خيال علمي بطابع فيكتوري: ماذا تعرف عن «Steampunk»؟
في الأغلب لن يكون الأمر غريبًا عليك تمامًا، فربما تكون قد شاهدت نمط «ستيم بانك» (Steampunk) في أحد الأفلام أو المسلسلات التليفزيونية، بطابعه المميز في الأزياء الفيكتورية والأوروبية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، مع كثير من الإكسسوارات النحاسية بدرجتيها الصفراء والحمراء، والتروس والبراغي والأنابيب المفرَّغة، وصمامات البخار وعدادات الضغط.
البداية
لم يُستدل في أي مصدر معرفي على بدايات ربط هذا المصطلح بذلك النوع من الفن تحديدًا، لكنه على الأرجح وُلد في ثمانينات القرن العشرين مع بدايات تسمية الفنون بمصطلح (Punk)؛ أي شائع ومنتشر.
قبل ذلك، كان هذا الفن مجرد درب من دروب الخيال العلمي غير المصنف فئويًّا، لكن يمكننا القول إن اسم (Steampunk) اشتُقَّ من المصطلح الإنجليزي (Steam)؛ أي «بُخار».
انطلقت تلك الحركة أو الشغف بالتزامن مع بزوغ أدب الخيال العلمي والثورة الصناعية في أوروبا، عندما بدأت الآلات التي تدار بالبخار في الانتشار، وعندما تخيل الأديب الفرنسي الكبير «جول فيرن» (Jules Verne) كيف سيكون المستقبل، في رواياته ذات الرؤية التطلعية العميقة التي شكَّلت في أذهان العالم صورة الزمن الآتي؛ بدايةً من الغواصات العملاقة وحتى خطوات البشر الأولى على سطح القمر.
وقتها، اعتبر العالم صيحات الأناقة في أوروبا «الثائرة صناعيًّا»، خصوصًا في إنجلترا، هي الرائدة؛ لذا قرروا أنها لن تتغير كثيرًا أو تندثر. وعليه، التصقت الأزياء فيكتورية الطابع للأبد بتلك الحركة أو الفن، وصار من الصعب أن تفكر في شيء له طابع «ستيم بانك» دون أن تتخيل تلك الملابس.
قد يهمك أيضًا: كيف ينظر رائد تصوير «السوبر موديل» إلى الموضة وقضايا النسوية؟
من الأدب إلى السينما
بعدما بدأ العالم في التغير دون أن يتخذ الطابع الذي تخيله الأدباء فيما يخص التقدم العلمي، شعر كثير من الحالمين بالحنين إلى الماضي، إلى ذلك المزيج بين الرُّقي الفيكتوري والنظرة المستقبلية الكلاسيكية، الخالية من الأطباق الطائرة وأسلحة الليزر وبِدَل الفضاء اللامعة وغيرها من أغراض الخيال العلمي العادي.
مدفوعين بهذا السبب، بدأ بعض صُنَّاع خيال الفن السابع خلال الخمسينات والستينات في إلباس قصص الخيال العلمي طابع «ستيم بانك»؛ آملين أن يعطي هذا لأعمالهم بعض التميز والكلاسيكية.
وهكذا ظهرت أفلام مثل «20 ألف فرسخ تحت سطح البحر» (20,000 Leagues Under the Sea)، المأخوذ عن رواية «جول فيرن» الأكثر شهرة، التي تتجلى فيها التكنولوجيا على هيئة غواصة عملاقة تصل إلى أعماق في البحر لم يكن لبشر أن يصل إليها حتى يومنا هذا، وبعدها شقَّت روايات «فيرن» طريقها إلى الشاشة؛ مثل فيلم «الجزيرة الغامضة» (Mysterious Island) عام 1961.
ولاقت تلك الأفلام رواجًا واضحًا، وساعدت على نشر ذلك النوع من الخيال العلمي المليء بالمناطيد البخارية وآلات الزمن والوحوش الميكانيكية.
لم يلقَ أغلب أفلام «ستيم بانك» النجاح الأدبي المرجو، وربما أسهمت الأرباح المادية في استمرار إنتاجها.
ومع إقبال شريحة كبيرة من المشاهدين على نوع آخر من الأفلام؛ مثل «الويسترن» التي تستعرض قصصًا من الغرب الأمريكي، كلها خيول ورصاص متطاير وأشرار ذوي وجوه جامدة قاسية، صارت المنافسة أصعب، وتراجع هذا النوع من الأفلام حتى فترة الثمانينات، أو يمكننا القول حتى كَبُر جيل آخر من صُنَّاع الفن، تربى على أعمال «فيرن» العظيمة وأراد أن يُحيي هذا الفن ثانية.
اقرأ أيضًا: مسلسل «Westworld» يثير التساؤل: هل نعيش في واقع افتراضي؟
أفلام بطابع «ستيم بانك»
إليك مساعدة بسيطة لو أردت تمييز أفلام «ستيم بانك»: إذا رأيت أي أجهزة أو آلات أو أسلحة ذات فكرة حديثة لا تناسب فيلمًا يدور في القرون الثلاثة الأخيرة قبل زمن ظهوره الحقيقي، سيكون الفيلم من تلك الفئة بلا نقاش.
هل تذكر أحد أشهر ما قدمت السينما الأمريكية؛ فيلم (Wild Wild West)، من بطولة «ويل سميث» (Will Smith) و«كيفن كلاين» (Kevin Kline)؟ ذلك الفيلم المليء بالآلات والاختراعات الخيالية المبهرة التي لا تناسب القرن الثامن عشر نهائيًّا؛ مثل العنكبون الميكانيكي الضخم والقطار المجهز بالأسلحة والفخاخ الآلية؟ إنه «ستيم بانك».
