الجيش السعودي في حرب 1967: قصة البحث عن قصة

منال الزهراني
نشر في 2017/06/06

الملك سلمان (أمير الرياض حينها) يزور القوات السعودية في الأردن بعد النكسة - الصورة: History of Saudi Army

 في القاعدة العسكرية في جازان جنوبي المملكة العربية السعودية عام 1967، كان قائد القوات في المنطقة الفريق محمد بن عامر عسيري يقضي يومًا اعتياديًّا. العسكري العتيد الذي لم يخطُ خطوة بسلاحه خارج حدود وطنه وصله خبر عاجل بتعيينه قائدًا للقوات العسكرية السعودية المتجهة إلى الأردن للمشاركة في حرب 1967، كأول مشاركة خارجية له.

في حين يجهز عسيري نفسه لمرحلته الجديدة حاملًا دعوات عائلته، سارعت الصحف السعودية بتحريك مطابعها وصياغة عناوين الصفحات الأولى، فوصفت صحيفة «الرياض» المشارَكة العسكرية في صفحتها الأولى بالقوة الضاربة التي ترتقي إلى «مستوى أحداث الأمة العربية».

مانشيت صحيفة «الرياض» قبل النكسة - الصورة: القوات الجوية الملكية السعودية

حاولتُ تجاوز المانشيت الصَّارخ إلى قصة المشاركين، التي اعتدتُ سماعها عَرَضًا من آباء الأصدقاء أو في برنامج تليفزيوني ما، حكايات الجنود في الحرب أو الشهداء الذين رُفعوا على النعوش، الجرحى ومبتوري الأطراف، الحكايات التي كنت أسمعها ممَّن يكبروننا سنًّا، فاصطدمتُ بصفحات إنترنت محجوبة أو معطلة عن العمل، وكُتب تاريخية تحمل ثقوبًا زمنية في ما يتعلق بمشاركة الجيش السعودي في حرب 1967.

عند الاستقصاء، كان مجرد الحصول على اسم كامل يقتضي المرور بمئات الصفحات الداخلية غير المهمة، فأجد نفسي مرةً أخوض تعليقات على منتديات «القبيلة»، أو قائمة أسماء موظفين جُدُد. أحاول أن أكرر لنفسي السؤال: عمَّن أبحث؟ فما يقع في يدي لا يتعدى كونه تشابه أسماء، وها هو اسم قائد القوات السعودية المتجهة إلى الأردن، محمد بن عامر عسيري، يظهر في نتيجة بحث مفاجئة في العام 2007.

لكن قبل أن نصل إليها، لا بد أن نعرف الطريق..

إطار مشاركة الجيش السعودي

وزير الدفاع الإسرائيلي موشى ديان في مؤتمر صحفي قبل يومين من النكسة - الصورة: AP

قبل بدء النكسة، التي سُميِّت أيضًا «حرب الأيام الستة»، حددت المملكة العربية السعودية موقفها الداعم للخيار العربي الحربي، فأعلنت التعبئة العسكرية الكاملة وألغت الإجازات العسكرية، ووضعت جميع القوات الشمالية تحت تصرف القيادة الأردنية، التي كانت تضم 55 ألف جندي عربي في ثمانية أَلوِية، في حين جهزت السعودية أكثر من 20 ألفًا، كانت جميعها قد حُشدت على شمال خليج العقبة بحلول 24 من مايو 1967.

في ذلك اليوم أعلن الأردن رسميًّا أن التعبئة العامة انتهت، وأن الحكومة سمحت للعراق وللسعودية بإدخال جنودهما إلى الأردن. كان ذلك قبل نحو 10 أيام من بدء الحرب في يونيو، وكان اللافت مشاركة فريق من المظليين التابعين للحرس الوطني ضمن القوات السعودية، رغم أن الحرس الوطني لا يشارك عادةً في عمليات خارجية.

رغم أن 20 ألفًا من العسكريين لا يمكن أن يكونوا غير مرئيين، فإن عيون المؤرخين أخطأتهم بالجملة والتفصيل.

في الخامس من يونيو، باغتت إسرائيل العرب في عقر دارهم وضربت على الجبهات المصرية والأردنية والسورية، وكذلك الجبهة الداخلية في فلسطين. وخلال ستة أيام فقط أحكمت سيطرتها على سيناء في مصر، والجولان في سوريا، والضفة الغربية وغزة في فلسطين.

