مزيج مغربي مزركش: «بنت الصحرواي» تغني لله على كل المذاهب
إذا كنت تستخدم يوتيوب لاستكشاف موسيقى جديدة، فإن الصورة هي أول عامل قد يجذبك للضغط على الأغنية أو المقطوعة الموسيقية التي تظهر لك في الاقتراحات. لم أكن أعرف «أُم» ولا كنت سمعت عنها ولا منها قبل أن تظهر لي على الموقع ضمن مقاطع الفيديو المقترحة، صورة لوجه صحراوي وشعر مزركش بالزينة والألوان.
أم الغيث بنت الصحراوي، التي كانت كغيرها من المراهقات في تسعينيات القرن العشرين تستمع إلى الموسيقى الأمريكية والهيب هوب التي تنقلها القنوات الفضائية، حتى جذبتها موسيقى الـ«Soul» والـ«Gospel» لتنضم إلى جوقة مسيحية في مراكش وتبدأ حياتها الفنية.
لم تكن بنت الصحراوي تعرف حينها أنها ستصبح مطربة، بل كانت تطمح إلى أن تكون معمارية، لذلك التحقت في عام 1996 بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية في الرباط، وبدأت في ذلك الوقت الغناء بشكل علني، فكانت تؤدي أعمالًا لـ«أريثا فرانكلين» و «إيلا فيتزجيرالد» و«ويتني هيوستن».
«الحمد لله»: الإسلام وموسيقى الجوسبيل
كان ضربًا من الجنون أن تُصدر «أُم» أغنية دينية إسلامية بموسيقى الترانس، وتستخدم أسلوب غناء كنسي، وترقص على هذه الأغنية في الحفلات.
«أنا أحب الإسلام، وأريد أن أغني للإسلام، ولكني أريد أن أغني بطريقتي».
- «أُم» في حوار مع نادية كيوان، أستاذة علم الاجتماع في جامعة أبردين الإسكتلندية.
أرادت «أُم» أن تطور تجربتها التي مرت بها مع الجوقة المسيحية، بعدما رأت كيف يمكن التعبير عن حب الرب بالغناء، لكن كانت هناك عقبة وحيدة بالنسبة إليها، هي كيف تغني لله وتعبِّر عن إيمانها بطريقتها هي دون أن تغير من مظهرها أو طريقتها في الغناء؟
خلال تلك الفترة في النصف الثاني من الألفينيات، كانت الموسيقى المغربية تشهد حالة من الفوران والصعود، كانت لا تزال تتحسس طريقها إلى العالمية، لكن لم يكن هناك كثير من الفتيات في المشهد الموسيقي المغربي، كان ضربًا من الجنون أن تصدر مطربة شابة أغنية دينية إسلامية بموسيقى الترانس، بل وتستخدم أسلوب الغناء الكنسي للأفارقة الأمريكيين الجوسبيل في أداء الأغنية، والأكثر من ذلك أن تظهر عارية الكتفين وترقص على هذه الأغنية في الحفلات.
قد يعجبك أيضًا: الإنشاد الصوفي في المغرب العربي: تضرُّع إلى الله عبر الموسيقى
أصدرت «أُم» أغنية «الحمدلله» الدينية، لكنها كانت أغنية دينية بأسلوب «أُم» المسلمة التي تعلمت الغناء وممارسته في جوقة مسيحية. تقول «أُم» عن هذه الأغنية: «الحمدلله هي تعبير عن حبي للحياة والخلق».
موسيقى بروح مغربية
لم تحاول «أُم» أن تضيف بعدًا مغربيًّا لأغنية «Aji» إلا في الجزء الأخير بإيقاعات الجناوة، لتبدو كأغنية منفصلة عن الأغنية الأساسية.
تضع بنت الصحراوي نفسها طيلة الوقت في خانة الموسيقى التقليدية المغربية، وهو أمر غريب لأن موسيقاها مزيج من أنواع مختلفة من الموسيقى، فنجدها مثلًا تقدم في أغنية «Taragalte» من ألبوم «Soul of Morocco»، الذي صدر في عام 2015، موسيقى الجاز مع إيقاعات الجناوة.
تمزج «أُم» موسيقى الجاز والسول والجوسبيل بالإيقاعات الإفريقية والموسيقى الصوفية والمغربية، لذلك تقدم أشكالًا مختلفة من الموسيقى، فمثلًا نجد في نفس الألبوم أغنية «Whowa» التي تعتمد بشكل أساسي على أحد أساليب موسيقى الجاز، لتشكل شعورًا إيقاعيًّا لدى المستمع، ونلاحظ في هذه الأغنية أداءً مختلفًا في الغناء.
