هل تتفق روسيا وإسرائيل على إخراج إيران من سوريا؟
بعد سنوات من التعاون المشترك من أجل تثبيت نظام بشار الأسد في مواجهة المحتجين عليه، وبعدما بدا واضحًا أن هذا التعاون قد بدأ يؤتي ثماره، ويحقق للأسد بالفعل انتصارات ضخمة ضد معارضيه، يبدو أن كلًّا من إيران وروسيا قد يواجهها ما قد يُعرِّض شراكتهما هذه للخطر.
دعت موسكو في التاسع من مايو 2018، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لحضور العرض العسكري للاحتفال بيوم النصر كضيف شرف، وبعد أن عاد نتنياهو إلى تل أبيب شنت القوات الجوية الإسرائيلية غارات جوية استهدفت 50 موقعًا عسكريًّا تابعًا للقوات الإيرانية وحزب الله في سوريا.
هذا الأمر جعل بعضهم يتكهن بوجود اتفاق سري بين روسيا وإسرائيل لضرب القوات الإيرانية وإزاحتها من سوريا، وبخاصة أن موسكو لم تعلق على الهجمات الإسرائيلية، ولم يعترض نظامها الدفاعي في سوريا تلك الضربات.
برر الجيش الإسرائيلي هجماته بأنها رد على قصف القوات الإيرانية مواقع له في مرتفعات الجولان، وجاء في بيان الجيش أن الحرس الثوري الإيراني أطلق 20 صاروخًا في ما يعد أكبر الهجمات على إسرائيل من سوريا.
الاتفاق الروسي الإسرائيلي
ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، في الخميس 29 مايو 2018، الاتفاق بين تل أبيب وموسكو على إخراج كل القوات العسكرية التابعة لإيران وحزب الله من الجنوب السوري، والبقاء على القوات السورية الحكومية فقط في تلك المنطقة.
وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ما تناولته المنصات الإعلامية الإسرائيلية، إذ قال إن «القوات السورية الحكومية هي فقط من لديها حق البقاء في الجنوب، ويجب خروج أي قوات أجنبية أخرى»، مشددًا على ضرورة التزام طهران بذلك الاتفاق.
بعد أن صرح مسؤول إيراني بأنه لا وجود للإيرانيين بجنوب سوريا، قال إن «أيدى الإسرائيليين ملطخة بدماء المستشارين العسكريين في سوريا».
يرى المحلل السياسي المحسوب على التيار المحافظ، سعد الله جعفري، أن هذا الاتفاق بين موسكو وتل أبيب لن يؤثر على انتصارات إيران في سوريا، فيقول لـ«منشور»: «أتفهَّم الموقف الروسي الذي لا يريد أي صراع في سوريا الآن، لكننا لن نتعرض للضغط من أي جانب، ووجودنا في سوريا كان بطلب من بشار الأسد».
أصرَّ عدد من المسؤولين الإيرانيين على نفي وجود أي قوات إيرانية في سوريا بشكل عام، وفي الجنوب بشكل خاص، فقد صرَّح علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، قائلًا: «سبق وأن قلنا إن المستشارين الإيرانيين لا وجود لهم في جنوب سوريا، وليس لهم أي دور في العمليات هناك».
وأكد الرئيس السوري بشار الأسد على تصريحات شمخاني قائلًا: «لا وجود لأي قوات إيرانية في سوريا. الوجود الإيراني يتمثل في عدد من المستشارين العسكريين يساعدون الجيش السوري»، وبرهن الأسد على كلامه بأن ضحايا الغارات الأخيرة التي شنتها تل أبيب على جنوب سوريا كانوا جميعًا من الجيش السوري، دون وجود ضحايا إيرانيين.
لكن يبدو أن الأمر به كثير من التناقض، فبعد أن صرح شمخاني بأنه لا وجود للإيرانيين (حتى المستشارين منهم) في جنوب سوريا، وأكد الأسد على عدم وجود ضحايا إيرانيين إثر هجمات الجيش الإسرائيلي الأخيرة على جنوب سوريا، عاد شمخاني ليصرح مجددًا، في الثاني من يونيو 2018، لإحدى الصحف الإيرانية قائلًا إن «أيدى الإسرائيليين ملطخة بدماء المستشارين العسكريين في سوريا»، مضيفًا أنه يتفهم أسباب هجمات إسرائيل الإخيرة.
قبل الإعلان عن الاتفاق الروسي الإسرائيلي بشأن إخراج القوات الإيرانية من الجنوب السوري، أعلنت تل أبيب أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد هاتف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمناقشته في حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد وجود إيران ومقاتلي حزب الله بالقرب من مرتفعات الجولان.
يبدو أن روسيا لا تريد أن تخسر حليفها الإسرائيلي بسبب إيران. والدليل على ذلك أنه كان في مقدور روسيا صد الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على المواقع الإيرانية في سوريا، ولكنها لم تفعل، وبخاصة بعد أن تردد أن نتنياهو أخبر بوتين بأن القوات الروسية ستكون في مرمى نيران الجيش الإسرائيلي إذا حاولت القوات الإيرانية الرد على تلك الهجمات.
