مِن صُنع الإنسان: كيف يتغير كوكب الأرض على أيدينا؟
مثل قريبك الذي تراه في المناسبات، لديه قناعات عن كل ما يجري في العالم، ويرى كل شيء خدعة بشكل أو بآخر، يمثل ترامب نموذجًا لما يمكن أن تصير إليه الأمور إذا ما وقعت بين يدي شخص لا يعرف ما الذي يتحدث عنه، ويرفض أن يتعامل مع الأدلة العلمية، مفضلًا عليها نظريات المؤامرة والأفكار الانطباعية.
واحدة من قناعات ترامب هذه عبَّر عنها بنفسه في تغريدة تقول إن ظاهرة الاحتباس الحراري بالكامل مجرد خدعة اخترعتها الصين لإعاقة الصناعة الأمريكية، وإن العالم ليس لديه ما يقلق بشأنه الآن في ما يتعلق بالاحتباس الحراري.
بعدها بست سنوات، صار ترامب رئيسًا لأمريكا. وفي أعقاب إعصار فلوريدا، الذي بلغت سرعته 155 ميلًا في الساعة وقلب الولاية رأسًا على عقب، أنكر ترامب إنكاره للاحتباس الحراري، لكنه أضاف تصريحات أخرى أشد حدة من الأولى، يؤكد فيها أنه يدرك حدوث تغيير، لكن ربما قد يتراجع هذا التغيير وحده ويتغير مرة أخرى.
لن ينعكس التغير المناخي من تلقاء نفسه إذا كان المسبب الرئيسي فيه الإنسان، وإذا كان ما يفعله الإنسان لا يتغير. هناك شيء واحد ثابت وواضح في القرن العشرين: الحرارة تزداد.
يدَّعي ترامب أن لديه غريزة طبيعية للعلوم، قادته تلك الغريزة إلى استنتاج أن التغير المناخي سيتوقف من تلقاء نفسه، ودرجة الحرارة ربما تقل أو تزيد كما العادة.
يتوق الرئيس الأمريكي، حسب قوله، لبيئة نظيفة وهواء نقي، لكنه في الوقت ذاته لا يريد أن يضحي بالرفاهية الاقتصادية التي تتمتع بها الولايات المتحدة من أجل اتفاقيات ستُعزز اقتصاد دول أخرى فقط.
إذا صدقنا ترامب، فعلينا أن نقتنع بأن معدل حدوث الأعاصير انخفض بشكلٍ ملحوظ، بينما لا يدعم تلك القناعة أي بحث علمي من أي نوع. بل العكس، تشير إدارة المحيطات والمناخ في أمريكا إلى أن توقعات حدوث الأعاصير تشهد زيادة طفيفة كل عام عن الذي سبقه، فارتفاع درجة حرارة الأرض يؤدي إلى تصاعد القوة التدميرية للأعاصير.
طبقًا لتقرير نشرته «النيويورك تايمز»، ألغت إدارة ترامب قرارًا سبق أن أصدرته إدارة الرئيس السابق أوباما للسيطرة على كميات غاز الميثان المُطلقة في الغلاف الجوي خلال عمليات احتراق الزيت والغاز، وهو القرار الذي اعتبره كثيرون بداية سلسلة من قرارات مشابهة في ذات الاتجاه.
لا يقتصر الأمر هنا على القناعات الشخصية. دونالد ترامب رئيس أكبر دولة في العالم وأقواها تأثيرًا، وعندما يتحدث عن أمور كهذه، فإنه يتصرف بناءً عليها بالفعل، ولا يكتفي بالحديث، والأمر على هذه الدرجة من الخطورة بالفعل، لأن قراراته تؤثر في قطاع كبير من البشر.
الاحتباس الحراري
لم تكن درجة حرارة كوكب الأرض ثابتة في تاريخها الطويل، ولا يُفترض بها أن تثبت في الحقيقة، تتغير درجة حرارة الأرض طبقًا لمكانها من الشمس، والطريقة التي تدور بها حول نفسها.