في نفس الألبوم نجد «Aji»، وهي أغنية يمكن تصنيف موسيقاها تحت قالب الـ«Bossa Nova»، القالب الموسيقي البرازيلي الذي تطور عن موسيقى الجاز. لم تحاول «أُم» أن تضيف بعدًا مغربيًّا للعمل، لا بأدائها الصوتي ولا بالإيقاعات المغربية، سوى في الجزء الأخير من الأغنية الذي اعتمدت فيه على إيقاعات الجناوة، فقدمته كأغنية صغيرة منفصلة عن الأغنية الأساسية.
اقرأ أيضًا: ليست أغانٍ، ليست أناشيد.. تسمع شيلات؟
تقول «أُم» في أحد حواراتها الصحفية إن هذا الألبوم ذو روح مغربية، يعبِّر عنها وعن تنوع ثقافتها، إذ تجد فيها الجذور والنكهات الإفريقية والعربية بالإضافة إلى نكهة بلدان البحر المتوسط.
«أُم» كوزموبوليتانية واضطراب وتجريب
حافظت «أُم» على صورتها التي تظهر بها في الحفلات والأغاني المصورة، وتعمل على تعزيز هذه الصورة كنوع من «البراندينج».
تعبِّر تجربة «أُم» في مجملها عن كوزموبوليتانية موسيقية عابرة للحدود، فهي تجربة لا يمكن نسبتها إلى ثقافة أو مجتمع معين، بل إنها نتاج مزيج من الثقافات العالمية المتنوعة، ولكنها تعبِّر بشكل كبير عن اضطراب ثقافي تعيشه المجتمعات العربية في الوقت الراهن.
يبدو هذا الاضطراب واضحًا في حالة التجريب المستمرة التي تعيشها «أُم»، فهي رغم تأثرها بالموسيقى الغربية العالمية التي تحاول جاهدةً أن تقدمها في أعمالها، تبدو مثل غيرها من الموسيقيين العرب الذين تأثروا بالموسيقى العالمية ويحاولون أن لا يفقدوا العنصر المحلي في تجاربهم الموسيقية، فيضطرون إلى إقحام عناصر موسيقية محلية حتى يكون هناك جذر محلي للتجربة.
قد ينتج عن هذا التجريب أعمال فنية جيدة، وقد ينتج عنها بطبيعة الحال مسخ موسيقي مشوه مطموس المعالم، لكن يبقى هذا الاضطراب واضحًا في التحول المستمر من لون إلى لون ومن قالب موسيقي إلى آخر، مع التمسك بالعناصر المحلية نفسها.
أثمرت تجربة بنت الصحراوي الموسيقية عن خمسة ألبومات كان آخرها «Zarabi» عام 2015، وأطلقت عددًا من الأغنيات المنفردة، لكن بعيدًا عن الإنتاج، أهم ما يميزها كتجربة فنية مستقلة إدراكها لطبيعة جمهور الإنترنت، فهي تستمر في تقديم صورة الفتاة الصحراوية المزركشة لجذب انتباه الناس، وتعرف جيدًا أهمية التسويق عند طرح أي منتج على جمهور الإنترنت، سواء كان المنتج فنيًّا أو استهلاكيًّا.
حافظت «أُم» على صورتها التي تظهر بها في الحفلات أو الأغاني المصورة، وتعمل على تعزيز هذه الصورة كنوع من «البراندينج» لنفسها كفنانة، ولمنتجها الفني، فقد حقق كليب أغنيتها «Taragalte» نحو أربعة ملايين مشاهدة على يوتيوب.
قد يهمك أيضًا: أصوات نسوية متمردة فوق مسرح الموسيقى المستقلة
بالطبع، بدون منتج فني جيد ما كانت «أُم» لتنجح في تحقيق أرقام مشاهدات تعتبر عالية كفنانة مستقلة، وهي تعلم جيدا أنه في عالم الإنترنت العين تشتري قبل أي شيء، وكل ما تحتاج إليه هو ضغطة من مستخدم يوتيوب الذي يتنقل بين اقتراحات الموقع.
إن إحدى أهم المشاكل التي تواجه الفن المستقل في المنطقة العربية هو عدم وجود إدارة تسويقية للمنتَج الجيد، واستطاعت «أُم» أن تتغلب على هذه المشكلة بالاستمرار في تعزيز صورتها كفتاة صحراوية متحررة، وتأكيد هذه الصورة بخلق مزيد من الصور المزركشة التي تجذب أعين المستخدمين، وتثير فضولهم لاستكشاف تلك الموسيقى المغلفة بكم كبير من الألوان والزينة الصحراوية.
أحمد بلال