادة صياغة شخصية لنفسية المريض، أي عملية ذاتية عميقة غير موضوعية قد تستمر لمدة طويلة، فالطريقة العلمية المستخدمة حاليًّا في التعامل مع هذا الاضطراب لن تقدر على استكشاف أبعاده كلها، بحسب المقال.
في ضوء هذه الصياغة المختلفة للاكتئاب كحيِّز للتفكير والتأمل، يستعيد الشخص المريض التحكم والسيطرة على حياته ويصير بمقدوره استكشاف خبايا نفسه للخروج من كَنَف نمط حياته السابق. الاكتئاب إذًا رحلة إلى «العالم السفلي»، تتطلب فهما عميقًا للذات، وربما مساعدة أخصائي يمكِّن المكتئب من الولوج إلى عالمه الداخلي.
قد يعجبك أيضًا: مساعدة الآخرين تعينك في التغلب على اكتئابك
مع ذلك، تبقى هذه الفرضية بحاجة لمزيد من الأبحاث والتجارب حتى يمكن تعميمها على مختلف أنواع الاكتئاب، خصوصًا إذا علمنا أن بعضها، مثل الاضطراب الوجداني ثنائي القطب، قد يدفع المريض إلى الانتحار أحيانًا.
ترجمات