من أمريكا إلى ليبيا: قصة التحاق النساء بالجيوش

يحيى
نشر في 2016/11/16

ينقشع الغبار ببطء مع تساقط المطر، لكن حركة الخيل تعود لتثيره من جديد. يتحرك الجنرال بين الجثث. هؤلاء رجاله، كانوا رجاله، هرعوا إلى حتفهم حين ناداهم وطنهم. رغم طول ممارسته الحرب، لم يزل لا يقدر على تخيُّل ما آل إليه حالهم. الصخب الذي كانوا يُحدثونه، الزعيق خلال المقامرات، الإفراط في الشراب، الحديث عن النساء، كل شيء يستحيل موتًا في لحظة. جال بنظره بين الجثث، لكن جسدًا بذاته استوقفه. طلب من عريفٍ إلى جواره أن يعدِّل وضع الجثة. دفع الفضول جنودًا إلى التطلُّع للميت إذ يقلبه العريف على ظهره، فضربتهم المفاجأة جميعًا: لقد كان أنثى!

الحرب الأهلية الأمريكية

إنه العام 1864 بعد ميلاد المسيح، والحرب اﻷهلية اﻷمريكية في أوجها تشكِّل تلك البقعة من العالم الجديد، ودماء الشماليين والجنوبيين تتناثر على حد سواء. «إبراهام لينكولن» يشن حملة ضد الرِّق تتسبب في انفصال 11 ولاية جنوبية عن الاتحاد اﻷمريكي، ونشوب حرب قد تكون اﻷهم في تاريخ البلد الذي يحكم العالم في الوقت الحالي.

كوَّنت ولايات الجنوب المؤيدة للعبودية تحالفًا تحت قيادة «جيفرسون ديفيس»، الرئيس اﻷول واﻷخير للكونفدرالية اﻷمريكية. تفوَّقت ولايات الاتحاد الشمالي عددًا وعتادًا، لكن الجنوبيين حاربوا بشراسة ﻷربع سنوات قبل أن يُضطروا إلى الاستسلام عام 1865، بعد سقوط أكثر من 600 ألف قتيل من الجانبين، ليبدأ عصر اللارقيق في الولايات المتحدة، ويضع ذلك البلد قَدمًا، مترنِّحة لكن واثقة، على الطريق الذي سيجعله فيما بعد القوة العظمى الوحيدة في العالم.

لم تكن الحرب اﻷهلية خطوة نحو إنهاء العبودية في أمريكا فقط، بل أسهمت أيضًا في تغيير مفاهيم مواطني الولايات تجاه كثيرٍ مما اعتُبر مسلَّمًا به وقتها؛ مثل وضع النساء في الدرجة اﻷدنى.

لم تكن الحرب اﻷهلية خطوة نحو إنهاء العبودية في أمريكا فقط، بل أسهمت أيضًا في تغيير مفاهيم مواطني الولايات تجاه كثيرٍ مما اعتُبر مسلَّمًا به وقتها؛ مثل وضع النساء في الدرجة اﻷدنى. استطاعت المواطنات الأمريكيات بعدها انتزاع كثير من حقوقهن مع بداية القرن العشرين، وتوَّجن ذلك كله بالحصول على حق التصويت في الانتخابات مع حلول العام 1920.

قبل الحرب اﻷهلية، كانت المرأة في أمريكا تُجرَّد فور زواجها من كل ما تملك، وتؤول كل أموالها إلى زوجها ، وكذلك مُنعت من الاحتفاظ بأجرها عن أي عمل تؤديه، على تواضعه، كما لم يُسمح لها برفع دعوى أمام المحاكم أو توقيع أي عقود.

دعونا نخوض غمار الحرب يا آنسات

كان اندفاع النساء إلى المعركة، حتى وإن كُنَّ متخفيات في أزياء رجال، إرهاصة مبكرة للحركة النسوية في الولايات المتحدة. واجهت اﻷمريكيات المعتقَدات التي قيدتهن لعقود، قبل أن تواجهن اﻷعداء في الميدان.

