لعبة «Inside»: التجوُّل في تجربة سينمائية مختلفة

أسامة يوسف
نشر في 2016/11/25

ما الذي يجعل شخصًا لا يهتم بألعاب الكمبيوتر يغرق في حب لعبة بسيطة ثنائية الأبعاد، لدرجة أن يُعيد لعبها من جديد بعد أن أنهاها؟ ليس لكي يستمتع بها فقط، بل ليخوض تجربتها النفسية مرة أخرى، وليعيد اكتشاف «مشاهد» منها بتأنٍ أكثر. هذه التجربة، التي دفعتني بعد الانتهاء منها لمكالمة صديقتي التي لعبتها قبلي؛ كي أشاركها «مشاعري» تجاه اللعبة وأتناقش معها بخصوص «الأسئلة» التي لديَّ عن مغزى أحداثها ونهايتها، هي تجربة تستحق الحكي، وتمنح Inside: Conspir4cy أبعادًا أكثر مما تحمله أية لعبة أخرى.

«ليمبو»: كابوس في عالمٍ من الموتى

لا يمكن الحديث عن Inside دون الحديث عن شقيقتها الكبرى Limbo. كلتاهما تُصنف على أنها لعبة ألغاز تقوم الشخصية الرئيسية بحلّها، لتُواصل رحلتها في عالمٍ ثنائي الأبعاد (الحركة لليمين واليسار وللأعلى والأسفل). Limbo التي أُطلقت عام 2010، هي أولى تجارب ستوديو Playdead الدنماركي للألعاب، الذي لم يقدم سوى لعبتي Limbo وInside. يمكنك تجربة اللعبتين على أجهزة الكمبيوتر العادية، أو أجهزة Play Station، وتتوفر Limbo أيضًا على متجر GooglePlay ومتجر iTunes.

لعبة Limbo، التي تدور في عوالم ما بعد الموت، وتقفز فيها على جثثٍ طافية على المياه كي لا تغرق، وتهرب من عناكب ضخمة تطاردك، وتغرق في ظلامٍ دامس تنقلب فيه الأرض رأسًا على عقب، وتحاول التعلق بما يُنجيك من الموت، ستمنحك في إحدى مراحلها الفرصة لكي تجري دون أية عقباتٍ أمامك، تواصل الضغط على زر الحركة ليواصل بطلك الركض، بينما يتسع الإطار ليشعرك بمدى ضآلتك، وبمدى طول الرحلة، وفي الوقت نفسه يزيح عن صدرك ثقل ضيق السواد المُحيط بك (أو بالبطل) طول اللعبة. تفاصيلٌ كهذه هي التي تمنح اللعبة بُعدها السينمائي، وهي التي تجعل منها تجربة مختلفة.

حصلت Limbo على ثناء العديد من المراجعات، التي قرنت إخراجها ورسومها بنوعية الأفلام التي تُسمى «فيلم نوار»، وهي التي تُصوَّر غالبًا باللونين الأبيض والأسود، وتدور هذه الأفلام حول جرائم وأبطالٍ ملعونين وأجواءٍ سوداوية. يتفق ذلك تمامًا مع طبيعة Limbo الكابوسية، وهو أيضًا ما منحها تميزًا بصريًا على صعيد المشاهد (frames) المرسومة بطريقتي السلويت والتحريك.

«إنسايد»: الثورة على الموتى الأحياء

لن يكون لديك الوقت للتوقف والتساؤل عن أسباب ما يحدث، فكر فيما تريد أن تفكر بينما تركض هربًا.

تمنحنا صفحة Limbo على كل متاجر بيعها هدفًا للعبة، لا توجد إشارة له في اللعبة نفسها سوى في مراحل متقدمة، وهو البحث في الحد الفاصل بين عالم الأحياء والموتى عن مصير شقيقة الشخصية الرئيسية، الفتى الصغير الذي ينهض من السُبات (أو الموت) في أولى مشاهد اللعبة لتبدأ رحلته، دون أية إشارة لأخته.

على العكس، لا يُخبرنا وصف Inside سوى بما سنمر به في اللعبة من أول لحظة فيها، «فتى وحيد ومطارَد في وسط مشروعٍ قاتم»، لا شيء عن نهايتها. تبدأ اللعبة بمشهدٍ يخرج فيه من بين شُجيراتٍ مُتسللًا، ويواصل التسلل خفيةً في معظم مراحل اللعبة.

هدفك في Inside هو النجاة فقط من هؤلاء الذين يحرسون المشروع الغامض، الذي تتضح معالمه شيئًا بعد شيء، دون أي تفسيرٍ للهدف من هذا المشروع أو لسبب تسلل الصبي إليه. ستجد نفسك منذ اللحظات الأولى متوحِّدًا مع الصبي، ستشعر بالخوف مثله وتهرب من مطارديك، ولن يكون لديك الوقت للتوقف للتساؤل عن أسباب ما يحدث، فكر فيما تريد أن تفكر بينما تركض هربًا.

