افتح عينيك: دعوة للحديث عن الهوية الجنسية بدلًا من تجاهلها

فريق منشور
نشر في 2017/01/31

بعد ملف الانتحار في نوفمبر 2016، تناولنا في «منشور» طَوَال شهر يناير ملف الهوية الجنسية، رغبةً منا في طرق أبواب مهمة تتجنبها وسائل الإعلام العربية عادةً؛ خوفًا من المحظور تارة، وتنكُّرًا للواقع تارة أخرى.

لطالما تعاملت مجتمعاتنا العربية مع القضايا المتعلقة بالجنس بريبةٍ وتوجس، رغم أننا، كسائر البشر، كائنات تمارس الجنس، ولنا اهتماماتنا وأفكارنا ووجهات نظرنا المتعددة تجاهه، لكننا نفضل أن نجعل ذلك داخل غرف النوم الموصدة، أما طرحه للنقاش العام فيُشعرنا بالتوتر والضيق؛ لأننا لا نجيد التعامل مع النقاش العام بشأن الجنس.

التطرق للهوية الجندرية والهوية والميول الجنسية أمر شائك، خصوصًا في ظل عدم وجود تعريفات عربية واضحة لهذه العوالم، فاستكمالًا لمسلسل التجاهل والتظاهر بعدم الوجود، أتى جُلُّ تناولها في الأدبيَّات الغربية. لذا، ومع إتمامنا لهذا الملف، وجدنا أنه من المناسب أن نضع خلاصة الأفكار والتعريفات التي تطرقنا لها في موضوع واحد.

تعريفات أساسية

  1. الميل الجنسي (Sexual Orientation): انجذاب المرء نحو الآخرين، وهو إما أن يكون مغايرًا جنسيًّا (منجذب للجنس الآخر)، أو مثليًّا جنسيًّا (منجذب لنفس الجنس)، أو مزدوجًا جنسيًّا (منجذب للجنسين). هذا التعريف يأخذ بعين الاعتبار إيقانه بثنائية الجنس، ولا يطبَّق عند إدخال مفاهيم عدم الانتماء لثنائية الجنس (أي ألا يكون المرء رجلًا أو امرأة).

  2. الهوية الجنسية (Gender Identity): شعور المرء الداخلي الراسخ بمن يكون، بصفته كائنًا يحمل جنسًا ما، أو نوع الجنس الذي يشعر المرء بالانتماء إليه.

  3. تطبيع المغايرة (Heteronormativity): الاعتقاد بانتماء الناس لجنسين متقابلين ومتكاملين (رجل وامرأة)، وأن المغايرة الجنسية (انجذابهما لبعضهما خلافًا) هو الوضع الطبيعي الوحيد، وأن العلاقات الجنسية والتزاوجية لا تتم إلا بين رجل وامرأة.

  4. الامتياز التفضيلي (Privilege): هو حق خاص، ميزة خاصة، حَصَانة تُعطى لشخص أو مجموعة دون غيرهم؛ عادةً بسبب النظرة الفوقية غير المبررة والسلطة التاريخية لهذه المجموعة على غيرها في المجتمع، أو لمجرد أكثريتها فيه. الأمثلة تتضمن: الامتياز التفضيلي لبيض البشرة، الامتياز التفضيلي للسُّنة في دول أغلبيتها سُنِّية، الامتياز التفضيلي لمغايري الجنسي في شتى المجتمعات.

  5. النظام الأبوي (Patriarchy): الاعتقاد بفوقية الرجال للنساء بطبيعتهم، ونشأت هذه الأيديولوجية تاريخيًّا نتيجة تطور المجتمع الزراعي، الذي قسَّم وظائف المجتمع بين الرجل والمرأة. أتت الديانات الإبراهيمية والأنظمة السلطوية لتؤكد هذا الفكر، وهو ما أدى للقمع الذي تواجهه النساء في الزمن الحالي.

