ليست أغانٍ، ليست أناشيد.. تسمع شيلات؟

الصورة: فهد مطر

عمر علي
نشر في 2017/05/18

في مايو 2016، أصدر الديوان الملكي السعودي أمرًا بإنشاء «هيئة الترفيه»، التي تملك رخصة إقامة وتنظيم أنشطة فنية وثقافية وترفيهية، من ضمنها حفلات موسيقية لفنانين ومطربين سعوديين ومن الخارج.

قوبلت الخطوة ببعض الترحيب، خصوصًا لفتحها باب عودة حفلات المطربين السعوديين على مسارح المملكة، بعد أن قلَّت العروض الموسيقية خصوصًا منذ بداية تسعينيات القرن العشرين، وانصرف الفنانون والجمهور السعودي لإقامة وحضور الحفلات على مسارح ودور عرض الدول المجاورة، مثل البحرين الإمارات والكويت.

أعلنت الهيئة التزامها بالمعايير الأخلاقية للمجتمع السعودي في الأنشطة التي ستنظمها، ففي حفل الفنانَيْن السعوديَّيْن محمد عبده وراشد الماجد، سُمح بحضور الرجال فقط، كما لم يُسمح بمشاركة العازفات اللاتي لا يرتدين أغطية رأس في فرقة الموسيقار المصري عمر خيرت، ونفى المنظمون إمكانية تنظيم حفلات لمغنيات نساء مستقبلًا.

ورغم القيود التي فرضتها الهيئة على عروضها، لم تسلم من الانتقادات على مستويات واسعة من المجتمع ورجال الدين السعوديين، فشهدت مواقع التواصل الاجتماعي تدشين هاشتاج #جدة_تغرق_بمنكرات_الترفيه، وعلق مستخدموه بأنه من المخزي أن يشارك الجيش السعودي على جبهات القتال بينما يغرق المجتمع في «المعاصي» وحفلات الموسيقى.

كما صرح مفتي السعودية، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، بأن «أنشطة الهيئة لا خير فيها، وكلها ضرر ومفسدة للأخلاق ومدمرة للقيم».

اقرأ أيضًا: هل تُربك الثقافة المملكة؟ السعودية تصادر الكتب في الرياض وتعرض أفلامها في هوليوود

سيظن المتابع للشأن السعودي عدم إمكانية ظهور نوع موسيقي جديد في ظل ظروف مجتمعية ودينية كهذه، لكن، وبطريقة ما، تمكنت موسيقى «الشيلات» من الظهور والتطور وكسب شعبية جارفة بين شباب المملكة، وجذبت حتى المطربين التقليديين لأدائها، فكيف استطاعت «الشيلة» التوغل وحصد تلك الجماهيرية؟

تحايل الشيلات على الشريعة

شيلة «ياما عطينا»

يستغل المؤدون تباين الآراء الفقهية حول الشيلة للاستمرار في تقديمها وتطويرها.

تغلُّب الشيلة على المحاذير الدينية يُعد أكثر الأسباب تأثيرًا في انتشارها، إذ قدمت نفسها كبديل «حلال» للموسيقى، بالاستغناء عن المعازف والآلات بشكلها الصريح، واستخدام أصوات بشرية يعاد مزجها وتشكيلها بواسطة برامج صوتية، لتنتج في النهاية ما يشبه الموسيقى والإيقاع، يمكن للمؤدي السير عليها.

لم تكن محاولات الهروب تلك كافيةً لتجنب فتاوى التحريم، فاصطدمت الشيلة بآراء علماء الدين بشأن حكم الأصوات البشرية، وتباينت الآراء بين الحرمانية لأنها تقدم نفس الغرض الأساسي للموسيقى، ولِمَا فيها من تحايل على النصوص الشرعية، وبين الإباحة لعدم كفاية الأدلة، وعدم انطباق النص الديني على الصوت البشري المشابه للمعازف.

مع ذلك، لم تؤثر فتاوى التحريم على انتشار الشيلة في أوساط المجتمع السعودي، ولا يزال مؤدو الشيلات يستغلون تباين الآراء الفقهية للاستمرار في تقديم الشيلة وتطويرها، حتى أصبحت الحاضر الأساسي في المناسبات الاجتماعية، ومهربًا مناسبًا لهؤلاء الذين يرفضون الأغاني لحرمانيتها من وجهة نظرهم.

قد يهمك أيضًا: فن الوشم يشق طريقه من الأردن وسط محرمات العالم العربي

شعبوية الشيلة

شيلة «يا سعود العلي»

صِلة الشيلة باللهجات المحلية سهَّلت على الشعراء استخدام تعبيرات خفيفة أو ذات إطار كوميدي.

