هل يموت يوتيوب؟ نظرة لتطور صناعة محتوى الفيديو ومصير منصته الأشهر
«ماذا صنع يوتيوب مؤخرًا سوى محتوى مكررًا دون أي تجديد؟ هل مات يوتيوب لدينا؟ أم أنه في غيبوبة قد يفيق منها؟ كم أتمنى أن يكون السؤال الأخير هو الأقرب إلى الصحة، وكم أتمنى أن تكون الإفاقة قريبة، خصوصًا بعد ظهور منافسين أشد شراسةً واهتمامًا بالمنطقة ومواهبها، مثل مواقع نتفليكس وهولو وأمازون».
هذا ما كتبه فهد البتيري، أحد أوائل صُنَّاع الكوميديا في السعودية، في مقال له في صحيفة «مكة»، وهو كلام مثير للانتباه، فما الذي يدفع أحد رواد صناعة المحتوى العربي على يوتيوب إلى التوقف عن العمل على برنامجه الشهير والناجح «لا يكثر»، والتساؤل بشأن موت موقع يوتيوب؟
منذ انطلاقته عام 2005، أخذ يوتيوب مستخدمي الإنترنت في نقلة نوعية إلى عالم صناعة المحتوى، ومنحهم مساحة هائلة لرفع وأرشفة الفيديو، لكن خلال 12 عامًا منذ نشأته حتى 2017، ما الذي تغير في يوتيوب؟ كيف طوَّر من عمله؟ لماذا صار متهمًا بأنه بيئة طاردة؟
يوتيوب: نجم صناعة المحتوى
على مدونة يوتيوب لمطوري ومهندسي البرامج، افتُتح المقال الرئيسي بعبارة «نفهم قوة الفيديو في حكي القصة»، وعلى هذا المبدأ قفز يوتيوب إلى مقدمة المواقع التي توفر خاصية نشر الفيديو، مثل Vimeo وDailyMotion، إذ يمكن لأي شخص، فقط بإنشاء حساب على الموقع، أن يرفع العدد الذي يريده من مقاطع الفيديو ولمدد طويلة مجانًا.
في عام 2005 كانت هذه فكرة رائعة ومذهلة، ولا تُسهم فقط في رفع محتوًى موجود، بل وصناعة محتوًى جديد. هرع كثيرون لخلق محتواهم الخاص، فصار يوتيوب بديلًا عن التليفزيون، والإنتاج الشخصي بديلًا عن ما تصنعه المدن الإعلامية.
لم تكن المنطقة العربية استثناءً، فقد تهافتت المواهب على إنشاء قاعدتها الجماهيرية، وتابعت الجماهير بشغف ما لا يمكن للإعلام التقليدي إنتاجه، سوق مربحة وكبيرة. يذكر فهد البتيري لـ«منشور» أن «المشاهدات بين عامي 2012 و2013 وصلت إلى 90 مليون يوميًّا في السعودية فقط».
بالتجول في قنوات يوتيوب الكبرى في الخليج، وهي المنطقة التي تُعتبر سوقًا مهمة للموقع، وبمقارنة ما ذكره فهد مع الأرقام الحالية للقنوات، نجد أن برنامج «سوار شعيب» من إنتاج شركة «بالمخبة»، الذي يحصد أعلى المشاهدات، يصل إلى 10 ملايين مشاهدة في الأسبوع فقط.
يلاحظ المراقب لأرقام مشاهدات أهم القنوات على يوتيوب في الخليج ذلك الهبوط التي يتحدث عنه البتيري، فما الذي يحصل هناك؟
قد يهمك أيضًا: كيف يمكن للإنترنت أن يُحدث ثورة حقيقية في حياتنا؟
النجم يخفُت: هل ينتهي يوتيوب؟
انتقد فهد البتيري، في مقاله سالف الذكر، سياسة يوتيوب التي تؤدي إلى خسارته أمام المنصات الاجتماعية الأخرى لصناعة المحتوى. ويرى البتيري أن ظهور مواقع التواصل وتوفيرها إمكانية صناعة مقاطع فيديو ذات مدد أقل ساهم في سرعة انتشارها، وصعَّب على يوتيوب مجاراتها، واضطره إلى دعم الفلوج (مقاطع فيديو ينتجها المستخدمون لحكي أنشطة حياتهم اليومية) وصُنَّاع المقالب ومقاطع تعليم الماكياج، ممَّا أسهم في انحدار مستوى القنوات.
وبسؤال البتيري عمَّا كتب عن انحدار مستوى القنوات قال: «في الشرق الأوسط هناك العديد من الشركات التي تسحب إعلاناتها، بسبب رداءة المحتوى ووجود طابع عنصري وقلة ذوق في كثير من المحتوى الرائج، لا يتناسب مع سياسات هذه الشركات في ما يتعلق بإدارة علاماتها التجارية».