لكن عندما نتحدث عن المناخ، فإننا نعني متوسط حالة الجو في فترة زمنية طويلة، المناخ هو النمط البيئي إذًا الذي تعيشه الأرض، وهو يتغير طبقًا لهذه المناطق وحالتها.
مر كوكب الأرض بتغيرات كبيرة في ما يتعلق بالمناخ، من عصور جليدية إلى عصور دفيئة. لكن القرن الأخير شهد أعلى معدلات لدرجات الحرارة في تاريخه تقريبًا. ويعتقد العلماء أن الإنسان السبب الأساسي في ما أصبحنا نعرفه الآن بـ«الاحتباس الحراري».
وفقًا لتحليلات درجات الحرارة الدورية التي يجريها «معهد غودارد لدراسات الفضاء» (GISS) التابع لوكالة الفضاء الدولية «ناسا»، فإن متوسط درجة حرارة كوكب الأرض ازداد بنحو 0.8 درجة مئوية منذ عام 1880. ارتبط ثلث هذه الزيادة بالفترة التي تلت عام 1975، بمعدل زيادة نحو 0.15-0.20 درجة مئوية في كل عقد. مسجلين أن عام 2016 كان واحدًا من أكثر السنوات حرارةً في تاريخ كوكب الأرض. وأن الثلاثين سنة الماضية من عام 1990، كانت الأكثر حرارة منذ عام 1400، وبخاصة في نصف الكرة الشمالي.
درجتان ثقيلتان
يتزامن هذا مع عدد من التغيرات والدلائل التي تظهر على كوكب الأرض. فوفقًا لوكالة «ناسا»، فإن جليد القطب الشمالي يشهد معدلات تناقص واضحة تُقدر بـ10% من حجمه في السنوات الثلاثين الأخيرة. هذا النقص يؤدي بالتبعية إلى زيادة مستويات البحار والمحيطات، بما يقدَّر بـ3.2 ميلليميترات في العام الواحد، بداية من عام 1993، ومن ثم مزيد من العواصف والأعاصير، وكذلك مستويات الرطوبة والتبخير. تظهر أيضًا مشكلة تحمُّض المحيطات، وهي مشكلة سببها الأساسي تزايد نسب ثاني أكسد الكربون في الغلاف الجوي.
في 2017، نشرت مجلة «Nature Climate Change» بحثًا يوضح أنه بحلول نهاية القرن، تحديدًا عام 2100، فمن المرجح أن ترتفع درجة الحرارة أكثر من درجتين مئويتين إضافيتين.
قد ترى أنه رقم منخفض، وتفكر: ماذا تعني درجتان مئويتان؟ لكن متوسط هذه الزيادة فوق سطح كوكب كامل، رقم مرتفع جدًّا، ويمكنه أن يُفسِّر سبب كل التغيرات البيئية حولنا.
ظهور الوقود الأحفوري
تأثير الحرارة، في حد ذاتها، على الأرض ليس أمرًا سيئًا. الحياة على كوكبنا تعتمد على الطاقة القادمة من الشمس. لكن تدخُّل الإنسان يتسبب في تغيير كثير من الأمور، ويُخرج الأمور من دائرتها الطبيعية إلى الضار منها.
للوصول إلى استنتاج بشأن تغيّر المناخ والاحتباس الحراري، شكَّلت الأمم المتحدة عام 1988 لجنة من مجموعة كبيرة من علماء مناخ وخبراء اقتصاد وماسحي محيطات تسمى «اللجنة الدولية للتغيرات المناخية» (IPCC). تجتمع اللجنة كل بضع سنوات، لمراجعة أحدث النتائج العلمية وكتابة تقرير عن كل ما هو معروف عن ظاهرة الاحتباس الحراري. يمثل كل تقرير إجماعًا أو اتفاقًا بين مئات من علماء المناخ البارزين.