عماد الشيلة الأول والأهم هو الكلمة، أما باقي العناصر، من أداء الشيَّال واللحن والإيقاعات المصاحبة، فما هي إلا عوامل مساعدة. بالتأكيد قد ترفع أو تحط من شأن العمل، لكن الاهتمام الأكبر يكون بالقصيدة المنظومة، لذلك لا يحتاج المؤدي في كثير من الأحيان إلى ملحن أو موزع موسيقي، بل يقوم العمل بأكمله على الشاعر والمؤدي ومهندس الصوت التقني، الذي يقدم لحنًا بسيطًا كأرض ممتدة وممهدة لعبور الكلمات عليها.

الشعر النبطي بالتحديد، وهو الشعر المنظوم بلهجات أهل الخليج، هو الشكل الوحيد الذي يتبعه الشعراء، ولذلك تكون الكلمات أكثر قربًا للوعي الثقافي للمستمعين، وتشير بعض الآراء إلى أن عودة الشعر النبطي إلى الساحة أتت مع المسابقات التليفزيونية المخصصة للشعر النبطي، مثل «شاعر المليون».

تقول الروائية السعودية مي خالد في مقالها «تسمع شيلات؟»:

«الأغنية السعودية أرستقراطية، فأشهر شعرائها أمراء (...) مثل خالد الفيصل، وبدر بن عبد المحسن، وعبد الله الفيصل، والسامر، أو وُجَهاء مثل سعود الشربتلي، بينما شعراء الشيلات مواطنون بسطاء، وبعضهم من قدامى الشعراء في الجزيرة العربية ممَّن أوشكت قصائدهم أن تندثر دون توثيقها، وهذه وظيفة ثقافية عظيمة تقوم بها الشيلات لا الأغاني التي يتحكم فيها رأس المال وقنوات العرض».

الصلة الوطيدة بين الشيلة واللهجات البدوية المحلية جعلت من السهل على الشعراء استخدام تعبيرات ومصطلحات يومية خفيفة وسلسة أو ذات إطار كوميدي، فتقول شيلة «يا سعود العلي»، التي استُمع إليها على يوتيوب أكثر من 30 مليون مرة، في معاتبة الصديق الذي ذهب: «صدَّه ما عرفت أسبابه، واللي ما حسبت حسابه، غير رَجْمَه وواتسابه، وسنابه مع إنستجرامه».

قبَليَّة الشيلات

شيلة «رعد الشمال»

تشير الآراء المتداوَلة إلى أن انتشار الشيلات في السعودية بدأ في مهرجانات الإبل والبادية، وسط تواجد كبير للعائلات والقبائل، وبالتحديد في عام 2009، ومنها مهرجان الملك عبد العزيز المعروف باسم «مزاين الإبل»، وبات أساسيًّا الاعتماد على مؤدي الشيلات لإحياء مناسبات القبائل والعائلات، وكوسيلة للمدح والتفاخر.

ولهذا الغرض، لم يفوت فنانو الشيلات الفرصة لمبايعة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود مع بدء تدخل السعودية العسكري في اليمن، المعروف بـ«عاصفة الحزم».

شيلات ومهرجانات وراي.. ثورة الموسيقى الشعبية

مهرجان «مفيش صاحب يتصاحب»

لدى فن الشيلة العديد ليشاركه مع أنواع أخرى من الموسيقى الشعبية العربية المعاصرة، مثل المهرجانات في مصر، وتفرعات الراي المعاصر في الجزائر.

تشترك هذه الأنواع في التوقيت الذي ظهرت فيه، والتقنيات الموسيقية، واستخدام برامج تغيير الصوت مثل «الأوتو-تون»، وتأثيرها الطاغي على الساحة العربية والجماهيرية، وكذلك في الجدل الذي يدور حولها بين معارضة وتأييد، فعدوى الشيلات تسللت إلى الإمارات وقطر والعراق واليمن، مثلما تشربت الساحة العربية المهرجانات المصرية، وتشارك الفنانون المغربيون والجزائريون إنتاج موسيقى معاصرة لا تعترف بالحدود.

يتشابه تأثير القصائد في الشيلة السعودية وأثر الكلمات في الراي المعاصر والمهرجانات، فهل يمكن أن تنتج الشيلات موسيقى شعبية ذات صدى وانتشار عربي أوسع من دول الخليج؟

مواضيع مشابهة