يقدَّر عدد النساء اللاتي شاركن في الحرب اﻷهلية بين 400 و750 امرأة، معظمهن نجحن في العودة إلى الديار دون كشف أمرهن، فيما تم تسريح بعض من كُشفن، وواجهت القليلات عقوبات بالسجن أو التحويل إلى مؤسسات تأهيلية.

وعلى غير ما يمكن أن يُتوقَّع، لم تخُض المرأة الحرب لدوافع مختلفة عن الرجال. بالطبع يتقلص دور اﻹحصائيات هنا إلى حد كبير، فنحن نتحدث عن 150 عامًا خلت، لكن من تحدثن أقررن بأنهن إنما دفعتهن الحاجة للمال أولًا،؛إذ كان المجند يتقاضى 152 دولارًا أمريكيًّا عند الالتحاق بالخدمة، إضافة إلى 13 دولارًا راتبًا شهريًّا.

بعض النساء قررن الذهاب للحرب تعطُّشًا للمغامرة، أو تحمُّسًا للقضية والوطن، أو حتى ﻷنها لم تطِق الابتعاد عن زوجها أو خطيبها أو رفيقها الذي التحق بالجيش.

ووفقًا لكتاب «لقد قاتلن كالشياطين: المجندات في الحرب اﻷهلية»، فإن المرأة كانت تتقاضى ما بين أربعة إلى عشرة دولارات في الشهر نظير عملها في رعاية اﻷطفال أو الخدمة في المنازل أو الطبخ. بعض النساء قررن الذهاب للحرب تعطُّشًا للمغامرة، أو تحمُّسًا للقضية والوطن، أو حتى ﻷنها لم تطِق الابتعاد عن زوجها أو خطيبها أو رفيقها الذي التحق بالجيش.

تقول «سارة إدموندز سيلي»، جندي المشاة المعروفة كذلك باسم «فرانكلين فلينت تومسون»: «أحمد الله أني كنت حرة وبإمكاني فعل ذلك، بدلًا من الجلوس في المنزل والنحيب فقط».

سارة إدموندس سيلي: اﻷنثى الوحيدة في منظمة المحاربين القدامى

كان المزارع الكندي «إدموندسون سيلي» يأمل في ابن ذكر يساعده في عمله بالحقل، لكن زوجته عوضًا عن ذلك وضعت أنثى وأسمتها «سارة». استاء «سيلي» للغاية وعامل ابنته بطريقة فظة ورتَّب لتزويجها لدى بلوغها، فهربت إلى الولايات المتحدة متنكرة في زيِّ رجل تحت اسم «فرانكلين إدموندس»، وعملت بائعًا متجولًا للأناجيل. ذاع صيتها وخُدع الناس في تنكرها، فاستمرأت ذلك وقررت الالتحاق بالجيش طمعًا في الراتب المغري.

منذ مايو 1861، تنقلت «سارة» بين وظائف عدة مع جيش الاتحاد في الشمال، فعملت في توصيل البريد وأدت مهمات تجسس خلف خطوط العدو، وكذلك ساعدت طاقم التمريض في نقل أجساد القتلى والجرحى، لكن «لحظتها الخاصة» أتت في معركة ويليامز، إذ تعرضت مع فرقتها ﻹطلاق نار كثيف وتساقَط الجنود من حولها صرعى، فالتقطت أقرب سلاح إليها بجسارة وفتحت النار على اﻷعداء. نجت «سارة»، لكنها تعرضت ﻹصابة شديدة في نهاية العام خلال نقلها بعض اﻷوامر من القيادة للصفوف اﻷمامية. سقط حصانها في حفرة وكُسرت ساقها وعانت من إصابات داخلية، وهو السبب المباشر في حصولها على معاش بعد الحرب.