لم ينجُ العرب حتى الآن من آثار هذه الضربة، فلا تزال إسرائيل تسيطر على مساحات من تلك الأراضي. وإذا كنتَ قد رأيت عبارة «الأرض مقابل السلام» مرفوعةً في الشعارات العربية فاعلم أنها من آثار هذه الضربة، إذ يُقصد بها أن تعود إسرائيل إلى حدود ما قبل هزيمة 1967 مقابل أن يعترف العرب بوجودها، وهو ما أُرغم العرب على قبوله في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991.

في 22 يونيو 1967 بعد الهزيمة، أعلن الملك فيصل بن عبد العزيز من لندن تأكيده وضع «جميع موارد بلاده» تحت تصرف الأردن في حربه ضد إسرائيل. تركت السعودية جميع ما تمتلكه من طائرات «هوكر هنتر» في عهدة سلاح الجو الأردني، وبقي عدد من القوات السعودية في الأردن لنحو 10 سنوات بعد ذلك، سُمُّوا لاحقًا بـ«المرابطين»، مارسوا مهامهم العسكرية حتى أُعلن انتهاؤها في العام 1975.

رغم وضوح الموقف السياسي، ورغم أن 20 ألفًا من العسكريين لا يمكن أن يكونوا غير مرئيين، فإن عيون المؤرخين أخطأتهم بالجملة والتفصيل أيضًا. كان السؤال هو: كيف يمكن أن نصل إلى أسمائهم، قصصهم، شهاداتهم على الحرب؟

50 عامًا ليست مستغرِقة في التاريخ، يمكن توثيقها، وتبيَّن لاحقًا عند البحث في الذاكرة أن الأمر لم يكن بهذه البداهة.

الذاكرة السعودية

المعارض السعودي ناصر السعيد داخل مبنى إذاعة «صوت العرب» في القاهرة - الصورة: ناصر السعيد

تمثل القضية الفلسطينية صوتًا حاضرًا في الثقافة السعودية، باعتبار المملكة جزءًا من المشهد العربي العام الذي يحرص دائمًا أن يمحور نفسه حول القضية الفلسطينية.

نجد ذلك في الكتب التحليلية السياسية وفي الروايات والقصائد والأغنيات، التي ازدادت وتيرتها في الفترة السابقة واللاحقة للنكسة، إذ كانت دور النشر في القاهرة ولبنان تغذي المكتبات العربية، ومن ضمنها المكتبات السعودية، بسيل من أفكار المد العروبي، على خلاف ما يجري الآن من سيطرة على النشر من قِبَل دور النشر السعودية ومعارض الكتاب.

تماشيًا مع ذلك، لم تكن الساحة الثقافية السعودية الداخلية حينها تمارس نشاطًا ثقافيًّا خلَّاقًا، بقدر ما كانت انعكاسًا لما يحدث خارج الحدود من دعوات اشتراكية وأصوات عروبية كانت تأتي على هوى جمال عبد الناصر، الذي تتضاد قوته مع قوة الملك فيصل في حينها.

لعل جاذبية أفكار ناصر ودعمه المستمر لمؤيديه في السعودية والخليج هو ما أسهم في إهمال توثيق دور المملكة في النكسة.

على الجناح القومي الناصري من السعودية، الذي تراوحت أفعاله بين النقد الوطني الهادئ والمعارضة المسلحة، تجسدت تلك الأصوات منذ الخمسينيات بعدة طُرُق.

أول تلك الطُّرق كان العمال العرب الذين توافدوا على المملكة بعد ظهور النفط، وعن طريق عودة الطلاب السعوديين المبتعثين إلى الدول العربية حاملين معهم شعارات القومية التي تشربوها خلال فترة دراستهم، وعززتها الصحافة المحلية ذات التوجه الناصري مثل جريدة «الفجر الجديد»، التي توقفت بعد العدد الثالث، و«أخبار الظهران»، التي اعتنت بالقومية دون التحريض ضد الحكومة.

وفي إطار آخر، تطور الجناح الناصري عبر تنظيمات شاغبت الحكومة، مثل تنظيم «اتحاد شبه الجزيرة العربية» بزعامة ناصر السعيد، الذي انشغل بالترويج للناصرية وتوزيع منشورات تؤيد عبد الناصر.

وعلى جبهة أكثر حساسيةً، واصل المَدُّ الناصري اختراقه ليصل إلى الجيش السعودي عن طريق البعثة العسكرية المصرية، التي استُقدِمت لتدريب الجيش لكنها عملت على الترويج لعبد الناصر، إذ برز تنظيم «الضباط الأحرار» ليؤسس لانقلاب على غرار ما فعله ضباط مصر في 1952، لكن سرعان ما انتبهت له القيادة السعودية وأفشلت أعماله ولاحقت أعضاءه.

