المونديال المغاربي 2030: هل تحقق الكرة ما فشلت فيه السياسة؟
آلَ تصويت 13 يونيو، في العاصمة الروسية موسكو، إلى ما كان يتوقعه المغاربة، وما اعتادوا عليه، لكن بشكل تراجيدي مفاجئ هذه المرة أكثر من سابقتها، تنكَّر للملف المغاربي مَن كان يضمنهم مسبقًا للوقوف إلى جانبه، وكان وعيد ترامب حقًّا، ففازت بلاده، مع كندا والمكسيك، بحق تنظيم كأس العالم 2026.
مع ذلك، فملاحقة المغرب لحلمه لم تتوقف عند هذا الحد، ولم يلبث أصحاب العزم داخل البلد أن أعلنوا نيتهم للترشح مجددًا لاحتضان نسخة 2030. نسخة أحيت عناد الأمة، وزاد في آمالها مبادرة قد تبدو لمن عهد شتات دول المنطقة بغرابة تقارب السيريالية.
كانت أول دعوة للملمة الشتات التاريخي من تونس، حيث أعلن رياض جعيدان، النائب البرلماني عن حزب «نداء تونس»، عن مبادرة لتعبئة كل الفعاليات السياسية والرياضية في دول المغرب العربي الثلاثة (المغرب والجزائر وتونس)، بغرض تقديم ملف ترشح مغاربي مشترك لاستضافة مونديال 2030.
مبادرة قوبلت بكثير من الحماسة والأمل، أمل يأخذ في غالبيته طابعًا إيمانيًّا يفتقد الواقعية، لكن الممكن بطبعه نقيض المستحيل ورهين الإرادة. أقصد الإرادة هنا التي يهجس الشعب باسمها وحدة، والتي وجب أن تنتقل عموديًّا إلى مراكز القرار، وأن تتحقق من داخل قصورهم ومكاتبهم الفاخرة قرارات تكسر جمود الحدود وتصنع التاريخ.
غير أن بيان فحوى هذه المبادرة، والمبادرات التي تقاطرت على شاكلتها، يبقى ضروريًّا، واستبانة ممكناتها ورهاناتها بمثابة ضوء كاشف على المشهد المأمول، لهذا الغرض بالضبط نكتب ما يلي من سطور.
تونس تبادر إلى الوحدة
«ردًّا على ما أفرزه تصويت فيفا يوم 13 يونيو 2018، جاءت هذه المبادرة»، هكذا يؤكد مطلقها النائب التونسي رياض جعيدان لـ«منشور»، موضحًا أن الهدف منها يتعدى التعريف بإمكانية التنظيم المشترك إلى التعبير عن طموح فعلي في تجسيد الفكرة على أرض الواقع.
انطلقت الفكرة على الوسائط الإجتماعية، وعرفت رواجًا كبيرًا، إلى أن أصبحت مطلبًا شعبيًّا متصاعدًا، ثم تجاوزت التفاعل الشعبي إلى تفاعل على مستوى أعلى، يسانده سعي حثيث من جعيدان للتواصل مع شخصيات مغاربية في مجالات عدة بشكل رسمي وغير رسمي، داعيًا إياهم للاصطفاف إلى جنب المبادرة ودعمها، وكان تفاعل كثير منهم تلقائيًّا وإيجابيًّا.
أقر وزير الشباب والرياضة الجزائري رسميًا بأن بلاده تفكر في التقدم بملف مشترك مع المغرب وتونس، لاستضافة نهائيات بطولة كأس العالم.
الطيب البكوش، الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، أبدى استعداده لدعم الفكرة وتطويرها، وكذلك ماجدولين الشارني، وزيرة الشباب والرياضة التونسية. جل ردود الفعل التي تلقاها مشجعة: «تنبئ بقدرتنا على تجاوز الخلافات لتحقيق حلم مغاربي موحد انطلاقًا من تنظيم مشترك للعرس الكروي العالمي».