في ربيع 1863، مرضت بالملاريا في وﻻية كنتاكي فطلبت إجازة، لكن رؤساءها لم يوافقوا، ولم ترغب هي في تلقي العلاج في الجيش كيلا يُعرف أنها امرأة، فقررت أن تهرب واعتُبرت «فارَّة من الجندية» وعُمِّمت أوصافها على دوائر الشرطة، لكنها تخلت عن تنكرها وعادت فتاة من جديد، وعملت في التمريض حتى نهاية الحرب، حين قررت أن تنشر مذكراتها في كتاب حمل اسم «ممرضة وجاسوسة في جيش الاتحاد»، تبرعت بأرباحه إلى منظمات مساعدة الجنود الناجين من الحرب.

اعترفت منظمة المحاربين القدامى اﻷمريكية بها عضوًا، العضو اﻷنثى الوحيد ضمن منظمة لم تضم قبلها سوى الرجال.

بعد انتهاء الحرب اﻷهلية بأحد عشر عامًا، حضرت «سارة إدموندس سيلي» (Sarah Edmonds Seelye) حفلًا للمِّ شمل فرقتها، وهناك احتفى بها زملاؤها السابقون بحرارة، وساعدوها في محو تهمة الفرار من الجنديَّة من سجلها الحربي، كما دعموا حقها في المعاش حتى حصلت عليه. وفي العام 1897، وقبل أن تفارق الحياة بسنة واحدة، اعترفت منظمة المحاربين القدامى اﻷمريكية بها عضوًا، العضو اﻷنثى الوحيد ضمن منظمة لم تضم قبلها سوى الرجال.

سارة إدموندس سيلي

لوريتا فالزكيز: «فعلتُ ما ظننت أنه الصواب»

في كتابها «نساء في المعركة»، تروي «لوريتا جانيتا فالزكيز» (Loreta Janeta Velazquez)، التي حملت رتبة ملازم في الجيش اﻷمريكي باسم «هاري بافورد»، كيف قلب القرار الذي اتخذته بالهروب مع حبيبها ضابط الجيش حياتها رأسًا على عقب. تنكرت في زيِّ رجل ووضعت شاربًا ولحية مستعارَيْن، وتحولت هي اﻷخرى إلى ضابط مع قوات الجنوب، ثم كوَّنت فرقة من المشاة المتطوعين بنفسها، ورحلت بعد ذلك إلى الشمال لتتجسس لحساب الجنوبيين في واشنطن العاصمة.

لم تُرضِ الجاسوسية طموحات «لوريتا»، فعادت لولاية تينيسي وتقدمت الصفوف وقاتلت بشراسة حتى جُرحت قدمها. وخوفًا من انكشاف أمرها إذا خضعت للعلاج في الجيش، رجعت وهي لا تزال في زي الرجال إلى موطنها في ولاية نيو أورليانز، حيث أُلقي القبض عليها بعد الشك في تجسسها لصالح الاتحاد الشمالي. ولدى خضوعها للاستجواب افتضح كونها امرأة، فتم تسريحها من الجيش وإطلاق سراحها. وفور حدوث ذلك سافرت إلى ولاية تينيسي، لتلتقي صدفة بالفرقة التي كوَّنتها من المتطوعين، وتخوض معهم قتالًا عنيفًا في إبريل 1862، كتب نهاية رحلتها مع الحرب، إذ تلقَّت شظية في جانبها وكشف طبيب الفرقة أمرها، فقررت أنها اكتفت من الصفوف اﻷمامية، وعادت إلى نيو أورليانز لتضع نفسها تحت تصرف الجيش الجنوبي للعمل جاسوسة، وهناك التقت النقيب «توماس دي كالب» وتزوجته، لكنه مات بعد زواجهما بفترة وجيزة.