ومن الأفلام الشهيرة أيضًا في تلك الفئة (The League of Extraordinary Gentlemen)، الذي أدى دور البطولة فيه النجم «شون كونري» (Sean Connery)، وضم شخصيات خيالية من عدة أعمال أدبية شهيرة في القرنين الماضيين، وامتلأ بالاختراعات الحديثة بالنسبة لزمن الفيلم.
لم يلقَ أغلب أفلام «ستيم بانك» النجاح الأدبي المرجو، وربما أسهمت الأرباح المادية المتوسطة في استمرار إنتاجها، وهنا قائمة بأشهر أفلام «ستيم بانك» وأهمها.
ومن الطريف أن النجم الأمريكي «ويل سميث»، ولإيمانه بهذا النوع من الأفلام، رفض بطولة فيلم أسطوري شهير كي يمثل (Wild Wild West)، لكن الأرقام و التقييمات أثبتت خطأه فيما بعد، فالدور الذي رفضه كان (Neo) في الملحمة الشهيرة (The Matrix).
وموسيقى كذلك
كما حدث واندمجت موسيقى «الكانتري» (Country Music) مع أفلام الغرب الأمريكي، ظهرت على استحياء في ثمانينات وتسعينات القرن العشرين فرق تعزف موسيقى شبيهة بموسيقى «الفولك روك» (Folk Rock) الأوروبية، المنتشرة في أيرلندا واسكتلندا ودول شمال القارة، لكن بشكل مختلف عن المحتوى الأصلي؛ مثل فريق (Thin Lizzy)، وسرعان ما اندمجت مع نمط «ستيم بانك»، أو يمكننا القول إنها ناسبته بشكل أو بآخر.
بعد ذلك، صنَّف العديد من الموسيقيين في مختلف دول العالم أعمالهم على أنها «ستيم بانك» بمعناه الصريح؛ مثل فريق (Abney Park) الأمريكي، الذي كان أول من صنَّف نفسه كذلك.
ومع ازدياد قاعدة الشغوفين بهذا الفن ظهر موقع «موسيقى ستيم بانك»؛ أحد أهم المصادر التي تؤرشف لذلك النوع من الموسيقى ذي طابع «الفولك»، ويمكنك من خلاله التعرف على قوائم أشهر الأغنيات والفرق التي تقدمها.
قد يعجبك أيضًا: حكايات ذاتية جدًّا: عمار الشريعي.. وآخرون
أزياء ومهرجانات
في السنوات العشر الأخيرة، بدأ الكثير من عشاق تلك الحركة/الفن مراقبة المهرجانات الشهيرة على استحياء، وكذلك المؤتمرات ذات طابع الأزياء التنكرية؛ مثل (Comic-con) الذي يقام سنويًّا في سان دييجو بولاية كاليفورنيا الأمريكية.
حاول متابعو محبو «ستيم بانك» الاندماج في المهرجان؛ لكنهم شعروا بعدم الانتماء عندما أبدى بعض أعضاء مدونة (Cosplay) استياءهم من ظهور (Cosplayers)، أي أشخاص متنكرين في شكل شخصياتهم المفضلة، آتين من عالم «ستيم بانك» الذي لا ينتمي لعوالم شخصياتهم الأسطورية وأبطالهم الخارقين، وقالوا إنهم بحاجة إلى مهرجاناتهم الخاصة ومؤتمراتهم كاملة الطابع.
لذا، ظهر أحد أوائل مؤتمرات «ستيم بانك» عام 2006 في الولايات المتحدة باسم (SalonCon)، برعاية الكاتبة «ديبرا كاستيلانو» (Deborah Castellano).
تَلَتْ ذلك مؤتمرات عدة في إنجلترا وأمريكا؛ مثل (Steamcon) الذي توقف لأسباب اقتصادية عام 2014، و(Steampunk World's Fair)، ثم بعدها، ومنذ عام 2012 تقريبًا، خصص المؤتمر الأشهر (Comic-con) في سان دييغو قسمًا ثابتًا لعشاق «ستيم بانك»، الذين استمروا في التخطيط لإقامة مؤتمراتهم الخاصة؛ للتفرد عن عالم الأبطال الخارقين الذي يحتل (Comic-con) بالكامل تقريبًا.
بالتأكيد نستطيع القول إن «ستيم بانك» صار جزءًا كبيرًا من الثقافات الفنية في العالم الغربي، وزاد توغله كذلك في الأدب، وهذه قائمة بأشهر كتب وروايات «ستيم بانك».
وقد يكون أحد أهم أسباب انتشار «ستيم بانك» هو امتزاجه مع الأدب والسينما والموسيقى، وأيضًا «النوستالجيا» (الحنين إلى الماضي)، الذي يرون فيه العالم بنظرة غير متكلفة تقترب من الرومانسية، وبعيدة عن الصخب الذي يملأ المستقبل في عقول الآخرين.
ولم أعثر في العالم العربي، بعد بحث مُطوَّل، على أي موسيقي ينتهج هذا النوع، إلا أن العازفة البريطانية «مارينا بيرج» (Marina Berg) لعبت قطعة موسيقية بطابع «مصري»، ويمكنك التعرُّف على موسيقاها عبر صفحتها في موقع «إمبراطورية ستيم بانك».
جمال النشار