هل تستطيع السياحة القضاء على الفقر؟
تخيل لو كان باستطاعة شيء بسيط وممتع، مثل السفر للسياحة، المساعدة في إنهاء شيء قاس كالفقر العالمي. سيكون هذا رائعًا بالتأكيد، خصوصًا أن السياحة في تزايد مستمر، إذ تبلغ معدلات نموها 4% على الأقل كل عام منذ ستينيات القرن الماضي.
في عام 2016، أنفق أكثر من 1.3 مليار سائح نحو 1.4 تريليون دولار، وهو ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لدولة أستراليا، حتى أن الأمم المتحدة أعلنت عام 2017 عام السياحة المستدامة من أجل التنمية، مبشرةً في ذلك بدور السفر الدولي في الحدِّ من الفقر، لكن ما المقدار الفعلي الذي يذهب من أموال السياحة إلى الدول الفقيرة؟
تعرضت النظرية القائلة إن السياحة قادرة على القضاء على الفقر العالمي للتمحيص من قِبل أستاذة السياحة المستدامة «سوزان بيكن»، في مقالها المنشور على موقع «The Conversation»، وخلصت إلى أن المسألة أكثر تعقيدًا ممَّا تبدو عليه للوهلة الأولى.
السياحة: الغنيمة الكبيرة
تشير بيكن إلى أن جهود مجموعة من الباحثين من جامعتي غريفيث وسوري في أستراليا وفرت آلية لمعرفة إجابة سؤالها، فقد أجرى الباحثون مجموعة من الدراسات المتعلقة باقتصاديات السياحة، ولم تكن النتائج مبشرة كثيرًا.
أطلق الباحثون الآلية في يناير عام 2017 لقياس تأثير السياحة وإسهامها في أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة للفترة بين 2015 و2030.
تمكننا هذه الدراسات، من بين عدة مؤشرات أخرى متعلقة بالاستدامة، من تحديد ما إذا كانت السياحة تعيد توزيع الثروة حقًّا، وذلك بتتبع مقدار أموال السياحة التي يحصل عليها نوعان من الدول: أقل بلدان العالم نموًّا، ودول الجزر الصغيرة النامية.
السياحة العالمية ما هي إلا تبادل اقتصادي بين الدول الغنية.
بحسب بيكن، يعيش نحو 14% من سكان العالم في أقل البلدان نموًا (مثل كمبوديا والسنغال) ودول الجزر الصغيرة النامية (مثل فانواتو والدومينيكان).
مع ذلك، لم تشهد هذه البلدان سوى 5.6% من الإنفاق العالمي على السياحة الدولية عام 2016، وإذا أخرجنا سنغافورة من القائمة (وهي جزيرة صغيرة ليست نامية بالضبط في رأي بيكن)، ستنخفض النسبة إلى 4.4%، أي 62 مليار دولار فقط، من أصل 1.4 تريليون دولار أُنفِق في جميع أنحاء العالم على السفر في ذلك العام.
تُظهر نتائج الباحثين أن السياحة العالمية ما هي إلا تبادل اقتصادي بين الدول الغنية، أو تبادل بين مواطني 10 دول معظمها في أوروبا وأمريكا الشمالية، يصل نصيبها إلى قرابة نصف مجموع السياحة الدولية، ولم تصبح الصين من بين المراكز العشرة الأولى حتى عام 2000.
قد يعجبك أيضًا: كيف يساعدك السفر في إعادة النظر للعالم؟
الأموال لا تشتري السياحة
مع أن حصة أموال السياحة المُنفَقة في الدول الفقيرة ليست كبيرة، فإنها لا تزال معقولة وفق الكاتبة، إذ بلغت 79 مليار دولار في عام 2016 وحده، أي ما يعادل ميزانية المساعدات الخارجية للولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا مجتمعة.
يحدث «التسرب» عندما تكون الدولة في حاجة لاستيراد السلع والخدمات الحيوية كلها لخدمة السياحة.
لكن المال وحده لا يستطيع إنهاء الفقر، ولو كان قادرًا على تخفيض نسبته حقًّا لأصبحت تايلاند مثلًا دولة غنية، بالنظر إلى كونها رابع مقصد سياحي في العالم، وقد حصلت على 54 مليار دولار من السياحة الدولية في عام 2016 وحده، لكنها ما زالت تعاني الفقر رغم ذلك.
بحسب بيكن، يعتمد تحول النقد القادم من السياحة إلى مشاريع تنموية على عدد من العوامل المعروفة. وعلى سبيل المثال، تفتقر البلدان الأقل نموًّا إلى السلع والخدمات الحيوية التي يحتاج إليها السياح، بما في ذلك المطارات وأماكن الإقامة ومناطق الجذب الرئيسية والمرشدين السياحيين والاتصالات السلكية واللاسلكية، وغيرها من الأمور.
يؤدي هذا إلى ما يُعرف لدى علماء الاقتصاد باسم «التسرب»، وهو مصطلح يعبِّر عن حاجة الدولة إلى استيراد كل شيء تقريبًا للإبقاء على السياحة، بدءًا من المولدات والألواح الشمسية وانتهاءً بأنواع معينة من الأغذية، فتضطر إلى إنفاق نسبة كبيرة من أموال السياحة قبل أن يتسنى لها مضاعفتها في الاقتصاد المحلي.
تتراوح نسب التسرب في الدول النامية بين 40% في الهند حتى 80% في موريشيوس، ويزيد حجم المشكلة أن معظم المستثمرين في مجال السياحة في هذه الدول يكونون من الأجانب، ممَّا يؤدي إلى هروب الأرباح، غالبًا إلى الدول الغربية مجددًا.
يمكن للحكومات تقليل التسرب بالتفكير الاستراتيجي في المشتريات، مع التشديد على تنمية الأعمال التجارية المحلية، ودمج سلاسل الاستيراد، والاستثمار في تعليم العمال وتدريبهم من أجل تهيئتهم للعمل في مجال السياحة.
اقرأ أيضًا: الاقتصاد لا ينتعش بالأغاني.. «ديسباسيتو» لن تنقذ بورتوريكو
كيف نستفيد من السياحة؟
توضح دول مثل الإكوادور وفيجي وجنوب إفريقيا أن السياحة تستطيع الإسهام في التنمية وخفض معدلات الفقر، وتعرض وكالة السفر الإنجليزية «ريسبونسبل ترافيل»، المسؤولة عن الجوائز السنوية للسياحة العالمية المسؤولة، أمثلة أخرى كثيرة.
وفقًا لبيكن، يمكن للمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة أن تساعد البلدان في إيجاد هذا التوازن بتمويل وسائل النقل مثلًا، وتيسير الاستثمار في البِنى التحتية التي تضع في اعتبارها استخدامات سياحية محتملة.
يلعب الأفراد المستقلون كذلك دورًا مهمًّا هنا باتخاذهم قرارات سفر أخلاقية، إذ يمكن للسياح الذين يزورون البلدان النامية تحقيق أقصى قدر من المنافع المجتمعية لرحلاتهم، وذلك باختيارهم استخدام كل ما هو محلي، بدايةً من الأطعمة وحتى شركات السياحة والمصنوعات اليدوية.
إن اختيار الشركات المسؤولة وطرح الأسئلة الصحيحة قد يرسل مع الوقت إشارات مهمة، بأن السياح يهتمون بتأثيرهم في اقتصادات الدول التي يزورونها. ومع أن السياحة ربما لا تنهي الفقر أبدًا، فإن اهتمام الحكومات والشركات بهذه المسألة قد يبدأ في تحريك الأمور نحو الأفضل.
آية علي