لم تكن مبادرة رياض جعيدان وحيدة، بل تلتها عدة مبادرات، أهمها النداء الذي أطلقته فعاليات سياسية يسارية وثقافية ورياضية مغاربية للدعوة إلى تجاوز حالة الانحباس والجمود بين شعوب المغرب.
اقرأ أيضًا: كأس العالم 2026: حلم مغربي مفقود، ورهانات مستمرة
هذا النداء الذي وصل «منشور» نسخة منه حاملةً توقيع عدة أسماء مغاربية لها وزنها، أبرزها: نبيلة منيب، الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد المغربي، وحمة الهمامي، الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية التونسية، والذي يدعو إلى «خلق تكتل للشعوب المحبة لكرة القدم إقليميًّا، من أجل تنظيم مغاربي لكأس العالم من طرف الدول المغاربية بشكل تشاركي وتضامني، تماهيًا بين الرياضة بقيمها الإنسانية وطموح المغاربيات والمغاربيين في تحقيق الديمقراطية الحقة».
بشكل رسمي، أقر وزير الشباب والرياضة الجزائري بأن بلاده تفكر في التقدم بملف مشترك مع المغرب وتونس، لاستضافة نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم: «الجزائر مستعدة لتدارس ملف ترشيح مشترك مع الأشقاء في المغرب وتونس. وأظن أن لنا الإمكانيات لإنجاح هذا الرهان»، وهو ما عبر عنه بنفس الكيفية رئيس الرابطة التونسية لكرة القدم.
يعود رياض جعيدان للتوضيح أن بلاده «تبارك وتشجع كل المبادرات المماثلة، ونطمح لأن نعمل معًا لأن هدفنا واحد». مشيرًا إلى أنه سبق له إجراء مباحثات غير مباشرة مع وزير الرياضة الجزائري، وتلقى تأكيدًا من الأمين العام لاتحاد المغرب العربي بدعوة وزراء رياضة الدول الأعضاء إلى اجتماع في سبتمبر 2018 لدراسة الموضوع.
المونديال المشترك: بين حماسة الحلم وضرورة الواقع
المبادرة المرفوعة من أطراف عدة، رسمية وغير رسمية، تعبر بشكل صريح عن إرادة شعوب المنطقة التي لم تشتتها الحدود على طول تاريخها إلا في العقود الخمس الأخيرة.
رغم جهود المغرب لجعل البنية الرياضية واللوجستية في مستوى الرهان المطروح، فإن تقييم لجنة العمليات في فيفا لم تمنحه إلا نصف العلامة.
خيار تقديم ملف مغاربي مشترك لتنظيم المونديال يدعمه منطق الاتحاد الدولي لكرة القدم، والذي لا يرى في بلد واحد استطاعة كافية لتنظيم محفل ستشارك في نسخته الجديدة 48 دولة، وهذا بالضبط ما بيَّنه الفوز الأخير للملف الأمريكي المكسيكي الكندي المشترك، وكذلك عقلية رئيس «فيفا» التي وضحت في كثير من تصريحاته، آخرها الذي عبر فيها عن تشجيعه للمبادرة المغاربية.
لكن رغم ذلك، تحيلنا «الواقعية» إلى معطيات أخرى تضفي على الأمل المتصاعد مسحة من الشك، مردُّه إلى إرهاصات عدة يتصدرها عنوان عريض: «البنية التحتية».
رغم الجهود المبذولة من طرف المغرب لجعل بنيته الرياضية واللوجستية في مستوى الرهان المطروح، ووعوده على ورق الملف ببناء ملاعب ومنشآت جديدة، فإن تقييم لجنة العمليات في فيفا لم تمنحه إلا نصف العلامة، في حين تفرض عليه المحاولة الجديدة إتمام مجهوده المبذول سابقًا، بل وتحسينه أكثر. بينما يجمع المتتبعون للواقع الرياضي في الدول المغاربية، بشكل شبه مطلق، على أن البنية التحتية الآن لا ترقى لاستضافة محافل من هذا النوع.