بعد الحرب، تزوجت «لوريتا فالزكيز» مرتين، وأنجبت طفلًا من زواجها الثاني، ثم قررت أن تنشر مذكراتها بدافع العوز للمال، اﻷمر الذي فجَّر عاصفة ما بين تأييد ومعارضة، وصلت إلى وصف بعض قادة الجيش ما روته في كتابها بأنه «محض خيال»، لكنها لم تبالي، وانتقلت إلى ولاية نيفادا لتتزوج مرة رابعة وأخيرة، وتموت موتةً عادية في عام 1897.

طلبت حين حضرها الموت أن يحكم الناس عليها بنزاهة، ﻷنها فعلت فقط ما ظنت أنه الصواب.

لا يزال كثيرون يشككون في محتويات مذكراتها، بل وفي تاريخ وفاتها كذلك، لكن مقربين منها أكدوا أنها طلبت حين حضرها الموت أن يحكم الناس عليها بنزاهة، ﻷنها فعلت فقط ما ظنت أنه الصواب.

لوريتا فالزكيز في هيأتها الأنثوية (يمين)، ومتنكرة كمجند (يسار)

سارة روزيتا ويكمان: «لا أشعر بالخوف من خوض المعركة»

لم تستطع «سارة روزيتا ويكمان» (Sarah Rosetta Wakeman)، اﻷخت الكبرى لثمانية أشقاء ضمن عائلة نيويوركية فقيرة، أن تقاوم الإغراء حين أخبرها أحد الجنود بالراتب الذي يحصل عليه في الجيش.

كانت «سارة» قد خرجت من بيت والديها متنكرة في ملابس رجل في أغسطس من العام 1862 وعمرها 19 عامًا؛إذ لم تكن لديها رغبة في الزواج، ورأت أن والدها المزارع المديون دائمًا، يعاني ما يكفيه كي يطعم العشرة أفواه التي يضمها بيته، وأنها لن تستطيع تقديم المساعدة إذا بقيت لتشتغل في أعمال النساء. سرعان ما التحقت بالعمل على بارجة تعمل بالفحم، وبعد رحلتها اﻷولى، قابلت أحد أفراد الفوج 153 من جيش الشمال في طريقه للعاصمة، ولم تستغرق وقتًا لتقبل العرض.

لم تقع «سارة» إثر رصاصة أو شظية، بل قضى عليها اﻹسهال.

خدمت الفتاة الشابة في أماكن كثيرة لعامين دون أن تتعرض مباشرةً للحرب، عندما تم إرسالها مع فرقتها إلى ولاية لويزيانا، حيث تحتَّم عليها أن تقطع مئات الكيلومترات خلال مناطق تمتلئ بالمستنقعات، دون طعام كافٍ أو مياه للشرب. شاهدت رفاقها يسقطون ضحايا المرض، لكنها قاومت مع مَن تبقى حتى وصلت في إبريل 1864. وفي لويزيانا، وقفت كتفًا بكتف مع رجال الفرقة، ودحروا الجنوبيين في ستِّ معارك. لم تقع «سارة» إثر رصاصة أو شظية، بل قضى عليها اﻹسهال.

خلال العامين اللذين قضتهما في التنقل، كانت ترسل أخبارها باستمرار إلى أهلها في خطابات مُفصَّلة. وعلى عكس كتاب «لوريتا فالزكيز» الذي هوجم بشراسة، اعتُبرت تلك الخطابات توثيقًا مهمًّا لمشاركات النساء في الحرب اﻷهلية لمَّا نشرها أهلها بعد وفاتها؛ إذ كانت تشير بدقة إلى ما يجري في المعارك التي خاضتها وتحركات الجيش، كما وصفت فيها اضطرارها إلى تبادل السباب والحديث الفظ وأنخاب الشراب، كي تحافظ على التقمُّص اﻷفضل لشخصية الرجل.