يضيف الشاب في مقاله ما يدعم الرأي نفسه، إذ يشير إلى أن «القائمين على موقع يوتيوب في الشرق الأوسط بدؤوا يشعرون بانسحاب كثير من أصحاب القنوات ذات المشاهدات العالية في الآونة الأخيرة، خصوصًا في ظل الاهتمام الشديد من منصات رقمية أخرى تدعم المحتوى المرئي بمشاهدات عالية، مثل فيس بوك وإنستغرام وسناب شات وحتى تويتر، فاعتمدوا مشروع إنشاء مركز YouTube Space بمدينة الاستوديوهات في دبي، لدعم صُنَّاع المحتوى بما يحتاجونه من معدات ومواقع تصوير وغير ذلك».
يوضح فهد أن هذه التجربة ليست الأولى من نوعها في تاريخ يوتيوب، بل هو «المركز العاشر عالميًّا، بعد لوس أنجلوس ولندن وطوكيو ونيويورك وساو باولو وبرلين وباريس ومومباي وتورونتو».
من الحديث مع البتيري يمكن لنا أن نرى أنه لا يجد في المنصات الأخرى منافسًا رئيسيًّا ليوتيوب، والسبب في رأيه أنها توفر صيغًا مختلفة للمحتوى (فيديو وصور ونصوص)، بالإضافة إلى قيود المدد المحددة للمواد المرفوعة. يرى فهد أن المنصات التي تنافس يوتيوب الآن فعليًّا هي أمازون وهولو وبرايم ونتفليكس وفيميو.
الهروب الكبير: يوتيوب يلفظ قوته
يقول فهد البتيري إن الضغط الذي بات يوتيوب يضعه على مستخدميه لإنتاج محتوى يومي في ظل وجود عائد مادي غير مجزٍ، دفع العديد من صناع المحتوى المؤثرين إلى هجره لمنصات أخرى، حتى تلك التقليدية مثل الراديو والتليفزيون.
لكن كيف يمارس يوتيوب ذلك الضغط؟
يصنِّف الموقع المحتوى لديه ليعرضه على المشاهِد بحسب معدل إنتاج صانعه، فإن كان صانع المحتوى ينتج بكثافة عالية يوميًّا، ترشح خوارزميات يوتيوب إنتاجه بشكل أكثر كثافة للمشاهِد، وهو ما نراه على يوتيوب تحت مسمى Recommended Video (فيديو مرشح)، ممَّا يضع المنتجين الجادين الذين يبذلون جهدًا ووقتًا لإنتاج مقاطع الفيديو في زاوية صعبة.
يشير فهد في مقاله إلى «اختفاء كثير من رواد يوتيوب في الولايات المتحدة، أمثال Ray William Johnson وCasey Neistat، بالإضافة إلى صاحب أشهر قناة يوتيوب في العالم، PewDiePie. السبب الرئيسي الذي ذكره كلٌّ منهم للتخلي عن التسجيل اليومي على قنواتهم هو الإجهاد وصعوبة الاستمرار على الوتيرة ذاتها، وبعضهم ذكر محدودية الفرص والملل».
يقول محرر التكنولوجيا في مجلة «Crave»، «بول تمبورو»، في مقال عنوانه «هل يموت يوتيوب؟»، إن يوتيوب بسياساته في التشديد على الإنتاج اليومي أصبح بيئة طاردة تصعِّب من عمل صُنَّاع المحتوى الجيد، بينما تشجع المراهقين الذين لا يقدمون محتوًى جيدًا، مطالبًا الشركة بالاستماع إلى الصُّنَّاع وما يحتاجونه.
يتكرر هذا في المنطقة العربية، فبعد أن اتجه «اليوتيوبر» السعودي بدر صالح، صاحب البرنامج الساخر «إيش اللي» وعَصَب قناة وشركة «يوتيرن» السعودية، إلى التليفزيون عن طريق برنامج «الليلة مع بدر صالح» على قناة «MBC»، إذ به يعلن بشكل رسمي أنه لن يعود إلى يوتيوب.
كانت الأسباب التي أعلنها بدر أنه أحبَّ العمل التليفزيوني أكثر، وأنه أراد التوقف عن «الضحك على الناس» في برنامجه على يوتيوب، ويريد أن يضحك معهم في برنامجه التليفزيوني.
قد يهمك أيضًا: فلسفة النكتة: كيف يضحك السعوديون؟
بالإضافة إلى «إيش اللي» و«لا يكثر»، توقف برنامج «خمبلة» الكوميدي السعودي عن إنتاج حلقات جديدة. هذه البرامج التي كانت تحقق ملايين المشاهدات، لماذا عساها تتوقف ويتوجه أصحابها إلى التليفزيون أو السينما؟
البقاء للأسرع: ﻷن الجمهور ﻻ يحتمل أكثر من 10 ثوانٍ
أصبح نَفَس الناس قصيرًا، وباتوا يريدون المحتوى الأكثر إيجازًا والأكثر سرعة.
كان مهمًّا أن نحصل على رأي من الجانب الآخر، فتوجهنا إلى عبد الرزاق المطوع صاحب شركة «غالية» للسوشيال ميديا في الكويت، التي تعمل على إدارة حسابات الشركات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتنظم الإعلانات بين أصحابها ومشاهير السوشيال ميديا.
