التخابر مع روسيا: هل لا يزال أمل «الإطاحة بترامب» قائمًا؟
خرج ترامب إلى الإعلام مبتهجًا، عندما أكد تقرير لجنة التحقيقات بشأن قضية التدخل الروسي المحتمَل في الانتخابات الرئاسية أن الحرب المعلوماتية الروسية ضد أمريكا بدأت منذ عام 2014، أي قبل إعلان ترامب ترشحه للرئاسة، ما يثبت أن حملته الانتخابية لم تنسق مع الروس.
لطالما أكدت تحقيقات أجهزة المخابرات الأمريكية وجود تدخل روسي في الانتخابات الأخيرة، ما أثَّر في نتائجها. وعلق كثير من الديمقراطيين الأمريكيين آمالهم على هذه القضية للإطاحة بترامب إذا ثبت اتصاله مع الروس للتدخل في الانتخابات لصالحه، لكن إلى الآن لا يبدو الأمر بالسهولة التي تخيلوها في البداية.
يرفض ترامب اتهامات تنسيق أعضاء حملته الانتخابية مع عملاء الروس، لكنه يُقر بأن كثيرًا من أعضاء حملته تواصلوا مع مسؤولين روس خلال الأشهر التي سبقت إعلان فوزه بالرئاسه، غير أن الاتصالات كانت قانونية.
تبدو أطراف كثيرة في الولايات المتحدة مهتمة بهذه المسألة، فهناك أكثر من تحقيق بشأن التدخل الروسي المحتمَل في الانتخابات الأمريكية، منها تحقيقات مجلس الشيوخ، وتحقيقات ممثلي لجان مجلس النواب، وتحقيقات لجنة الشؤون القضائية الفرعية للجريمة والإرهاب في مجلس الشيوخ، لكن أهمها هي التي يرأسها المحقق الخاص «روبرت مولر»، الذي فوضته وزارة العدل لاستقصاء احتمالات وجود علاقة تربط حملة ترامب الانتخابية والحكومة الروسية.
تحقيقات المخابرات الأمريكية في مواجهة ترامب
في يناير 2017، حسب تقريرهما المشترك، وصلت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) إلى قناعة تامة بأن الحكومة الروسية أدارت عملية استخباراتية معقدة هدفها تشوية صورة هيلاري كلينتون أمام الرأي العام ، وتقويض العملية الديمقراطية للانتخابات، إذ أظهر بوتين تفضيلًا واضحًا لفوز ترامب. لكن الحكومة الروسية ترفض كل هذه الاتهامات.
حينها أنكر فريق ترامب الادعاءات وشكك في النتائج، لأن المخابرات فشلت سابقًا في تقدير الأمور، معللًا تشككه بأنهم «نفس الأشخاص الذين أكدوا وجود أسلحة دمار شامل في العراق إبان حكم صدام حسين»، لكن ترامب لم ينكر احتمال حدوث قرصنة إلكترونية سواء كانت روسية أو من دول أخرى.
في يونيو 2017، أكدت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية أن أشخاصًا يعملون في أكثر من 20 دولة، وتربطهم علاقات بالكرملين، نجحوا في اختراق أنظمة الكمبيوتر الخاصة بالانتخابات، لكن السلطات تستبعد سيناريو العبث في عدد الأصوات، فقد بدت عملية الاختراق كأنها تفتيش عن الثغرات في أنظمة التشغيل.
وفي فبراير 2018، اتهم مولر وكالات روسية بجرائم تتعلق بالتدخل في النظام السياسي الأمريكي والانتخابات الأمريكية.
قد يهمك أيضًا: قراصنة الكرملين: حروب روسيا الافتراضية ترهب العالم
ما فعله الروس بالأمريكان
خلال الانتخابات الأمريكية، طوَّعت روسيا مواقع التواصل الاجتماعي لصالح وكالة أبحاث الإنترنت الممولة من الحكومة الروسية.
تشمل الأنشطة الروسية، بحسب مولر، تدخلات عن طريق وكالات حكومية ومؤسسات إعلامية مقربة من السلطة، ومتصيدون (Trolls) يتقاضون رواتب، وهم أشخاص مدربون على إحداث لغط بشأن قضية ما على الإنترنت من أجل أهداف محددة، وهجمات إلكترونية من عملاء استخباراتيين.
استخدمت الحكومة الروسية الموقع الإلكتروني والبث الإذاعي لوكالة «سبوتنيك» الإخبارية، والشبكة التلفزيونية «روسيا اليوم» التي تمولها الحكومة، لتشويه حملة هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية لعام 2016.