من أول الملاحظات التي ذكرتها اللجنة سببًا وراء الارتفاع في درجة الحرارة، ما أُطلق عليه «غازات الدفيئة» التي يتسبب فيها البشر بطرق متنوعة.
غيرت الثورة الصناعية كل شيء، من طريقة تصنيع السلع إلى أساليب الإضاءة والتدفئة، فزاد معدل احتراق الوقود الأحفوري بشكل كبير.
في أواخر القرن الثامن عشر، أدى ظهور الوقود الأحفوري الذي يُستخرَج من الفحم الحجري والغاز الطبيعي والنفط، إلى سلسلة من التفاعلات التي غيَّرت نمط المناخ في كوكب الأرض.
عند حرق الفحم والنفط والغاز الطبيعي، ينتج عن عملية الاحتراق كميات هائلة من غازات الدفيئة، وبخاصة ثاني أكسيد الكربون، والتي تُضاف بسرعة إلى الغلاف الجوي. وبمرور الوقت تزداد كثافتها، وتفشل العمليات الطبيعية في امتصاصها، فتفسد النظام المناخي لكوكب الأرض.
بعد أن غيرت الثورة الصناعية كل شيء، ابتداءً من طريقة تصنيع السلع إلى أساليب الإضاءة والتدفئة، زاد معدل احتراق الوقود الأحفوري بشكل كبير. بعدها جاءت السيارات التي تمثل، مع محطات توليد الطاقة عبر حرق الفحم، اثنين من أعلى مصادر إنتاج غازات الاحتباس الحراري في العالم. تبعتهم أبخرة المصانع وحرق البنزين والديزل ووقود النفاثات. بعبارة أخرى: ظهر الإنسان.
كل هذا يحدث بجانب النمو السكاني الهائل وآثار إزالة الغابات على نطاق واسع والزراعة الصناعية. أدى احتراق الوقود الأحفوري على نطاق واسع إلى ارتفاع تركيز غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي إلى مستويات لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية.
اقرأ أيضًا: نعم، تغير المناخ يؤثر في البيئة، لكن كيف سيغير سوق العمل؟
غازات الاحتباس الحراري
يوجد أربعة أنواع رئيسية من غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وهي: بخار الماء (H2O)، وثاني أكسيد الكربون (CO2)، والميثان (CH4) المنبعث من مكبات ومدافن القمامة والزراعة، وأكسيد النيتروز (N2O) الذي يأتي من الأسمدة والغازات المستخدمة في التبريد والعمليات الصناعية.
تتعدد مصادر غازات الدفيئة. نسبة منها تأتي من تغيرات الطبيعة نفسها، مثل حركة «الصفائح التكتونية» التي تُكوِّن الغلاف الصخري للأرض. تُسبب حركة الصفائح البطيئة للغاية الزلازل والبراكين وتغيراتٍ في التضاريس. وبمرور ملايين السنين تؤثر في تركيز غازات الدفيئة.
لكن النسبة الأكبر لمصدر هذه الغازات تأتي من أفعال الإنسان.
من أجل فهم تأثيرات جميع غازات الدفيئة معًا، يميل العلماء إلى الحديث عنها من حيث الكمية المتكافئة لغاز ثاني أكسيد الكربون لمقارنة قدراتها المختلفة على حبس الحرارة.
بمعنى أن الميثان أقوى عشرين مرة من ثاني أكسيد الكربون، وأكسيد النيتروز أقوى مئتي مرة من ثاني أكسيد الكربون. منذ عام 1990، ارتفعت الانبعاثات السنوية بنحو ستة مليارات طن متري من «مكافئ ثاني أكسيد الكربون» في جميع أنحاء العالم، أي أكثر من 20٪ زيادة.
أما الغازات الأخرى، مثل مركبات «الكلوروفلوروكربون» (CFCs) المعروفة تجاريًّا باسم «الفريون»، والتي حظرها عدد من الدول لأنها تسهم في تدهور طبقة الأوزون، فقدرتها على حبس الحرارة تساوي آلاف المرات لغاز ثاني أكسيد الكربون.