تجربة بصرية مختلفة

أخذت الصورة في Inside بُعدًا ثالثًا بعد أن كانت ثنائية الأبعاد في Limbo، وإن ظلت حركة الشخصية محدودة في بُعدي الشاشة (الحركة لليمين واليسار وللأعلى والأسفل)، ما منح تجربة اللعب شيئًا مختلفًا بالنسبة إليّ.

صاحَبَ البُعد الثالث في التصوير تخليًا عن أسلوب السلويت الذي اعتمدته Limbo، لترتسم الأشياء بتفاصيلها على الشاشة أمامك، وإن ظلت الصورة تميل للسواد، باستثناء المشهد الأخير، كما كانت درجات الألوان مناسبة لكل مرحلةٍ من مراحل اللعبة.

إضاءة المشاهد في Inside كانت من أهم الأشياء التي ميزت تكوين الصورة فيها، ومع براعة التحريك مع الحفاظ على إخراجه الفني، كان للعبة أثرًا بصريًا فريدًا من نوعه، أسهم في التأثير النفسي لتجربة اللعب، وإن لم يكن له بصمته الخاصة مثلما كان لتجربة Limbo البصرية، التي أضافت لكابوسية اللعبة ومنحتها بُعدًا مُقبضًا.

هل ترمز إنسايد للنظام العالمي؟

تحذير: يحتوي هذا القسم على «حرقٍ» لأحداث اللعبة

تدور Inside في عالمٍ أقرب للواقعية من Limbo؛ بشرٌ أحياء، لكنهم ليسوا طبيعيين. انقسم البشر في Inside إلى قسمين؛ الحُراس الذين يقتلون الفتى إذا رأوه وأمسكوا به، ولهذا يجب أن يبقى متسللًا دون أن يلمحه أحد، وأعدادٍ أكبر من الناس تحت سيطرة الحراس والعلماء الذين سيظهرون في مرحلةٍ متقدمة، يسيرون في طوابير بمشيةٍ ميكانيكية، بينما تتساقط رؤوسهم على صدورهم وكأنهم موتى أحياء، أو على أقل تقدير: بشرٌ مثلنا تم استعبادهم في النظام العالمي الحالي، كما أحبُّ أن أفسر اللعبة.

ستهرب طول اللعبة إلى المجهول، لا تعرف إن كان للصبي هدفٌ ما يتعلق بتحرير هؤلاء المسوخ البشرية من سيطرة الحراس (أو من النظام العالمي)، أم أنه يحاول فقط النجاة بنفسه. لا توجد سوى إشارات مُتداخلة لهذا الهدف؛ ستُضطر للتتظاهر بأنك واحدٌ منهم في بعض الأوقات، وستتحكم في هؤلاء الموتى الأحياء في مراحل اللعبة، لكي تعبر لمراحل أخرى متقدمة.

في الوقت نفسه، ستتجه بكامل إرادتك إلى حوضٍ زجاجي بداخله كرة لحمٍ بشرية كبيرة من أشخاصٍ متداخلين، نتجت على الأغلب بسبب تجربةٍ فاشلة لعلماء المشروع الغامض على هؤلاء الأشخاص، لا يبرز من هذه الكرة سوى أطراف ضحاياها، وستحاول تخليصهم بفك الأقطاب الموصلة بهم، فيجذبونك وتصبح جزءًا من هذه الكرة البشرية القبيحة.

لا توجد نهايةٌ سعيدة لعالمٍ من المسوخ البشرية معدومة الإرادة.

لا تنتهي اللعبة عند هذا الحد، لقد صرت أنت الكرة، ويمكنك التحكم بها. ظننتُ أن الهدف القادم لي هو أن أحاول الانفصال عن هذه الكرة، فحاولت حشرها في فرنٍ صادفته بعد ذلك، لكن لم يحدث أي شيء، أدركتُ عندها أن مصيري (مصير الفتى) مرتبطٌ بمصير كرة اللحم.

ولأنه «لا توجد نهاية جيدة لكرةٍ من اللحم» كما قالت صديقتي، ستكتشف أن المُساعدات التي ستتلقاها هذه الكرة من العاملين في المشروع (على غير العادة)، ليست سوى بهدف قيادتها نحو فخٍ، ستتحرر منه، لكن إلى الهلاك.

لا توجد نهايةٌ سعيدة لعالمٍ من المسوخ البشرية معدومة الإرادة. ولا توجد نهاية جيدة لكرةٍ من اللحم، حتى ولو كان بداخلها طفلٌ حاول أن يُغيّر العالم، أو على الأقل حاول الفرار بنفسه من هذا الكابوس.

أسامة يوسف