كان عبد الناصر يحتضن أي تحرك يمكن احتسابه ضد الحكومة السعودية، ولا يُخفِي تأييده الذي عَلَتْ وتيرته مع إطلاق إذاعة «صوت العرب» من القاهرة باعتبارها «صوت الأمة العربية».

بدأت الإذاعة بثَّ برنامج «أعداء الله» عام 1962 ليهاجم حكام الخليج والسعودية تحديدًا، تحت إشراف ناصر السعيد الذي سبق أن التقى عبد الناصر وأعلن تأييده الكامل له ولأنشطته، التي بلغت ذروتها في عام النكسة وفي أعقابه، من خلال تنفيذ سلسلة تفجيرات الظهران في المنطقة الشرقية التي استهدفت مبنى الأمن العام وخط أنابيب التابلاين، ونجران في المنطقة الجنوبية، وحتى في العاصمة الرياض، وأعلن «اتحاد شبه الجزيرة العربية» مسؤوليته عنها جميعًا.

لعل تلك الجاذبية التي كانت تحظى بها أفكار عبد الناصر، بالإضافة إلى دعمه المستمر لأنشطة مؤيديه في السعودية والخليج، هو ما أسهم في إهمال توثيق تلك الفترة وترك مهمة كتابة تاريخ الأحداث للقاهرة، التي كان الجميع يلتف حولها في ذلك الوقت.

لم يُلقِ عديد من السعوديين بالًا لمسألة توثيق الصوت الوطني أو السعي للتوثيق التاريخي لِمَا يحدث في الجبهة، وربما لم يدركوا أهمية ذلك، فكانت قصص المقاتلين تنتقل في اتصالاتهم بأهاليهم خلال الحرب أو عبر مرويَّاتهم العفوية بعدها، ثم تُترك لتتلاشى بفعل الزمن.

صار الكُتَّاب السعوديون يسدُّون الفجوة الزمنية لعام النكسة بالحديث عن حروب أخرى.

على الطرف الآخر، لم تبذل المؤسسات الحكومية جهدًا للتوثيق، فلن تجد على موقع وزارة الدفاع السعودية أي تفاصيل عن إسهامات الجيش.

إذا أردت البحث عن تاريخ فرقة المظليين من الحرس الوطني على الموقع، ستقودك صفحة تاريخ الحرس الوطني تحت تصنيف «منعطفات تاريخية» إلى أحداث إدارية وتنظيمية فقط مُرتَّبة حسب التاريخ الهجري، الذي لا يمكن أن يكون مفتاحًا بحثيًّا مفيدًا، أحداث مثل تخريج دفعة أولى من طلبة كلية عسكرية، أو إنشاء مجلة الحرس الوطني، أما التاريخ الموازي لحرب النكسة، وهو العام الهجري 1387، فحمل حدث تعيين نائب لرئيس الحرس الوطني.

لم توفر هذه الظروف الداخلية والخارجية المضطربة أُذنًا مُصغية لحكايات المقاتلين في النكسة، وحتى محاولات صاحب السمو الملكي الفريق أول ركن خالد بن سلطان لتقديم موسوعة جديدة، امتدادًا لكتابه «مقاتل من الصحراء»، لم تقدم حرب 1967 من وجهة النظر السعودية، رغم أنها توسعت في الحديث عن الحرب من وجهات نظر مصرية وسورية وإسرائيلية (كَتَب الموسوعة مجموعة من الباحثين أغلبهم من خارج السعودية).

لم يقتصر الأمر على ذلك، بل صار الكُتَّاب السعوديون يسدُّون الفجوة الزمنية لعام النكسة بالحديث عن حروب أخرى، إذ تحمل المكتبة السعودية عددًا لا بأس به من المؤلفات عن مشاركات الجيش السعودي في حرب 1948 السابقة للنكسة، وحرب الاستنزاف عام 1976 اللاحقة للنكسة، كما وثَّق فيلم «ما زالوا أحياء»، للمخرج الفلسطيني سعود مهنا، قصص المقاتلين السعوديين في حرب 1948 في فلسطين، وسجَّل شهادات العوائل الفلسطينية التي اختلطت بهم.