شعار مجتمع الـ(LGBTQI)

قد يعجبك أيضًا: رفض النظام الأبوي: تقاطعات بين المثلية والنسوية

وتعرِّف الجمعية الأمريكية للطب النفسي «APA» التصنيفات المختلفة للميول الجنسية (+LGBTQ) كالآتي:

  1. مغايرو الجنس (Heterosexual): الأشخاص المعتادون على الانجذاب العاطفي/الجنسي إلى الجنس المغاير لهم، مثل انجذاب الرجل للمرأة والمرأة للرجل.
  2. مثليو الجنس (Homosexual): الأشخاص المعتادون على الانجذاب العاطفي/الجنسي إلى الجنس المماثل لهم. ويُطلق على الرجل المنجذب للرجل (Gay)، أما المرأة المنجذبة للمرأة فتسمى (Lesbian)، لكن كليهما في العربية يُدعى «مثليَّ الجنس».
  3. مزدوجو الجنس (Bisexual): الأشخاص المعتادون على الانجذاب العاطفي/الجنسي لكلا الجنسين.
  4. متحولو الجنس (Transgender): الأشخاص الذين لا يشعرون بتطابق بين هويتهم الجنسية والأعضاء الجنسية التي وُلدوا بها.
  5. أحرار الجنس (Gender Queer): الأشخاص الذين لا يصنفون أنفسهم وفقًا للهوية الجنسية ولا وفقًا للأعضاء الجنسية التي وُلدوا بها، ويرفضون التصنيف ضمن جنس الذكور أو الإناث.
  6. ثنائيو الجنس (Intersex): الأشخاص الذين يجمعون بين الأعضاء التناسلية الذكرية والأنثوية في جسد واحد منذ الولادة.

بينما يضيف موقع TSER أو (Trans Student Educational Resources)، المعني بقضايا مجتمع الميم (LGBTQI)، عدة تعريفات أخرى، من بينها:

  1. الموافقون جنسهم (Cisgender): الأشخاص المولودون بهوية جنسية تماثل ما عليه أجسادهم، وهذا يشمل كل رجل وُلد بأعضاء ذكرية وله ميول تنسجم مع أعضائه، سواءً كان ينجذب للذكور أو الإناث، وكذلك كل امرأة مولودة بأعضاء أنثى ولها ميول توافق جسدها.
  2. جامعيو الجنس (Pansexual): الأشخاص الذين بمقدورهم الانجذاب عاطفيًّا/جنسيًّا لأيٍّ من الذكر والأنثى.
  3. اللاجنسيون (Asexual): الأشخاص الذين لا يشعرون بانجذاب جنسي على الإطلاق.

ما هو  «مجتمع الميم»؟ ولماذا يشعر المثليون بالحاجة للائتلاف؟

مثليون من منظمة «الفاتحة» الداعمة لمسلمي مجتمع الميم في أمريكا

من المرجَّح أنك سمعت مصطلح (LGBTQI) في يوم ما، وهو مختصر يرمز للمثليين والمثليات/المزدوجين والمزدوجات/المتحولين والمتحولات/المتسائلين والمتسائلات (الذين لم يستقروا على ميولهم الجنسية بعد)، أو ما نطلق عليه بالعربية اختصارًا «مجتمع الميم»، وهو مصطلح مستحدث آتٍ من كون جميع مسميات الهويات الجنسية المختلفة التي يشكلها المجتمع تبدأ بحرف الميم.

مجتمع الميم يضم جميع الأطياف المختلفة من الميول الجنسية المثلية والجماعات الداعمة لها، من مؤسسات نفعية لصالح حقوق المثليين، أو منظمات خيرية تسعى لنشر الوعي حول المثليين وهويتهم، ويضم كذلك أفرادًا ينشطون في مجال الحراك المثلي، ويشتركون مع المؤسسات النفعية والمنظمات في تنظيم حملات حقوقية، أو تمثيل الأقلية المثلية سياسيًّا في قطاعات الدولة المختلفة عندما يتطلب الأمر.

يشعر المثليون بضرورة البقاء مع نظرائهم؛ بسبب كونهم أقلية في مجتمعات تتشكل الأغلبية فيها من مغايري الجنس أو المتشددين الدينيين، الذين قد يصل بهم التطرف في نبذ المثليين إلى رفض وجودهم ضمن حدود مناطقهم السكنية.

وفي هذه الحالة، كلما ازدادت أعداد الجموع المؤيدة للمثلية الجنسية وحقوقها المدنية، امتلكت الأقلية فرصة أفضل في إيصال مطالبها للسلطات وأجهزة الدولة إذا دعت الحاجة لذلك، لذا فهم يشكلون تجمعات على نطاق المدن والمنظمات الحقوقية الإنسانية، تأخذ أيضًا شكل مجاميع صغيرة ضمن مراكز التعليم والجامعات.

