نساءٌ ضد داعش: قصة أول فتاة بريطانية تحارب «الدولة الإسلامية» في سوريا
عكس الجماعات والحركات النسويَّة المعروفة، هناك منظمات لا نعرف عنها الكثير، نشاطها ليس مجتمعيًّا، بل عسكريًّا، ومنها «وحدة حماية المرأة» في كردستان السورية المعروفة كذلك باسم «روج آفا». تُمارس هذه المنظمة نشاطًا عسكريًّا في سوريا والعراق، وتتكون من نساء فقط، سوريات ومتطوعات من دول أخرى.
حاول موقع الغارديان كشف المزيد عن هذه المنظمة وطبيعة عملها بمتابعة قصة «كيمبرلي تايلور»، أول فتاة إنجليزية تتطوع بها. تركت تايلور وطنَّها الأم لتحمل السِّلاح في بيئة غريبة تمامًا، وسط نساء مُختلفات في الجنسية لكن مُتحدَّات في الهدف، فماذا كانت دوافعها لفعل ذلك؟
المتطوعة الأولى ضد داعش
قررت الشابة البريطانية ذات الميول الثورية، التي تبلُغ من العُمر 27 عامًا، أن تترك حياتها في مدينة بلاكبيرن الإنجليزية للتطوع للعمل مع وحدة حماية المرأة في مارس 2016، بهدف مقاومة ما يُطلق عليه تنظيم الدولة الإسلامية «داعش».
اقرأ أيضًا: قصة التحاق النساء بالجيوش
تايلور مستعدة للتضحية بحياتها دفاعًا عن العالم والإنسانية والمظلومين.
أخبرت تايلور موقع الغارديان أنها أمضت في الأكاديمية العسكرية التابعة للمنظمة أحد عشر شهرًا، درست خلالها اللغة الكردية وفهمت الوضع السياسي للمنطقة وطبيعتها العسكرية.
خلال ذلك، انتقلت «كيمي» في أكتوبر 2016 إلى أرض المعركة، وشاركت في الحرب ضد داعش في منطقة الرقة، وهي المنطقة نفسها التي ربما تشهد فيما بعد معركة قوات المنظمة ضد قوات التحالف الديمقراطي السوري.
في أثناء وجود تايلور على بعد 30 كيلومترًا فقط من الرقة، قالت للغارديان إنها على استعداد للتضحية بحياتها في هذه المعركة دفاعًا عن العالم والإنسانية والمظلومين، وأشارت إلى أنها لن تفعل هذا بسبب جرائم داعش المعروفة إعلاميًّا فقط، بل لأن نظام حكمهم يقوم على التعذيب الجسدي والمعنوي بشكل لا يمكن تخيله.
قد يعجبك أيضًا: كيف تستخدم الدنمارك علم النفس في مواجهة «داعش»؟
توضح تايلور أن سبب مشاركتها مع المنظمة هو قصة رَوَتها لها صديقة سورية، عضوة بالمنظمة كذلك، هاجم أفراد من داعش قريتها في 2016 ونهبوها. كانت صديقتها هذه من أسرة موالية للرئيس السوري بشار الأسد، وفي محاولة للتمرد، كتبت أختها ذات الثماني سنوات على جدران البيت: «دون قائد، لا توجد حياة»، فكان رد أفراد داعش أن دهسوها بالسيارة ثم ألقوها من فوق مبنًى عالٍ، عندها قررت صديقتها التطوع في «وحدة حماية المرأة».
كيف وصلت إلى سوريا؟
عندما بلغت العشرين من عمرها بدأت كيمبرلي تطوف العالم، ثم انخرطت في النشاط السياسي وعملت مراسلة وكاتبة لعدة صحف ومجلات.
في كردستان شعرت بالحب، ليس حب إنسان بل حب أيديولوجية حركات المُقاومة.
يذكر المقال أن رحلتها الأولى إلى سوريا كانت لتغطية ذكرى مجزرة سنجار، التي نفذها تنظيم داعش في أغسطس 2014، وقتل فيها نحو خمسة آلاف امرأة وطفل واستعبد عددًا مماثلًا تقريبًا.
كان لِمَا شاهدته تايلور هناك أكبر أثر في نفسها، فاللاجئون من سوريا والعراق ينقصهم جميع أساسيات الحياة، من أكل وشُرب وسكن ودواء، ولكن أقسى ما شاهدته كان النساء اللاتي أتين إليها بأطفالهن يرجونها أن تأخذهم إلى مكان أفضل.