البحث عن اسم

الرقيب عطالله ناحي المسعودي - الصورة: History of Saudi Army

الرقيب عطالله ناحي المسعودي، اسمٌ تدفعه إليك نتائج البحث كأحد شعراء المُحاورة من قبيلة هُذيل، مع نماذج لمحاوراته مع شعراء آخرين يُثنون على بسالته، ثم يتبَّرع أحدهم للتنبيه: «وبالمناسبة، كان أحد المشاركين في حرب فلسطين».

لم يكن الرقيب المسعودي عسكريًّا صغيرًا حديث التعيين، بل مقاتلًا مهمًّا دفعته القيادة بعد حرب 1967 مع زملائه إلى ما يُعرف بمعركة «الوديعة» على حدود اليمن عام 1969، وهي التي أُنشدت فيها أشهر قصيدة تتم «العرضة» عليها (الرقصة الشعبية الرسمية) في جميع المناسبات الوطنية حتى اليوم: «نحمد الله جت على ما نتمنى».

حساب آخر لا يحمل علامة التوثيق الرسمي تبرَّع بسرد قائمة الشهداء، مع ملخص قاصر عن طبيعة مشاركة الجيش السعودي:

ها قد حصلنا على صورة أو اثنتين وقائمة أسماء، فأين حكايات المُرابطة وآثار الجراح وقصص الرصاص؟ وقبل أن تستكمل سؤالك تصطدم بحائرٍ آخر معك، أهلًا سليمان:

لم يحصل سليمان على إجابة حول الحرب والجبهة الأردنية، وربما توقف هنا، لكن ماذا لو بحثنا خارج الذاكرة السعودية؟ ماذا لو بحثنا في ذاكرة الأشقاء؟

الرواية الأردنية

يمكن إحالة جزء كبير من غموض التوثيق إلى كون الجيش السعودي لم يشارك بشكل منفصل وقيادي، بل كان منضويًا تحت الجيش العربي الأردني كقوة داعمة بقيادة الفريق المصري عبد المنعم رياض، وكثيرًا ما تشير المصادر التاريخية إلى المجموعة بعبارة «الجيش العربي» أو «القيادة العربية الموحدة» أو «الجبهة الأردنية»، ولم يبذل المؤرخون جهدًا في الفصل بين تاريخ الجيوش، إذ أنها مهمة مؤرخي كل قُطر.

وفي حين لم يؤرخ السعوديون لأنفسهم، نهض الفريق ركن أول صائب الجبوري من أجل توثيق ما حدث للقوات العراقية التي شاركت إزاء القوات السعودية والأردنية، أما الرواية الأردنية فكانت منطلقة من كَوْن الأردن لا يرى نفسه طرفًا صانعًا في حرب 67 بقدر ما كان طرفًا مُنصاعًا لصعوبة الظرف.

كانت الجبهة الأردنية دفاعية بالأساس رغم بسالتها في الهجوم، وهو ما يسرده ملك الأردن الراحل الملك حسين في مذكراته «حربنا مع إسرائيل».

يقول الملك: «لم يكن لدينا نحن الأردنيين سوى خطة دفاعية، ولم يكن واردًا في أذهاننا إعداد خطة هجومية، والواقع أننا ما فكرنا قط بشن هجوم على إسرائيل، وهل يُعقل أن تجول هذه الفكرة في رؤوسنا وإمكاناتنا المحدودة تُقعِدنا عن القيام بمغامرة من هذا العيار؟ (...) لم أحارب ضمن شروط الحرب، كما أنني لم أعلن قط الحرب على إسرائيل. بالطبع كنتُ أرد على كل عدوان إسرائيلي، سواءً كان عدوان 1956 أم 1967».

الملك حسين مع الفريق محمد بن عامر عسيري في الأردن عام 1967 - الصورة: History of Saudi Army

ترسم الرواية الأردنية على لسان الملك حسين خطوطًا حذرة، إذ يذكر باستمرار أن العرب لم يكونوا جاهزين لهذه الحرب، ويسميها «الحرب المزعومة».

لم تَسْلم الجيوش العربية من نقد الملك اللاذع، وكان يبدو أحيانًا متناقضًا في روايته عن السعودية، التي لم تحظَ عنده باهتمام تفصيلي.

في البدء ينحِّي الرجل السعودية من نزاعات الأردن الحادة مع العرب، وفي حديثه عن إرهاصات النكسة يتناول معركة السموع عام 1966 باعتبارها حدثًا فاصلًا في علاقات الأردن بالعرب، فيقول: «بعد حادث السموع الذي رددنا عليه وحدنا، ارتفعت حُمَّى التوتر لا بيننا وبين إسرائيل وحسب، بل بيننا وبين حلفائنا العرب، باستثناء المملكة السعودية».  