وبدأت المجتمعات المثلية في السنوات الأخيرة تحصد دعمًا من الحكومات والمجتمعات دوليًّا، إلا أن الوضع ليس كذلك في منطقة الشرق الأوسط؛ إذ تُدين جميع الدول العربية المجتمعات المثلية، لهذا توجد بشكل سري ويعيش أفرادها في رعب مستمر من أن يتم اكتشاف مثليتهم، وبالتالي مواجهة عقوبات جنائية تصل إلى التعذيب والإذلال والإعدام، أو ممارسات إقصائية من المجتمع وأقرب المقربين.

صراع المثليين في العالم العربي

مدرسة «طلائع النور» السعودية قبل وبعد إرغامها على إزالة ألوان قوس قزح - الصورة: The Observers

في مجتمعات تفتخر بفحولة الذكر وتفرض سيادته على معظم شؤون الحياة، فإن مثلية الرجل تُعتبر انتقاصًا من رجولته، وتشويهًا لشخصية الذكر الشرقي المخوَّل له التصرف نيابةً عن كل من في بيته، لذلك فإن الفكرة بأكملها تخرق الأعراف السائدة والتقاليد المجتمعية، ويتم وصم العلاقات المثلية بالعار على هذا الأساس، والانتقام من المثليين بانتهاك حقوقهم وإلحاق التهم والعقوبات بهم.

في السعودية مثلًا، غرَّمت السلطات مدرسة خاصة مبلغًا قيمته 100 ألف ريال (ما يعادل 26,665 دولار أمريكي) بسبب وضعها ألوان قوس قزح على سطح البناية، فقط لأنه «شعار المثليين»،، بالإضافة إلى سجن أحد أعضاء إدارة المدرسة بتهمة التهاون في المجاهرة بشعار المثلية، كما وصفتها «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».

وفي بعض أجزاء العراق وسوريا الخاضعة لسيطرة داعش، يُعاقَب المثليون الذكور بالإلقاء من علوٍّ شاهق، وفي حال لم يمت المُدان فإنه يُرجم بالحجارة حتى الموت.

وذكرت صحيفة «الغارديان» البريطانية أن العقوبات ضد المتهمين المثليين في العالم العربي قد تتخطى الغرامات المالية إلى مراحل أسوأ من ذلك بكثير في حالات المجاهرة بالمثلية.

وتصل العقوبات في الدول التي تشرِّع قوانين لتجريم المثلية؛ مثل الجزائر والبحرين والكويت ولبنان وليبيا والمغرب وعمان وقطر والصومال وتونس وسوريا، قد تصل إلى السجن لمدة عشر سنوات، أما الدول التي لا تشرِّع قوانين مخصوصة لتجريم المثلية، فإن الأقلية المثلية فيها لا تزال مُعرَّضة للإدانة تحت قوانين أخرى، كما يحصل مع قانون حظر «ممارسة الفجور» في مصر.

اقرأ أيضًا: الأبعاد السياسية لاستهداف المثليين في مصر

وتشبِّه هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) مقاربة الدول العربية اليوم لقضية المثليين بأسلوب تعامل المجتمعات الأوروبية مع مثليي الجنس في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، إذ سيطر الحماس الديني على مفهوم الأدوار الجنسية، وأُعدم كل من أُدين بتهم المثلية، في الوقت الذي ساد فيه التسامح مع الغير والتساهل مع المثلية الجنسية في العصر الذهبي للإسلام (منذ منتصف القرن الثامن إلى القرن الثالث عشر).

لكن الاستعمار الأجنبي (منذ 1858) غير كل شيء، عندما فرض معايير الحشمة وأدخل قوانين إدانة المثليين إلى الدول التي كانت تحت وصايته، بدءًا من الدولة العثمانية وانتهاءً بالهند وباكستان وبنغلاديش، بعدما تم إقرار قانون العقوبات الهندي الذي يجرم المثلية الجنسية بشكل رسمي عام 1860.