شمل تقرير مولر أيضًا التقارير التي جاءت على قناة «روسيا اليوم» كانت تضع كلينتون في صورة سلبية دائمًا، وتركز على الرسائل الإلكترونية المسرَّبة، وتتهمها بالفساد وتدهور صحتها الجسدية والعقلية، وترمي إلى أن لها علاقة بالإسلام المتطرف. أسهمت «سبوتنيك» و«روسيا اليوم» في نشر هذه التقارير بعدة لغات، منها الإنجليزية، بهدف إتاحة المواد الإعلامية عالميًّا.
طوَّعت روسيا مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر استخدامًا في العالم، مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب، لصالح وكالة أبحاث الإنترنت الممولة من الحكومة الروسية، ووظَّفت مئات المتصيدين على شبكة الإنترنت لكتابة أخبار مضللة كي ينقسم المجتمع الأمريكي حولها، لدرجة أن هذه الأخبار وصلت إلى أكثر من 140 مليون شخص على موقع فيسبوك وحده.
تشير اتهامات مولر إلى تورط أفراد وشركات روسية مقربة من وكالة أبحاث الإنترنت في «حرب معلوماتية» ضد الولايات المتحدة الأمريكية بدأت منذ 2014، وأن مؤامرة تحاك ضدها بهدف غرس التفرقة في النظام السياسي الأمريكي، عن طريق تشويه صورة كلينتون وتلميع ترامب المرشح المفضل لدى موسكو، عبر إدارة حسابات على منصات التواصل الاجتماعي وشراء إعلانات سياسية.
قد يهمك أيضًا: حرب تكسير العظام بين ترامب والإعلام
تقول السلطات الأمريكية إن العملاء الروس قرصنوا أجهزة تشغيل متصلة بالحزبين الديمقراطي والجمهوري، واستولوا على الآلاف من رسائل البريد الإلكتروني لشخصيات مهمة في الحزب الديمقراطي، ثم نشرت المخابرات العسكرية الروسية، عبر مواقع تسريبات الأخبار مثل «ويكيليكس» و«ديسيليكس»، ملفات كاملة تحتوي على مراسلات «مُحرجة» تخص الحزب الديمقراطي، بحسب صحيفة «واشنطن بوست».
لكن أجهزة المخابرات الأمريكية لم تؤكد إلى أي مدى أثرت التسريبات في العملية الانتخابية.
«جيمس كومي»، الذي خلف مولر، أقاله ترامب من رئاسة مكتب التحقيقات الفيدرالي في مايو 2017 بحجة أنه «لا يستطيع» إدارة المكتب، لكن كومي وقتها كان يرأس التحقيقات في قضية التدخل الروسي.
لم يكن كومي الوحيد الذي أطاحت به قضية التدخل من منصبه، فمعسكر ترامب أيضًا واجه كثيرون منه نفس المصير بسبب دورهم في القضية، ونرصد هنا أبرز المُقالين:
- فبراير 2017
«مايكل فلين»، مستشار الأمن القومي، يستقيل من منصبه بعد كشف اتصالاته مع «سيرغي كيسلياك»، السفير الروسي لدى الولايات المتحدة، قبل تولي ترامب الرئاسة.
- مارس 2017
«جيف سيشنز»، النائب العام، يستقيل للنأي بنفسه عن أي تحقيقات فيدرالية بشأن التدخل الروسي المحتمَل في الانتخابات الأمريكية، بعدما ثبتت اتصالاته بالسفير الروسي، رغم إنكاره أي اتصالات بالروس خلال سماع أقواله أمام مجلس الشيوخ.
أُقيل «سام نانبيرغ»، أحد مساعدي حملة ترامب، بسبب تعليقاته حول التنسيق بين الرئيس والروس خلال الحملة الانتخابية.
- أكتوبر 2017
إدانة «جورج بابادوبولوس»، أحد مستشاري السياسات الخارجية لحملة ترامب، على خلفية الإدلاء بشهادات كاذبة لمكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن اجتماعاته بشخصيات روسية.
إدانة «بول مانافورت»، أحد مديري حملة ترامب، وشريكه التجاري «ريتشارد غيتس»، على خلفية الاحتيال المالي وغسيل الأموال وتمثيل مصالح الحكومة الأوكرانية بصفة غير قانونية، من دون التسجيل لدى الحكومة الأمريكية كعميلين أجنبيين.