هذا ما ينقله فاضل شرفي، الصحفي الرياضي وعضو المجلس الوطني لحزب التيار الديمقراطي التونسي، قائلًا لـ«منشور»: «المنشآت الرياضية في تونس غير محدَّثة من قبل ثورة 2011. من وقتها، وهي آخذة في التدهور. الملعب الأوليمبي في سوسة لا توجد فيه لوحة نتائج منذ 2009، وملعب مدينة المنزه مغلق. وسوى استاد رادس، لا يوجد في تونس ملعب دولي حقيقي.
بشكل أخف هذه المرة، يحيلنا بلال وهاب، الصحفي الرياضي الجزائري، إلى وجود مجهودات كبيرة من الحكومة الجزائرية لتدعيم البنية التحتية الرياضية، غير أنها تفتقد كثيرًا من الجاهزية الآن: «الدولة تعمل بجدية لإعادة تهيئة عدة ملاعب قديمة، غالبيتها الآن بلغت فيها الأشغال مراحل متقدمة، إضافة إلى أبنية جديدة ستُفتتح تباعًا خلال الشهور القادمة، فالجزائر تستضيف الدورة القادمة من الألعاب المتوسطية عام 2021»، وهي دورة يُنتَظر أن تكون تمرينًا مهمًّا قبيل الإقدام على تنظيم المونديال.
اقرأ أيضًا: لماذا يخفق الذكاء الصناعي في توقع نتيجة كأس العالم؟
التكامل المغاربي سبيلًا لتخطي الرهانات العسيرة
لن يقدر أي بلد مغاربي على تنظيم المونديال وحده، بينما الملف المشترك سيجسد التكامل الاقتصادي والسياسي الذي يحكم طبيعة البلدان المغاربية.
مع أن تصريح الصحفي التونسي فضل شرفي نقل لنا الواقع الرياضي في تونس بشكل يميل إلى الكآبة، بوصفه واقع التدهور واللامبالاة، فإن كلامه يبشر بإمكانية التكامل، فتونس لديها قدرات سياحية وخبرة في هذا المجال، والأمر نفسه بالنسبة إلى المغرب، وهو الذي دأب في العقود الأخيرة على تمتين بنيته الفندقية وتطوير قطاعه الخدماتي، الشيء الذي ما زال متأخرًا في الجزائر، حديثة العهد في هذا الصدد.
تكمن قوة الجزائر في بنيتها التحتية الرياضية الحديثة القوية التي تلتزم بمواصفات عالمية، وكذلك بالتمرين التنظيمي الذي ستخوضه في دورة الألعاب المتوسطية. بذات الشكل، للمغرب خبرته في إنجاح محافل دولية خلال السنوات الأخيرة، أبرزها دورتان لمونديال الأندية وقمة عالمية للمناخ في مراكش 2016.
للمغرب وتونس نوعية وعدد معين من الحلفاء المستعدين لدعمهم في هذا الرهان، بينما للجزائر نوعية أخرى من الحلفاء. إضافة إلى أن تقديم ملف مشترك سيحقق إجماعًا إفريقيًّا مطلقًا، نظرًا إلى وزن كل الدول المغاربية داخل الاتحاد الإفريقي، ودورها القارِّي الكبير في هذا التكتل السياسي القوي.
الفصل في هذه القضية، وفقًا لمصطفى راجعي، مدير معهد «هايك» للدراسات الاقتصادية في الجزائر، يرجع إلى أنه «ليس هناك أي بلد مغاربي قادر على تنظيم المونديال وحده»، بينما الملف المشترك، إضافةً إلى أنه سيلقى ترحيبًا عالمي، فسيجسد التكامل الاقتصادي والسياسي الذي يحكم طبيعة البلدان المغاربية.