لم يذكر التاريخ ما حدث بعد وفاة «سارة روزيتا ويكمان»، ولا نعرف كيف استقبل زملاؤها خبر أن المجند «لينوس ويكمان» كان فتاة، لكننا نعلم أنها أصيبت بإسهال شديد في بدايات مايو 1864، فنُقلت الفتاة ذات الـ21 عامًا إلى نيو أورليانز، لكنها فارقت الحياة منتصف يونيو، ودُفنت باسمها الرجالي.

في واحد من خطاباتها إلى أسرتها، قالت إنها لا تعلم يقينًا متى سيتم الدفع بها إلى القتال، لكنها لا تبالي ولا تشعر بالخوف من خوض المعركة.

سارة روزيتا ويكمان

چيني هودچرز: حاربت كرجل.. عاشت كرجل.. وماتت كذلك

كانت «چيني هودچرز» (Jennie Hodgers)، أو المجند «ألبرت كاشير»، غير اجتماعية واﻷقصر ضمن الفوج، لكن زملاءها رغم ذلك اعتبروها «جنديًّا مخلصًا».

انضمت الفتاة في سن الثالثة عشرة إلى «جيش تينيسي» التابع للشمال، الذي خاض أكثر من 40 معركة، أُسِرت في إحداها وسُجنت، لكنها نجحت في الهروب بعد دحر سجَّانها دون سلاح. كانت شرسة للغاية وقاتلت بعنف مع أفراد الفوج التابعة له، حتى تم تسريحه مع فوز اتحاد الشمال في 1865، لكن قصتها الحقيقية بدأت عقب انتهاء الحرب، حين عادت إلى ولاية إلينوي.

من بين مئات النساء اللائي شاركن في الحرب اﻷهلية اﻷمريكية متخفيات في ملابس رجال، «چيني» هي الوحيدة التي واصلت الحياة كرجل.

من بين مئات النساء اللائي شاركن في الحرب اﻷهلية اﻷمريكية متخفيات في ملابس رجال، «چيني» هي الوحيدة التي واصلت الحياة كرجل. نجحت في خداع الناس حولها وكسبت احترامهم، وتنقلت في وظائف تنوعت بين الفِلاحة والحراسة وتغيير مصابيح الشوارع، وحتى دفن الموتى، كما تقاضت معاشًا حربيًّا ومارست حقوق الرجال بالتصويت في الانتخابات، لكن هُويتها كُشفت رغمًا عنها حين صدمتها سيارة بعد انتهاء الحرب بخمسة وأربعين سنة.

كسرت السيارة رجلها ونُقلت إلى المستشفى، ولحسن حظها وافق اﻷطباء على إبقاء جنسها سرًّا، وأرسلوها إلى دار رعاية قدامى المحربين. كان عمرها قد صار 70 عامًا وأصابها الخرف، فنصحت الدار بتسكينها مستشفًى للأمراض النفسية، حيث اكتشفت الممرضات أنها أنثى وأرغموها على ارتداء فستان، ووقتها تسرب الخبر إلى الصحافة وانكشف السر على الملأ. فوجئ كثير من رفاق سلاحها القدامى، لكنهم سرعان ما أعلنوا دعمهم حقها في تلقي المعاش والعلاج على نفقة الحكومة.

ماتت «چيني هودچرز» في 1915، ودُفنت في ردائها الحربي تحت شاهدٍ للضريح يحمل اسم المجند ألبرت كاشير، لكن الحكومة اﻷمريكية أضافت شاهدًا ثانيًا في سبعينات القرن العشرين فوق القبر باسمها اﻷنثوي.

چيني هودچرز (يمين) مع قيادي في كتيبتها خلال الحرب

 لكل مجتهدٍ نصيب.. ولو بعد 77  عامًا

النساء فعلن، وعانين كالرجال وعثاء الطريق وطول السفر، وقتلتهن اﻷمراض في عصر كان الاستحمام فيه رفاهية.