 مستقبل المثلية في الدول العربية


بسبب تفشي ظاهرة رهاب المثلية (الهوموفوبيا) في كافة أرجاء الوطن العربي، فإن أفراد المجتمع المثلي يواجهون تحديات عديدة في ظل أنظمة دولهم التي لا تعترف بوجودهم محليًّا، ولا حتى مجتمعيًّا على نطاق الأهل والأقارب، فالمثلي معرض للطرد من المنزل في حالة الاعتراف بمثليته لوالديه، أو الإقصاء من قبل الأصدقاء وزملاء العمل، أو الإجبار على الخضوع لعلاج نفسي «للشفاء من المثلية».

لهذا تلجأ غالبية المنظمات الحقوقية الناشطة في الدول العربية لتوعية البلدان المُضطهِدة عبر المطالبة باحتضان المثليين وتعزيز حقوقهم المدنية، كونها جزءًا من حقوقهم الإنسانية بصفتهم مواطنين يعيشون على أرض الوطن، وبالتالي لهم الحق في عيش حياة كريمة على الأقل.

أصدرت محكمة لبنانية حكمًا باعتبار المثلية «ممارسة لحق طبيعي، وليست جريمة جزائية».

وعلى الرغم من تضييق الخناق على حرية المثليين علنًا؛ بالاستمرار في عدم الاعتراف بهوياتهم الجنسية، أو التقليل من شأنهم باعتبارهم مذنبين أو مرضى نفسيين، إلا أنه وفقًا لموقع «فورين بوليسي» (Foreign Policy)، أصبح أفراد الجيل الجديد من المثليين قادرين، بفضل الإنترنت، على التعبير عن هوياتهم الجنسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإن كان ذلك عبر أسماء مستعارة، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للتعرف على أفراد آخرين من مجتمع الميم.

ويؤكد الموقع أن ظهور المنصات في الوطن العربي أتاح الفرصة لمشاركة القصص ضمن المجتمع المثلي والأفراد الداعمين تدريجيًّا، حتى يصل المثليون لمرحلة التحدث عن قضاياهم علنًا.

«تضامنًا مع الميم المسلمين» - الصورة: Youtube

وظهرت بعض جهود التوعية بحقوق المثليين على الساحة أيضًا، كما تفعل جمعية «حلم» اللبنانية، التي نشطت من بيروت قبل عشرة أعوام بهدف تحسين الأوضاع الاجتماعية والقانونية للمثليين في لبنان.

لربما تكون جهود النشطاء قد أثمرت أخيرًا بزيادة الوعي الاجتماعي لتقبل المثليين في لبنان، إذ أصدرت محكمة المتن، في الـ26 من يناير 2017، حكمًا باعتبار المثلية «ممارسة لحق طبيعي، وليست جريمة جزائية»، في قضية كانت مرفوعة ضد«متهم بالمثلية الجنسية»، وهو القرار غير المسبوق في المنطقة العربية؛ كونه يساهم في تحريك قضية «مجتمع الميم» على الساحة المحلية والإقليمية، بعدما تعمدت الدول العربية دفنها تحت التراب طويلًا.

وفي منطقة المغرب العربي ودول شمال إفريقيا، ظهرت مجلتان هما «Gayday» و«أصوات»، اللتان تسعيان لتكونا منبرًا إعلاميًّا لصوت الأقليات الجنسية المتنوعة في العالم العربي.

أما مجلة «MayKali» الأردنية التي تأسست عام 2007 فتُعنى بالتخفيف من وصمة العار التي فرضها المجتمع على أفراد المجتمع المثلي، ومن رهاب المثلية والتحول الجنسي، بتنفيذ عدة أنشطة في عمَّان بحضور السفير الأمريكي. ورغم أنها واجهت ردود أفعال سلبية من الرأي العام، إلا أنها تعتزم الاستمرار على نفس الطريق.

ما اكتشفناه بالبحث عن التعريفات والممارسات والهويات والصناديق

جدارية في رام الله - «الكوير» مصطلح يضم كل الأقليات الجنسية - الصورة: Gay Falasteni

الممارسات المثلية كانت موجودة على مر التاريخ، ولم تتأثر بسببها «مؤسسة الأسرة».