ثم يضيف: «اقترحت في بيان رسمي فتح حدودنا للقوات السعودية والعراقية كي تساندنا في الدفاع عن الحدود التي تفصلنا عن إسرائيل ويبلغ طولها 650 كيلومترًا. القوات الأردنية البرية 56 ألف رجل لا تكفي للدفاع عن جبهة تمتد 650 كيلومترًا، مع العلم أننا لا نملك من الأسلحة المدرعة سوى 176 دبابة بابتو إم 480»، وهذه شهادة مُربكة، إذ تتساءل عن الرواية غير المعروفة حول الحشد السعودي في شمال العقبة وعن مدى مشاركتها.

لم يتطرق الملك حسين في شهادته إلى فرقة المظليين من الحرس الوطني السعودي، واكتفى بقول إنه «لم يكن في الأردن سوى 16 طيارًا لقيادة أسطول جوي من 32 طائرة هوكر هونتر، لذلك كان يستحيل على طائراتنا القيام بأي مناورة دون مساعدة الطيران العراقي والسوري».

رغم أن المشاركة العراقية حظيت بالمدح في شهادة الملك، فإنها لم تسْلَم أيضًا من التقليل شأنها شأن المشاركة السعودية، إذ يقول: «لكن هذه الإمدادات لم تأتِ، أو على الأصح جاءت القوات السعودية حين انتهى كل شيء، أما العراق فقط قال في البداية: لا!».

في حين يتضمن الكتاب ذاته شهادة رئيس الوزراء الأردني السابق، وصفي التل، الذي يشير إلى بدء القيادة الموحدة مع السعودية قبل الحرب بكثير: «منذ 1956 أُنشئت قيادة موحدة بين سوريا ومصر والسعودية والأردن» بقيادة «المشير عبد الحكيم عامر، الذي قيل إنه انتحر على إثر هزيمة حزيران (يونيو) 1967». 

لم يتحدث الملك حسين في مذكراته عن دور الجيش السعودي المُرابِط في الأردن بعد النكسة لعشر سنوات، ولا عن الدعم السعودي الذي قُدِّم في قمة الخرطوم عام 1967 بعد النكسة، إذ منحت السعودية الأردن دعمًا بلغ 17 مليون جنيه إسترليني مع توفير العتاد العسكري.

عندما سُئل الملك عن بناء قوته العسكرية بعد النكسة، اكتفى بالإشارة إلى السعودية دون تصريح: «منذ ذلك الحين زوَّدَنا العراق ببعض الدبابات لتعويض جزء ممَّا خسرناه، وعقدْنا مؤخرًا مع الأمريكيين اتفاقًا لإعادة تجهيزنا. نستعين ببعض المعدات من جيراننا».

عودة إلى الرياض

خبر نعي الفريق العسيري - المصدر: جريدة «الرياض»

بالعودة إلى الرياض، بالعودة إلى ذلك المانشيت العريض «للقوات البرية الضاربة»، حيث الفريق عسيري يقضي يومه الأخير مع عائلته في وطنه محمولًا في التاريخ الصحفي حينها كخبر عاجل، مرتفعًا «إلى مستوى أحداث الأمة» ليكون شاهدًا على قصة مفقودة، تصل بنا نتيجة البحث الأخيرة إلى ذات الصحيفة، صحيفة «الرياض» في العام 2007، لتمرر خبرًا باردًا وغير عاجل في زاوية ضيقة ضمن صفحة «أخبار المجتمع» الداخلية، عنوانه: «الفريق العسيري إلى رحمة الله».

مرَّ الخبر كواحد من تلك الأخبار التي يتكفل أحد أفراد العائلة بنقلها إلى صحيفة لتُنشر عبر صديق كخدمة شخصية، دون أن يُصغي أحد إلى الحكاية ما بين المانشيت وصفحة النعي الباردة، دون أن يستدرك عضو في منتدى «القبيلة» ليقول: «وبالمناسبة، كان مقاتلًا في فلسطين أيضًا».


هذا الموضوع جزء من ملف مشترك في الذكرى الخمسين لنكسة يونيو 1967، تعده ثماني مؤسسات إعلامية مستقلة هي «اتجاه»، و«دون تردد»، و«الجمهورية»، و«حبر»، و«صوت»، و«مدى مصر»، و«معازف»، و«منشور».

منال الزهراني