أزمة مياه: هل تتحول إيران إلى صحراء قريبًا؟
«لدينا سلاح نووي ونحارب من أجل الدول الأخرى، لكننا سنصبح مثل الصومال قريبًا»، هكذا يصف فارس كرامي، أستاذ العلوم البيئية في جامعة الإمام الخميني، حال أزمة المياه في إيران، التي تعاني من مناخ سيئ وجفاف أهم البحيرات في البلاد، بينما لا تفعل الحكومة شيئًا.
يوضح كرامي أن الجفاف ليس جديدًا على بلاده، فالإيرانيون عرفوا موجات الجفاف منذ زمن بعيد، غير نسبة الأمطار التي تقل عامًا بعد الآخر، لكن هذا «ليس مبررًا للحكومة للتخاذل أمام تلك الأزمة التي وصلت إلى حد الكارثة في السنوات الأخيرة، فكل علماء المناخ والموارد البيئية الإيرانيين يتوقعون أنه خلال الثلاثين عامًا المقبلة سيصبح البلد جافًّا تمامًا، ويهاجر الإيرانيون للبحث عن المياه في مكان آخر».
إيران: بحيرة ميتة وأخرى يُساء استغلالها
في عام 2014، فوجئ الإيرانيون بمسؤولين يعلنون صراحةً أن 93% من بحيرة «أورميا» شمال غربي البلاد قد جفت تمامًا، تلك البحيرة كانت منذ وقت ليس ببعيد أكبر بحيرة مالحة في الشرق الأوسط، وتوفر الحياة لأنواع عدة من الطيور النادرة والغزلان، وكانت من أهم المعالم السياحية التى توفر لقمة العيش لنحو خمسة ملايين إيراني يعيشون هناك.
في محاولة من الحكومة الإيرانية لحل أزمة الماء، بدأت توصيل مياه بحيرة هامون إلى المدن الكبرى، بدلًا من أن تحل أزمة الجفاف.
يقول كرامي لـ«منشور»: «نتوقع خلال 2017 أن تخسر إيران البحيرة كاملة، فقد زادت نسبة الملوحة فيها ومات أغلب الطيور. ورغم أن الرئيس روحاني أشار خلال حملته الانتخابية في 2013 إلى أنه سيُولِي البحيرة اهتمامًا أكبر، ويوفر ميزانية خاصة لها، فإن الحكومة لم تفعل أي شيء حتى الآن».
أما بحيرة «هامون»، التى تتقاسمها محافظتا سيستان وبلوشستان (مكان تمركز السنة في إيران)، وتعتبر من أهم مصادر الثروة السمكية في تلك المناطق، تلك البحيرة أصيبت بالجفاف نوعًا ما بسبب قلة الأمطار وموجات الجفاف التي تضرب إيران كل عام، بينما تستخدمها الحكومة لإمداد المدن الكبرى بالمياه.
ففي محاولة من الحكومة لحل أزمة الماء، حوّلت مياه البحيرة عبر أنابيب إلى المدن الكبرى التي تعاني نقصًا في الماء، بدلًا من أن تحل أزمة الجفاف التي تضرب البحيرة من وقت إلى آخر، وتؤمِّن الرزق الوحيد لأهالي تلك المحافظات بدلًا من حرمانهم من نصيبهم في المياه.
قد يعجبك أيضًا: التكنولوجيا تتدخل لإنقاذ العالم من أزمة الغذاء
الحكومة وسكان الأهواز: كيف نضاعف الكارثة؟
«أصبح تظاهرنا من أجل وقف مشروع نقل مياه نهر كارون أمرًا روتينيًّا»، تلك كلمات الصحفي الإيراني «حميد» من منطقة الأهواز في إيران.
يقول حميد (اسم مستعار) إن نهر كارون يمثل الحياة بالنسبة إلى سكان الأهواز، عاصمة محافظة خوزستان جنوبي إيران، لكن في الثلاثين عامًا الماضية أقدمت الحكومة على حفر قنوات لتحويل مياه النهر إلى محافظة أصفهان، التي تعانى هي الأخرى من شُح المياه.
مشروع نقل المياه من نهر كارون لأصفهان سيكلف الحكومة 1.5 مليار دولار، وهو مبلغ كان كافيًا لحل أزمة المياه في المدينة.
هدف الحكومة من ذلك المشروع هو نقل مليار متر مكعب من مياه النهر، وسيكون هذا بمثابة كارثة على الأهالي، الذين يعتمدون على الزراعة بشكل أساسي.
لم يرد أحد من مسؤولي وزارتي البيئة والمياه على استفسارات «منشور» بشأن المشروع، إلا أن أحد المسؤولين السابقين في وزارة البيئة، اشترط عدم كشف هويته، أكد أنه سيكلف الحكومة نحو 1.5 مليار دولار، وهو مبلغ كان يمكن الاستفادة به في حل أزمة المياه في مدينة أصفهان، دون اللجوء إلى نقل مياه نهر كارون وحرمان الأهالي من حقهم.
قدم عددٌ من الأكاديميين دراسات إلى الحكومة لحل الأزمة، لكن أحدًا لم يعرهم أي اهتمام، ويرى هذا المسؤول السابق أن إصرار الحكومة على إتمام المشروع سيحرم الملايين في جنوب إيران من الحياة، وبالتالي سيحاولون الهجرة إلى المدن الكبرى للبحث عن عمل هناك، مما سيضاعف الكارثة.