هناك سعي دائم لوضع الممارسات الجنسية في إطار الهوية، بكل ما تحمله الهوية من حسم لمفاهيم قد تكون في بعض الأحيان متغيرة؛ كالتفضيل الجنسي للإنسان، وقد تطرقنا إلى هذا في تساؤلنا عما إذا كانت المثلية، على سبيل المثال، سلوكًا أم هوية. والحقيقة أن الأمرين محتملان؛ فهناك من يجدها سلوكًا يناسبه، يمارسها كما يمارس المغايرة في الجنس، وهو ما يرى بعض الناس ضرورة تصنيفه على أنه ثنائي الجنس أو «بايسكشوال».

إن المرء ليس مضطرًّا لوضع نفسه داخل حدود صناديق التعريفات التي يضعها الآخرون، خصوصًا في أشد الأمور خصوصية وحميمية كالجنس، فهو أمر يخص الشخص ولا يخص غيره، ولن تجدي الوصاية نفعًا في محاولة منع الناس من ممارسة حياتهم بشكل يرونه طبيعيًّا، حتى إن كنتَ لا تراه كذلك.

ربما يقول بعض الناس إن هذه الهويات الجنسية «المستحدثة» تسهم في إضعاف مؤسسة الأسرة، وبالتالي إضعاف المجتمع، وهو أمر تنقصه الدقة، إذ عرضنا خلال تناولنا للملف أن الممارسات المثلية، مثلًا، كانت موجودة على مر التاريخ ولم تتأثر «مؤسسة الأسرة» سلبًا بها، بل إن بعض تلك الممارسات كانت واجبًا اجتماعيًّا في عدد من المجتمعات، وعرضنا كذلك الممارسات المثلية في التاريخ العربي والإسلامي على مر العصور، من خلال تناولنا المثلية المسكوت عنها في الخليج.

في أثناء بحثنا، وجدنا أنفسنا أمام أسئلة كثيرة، وكان علينا أن نُسائل قناعاتنا الشخصية وموروثاتنا نفسها. تساءلنا مثلًا: ما الذي يعنيه اﻻعتقاد بأن يمارس الرجل دور المرأة في العلاقة الجنسية؟ ماذا نقصد أصلًا بـ«دور المرأة» في العلاقة الجنسية؟ ففي الواقع، طالما تصرَّف المجتمع العربي كما لو أن ﻻ دور للمرأة في العلاقة على الإطلاق، هي مجرد مفعول به، وطالما اعتبر المجتمع هذا «المفعول به» في درجة أدنى، وأن هذا «الفعل» الذي يُفعل به هو فعل مُهين.

عندما كنا بصدد اختيار عنوان: «الدنيا أخذ وعطا» على سبيل المثال، وجدنا أنفسنا نتساءل إن كان مزدوجو الجنس سيعتبرونه إهانةً لهم؛ ﻷننا تربينا على أن «الأخذ»، أو ما يُعادل «المفعول به» في العلاقة الجنسية، هو شيء مهين بالضرورة، حتى أنه يُستخدم في البلدان العربية، وحتى الغربية، كرد فعل غاضب في المشاجرات، وله إشارة معروفة وشائعة في معظم الدول العربية والأجنبية، هي إشارة الإصبع.

كل هذا يضعنا أمام أسئلة جوهرية عن رؤيتنا للجنس باعتباره فعلًا مُهينًا تُستمد منه الإيماءات والعبارات «الفاحشة»، رغم أننا نمارسه مع ذلك على نحوٍ طبيعي، ورغم أن الأشخاص أنفسهم يعودون ليستخدموا الجنس في مواضع أخرى للدلالة على «الفحولة» و«الرجولة»، ويعتبرون ثمرة الممارسة الجنسية، الأبناء، «فخرًا» و«عزوة»، رغم أنها ناتجة عن ذلك الفعل الفاحش، «الأخذ»، نفسه، الذي يتضمن «مفعولًا به».

إن البحث والحديث في هذا الأمر لا يزال في بدايته في مجتمعاتنا العربية، وبالنسبة لنا في «منشور»، فإن ملف الهوية الجنسية هو بداية تناول ممتد سنواصل العمل عليه، في إطار سعينا للحديث بشكل مفتوح عن كل ما نشاهده ونعيشه في مجتمعاتنا دون خجل أو خوف أو تردد، انطلاقًا من إيماننا بضرورة طرق الأبواب المغلقة والحديث عنها بانفتاح وصراحة.

فريق منشور