كيف يحبس الغلاف الجوي الحرارة؟
يمر ضوء الشمس عبر الغلاف الجوي، ويمتصه سطح الأرض، فترتفع درجة حرارته. تعمل غازات الدفيئة مثل غطاء يشمل الكوكب بأكمله. تسمح بمرور الضوء، لكنها تمنع الحرارة من الهروب وتحبسها بالقرب من السطح، فترفع درجة حرارته.
هذه العميلة طبيعة لأنها تُدفئ الأرض وتسمح للحياة بالظهور عليها، لكن الأنشطة البشرية تزيد من كمية غازات الدفيئة وتحبس مزيدًا من الحرارة.
تبقى غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي فترة طويلة. وبالرغم من أن النباتات والمحيطات تمتص ثاني أكسيد الكربون، فإنها لا تستطيع مواكبة الكثافة الهائلة لثاني أكسيد الكربون الإضافي الذي ينتجه البشر. لذا، فإن كمية ثاني أكسيد الكربون تتزايد بمرور الوقت في الغلاف الجوي.
تغيُّر مناخي أم احترار عالمي؟
هناك خلطٌ بين مصطلحي «الاحتباس الحراري» (Global Warming) و«التغير المناخي» (Climate Change). ورغم أن المصطلحين يأتيان في سياقٍ واحد، فإنها مختلفان.
الفهم الشائع وغير الصحيح للتغير المناخي، أنه تغيُّر في درجات حرارة الكوكب، وغالبًا ما يكون التغيُّر زيادة، لكن هذا ليس دقيقًا. التعريف الصحيح لتغيُّر المناخ ببساطة: تغيُّر درجات الحرارة على المدى الطويل، سواءً كان ذلك في ارتفاع درجات الحرارة أو البرودة أو التغير في معدل هطول الأمطار. الأمر ببساطة أنه تغيُّر.
قد تكون هذه التغيرات نتيجة قوى الطبيعية، مثل الانفجارات البركانية أو التغيرات في دوران المحيطات، أو نتيجة الآثار التي يسببها الإنسان، مثل حرق الوقود الأحفوري. لذا، فإن عبارة «تغير المناخ» لا تحدد سبب هذا التغير.
أما الاحتباس الحراري، فيصف الارتفاع في متوسط درجة حرارة الأرض بمرور الوقت. ولا يعني هذا أن درجات الحرارة ترتفع بنفس المقدار في كل مكان، ولا على كل سطح الأرض في نفس اللحظة. فبعض الأماكن لا تزداد حرارتها بالتبعية. إنما يعني مصطلح الاحتباس الحراري ببساطة أنه عندما تُفكِّر في الأرض ككل، ككوكب، فإن متوسط درجة الحرارة في ازدياد.
قد يعجبك أيضًا: البلاستيك: خطر يهدد الحياة البحرية
إنكار صريح، لا احترارًا عالميًّا
المزيد من الأعاصير في طريقها إلى الكوكب، لأن مستويات البحار ارتفعت، والعالم أصبح أكثر دفئًا، والماء الدافئ يعطي الأعاصير طاقةً أكبر.
جميعنا نشعر بآثار الاحتباس الحراري، سواء أدركنا أنه السبب أم لا. بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر، أغرق «إعصار ساندي» عام 2012، 80 ألفًا من سكان نيويورك ونيوجيرسي، مُسببًا 170 حالة وفاة. على جانب آخر، فإن عشرات الآلاف من الناس يموتون بسبب موجات الحر، وفي مارس 2018، تفشى الجفاف في جنوب كاليفورنيا، وأشار العلماء إليه بأنه أسوأ جفاف حدث منذ القرن الخامس عشر.