من جانب آخر لا تريد روسيا أن يتعرض الأسد لخطر جديد بعد كل تلك الانتصارات الأخيرة التي حققها في وسط سوريا، فكان من المفترض أن تنقل روسيا نظامًا دفاعيًّا متطورًا من صواريخ «إس 300» إلى قواعدها العسكرية في سوريا، ولكن بعد زيارة نتنياهو إلى موسكو أعلن الكرملين تأجيل تلك الخطوة. وهذا ما يؤكد ميل موسكو إلى عدم الانخراط في صراع إسرائيلي إيراني.
«روسيا لا تريد خسارة أي طرف من الأطراف الموجودة، فهي تعلم مصلحتها مع إيران، وتعرف جيدًا ما تريده من إسرائيل، ولا بد من أن تقرر طهران موقفها من السياسة الروسية الآن». هكذا يفسر السياسى الإصلاحي مهرداد علي أكبر زاده، موقف روسيا الأخير من طهران.
يقول مهرداد: «روسيا لا تريد أن تخاطر بما حققته من مكاسب في سوريا، لديها أطماع في إزاحة إيران من المشهد بطريقة تبدو لطيفة، وأيضا لا تخسر علاقتها مع الجانب الإسرائيلي»، ويضيف مهرداد أنه على طهران أن تحدد هي الأخرى مصالحها بعيدًا عن روسيا بشرط عدم تأجيج الأوضاع في الأراضي السورية.
قد يعجبك أيضًا: قصة النزاع الخفي بين تركيا وإيران للسيطرة على سوريا
لماذا تريد إسرائيل إبعاد إيران من سوريا؟
حاربت إيران لمدة سبع سنوات في سوريا لدعم الأسد، ولكسب جبهة تناور من خلالها إسرائيل وأمريكا، ولن تتخلى بسهولة عن هذا الاستثمار العسكري.
في زيارته الأخيرة إلى أوروبا سعى نتنياهو بشتى الطرق لإقناع الدول بضرورة إنهاء الوجود الإيرانى في سوريا، ليس فقط من الجنوب السوري، ولكن من جميع الأراضي السورية، قائلًا إن «بلاده تسعى جاهدة لعدم امتلاك إيران أي سلاح نووي، وإنهاء وجودها في المنطقة، والذي يمثل تهديدًا مباشرًا لأمن إسرائيل».
عندما رأت إسرائيل الدور الكبير الذي لعبته طهران لدعم بشار الأسد، ومحاولة إيران بناء أكبر عدد من القواعد العسكرية في الداخل السوري بمساعدة حزب الله، وصار وجود إيران أقوى في سوريا يومًا بعد الآخر، خشيت إسرائيل من تكرار تجربة حزب الله اللبناني في جنوب سوريا، ومن محاولات طهران أن تنقل الأسلحة والصورايخ إلى الجولان، وتكون على مقربة من الأهداف الإسرائيلية.
فبعد أن كان نتنياهو هو محرض ترامب الأساسي على انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، لوضع طهران تحت ضغوط سياسية واقتصادية، بدأت إسرائيل التأثير في حليفها الروسي لمحاولة إخراج إيران من سوريا.
قد يهمك أيضًا: هل يكفي نص طن لنسف الاتفاق النووي الإيراني؟
حتى الآن ينكر المسؤولون في طهران أي وجود إيراني في جنوب سوريا، بل وينكرون وجود مقاتلين إيرانيين أو من حزب الله بجانب القوات الحكومية السورية، ويصرون فقط على أن الوجود الإيراني في سوريا يقتصر على المستشارين العسكريين بطلب رسمي من الحكومة السورية.
لكن على أرض الواقع حاربت إيران لمدة سبع سنوات في سوريا لدعم حليفها القديم (الأسد)، ولكسب جبهة جديدة لطهران تستطيع من خلالها مناورة إسرائيل والولايات المتحدة، ولن تتخلى إيران بسهولة عن استثمارها العسكري في سوريا.
يرى السياسي مهرداد أن من مصلحة إيران أن توافق على هذا الاتفاق تجنبًا لأي توترات هي في غنى عنها، فيقول: «أتوقع أن يفكر القادة في إيران بشكل براغماتي أكثر، ويدرسوا حجم الخسائر من وراء التهديدات الإسرائيلية أو خسارة حليف مهم مثل روسيا».
ففي الوقت الحالي تعاني طهران من عقوبات اقتصادية وضغوطات دولية، بجانب الجماهير الإيرانية المستاءة من الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تمر بها البلاد. فكل تلك الأمور ستؤثر في قرارات القادة في إيران، إضافة إلى أن الموافقة على الاتفاق الروسي الإسرائيلي لا يعنى بالتأكيد إنهاء الدور الإيراني في سوريا، ولكن تلك الموافقة ستكون فقط محاولة قصيرة المدى لتجنب صراع لا فائدة منه.
شيماء محمد