شرفي ليس بين قدميّ وعضوي ليس ثقبًا أسود: فن نسوي في مجتمع ذكوري
«عشتُ حالة من الاضطراب النفسي قبل زواجي بشهور كثيرة، فأنا أعي جيدًا ما تحمله ليلة العُرس من ترقب وانتظار، ليس من جانب العروس فقط، بل من أهلها وجيرانها وأصدقائها أيضًا». هكذا تفتتح أمل، الفتاة المصرية العشرينية، حديثها لـ«منشور».
جرت العادة في بلدتها، الواقعة بالقرب من مدينة بنها (إحدى مدن محافظة القليوبية) على أن ينتظر والد العروس بعد ليلة الزفاف في الشارع وسط حشد من أهله، كي يطل عليهم العريس بمنديله الملطخ بدم العذرية، ويجب أن يحدث ذلك في ليلة العُرس بالذات، وفقط.
وكما في الأفلام المصرية، يعقُب «طلّة العريس» إطلاق للرصاص يوقظ صوته جميع النائمين في القرية، ليعلموا أن ابنة «فلان» شريفة وباستطاعة أبيها أن يرفع رأسه بين الأشهاد.
ترى أمل أن هذه عادات وتقاليد مجتمعية لا تستطيع تغييرها أو حتى انتقادها والاعتراض عليها رغم تعليمها الجامعي.
أما أم عبير فسيدة أربعينية يحمل وجهها تجاعيد الزمن، تتفاخر بأن أصلها الصعيدي دفعها إلى أن تنفذ «دُخلة بلدي» لابنتها، التي زوّجتها وهي في الخامسة عشرة من عمرها: «أنا وعمتها دخلنا مع زوجها إلى غرفة النوم لنطمئن على شرف بنتنا». لم يمانع الزوج وجود المرأتين في غرفة نومه وهو يفُضّ بكارة زوجته، ولِمَ لا وهي «عاداتنا وتقاليدنا، وهو يعي ذلك تمامًا»، بحسب أم عبير.
تحكي السيدة بحزن عن مشكلات تواجهها مع زوجها، كيف أنه يضربها يوميًّا ليحصل على أجرها نظير تنظيف المنازل لينفقه على إدمانه للمخدارت: «هاتحمِّل. أعمل إيه؟ مينفعش أتطلق، هاروح فين والناس هتقول إيه؟ الست عندنا متخرجش من بيتها غير على المقابر».
ما عانته أمل وأم عبير تعانيه فتيات وسيدات كُثر يعشن ليفكرن في الليلة «الموعودة»، في انتظار قطرات الدم التي سترفع رأس آبائهم وسط الأشهاد، أو يعانين من تسلط الزوج والأب والعنف والتمييز المجتمعيين.
إليكم تجارب فنية حاولت خلخلة نظرة المجتمع العربي السلبية إلى المرأة.
بنت المصاروة: محاولة لكسر تابوهات تصوير المرأة كجسد
«قولوا لأبوها ابكي على الوكسة
مكسورة بإيدك والدموع عَ الفَرشة
قولوا لأبوها ضحكوا عليك ضحكوا
لا شرفها بين رجليها ولا بيِحكُوا
قولوا لأبوها إن كان قلقان يرتاح
مَهِيش كالون مستنية المفتاح
قولوا لأبوها دي البنات موجوعة
شايلة الوجيعة والرؤوس مرفوعة»
ربما ترى أن كلمات مثل هذه جريئة في مجتمعاتنا العربية، لكن فتيات فريق «بنت المصاروة» نسجتها للتعبير عن قضايا المرأة بشكل مختلف وبنظرة نسوية بحتة، لمحاربة الدُّخلة البلدي التي تحدثت عنه أغنية «قولوا لأبوها»، والتمييز الجنسي والعنف والتحرش، وغيرها مما تعانيه المرأة في المجمتع المصري.
اقرأ أيضًا: أسطورة غشاء البكارة: مغالطة طبية تسوِّد حياة المرأة العربية
نجح فريق «بنت المصاروة» في جمع مبلغ مالي لإنتاج الألبوم الثاني، بعد حملة تحت اسم «ساعدونا نغني».
«نحاول إيجاد مساحة مختلفة للمرأة لتعبِّر عن قضاياها المختلفة دون تمييز. ننظم وِرشًا للحكي تجوب صعيد مصر، ومن تلك القصص نكوِّن أفكارنا عن معاناة النساء، ومن ثَمّ نؤلف الأغاني التي تتماشي مع معاناتهن». هكذا توضح مارينا سمير، المديرة التنفيذية للفريق.