بعد لقائها برجل يزيدي قرر ألا يترك المكان لأن داعش أسرت ابنتيه، عزمت كيمبرلي تايلور على العودة إلى هذا المكان مرة ثانية للمشاركة في القتال ضد التنظيم، آخذةً على نفسها عهدًا ببذل حياتها لمساعدة هؤلاء الناس.
قد يهمك أيضًا: هل يتكرر سيناريو الأفغان العرب مع مسلحي «داعش»؟
كانت خطوتها التالية خلال زيارتها كردستان السورية لكتابة تقرير عن نشاط إحدى الحركات النسويَّة، وهناك شعرت بالحُب. لم تقع في حب إنسان، ولكن في حب الأيديولوجية التي تتبنَّاها حركات المُقاومة، وهي النسوية ومعاداة الرأسمالية، لذا قررت أن تتخلى عن استكمال دراستها وتبقى هناك.
نظام سياسي يُقدِّر المرأة
يتقاسم منصب الرئاسة في كردستان رجل وامرأة.
لا تتميز الأيديولوجية التي أعْجَبَت تايلور بالشعارات بقدر ما تتميز بسعي المُنظَّمات التي تتبنَّاها إلى إنشاء مجتمع جديد يعتمد على المرأة بشكل أساسي في كافة النواحي.
قد يعجبك أيضًا: أسئلة شائعة عن النسوية
كانت لأفكار عبد الله أوغلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني، مع تأثير ثورات الربيع العربي التي انطلقت في 2010، أكبر الأثر في مطالبة أكراد «روج آفا» بالاستقلال والحكم الذاتي، ومع حلول نوفمبر عام 2013 أعلنوا رسميًّا أن إقليمهم صار منطقة تحت إدارة ذاتية، وأخذت المرأة دورًا بارزًا في هذا المجتمع الجديد، وهو الفكر نفسه الذي تبناه أوغلان.
اجتمع الناس سريعًا لمساندة هذا المُجتمع الناشئ، فبدؤوا في تأسيس نظام سياسي جديد يراعي تمثيل المرأة دائمًا، حتى في منصب الرئاسة الذي يتقاسمه رجل وامرأة. ترى تايلور في هذا النظام السياسي بديلًا للمجتمع الرأسمالي الغربي، بل تؤمن بأهمية حدوث ثورة على الأنظمة في أوروبا.
اقرأ أيضًا: 14 علامة تخبرك أنك تعيش في «مجتمع فاشي»
تعمل تايلور في الفريق الإعلامي لوحدة حماية المرأة، ودورها متابعة نشاط ميليشيات الوحدة وكتابة التقارير عنه، بالإضافة إلى التقاط الصور ومقاطع الفيديو. وليست هذه بالمهمة السهلة في منطقة حرب، لهذا تقول إنها كثيرًا ما تضطر لترك الكاميرا والمُشاركة في القتال، كما تعبر عن رغبتها الشديدة في اقتحام مدينة الرقة التي تتخذها داعش عاصمةً لها، لأنها تحتجز عددًا ضخمًا من «السبايا».
كيف تقبلت الأسرة قتالها ضد داعش؟
لم تخبر تايلور أسرتها بقرار السفر والمشاركة في الحرب حتى وصلت إلى أرض المعركة بالفعل.
يقول والدها، وهو مدرس سابق، إنه شعر بالضيق والقلق عندما علم بالأمر، لكنه يرى أن مطالبة ابنته بعدم متابعة حلمها يشبه أن يطلب منها التخلي عن جزء من جسدها، ويقول إنها فقط تريد تغيير هذا العالم المُنقسِم والمشحون بالاضطرابات، وهي رغبة مُشتركة بين جميع الناس، لكن «بينما نحن نحلُم ونتحدث فقط عن الأمر، قررت هي أن تأخذ خطوات فعليَّة، وهي فريدة لهذا السبب (...) نحن فخورون بها وبما تدافع عنه».
ربما تكون كيمبرلي تايلور أولى المتطوعات من النساء البريطانيات، لكنها غالبًا لن تكون الأخيرة مع تزايد أعداد المتطوعين من الأجانب، الأمر الذي يمكن تصوره بالنظر إلى حجم المكافآت التي يُعلنها تنظيم داعش جزاءً للقبض عليهم.
بالنسبة إلى تايلور وأهلها وكل من يحمل أفكارهم، فإن المعركة ضد داعش هي حرب في صف الإنسانية، ولن تُثنيهم التهديدات والأخطار عن خوضها إلى النهاية.
ترجمات