هل يمكن أن يسبب التصالح مع السِّمنة زيادة في الوزن؟
نشرت المجلة العلمية «Obesity» (البدانة) دراسة تقترح أن حركة «Body-positivity» (التصالح مع الجسد) التي تدعو إلى التصالح مع كل أنواع الأجساد، تسهم في ارتفاع معدلات البدانة وزيادة الوزن. إذ سرعان ما انتشرت عناوين وسائل الإعلام: «التصالح مع الجسد يسبب البدانة»، و«اعتبار الوزن الزائد أمرًا عاديًّا يزيد خطر البدانة الخفي». وهذا مثال على استغلال العلم بصورة متسرعة، دون محاولة البحث عن تفسير أعمق وأكثر دقة.
في الدراسة، قارنت «رايا موتاراك»، الأستاذة في جامعة إيست أنغليا الإنجليزية، بين بيانات جُمِعَت بين عامي 1997 و2015. فقد حللت مؤشر كتلة الجسم البشري، وما إذا كان المشتركون في الدراسة يرون أنفسهم: (أ) الوزن المناسب تقريبًا، أو (ب) أكبر من الوزن المثالي، أو (ج) أقل من الوزن المثالي جدًّا، أو (د) غير متأكد.
إضافةً إلى ذلك، طُلب من المشاركين أن يجيبوا عن استبيان ما إذا كانوا (أ) يحاولون حاليًّا فقدان الوزن، أو (ب) يحاولون زيادة الوزن، أو (ج) لا يحاولون تغيير الوزن. وأوضحت النتائج أن نسبة متزايدة من البالغين المصنَّفين وفقًا لمقياس كتلة الجسم «ذوي وزن زائد، أو بدينين»، من 1997 إلى 2015، يرون أنفسهم «بالوزن المناسب تقريبًا» بدلًا من رؤية أوزانهم «أكبر من الوزن المثالي».
نتائج مضللة
ما يثير القلق، أن موتارك تُلمِّح إلى أن هناك علاقة قوية بين تزايد معدلات السمنة وفكرة التصالح مع الجسم. فكلما زادت نسبة تقبُّل الناس لأجسامهم زادت أوزانهم.
على سبيل المثال، ترى موتارك أن تَوفر الملابس «ذات الحجم الكبير» قد تكون أسهمت في تقليل النظر بصورة سيئة إلى زيادة الوزن والبدانة. وفي حين أن الحركة الإيجابية في النظر إلى الجسم قد تساعد في تلطيف الصورة السيئة حول الأجسام الأكثر وزنًا، إلا أنها قد تقوض أهمية الاعتراف بأنهم يعانون من زيادة الوزن أو البدانة، وما قد يتبع ذلك من مشكلات صحية خطيرة.
في مقالها المنشور على مجلة «Psycology Today»، ترى الباحثة «جيسيكا أليفا»، وهي أستاذة مساعدة بجامعة ماستريكت، أن هذا البحث لا يمكن أن يُعتمد عليه لتوجيه النقد إلى حركات التصالح مع الجسد الاجتماعية. فالافتراض الرئيسي وراء البحث المنشور في مجلة «Obesity»، أن الاعتراف بزيادة الوزن أو البدانة أمر ضروري لبدء حياة صحية أكثر. لكن هذا غير صحيح.
قد يهمك أيضًا: وزن زائد في عالم ضيق: بكيني ولا أبالي
وصم اجتماعي قاسٍ
يرى البعض أن هناك خطر كبير ينتج عن التعامل بصورة «عادية» مع من يعانون من زيادة الوزن أو البدانة.
يمكننا أن نبدأ بأن نعترف أن هناك بالفعل تحيزًا كبيرًا ضد الأفراد الذين يعانون من زيادة الوزن أو البدانة. إذ تنتشر صور نمطية حولهم باعتبارهم أشخاصًا غير أصحاء، ويعانون من عادات أكل ولياقة بدنية سيئة، ولا يستطيعون السيطرة على أنفسهم.
يظل هذا التحيز ضد أحجام معينة واحدًا من أكثر أشكال الوصم والحكم المسبَق القاسية والمقبولة مجتمعيًّا في الوقت نفسه.
اقرأ أيضًا: مقاسي «Plus-size»: هل تنجح البدينات أم يطغى خوف شركات الموضة؟
إن اختبار الوصم الاجتماعي المبني على الحجم، بما في ذلك الصور النمطية السلبية والتقليل الاجتماعي والتنمر عليهم، له عواقب كبيرة على الصحة من شأنها أن تؤثر في الحالة النفسية والسلوكية للشخص.
تلك الوصمة التي تحيط بزيادة الوزن تشكل عائقًا أمام عملية فقدان الوزن نفسها، وأمام السلوكيات التي من شأنها تحسين صحة الشخص الذي يعاني من هذه المشكلة، مثل النظام الغذائي الصحي والتمارين البدنية والالتزام ببرنامج صحي والحصول على رعاية طبية، وغيرها.