في كتابهما «لقد قاتلن كالشياطين»، وثَّق المؤرخان «دي آن بلانتون» و«لاورين كوك» نحو 250 قصة لسيدات خدمن في صفوف جيشي الاتحاد والكونفدرالية متخفيات في أزياء رجال، ليحصلن على وضع أفضل في عصر شَيَّأ المرأة إلى أقصى درجة. لم يكن الرجال وحدهم مَن حملوا السلاح ووضعوا حيواتهم داخل فوَّهات بنادقهم وأطلقوها دون تردد، فالنساء فعلن، وعانين كالرجال وعثاء الطريق وطول السفر، وقتلتهن اﻷمراض في عصر كان الاستحمام فيه رفاهية ، وفوق ذلك كله غامرن بافتضاح أمرهن وما قد يترتب عليه.

أما اليوم، فقد سُمح للنسوة بالالتحاق بالجيش اﻷمريكي ليصبحن مقاتلات في عام 1943، بعد سبعة عقود من انتهاء الحرب اﻷهلية، حين أسس القانون رقم 554 الفيلق النسائي المساعد وفرقة الاحتياطي البحري النسائية، وشاركت السيدات بقوة في إنزال نورماندي خلال الحرب العالمية الثانية، وأُسرت بعضهن وقضين أعوامًا في سجون اليابان.

بشكل عام، قُتلت نحو 35 ألف امرأة في الحرب، 16 منهن خلال اشتباكات، وحصلت 1500 على ميداليات بعد انتهائها.

مجندتان أمريكيتان في العراق (2007)

وعلى الجانب اﻵخر من العالم..

تُلحِق أغلب جيوش المنطقة العربية السيدات باﻷعمال اﻹدارية والتمريض، غير أن بعض الدول خالفت النمط المعتاد وسمحت لهن بالتدرُّب على القتال.

في اﻹمارات، فتح الشيخ زايد آل نهيان الباب واسعًا أمام الفتيات للانضمام إلى القوات المسلحة، بإنشاء مدرسة «خولة بنت اﻷزوَر» العسكرية، ما أثمر أخيرًا عن الرائد طيَّار مريم المنصوري، التي شاركت في قصف معاقل تنظيم «داعش» خلال معارك «عاصفة الحزم» باليمن، لتكون اﻷنثى العربية اﻷولى التي تقود طائرة حربية، كما يشجِّع القانون اﻹماراتي البنات بين 18 و30 عامًا على التجنيد لمدة تسعة أشهر، بشرط موافقة ذويهن.

أما اﻷردن فتسمح لهن، باﻹضافة إلى المهام المعتادة لدى الجيوش العربية اﻷخرى، بالعمل ضابطات في الشرطة العسكرية، وكذلك ضمن وحدة الحراسة الملكية والمخابرات العسكرية.

اﻷرجح أن العقيد الليبي كان فقط يحب إحاطة نفسه بالنساء.

وتحدث العالم أجمعين عن حارسات معمر القذافي، اللائي كان يختارهن بنفسه ويفضلهن على الرجال، وأسمتهن وسائل اﻹعلام الغربية «الراهبات الثوريات» و«حارسات اﻷمازون». وقيل إنه اختار نساءً لحراسته ثقةً في أن مقاتلًا عربيًّا لن يصوب سلاحه تجاه امرأة، لكن اﻷرجح أن العقيد الليبي كان فقط يحب إحاطة نفسه بالنساء. وكانت هؤلاء تتلقين تدريبات خاصة ورواتب عالية، لكن بعد الثورة ادَّعت تقارير نشرتها صحف عالمية، أبرزها «واشنطن بوست» و«سي إن إن» و«جارديان»، أن بعض الحارسات اشتكين علنًا من تعرضهن للاغتصاب والاستغلال الجنسي، من قِبَل القذافي وأبنائه وحاشيته.

القذافي مع راهباته الثوريات

 

مواضيع مشابهة