- ديسمبر 2017
عَقْد اتفاق تفاوضي بين مكتب مولر ومايكل فلين، لتخفيف عقوبة الإدلاء بشهادات كاذبة أمام مكتب التحقيقات الفيدرالي، بشأن اتصالاته مع السفير الروسي لدى الولايات المتحدة قبل تولي ترامب الرئاسة.
- فبراير 2018
لجنة المحقق مولر تتهم وكالة أبحاث الإنترنت و16 روسيًّا، منهم ثلاثة رجال أعمال، بالتآمر والاحتيال ضد الولايات المتحدة وسرقة هويات وأموال عبر الإنترنت. كل هؤلاء المتهمين موجودون خارج أمريكا.
«أليكس فان دير زوان»، المحامي الهولندي وصهر أحد المليارديرات الروس، يعترف بأنه أدلى بشهادات كاذبة أمام المحققين الأمريكيين بشأن اتصالاته مع مانافورت وغيتس، في أثناء تمثيل مصالح الحكومة الأوكرانية.
غيتس يعترف بتآمره ضد الولايات المتحدة، والإدلاء بشهادات كاذبة أمام المحققين الفيدراليين.
- مارس 2018
إقالة «سام نانبيرغ»، أحد مساعدي حملة ترامب، لرفض البيت الأبيض تصريحاته في برامج تلفزيونية حول تحقيقات لجنة مولر، التي كرر فيها أن ترامب نسَّق مع الروس خلال حملته الانتخابية.
هل يُقال ترامب من منصبه؟
لا يوجد وقت محدد لانتهاء تحقيقات لجنة مولر، فقد تستغرق شهورًا أو سنوات. وبمجرد انتهائه من التحقيقات، فإنه سيكون ملزمًا بتقديم تقرير سري إلى النائب العام يوضح فيه ما وصل إليه. حينها سيقرر المسؤول إعلان نتائج التحقيقات وفقًا للمصلحة العامة.
حسب قوانين وزارة العدل، لا يحق لدونالد ترامب أن يقيل مولر، النائب العام وحده يستطيع أن يفعل، ولأسباب قوية مثل سوء التصرف أو التقصير. بينما يشير خبراء القانون إلى أن الرئيس قد يتجاهل كل هذه القوانين إذا شعر بأن المحقق الخاص انتهك حقوقه الدستورية.
ما الذي تستفيده الحكومة الروسية إذا تخيلنا أنها اخترقت النظام السياسي الأمريكي؟
وفقًا لدستور الولايات المتحدة الأمريكية، يُعزل الرئيس إذا ثبتت عليه الرشوة أو الخيانة أو الجرائم الكبرى. لكن الدستور لم يوضح معنى «الجرائم الكبرى». يذهب بعض خبراء القانون إلى أنه السلوك الإجرامي، وآخرون يؤكدون أنه استغلال السلطة والنفوذ.
في حديثه مع إذاعة راديو «سبوتنيك»، أكد بوتين أن العلاقة الروسية الأمريكية معقدة، فما معنى تورط مواطنين روس؟ وهل مِن المحتمل أن يعمل روسي في الولايات المتحدة لصالح أحد المرشحين؟ السلطات الروسية لن تسمح بالتدخل في شؤون دول أخرى، وهؤلاء الأشخاص لا يمثلون الحكومة الروسية، بحسب قوله.
رغم كل هذا الرفض والاستنكار الروسي للقضية، فما الذي تستفيده موسكو إذا تخيلنا أنها اخترقت النظام السياسي الأمريكي؟
من وجهة نظر روسية، فوجود هيلاري كلينتون، المعروفة بمواقفها المتشددة تجاه روسيا ودعمها للتدخل الأمريكي لنشر الديمقراطية «كما تراها»، يمثل خطرًا كان يجب وقفه لصالح طرف أكثر تفهمها للنمط الروسي في الحكم، أي الاستفراد واللجوء إلى القوة، مثل ترامب.
اقرأ أيضًا: سياسة ترامب الخارجية: هل تعود أمريكا للتورط العسكري المباشر؟
في رأي من يعتقدون بأن روسيا تدخلت بالفعل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، نجحت موسكو في جعل الولايات المتحدة شبيهة بها، ولذلك تخلصت من أي مُطالبات أمريكية باحترام حقوق الإنسان والانتخابات. وعن طريق هذا التدخل، تتوسع روسيا كقوة ناعمة على المستوى العالمي، وكعملية استنساخ لصورة روسيا اليمينية المحافظة في أمريكا نفسها، بمعنى أن بوتين يفعل ما يفعله ترامب، مثل إصدار تشريعات مناهضة للمتحولين جنسيًّا، ومحاربة الإسلام المتطرف.
محمود سعيد موسى