أطلق الفريق ألبومه الأول الذي حمل اسم الفريق نفسه «بنت المصاروة» في 2015، وضم ست أغنيات هي «قولوا لأبوها» و«إنت الكامل» و«مُرّة مَرَار» و«فهِّمونا زمان» و«حرب كبيرة» و«حريتي».
وفي 2017، أطلقت الفتيات حملة دعم تحت اسم «ساعدونا نغني» لجمع نفقات إنتاج ألبومهن الثاني «مزغونة»، المنتظر أن يحوي 10 أغنيات جديدة.
تشرخ مارينا سمير لـ«منشور» أنهم نجحوا بالفعل في جمع المبلغ المالي بدعم من «المؤمنين بأفكارنا وغنائنا، وسننظم جولات في محافظات الصعيد، وكذلك ورشات حكي أكثر لنساعد السيدات في تلك المناطق المهمشة للتعبير عن مشكلاتهن».
تستطرد: «تراجَع التعبير عن قضايا المرأة، وهذا له دور في تراجع الفكر العام للدفاع عن دور المرأة، ولذلك فكل الأصوات النسائية تعاني في إيصال أفكارها واقتناص حقوقها. نسعى للوقوف في وجه المشكلات التي تعاني منها المرأة حتى وإن كنا نعمل في مساحات ضيقة، لكن الفكرة هي تكرار انتشارنا في أماكن جديدة بوِرَش حكي جديدة، ومن ثَمّ لمس مشكلات جديدة للمرأة في أماكن مختلفة».
ما تعانيه المرأة المصرية من مشكلات، كقضايا الشرف والتمييز الجنسي والتابوهات المتوارثة التي تؤطر المرأة في الجسد فقط، جزء لا يتجزأ من معاناة المرأة العربية بشكل عام وليس المصرية فحسب، وفقًا لسمير، لكن «الوعي فقط هو ما دعانا إلى التعبير عما تعانيه المرأة، ونتمنى وجود تجارب عربية مشابهة».
«هاشتاج»: أول مسرح نسوي في فلسطين
يتفاوت تقبُّل المجتمع لعمل النساء بالتمثيل في غزة، وأحيانًا يؤدي رجال أدوار الأم والأخت والجدة، تماشيًا مع العادات والتقاليد.
تعاني النساء في فلسطين من الغياب القسري في الأعمال الدرامية والفنية، وفي بعض الأحيان يستعين المنتجون برجال لأداء أدوار نسوية، إلا أن ثلاثة نساء قررن مواجهة ذلك الفكر بعرض مسرحي تحت اسم «هاشتاج» دون أي مشاركة ذكورية.
تحاول وسام الديراوي، مؤسسة مسرح «بذور» للثقافة والفنون، إزالة التابوهات المتوارَثة في المجتمع الذكوري الفلسطيني بعرض مسرحي مدته 45 دقيقة، لإقناع الشباب بضرورة التمسُّك بوطنه والابتعاد عن التفكير في الهجرة، لكن «يتفاوت تقبُّل المجتمع لفكرة عمل النساء بالتمثيل في القطاع، حتى أن بعض المحافظات ترفضه في المطلق، ويمثل الرجال أدوار الأم والأخت والجدة تماشيًا مع العادات والتقاليد».
توضح الديراوي أنه «رغم غياب الدعم المادي للمسرح في غزة، حتى أن بعض المسرحيات تُنتَج ذاتيًّا، فإننا حاولنا عبر المسرحية دعم المرأة الغزاوية، فهي تستحق أن تشاهد أعمالًا تناقش مشكلاتها الخاصة، كالهجر والفقدان والطلاق والتسلط والعنف، وغيرها من المشكلات التي نسعي إلى تنفيذها على خشبة المسرح في المرحلة القادمة».
مشكلات المرأة لن تختفي بين عشية وضحاها بحسب الديراوي، لكن «التركيز على عرض تلك المشكلات عن طريق وِرَش الحكي التي ننظمها قد يكون وسيلة لمساعدة النساء على البوح بما يشعرن به».
يقدم مسرح «بذور» فنون المسرح والدراما والرسوم المتحركة وبرنامج «الحكواتي» من السيدات إلى السيدات، للتحدث عن القضايا الأسرية التي تهم المرأة الفلسطينية، وسرد قصصهن الشخصية وتجاربهن الحياتية لتحويلها مستقبلًا إلى أعمال مسرحية.
نعيمة زيطان: الجرأة فقط هي السبيل إلى دعم المرأة
المخرجة المغربية نعيمة زيطان يعتبرها كثيرون مثيرة للجدل، بما تنتجه من مواد مسرحية يرونها «عيبًا» أو خروجًا عن المألوف، خصوصًا بعد عرضها «ديالي» (أي العضو التناسلي للمرأة بالمغربية الدارجة) الذي عرضها لانتقادات واسعة.