رأت موتارك في بحثها أن هناك خطرًا كبيرًا ينتج عن التعامل بصورة «عادية» مع من يعانون من زيادة الوزن أو البدانة. وأكدت أن إدراك زيادة الوزن أو البدانة شرط أساسي لنجاح محاولات إنقاص الوزن، وأن توفر ملابس ومنتجات أخرى للأحجام الكبيرة، برغم أنه قد يساعد في تقليل الوصمة الاجتماعية التي تلتف حول أعناق من يعانون من زيادة الوزن، فإنها من الممكن أن تجعل هؤلاء الأشخاص أقل حماسًا لمحاولة إنقاص الوزن.
لكن هذا الافتراض خطأ تمامًا، حسبما ترى جيسيكا أليفا، فالعكس صحيح، مستشهدة بمقال «تيفاني ستيورات» عن أن تصور الشخص عن نفسه باعتباره بدينًا يرتبط بصورة عكسية مع زيادة أخطار زيادة الوزن في المستقبل. إضافة إلى ذلك، فإن «تصنيف الأحجام» من الآباء أو المدارس خلال فترات الطفولة والمراهقة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بزيادة الوزن مستقبلًا. لذلك، فإن اعتبار العلاقة بين إدراك زيادة الوزن أو البدانة والتغيرات الإيجابية السلوكية لا يفشل فقط، بل يمكنه أن يزيد من الوصمة الاجتماعية حول البدانة والضغوط المصاحبة لها.
لم تشمل دراسة موتارك كذلك أي مقاييس تتعلق بالمؤشرات الصحية، وإنما شملت فقط «مؤشر كتلة الجسم» (BMI)، وكذلك إدراك الأشخاص لأحجامهم، وما إذا كانوا يحاولون إنقاص وزنهم أم لا. إن العلاقة معقدة بين هذا المؤشر والصحة.
خطر الوفاة هو الأعلى بالنسبة إلى الأشخاص الذين يمتلكون مؤشر كتلة جسم أقل من 18.5 وأكبر من 35. ولذلك، فاستخدام المؤشر باعتباره المقياس الوحيد للصحة يُسبب أخطاء كثيرة عند تحديد الأمراض القلبية.
إذا افترضنا أن الأشخاص ذوي الوزن الأقل يتمتعون بصحة أفضل بسبب انخفاض المؤشر لديهم، فإن الظروف الصحية يجري التغاضي عنها. وإذا كانت التوصيات التي تُقدم للأشخاص ذوي الوزن الأثقل تعتمد على مؤشر كتلة الجسم فقط، وليس على تاريخهم الطبي، فإن رحلة فقدان الوزن تبوء بالفشل، إضافة إلى عواقب أخرى جسدية ونفسية.
إذا كان الشخص يتمتع بصحة جيدة وتمثيل غذائي جيد، فهل يجب التغاضي عن كل هذا والتركيز على الوزن؟
إذا أجبنا استنادًا إلى العلوم المهتمة بالبدانة، فإن الإجابة ستكون «نعم»، أما إذا أجبنا استنادًا إلى اضطراب الأكل أو تقدير الجسد، فإن الإجابة «لا». فهل توجد أرض مشتركة بين الاثنين؟
هناك دليل على أن التركيز الإيجابي على صحة الجسم والسلوكيات الصحية، من أعظم فوائده أن له تأثيرًا إيجابيًّا أكبر في الأشخاص من مجرد التركيز على المظهر والوزن. على سبيل المثال، تعد ممارسة التمارين الرياضية المنتظمة سلوكًا مهمًّا لتحسين الصحة البدنية، مثل الطاقة والتحمل وتقليل خطر الإصابة بمرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية، والصحة النفسية مثل تقليل القلق والاكتئاب وتحسين النوم.
لكن هنالك سلوكًا متكررًا يظهر عندما يفشل الأشخاص في تحقيق أهدافهم التي بدأوا من أجلها في ممارسة الرياضة أصلًا. فعندما يفشل هؤلاء الأشخاص في فقدان الوزن بمعدل معين، أو يفشلون في الوصول إلى المظهر المرغوب فيه على المدى القصير، يتخلون عن السلوك الصحي بأكمله.
عند اعتماد المظهر الخارجي كهدف أول لتغيير السلوك الصحي، فإن مصير هذا التغيير هو الفشل عادة.
قبول المظهر الجسدي والسلوك الصحي لا يتعارضان. أي إن كراهيتنا لأجسامنا ليست محفزًا على السلوكيات الصحية. هل توعية الأشخاص ببدانتهم، وحثُّهم على عدم التصالح مع أجسادهم، هو الحل لمكافحة البدانة؟ بالنسبة إلى الأدلة المتاحة، فالإجابة هي «لا». علينا أولًا أن نتحدث معهم عن صحتهم وعلاماتهم الحيوية، والوصول بها إلى المساحات الآمنة. علينا أن نحثهم على تناول طعام صحي وممارسة الرياضة، دون أن نوجههم إلى كراهية أجسادهم. وهي الطريقة التي يثبت فشلها مرة تلو الأخرى.
ندى رضا