هذا التكامل يبرزه أكثر صاحب المبادرة رياض جعيدان: «سبق أن تقدم المغرب بخمسة ترشيحات، ما يعني أنه يمتلك كل الإمكانيات اللازمة له على مستوى البنية التحتية والإمكانيات اللوجستية، ما أكسبه خبرة كبيرة يمكن الاستفادة منها، بينما سبق لتونس احتضان كأس إفريقيا لكرة القدم 2004 بصورة ناجحة». بالتالي، فالخبرات التي اكتسبتها الدولتان، والعمل المشترك بينهما مع الجزائر، «سيساعدنا كثيرًا في التصرف في مواردنا المالية واللوجستية اللازمة لتنظيم المونديال، وسيمثل نقطة قوتنا ويعزز فرصنا في كسب الرهان».
ملف مشترك لكسر جليد الخلافات السياسية
«أعتقد أن تقديم الملف المشترك سيكسر عقبة سيكولوجية سياسية عصية عند أصحاب القرار في دول المغرب العربي»، هكذا يعلن إيدير دحماني، مدير تحرير جريدة «الأحداث» الجزائرية.
وحدة المغرب العربي وانفتاحه الداخلي خير لا مفر منه للخروج من أزمات الدول المغاربية.
يوضح دحماني أن «تنظيم مونديال مشترك سيجعل من السهل على بلادنا عقد شراكات في مجالات تنموية، كالسياحة والتجارة والتعليم ومسائل فنية أخرى، بينما الحماسة الكروية، وهي سمة شعوب المنطقة، كفيلة بتسهيل المسار لتحقيق حلم الوحدة المغاربية».
يبقى، في نظره، أن يتمكن المختصون والسياسيون من بلورة هذا الواقع، والتخطيط لوحدة مغاربية خارج التجاذبات العالمية التي طبعت إخفاقاتها السابقة.
إخفاقات باردة سليلة حرب هي الأكثر برودة بين أقطاب السياسة العالمية وقتها، جعلت أرض المغرب العربي في تمزق مَرضي دائم. بينما بتوفر الإرادة السياسية، من الممكن للمغاربة أن يوقفوا حالة ليس الشتات فيها إلا عرضًا جانبيًّا، بينما هول القطيعة يمكن ملامسته كلما اقتربنا إلى الحدود التي ظلت مغلقة منذ 1994، تموت على أجنابها المدن رويدًا رويدًا في عزلتها، ووجدة المغربية أبرز دليل.
يُجمع كل من حاورتهم على أن وحدة المغرب العربي وانفتاحه الداخلي خير لا مفر منه للخروج من أزمات الدول المغاربية. ويوضح مصطفى راجعي أن «المونديال سيكون اختبارًا وتدريبًا لإرادة البلدان من أجل تحقيق التبادل المطلوب بينها، وضمان تحقيق الدينامية الاقتصادية والتنقل الحر لرؤس الأموال والأفراد من قُطر إلى آخر».
يختم راجعي متسائلًا: «يبقى موضوع الصحراء؟ لنضعه جانبًا. قد تجمعنا الكرة بعد أن فرقتنا الصحراء».
يتقاطع الحلمان: الوحدة المغاربية وتنظيم المونديال، وبينهما العمل يكبر ويكثر، يستوجب أولا إزاحة التحيزات الأيديولوجية جانبًا، وثانيًا استثمار المكاسب الفردية لكل دولة في إخراج الدول الشقيقة من أزماتها، والتفكير بعدها في فتح الحدود الذي هو ضرورة الضرورات.
هنا يعود أبو المبادرة، رياض جعيدان، ليقِر بأنه «إذا توفرت الإرادة الشعبية مقترنةً بالإرادة السياسية، فإن كل المسائل المتعلقة بالإمكانيات المادية واللوجستية لن تمثل عائقًا أمام تحقيق مبتغانا». بهذا الشكل يغدو الأمل واقعًا، وتعود الأحلام منالًا نعيشه نحن من فرضت علينا قدرة العبث الوجودي أن نعيش على هذه الأرض.
سفيان البالي