كسر حجاب الصمت الذي يغلف جسد المرأة هو مشروع مسرحي لفرقة «أكواريوم» ومؤسستها نعيمة زيطان منذ انطلاقتها عام 1994.
عرض «ديالي» كان الأكثر شهرةً في المغرب، نظرًا لمشاكل الرجال مع عضو المرأة التناسلي.
لاقى العرض هجومًا قاسيًا من المجتمع المغربي، لكنه لم يمنع زيطان من الاستمرار في عروضها الأخرى، التي تسعى عن طريقها إلى خلخلة عيوب المجتمع المغربي.
قدمت زيطان عددًا كبيرًا من المسرحيات الخاصة بالمرأة، لكن «ديالي» كان العرض الأكثر شهرةً، وذلك حسبما ترى نظرًا إلى مشاكل الرجال مع هذا العضو. ورغم الهجوم، تقول زيطان إنها غير نادمة مطلقًا على العرض.
توضح المخرجة المغربية لـ«منشور» أن فرقة «الأكواريوم» تهدف منذ تأسيسها إلى مناصرة قضايا المرأة، وتحاول رفع شعارات المساواة مع الرجل ورفض كل أشكال التمييز ضد المرأة ودعم مشاركتها في الحياة السياسية، وتهدف كذلك إلى تأكيد أن جسد المرأة ملكية خاصة لها، لا يجب أن يكون وسيلة لإذلالها أو الانتقاص من حقوقها.
تضيف زيطان: «أنا امرأة تعاني في الشارع العام من التحرش مثلًا، فالمجتمع أصبح أكثر تطرفًا بسبب التيارات الدينية الجديدة التي أثرت في فكر وعقلية بعض الناس، لكن المنظمات النسوية ما زالت تعمل وتعيش حالة الصراع تلك بين الفكر المتطرف ومحاولة تغيير نظرة المجتمع إلى المرأة».
ترى نعيمة أن الفن قادر على تغيير الصورة النمطية للمرأة، وتعتبر صمود مسرحها لمدة 22 عاما إنجازًا كبيرًا، خصوصًا أنه يقع وسط منطقة شعبية جدًّا، لكنه نجح في جذب عدد كبير من المتابعين والمتعاطفين مع الفكر النسوي الذي تقدمه، ويكفي الحراك الذي يحدثه هذا الفكر: «الصدمات التي نقدمها في عروضنا مهمة لإحداث الحراك الاجتماعي، وتوصيل أفكارنا والدفاع عن قضايا نؤمن بها».
وللفن التشكيلي رأي أيضًا
ملتقى «عِشتار» العراقي للفنون هو إحدى المبادرات التي تبنّت قضايا المرأة عن طريق اللوحات التشكيلية، وأطلق مؤسس الملتقى الفنان أصيل العبودي اسم «عِشتار» عليه تيمنًا بأحد أبواب مدينة بابل قديمًا.
حاولت إيمان بكري أن تُظهر لوحاتها الأنثوية مشوهةً لتوضح التشوه الداخلي الذي تعاني منه المرأة بسبب المجتمع.
يوضح العبودي لـ«منشور» أن الملتقى يدعم المرأة بتقديم ما يؤيد قضاياها، وكذلك مساعدتها كفنانة في عرض أعمالها: «المرأة هي من تعبِّر عن همومها من خلال الفن التشكيلي وليس الرجل، إذ أنها أدرى بتلك المعاناة، سواء كانت تلك المعاناة تعبيرًا منها عن المجتمع أو حتى معاناة خاصة».
نظم الملتقى معرضين في العاصمة المصرية لدعم قضايا المرأة، ويرحب دومًا بدعم الفنانات اللاتي ينظرن إلى من يعانين في مجتمعاتهن.
«المرأة ليست سلعة أيضًا» هو عنوان معرض الرسوم الذي نظمته الفنانة التشكيلية المصرية إيمان علي بكري، لتحاول إجابة الأسئلة الاستفزازية التي تؤطِّر المرأة كسلعة، فالمرأة أكبر من ذلك، رغم أنها في بعض الأحيان تكون جانية على نفسها، وتتعامل على أنها سلعة، وفقًا لبكري.
حاولت بكري، عبر لوحاتها الـ29 التي عُرضت في «جاليري مصر»، أن تُظهر لوحاتها الأنثوية مشوهة لتوضح التشوه الداخلي الذي تعاني منه المرأة بسبب المجتمع.