يمثِّل الجفاف تحديدًا، واحدًا من أكثر الأعراض الجانبية للاحتباس الاحتراري. فارتفاع درجات الحرارة يؤثر في تربة الأرض بشكل مباشر، ما يؤدي إلى أضرار هائلة في المحاصيل الزراعية التي تخلق بدورها أزمة في الحزام الأخضر الذي يغطي الكوكب، متسببة في مزيد من معدلات ارتفاع درجات الحرارة. حلقة مفرغة من التأثيرات التي، كما هو الحال في جميع المشكلات الاجتماعية، تؤثر أكثر في الفقراء والدول النامية.
يرى كثير من العلماء أن مزيدًا من مثل هذه الأعاصير وفترات الجفاف في طريقها إلى الكوكب، وستزداد سوءًا لأن مستويات البحار ارتفعت، والعالم أصبح أكثر دفئًا، والماء الدافئ يغذي الأعاصير ويعطيها طاقةً أكبر، وارتفاع مستوى المياه يؤثر في عمليات التبخُّر التي تؤدي إلى تعزيز فرص حدوث حالات جفاف مزمنة على الكوكب. يوضح علماء المناخ أنه من بين أسباب كثيرة، يترأس الاحتباس الحراري القائمة.
قد يهمك أيضًا: هل تنقذنا الزراعة تحت الماء من أزمة الغذاء؟
اتفاقية باريس للمناخ
في عام 1992، عُقدت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي (UNFCCC) بين 191 دولة، وبدأ تنفيذها في عام 1994.
ركزت هذه الاتفاقية على تحديد أهداف وجداول زمنية للحد من الانبعاثات في الدول الصناعية ووضع استراتيجيات شاملة لمواجهة الاحتباس الحراري.
في ديسمبر 2015، عُقِد مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي (COP 21) في باريس، وتوصلت الأطراف في اتفاقية (UNFCCC) إلى عقد اتفاقية أخرى لمكافحة تغير المناخ وتكثيف الإجراءات والاستثمارات اللازمة لمستقبل مستقر منخفض الكربون. من هنا نتجت «اتفاقية باريس للمناخ» التي يُتوقع أن تصنع مسارًا جديدًا في تحسين المناخ العالمي.
الهدف المحوري لاتفاق باريس، هو إبقاء درجات الحرارة العالمية لهذا القرن أقل من درجتين مئويتين، والحد من ارتفاعها حتى أكثر من 1.5 درجة مئوية. بدأ تنفيذ الاتفاقية في نوفمبر 2016، وبلغ مجموع الدول الموقعة على الاتفاقية 125 دولة في أوائل عام 2017. وسيكون هناك تقييم عالمي كل خمس سنوات لتقييم التقدم الجماعي للدول. لكن أمريكا، بقيادة دونالد ترامب، قررت الانسحاب من الاتفاقية، ما أدى إلى موجة تذمُّر عالمي.
رغم تحذير «اللجنة الدولية للتغيرات المناخية» (IPCC)، بأنه في المستقبل القريب سيكون من الصعب للغاية تجنب موجات الحر الشديد والفيضانات والأعاصير الشديدة، التي ستُصاحبها درجات حرارة أعلى مما شهده الكوكب في السابق، بسبب البشر، قرر ترامب سحب توقيع الولايات المتحدة في يونيو 2017 من اتفاقية باريس للمناخ.
العدالة المناخية: لأننا لم نسبب ضررًا متساويًا
إحدى القضايا الرئيسية التي تُطرَح في المفاوضات حول المناخ، هي تحديد أهداف للحد من الانبعاثات لجميع البلدان على أساس مبدأ «المسؤوليات مشتركة، ولكن مُتباينة». تعتمد هذه الأهداف في المقام الأول على النسبة الكمية لمسؤوليات البلدان المتقدمة والنامية في ما يتعلق بالتغير التاريخي في المناخ.