المياه = صوت انتخابي
حذا حسن روحاني حذو أحمدي نجاد في ترك الاستهلاك المحلي للمياه دون رقابة، لكسب أكبر عدد من الناخبين.
في عام 2015، أعلنت «معصومة ابتكار»، نائبة الرئيس روحاني لشؤون البيئة، أن معدل استهلاك الإيراني للمياه يبلغ ضعف معدل الاستهلاك العالمي، وأن إيران استهلكت 70% من احتياطي المياه لديها، مما سيُعجِّل بأزمة كبيرة قريبًا، ودعت الإيرانيين إلى ترشيد استهلاك الماء، لكنها لم تذكر أي شيء عما ستفعله الحكومة لحل الأزمة.
يبدو أن الحكومة لن تتمكن من فعل شيء، ففي صيف 2016، أعلن نائب وزير الطاقة الإيراني أن الحكومة عاجزة عن إيجاد أي حلول، لكنه عزى السبب إلى الإيرانيين الذين يسيؤون استخدام المياه، والزيادة السكانية المبالَغ فيها في السنوات الأخيرة.
لكن هناك سببًا أهم من كل ما يقدمه المسؤولون لتبرير الأزمة، إذ تستهلك إيران 92% من مواردها المائية في الزراعة، فلماذا؟
في عام 2008، خلال تولي الرئيس أحمدي نجاد الحكم، أراد أن يكتسب شعبية لدى المزارعين ويضمن أصواتهم في الانتخابات فترك الاستهلاك المحلي دون رقابة، ولم يتحرك لوقف حفر الآبار الجوفية التي تهدد احتياطي الماء، وكذلك لم يُعدِّل أسعار استهلاك المياه، إلى جانب تغاضيه عن أدوات الري البدائية التي تُهدر كثيرًا من المياه، وفقًا لما ورد في كتاب «الزراعة وإهدار المياه بين أحمدي نجاد وروحاني».
يبدو أن روحاني حذا حذو نجاد وترك الأمور كما هي، وكل هذا من أجل كسب أكبر عدد من الناخبين، لكن التعامل بتلك الطريقة مع أزمة على مشارف الكارثة زاد الطين بلة.
اقرأ أيضًا: ما علاقة الأزمات البيئية في سوريا والعراق بظهور داعش؟
طهران: مدينة السدود المتهالكة
في طهران العاصمة، هناك أربعة سدود تؤمِّن مياه الشرب للمواطنين، لكن في الفترة الأخيرة بدأ الإيرانيون يعانون من انقطاع المياه لساعات طويلة، واضطر من يسكنون الأدوار العالية إلى استخدام مضخات للحصول على الماء، مما زاد الأمر تعقيدًا.
يقول «شهريار مطهري»، أستاذ علوم المناخ في جامعة طهران، إن الحكومة تشتكي من العقوبات الدولية ونقص الأموال والظروف المناخية عندما تُسأل عن الحلول التي تقدمها لمشكلة المياه، لكن هذا غير صحيح، فالسدود الأربعة التي تغذي طهران بالمياه تهالكت بسبب سوء الإدارة وليس بسبب العقوبات أو غيرها من الأسباب.
وبدلًا من معالجة السدود، تسارع الحكومة إلى حفر الآبار لتزويد العاصمة بالمياه، متجاهلةً أن الآبار قد تسبب خطرًا كبيرًا على صحة السكان، نظرًا لتهالك البِنية التحتية واختلاط مياه تلك الآبار بالصرف الصحي.
يوضح مطهري لـ«منشور» أنه على الحكومة، خصوصًا بعد الاتفاق النووي والتعاون مع دول أوروبا، أن تستعين بالخبرات الأوروبية لحل أزمة المياه: «اليابان تتعرض لمثل تلك المشكلة، لكنها استطاعت التغلب عليها، فبدلًا من إهدار الأموال على الحروب التي لا فائدة منها، تستخدمها لحل الأزمات الداخلية، فنحو 37 مليون إيراني مهددون بالهجرة نتيجة الجفاف، وهم أولَى من محاربة الإرهاب خارج إيران».
«تنتهي أزمة الماء حين تتحجب النساء»
يبدو أن تلك قناعة كثير من رجال الدين الإيرانيين، إذ يشدد جعفر، أحد أئمة مساجد طهران، خلال حديثه لـ«منشور» على إيمانه بأن الأزمة ما هي إلا إنذار من الله لتنبيه الإيرانيين للعودة إلى الدين: «بمجرد استيعاب تلك الرسالة واتباع الدين الصحيح والرجوع إلى القيم الإسلامية، ستعود المياه إلينا وتغمرنا الأمطار».
مياه الخليج الفارسي وبحر عمان
في عام 2016، أعلن الرئيس روحاني عن مشروع ضخم لحل أزمة المياه، بنقل الماء من الخليج الفارسي وبحر عمان إلى وسط إيران، مؤكدًا أن المشروع سيؤمِّن المياه لأغلب محافظات إيران، وستصل تكلفته إلى نحو 400 مليون دولار، لكن الحكومة لم تبدأ حتى الآن في التنفيذ.
في طهران، أينما ذهبت ستجد الحدائق والأشجار الكبيرة، لكن هل يمكن أن يصحو الإيرانيون يومًا ما ليجدوا بلدهم تحولت إلى صحراء قاحلة؟ وهل سنرى إيران تحارب جيرانها من أجل الماء، بدلًا من حروبها الآن لفرض سيطرتها على المنطقة؟
شيماء محمد