يمكن لزائر «غالية» أن يلاحظ جدية وسرعة هذا النوع من الأعمال: انشغال الموظفين وسرعة حركتهم، والمكاتب المفتوحة التي تسهل التعاون بينهم، وأعمارهم الشابة المتقاربة. كل شيء سريع، فلم يكن مدهشًا أن يقول عبد الرزاق إن «يوتيوب لم يستطع مجاراة سرعة الزمن»، ورغم ما تحمله العبارة من مجاز إلا أنه قصدها حرفيًّا.
يؤكد الشاب الكويتي أن «نَفَس الناس أصبح قصيرًا، وباتوا يريدون المحتوى الأكثر إيجازًا والأكثر سرعة. سناب شات يوفر 10 ثوانٍ فقط للفيديو الواحد، ومع هذا نجد كثيرين يضغطون على Skip للانتقال إلى المقطع الذي يليه قبل أن تنتهي الثواني العشرة، وهذا ما لم يتمكن يوتيوب من اللحاق به، بغض النظر عن المحتوى الذي يقدمه».
يذكر المطوع أن محتوى تعليم الماكياج الذي تنتجه الفتاة الكويتية المتخصصة في التجميل، فوز الفهد، التي يتابعها آلاف الأشخاص، يحقق أرقامًا أقل بكثير على يوتيوب منها على سناب شات، ممَّا حدا ببعض الشركات إلى وضع إعلاناتها على سناب شات بدلًا من يوتيوب، فصارت صناعة فيديو ورفعه على يوتيوب، مهما كانت جودته عالية، غير مجزية أمام تصوير بسيط وتفاعل أكبر على سناب شات.
يرى عبد الرزاق أن التواصل الإنساني المباشر الذي توفره هذه المواقع هو ما سحب البساط من يوتيوب، فالجمهور على سناب شات أو إنستغرام أو تويتر يخاطب صاحب المحتوى مباشرةً، ويرى الرد في نفس اللحظة.
هذا التواصل الإنساني المفقود في يوتيوب، والجماهير التي تحب أن تشعر بالقرب من المشاهير، وتريد أن تتناقش معها أو حتى توجه السباب إليها، لا تلبيه خانة تعليقات يوتيوب ذات الوتيرة البطيئة مقارنةً بوسائل التواصل الأخرى.
رؤية ضبابية
حاول «منشور» التواصل مع يوتيوب لمعرفة خطط الموقع لتفادي السقوط أمام المنصات الجديدة، لكن لم يصلنا الرد حتى الآن.
رغم ذلك، من الواضح أن القائمين على الموقع، في العالم العربي على الأقل، يحاولون إنعاش صناعة المحتوى، فقد نظمت الشركة مهرجانًا لـ«اليوتيوبرز» في مارس 2017 في جدة، كما أعلنت بدء خدمة YouTube TV، التي تنقل البث المباشر للقنوات الشهيرة مقابل اشتراك مادي، في محاولة على ما يبدو لمجاراة المنصات الأخرى مثل نتفليكس.
يمكن أن يعود يوتيوب إلى المنافسة فقط لو تغيرت سياساته جذريًّا.
أما YouTube Space، الذي أشار إليه البتيري في مقاله، فقد أُعلن عن افتتاحه في دبي في 2016، على أن يبدأ العمل في الربع الثاني من 2017، من أجل «إعداد المواهب وبناء الكفاءات، وتحفيز الشباب المبدعين وتجهيزهم بالأدوات والمَرَافق المناسبة، وتطوير محتوى قوي وجذاب انطلاقًا من مدينة دبي للاستوديوهات»، بحسب ما أكده مالك آل مالك، الرئيس التنفيذي لمجمعات «TECOM» للأعمال التي تدير مدينة دبي للاستوديوهات.
يرى عبد الرزاق المطوع أن يوتيوب لن ينتهي، لكن وهجه سيخفت مثل الصحف الورقية والتليفزيون، أما فهد البتيري فيتوقع أن يوتيوب، إن بقي على حاله، سيتحول إلى منصة أرشفة للمحتوى المرئي لا أكثر، «مع تضييق السياسات المتعلقة بالمحتوى المهين للذوق العام للإبقاء على المعلنين».
اقرأ أيضًا: أجهزة الفيديو تنقرض.. احتضن أشرطتك وابكِ
كيف يعود يوتيوب إلى المنافسة؟ يرى البتيري أن ذلك لن يتحقق إلا لو تغيرت سياسات الموقع جذريًّا، كأن «يُسخِّر إنتاجًا ضخمًا لصناعة مسلسلات حصرية»، مشيرًا إلى أن منصة YouTube Red، التي أطلقتها الشركة لإنتاج الأفلام القصيرة ومقاطع الفيديو، فشلت لعدم تنفيذها محتوًى ترفيهيًّا حقيقيًّا، ولأنها لم تُحدث أي منافسة حقيقية في سوق المحتوى المرئي.
شيخة البهاويد