تاريخيًّا، ارتبطت الثروة ارتباطًا وثيقًا بالصناعة واستخدام الطاقة وانبعاثات الكربون. لذا، فإن التمركز التاريخي للصناعة والثروة في الدول المُتقدمة (مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي) أدى إلى أن مسؤولياتها في تغير المناخ، من عام 1850 إلى 2005، عن طريق انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز، والتي تُقدَّر بنحو 53٪ إلى 61٪، بينما البلدان النامية أسهمت بما نسبته 39٪ إلى 47٪. ووصولًا إلى عام 2011، زادت نسبة الدول المُتقدمة إلى 79%.
على مدى قرون، كانت الدول المتقدمة المستفيد الأكبر من التصنيع. لذا، فإن انبعاثات غازات الدفيئة في البلدان المتقدمة هي المسبب الرئيسي في التغييرات التي سجلها العلماء في نظام المناخ في القرن العشرين.
أدت هذه النسب المتفاوتة إلى التساؤل: «هل من العدل أن تسهم الدول النامية في حل ما لم تُشارك في صنعه من الأساس؟». من هنا ظهر مفهوم «العدالة المناخية».
العدالة عمومًا هي الحق أو العدل أو الاستحقاق، وتتحقق العدالة بأن نتحمل مسؤولية ما نفعل.
في سياق تغير المُناخ والاحتباس الحراري، تعني العدالة أنه ينبغي على الدول المتسببة في حدوث الضرر، أن تدعم الدول والشعوب الفقيرة التي تعاني بالفعل من تغيير المناخ. ظهر هذا المفهوم في عام 2000، في الاجتماع السادس لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي (UNFCCC).
نادى بهذا المفهوم منظمات غير ربحية، مثل «مؤسسة ماري روبنسون» المعنية بقضية العدالة المناخية. عُرِّفت «العدالة المناخية» بأنها «العدالة التي تربط بين حقوق الإنسان والتنمية لتحقيق نهج محوره الأساسي هو الإنسان، وحماية حقوق الأكثر ضعفًا، وتقاسم أعباء تغير المناخ وفوائده، وتسويتها بشكل منصف ونزيهة».
تعني العدالة المناخية محاولة التأكيد على معاملة الشعوب والكوكب بالعدل، في الطرق التي تحاول بها الدول والاتفاقيات المعنية بالتغيرات المناخية، الحد من التغيرات والتكيف مع ما يسببه الإنسان في المناخ.
على الرغم من أن مصطلح «العدالة المناخية» لم يلفت الانتباه إلا مؤخرًا، فإن اتفاقية (UNFCCC) ولجنة (IPCC) توصلتا إلى أنه يتعين على الدول الصناعية اتخاذ إجراءات محلية لمكافحة تغير المناخ، وهي ملزمة بمساعدة الدول النامية على التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه.
في اتفاقية باريس، وعدت الدول المتقدمة بتقديم مئة مليار دولار سنويًّا، بدءًا من 2020، لمساعدة الدول النامية على تمويل انتقالها إلى الطاقات النظيفة، ولتلائم انبعاثات الغازات المسببة للاحترار العالمي، والتي تعد أولى ضحاياه. لكن الدول النامية طالبت في نص الاتفاق على اعتبار مبلغ المئة مليار دولار السنوي، ليس سوى «حد أدنى». وسيُطرح هدف جديد في اجتماع 2025.
على الجانب الآخر، ترفض الدول المتقدمة أن تتحمل وحدها مسؤولية الدفع المالي لدعم الدول النامية، وتطالب دولًا مثل الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة والدول النفطية، بأن تسهم في ذلك.
سواء صدّق ترامب إذن أن هنالك ظاهرة اسمها الاحتباس الحراري أم لا. الواقع أمامنا يقول أننا تجاوزنا مرحلة التصديق أو الإنكار، وأن على البشرية واجب يتمثل ببساطة في الحفاظ على الكوكب الذي يؤثرون عليه في كل لحظة.
مريم ناجي