موت البطل الخارق: هل نشهد نهاية زمن أفلام الكوميكس قريبًا؟
«الجمهور ملول» و«الجمهور يصعب إرضاؤه»، عبارتان يعرفهما جيدًا صُنَّاع السينما ومتابعوها، وهي ليست عبارات فارغة، وكما يمكن استخدامها بقصد أن الجمهور يمل كل فيلم على حدة، يمكن استخدامها كذلك مع أنواع أو أنماط الأفلام، إذ يُقبِل الجمهور في كل فترة على نوع بعينه فيحقق إيرادات هائلة، ثم يخفت الإقبال وتختفي هذه الأفلام تدريجيًّا.
توقع المخرج الكبير «ستيفن سبيلبرغ» في عام 2015 أن تنتهي أفلام الكوميكس (المقتبسة عن قصص مصورة)، ودعم رأيه بمثال أفلام «الغرب الأمريكي»، التي استمرت كواحدة من أكثر نوعيات الأفلام شعبيةً لمدة 50 عامًا تقريبًا، ثم انزوت منذ ثمانينيات القرن العشرين، كحال سلسلته الشهيرة «Indiana Jones».
هل يكون هذا مصير أفلام «الكوميكس»؟ هل هي موضة وتنتهي؟ هذا هو ما يحاول مقال على موقع «Crixeo» معرفته.
لماذا يملُّ الجمهور أفلامًا بعينها؟
لم تنتهِ أفلام الغرب الأمريكي بسبب تزايد إنتاجها للحدِّ الذي جعل الجمهور مشبَّعًا منها فحسب، لكن أيضًا لأنها أصبحت لا تقدم جديدًا للمُشاهد، فقد بات هناك قالبًا معتادًا للأفلام من هذا النوع، وبالتالي ملَّها الناس.
يعرف المُشاهدون أن الأبطال خارقون وأن الأشرار سيئون، وليسوا في حاجة إلى تذكيرهم بذلك.
رغم الإقبال على أفلام الكوميكس حاليًّا، لا يمكن إغفال التفاوت الواضح في المستوى الفني بينها، فقد أشاد النقاد في عام 2016 بفيلمي «Captain America: Civil War» و«Deadpool»، في حين لم يرضوا عن أفلام مثل «Suicide Squad» و«X-Men: Apocalypse»، وهذا التفاوت، من وجهة نظر كاتب المقال، يضع أفلام الكوميكس على المحك، لهذا يجب على صُنَّاعها الانتباه ومحاولة تدارك أخطائهم.
منذ عام 2010، لا تخلو قائمة أعلى 10 أفلام تحقيقًا للإيرادات كل سنة من فيلم كوميكس واحد على الأقل، وفي عام 2016 كان هناك خمسة أفلام في القائمة. لكن رغم هذه الإيرادات المرتفعة، ورغم جودة كثير من الأفلام مؤخرًا، إلا أننا لو بحثنا عن أفلام كوميكس «عظيمة» فعلًا فربما تتضاءل القائمة، لأن آخر أفلام الكوميكس العظيمة من وجهة نظر كاتب المقال كانت «The Dark Knight» و«Iron Man».
قد يعجبك أيضًا: فيلم «لوغان»: كيف تكتب النهاية المثالية للأبطال الخارقين؟
يرى الكاتب أن المُشاهد يُخضِع أي فيلم لشروط قاسية قبل وصفه بأنه عظيم، لكنه يتقبل أفلام الكوميكس دون نفس هذه الشروط.
هل من السهل صناعة فيلم كوميكس؟
الأشياء التي تُثري عالم الكوميكس لا تعني بالضرورة إثراء الأفلام المستوحاة منه.
ربما يأتي معظم هذه الأفلام متوسط المستوى بسبب الاعتماد على فن الكوميكس الذي يصعب تحويله إلى أفلام، لأن طبيعة السرد تختلف فيه كثيرًا عن الفنون الأخرى المكتوبة، فالقصص التي تعتمد على كثير من الرسومات وقليل من الكلمات تحتاج إلى سرد من نوع خاص، ويشارك القارئ بنفسه في الربط بين الصورة والصورة التي تليها لتكتمل القصة.
بجانب هذا، لا تُفسح مجلات الكوميكس في رأي الكاتب مساحة كبيرة لتطور الأحداث والشخصيات، في مقابل الاهتمام بتقديم شخصيات شريرة جديدة أو معارك تخوضها هذه الشخصيات أو أحداث فرعية في كل عدد، ويسمح هذا البناء بتقديم كثير من الأعداد، لكنه ليس البناء الأفضل لتقديم فيلم.
كذلك، يتناوب على رسم شخصيات الكوميكس عدد من الرسامين والمؤلفين بمرور الوقت، بجانب إعادة إطلاق السلسلة الواحدة كل فترة لتبدأ من جديد مع جيل مختلف من القراء.
لا تخضع مجلات الكوميكس للمنطق دائمًا، فيمكن أن يموت البطل ثم يُعاد إحياؤه في حقبة مستقبلية، وأصدقاء اليوم أعداء العدد القادم والعكس صحيح. وعادةً لا يكون هذا مبنيًّا على مبررات قوية في رأي الكاتب، ويدفع السلسلة إلى الأمام ويُثري عالم الكوميكس، لكنه لا يعني بالضرورة إثراء الأفلام المستوحاة منه.
اقرأ أيضًا: تجربة الكوميكس العربية من سمير وسندباد إلى السمندل وتوك توك
كيف تتحدى الكوميكس صُنَّاع السينما؟
استمرت سلسلة «سبايدر مان» الأولى لأكثر من 400 عدد قبل أن تتحول إلى فيلم.
ربما تمثل شخصيات الكوميكس تحديًا لصُنَّاع الأفلام، لأن استخلاص التفاصيل المهمة من بين كل أحداث القصة المصورة لا يكون سهلًا، عكس الرواية، التي تكون معالجتها أسهل لأن الخطوط والأحداث فيها بارزة ولها بداية ووسط ونهاية واضحين.
يتطلب تحويل الكوميكس إلى فيلم البحث في أعداد كثيرة من القصة، بخلاف الأعداد السنوية والأعداد المشتركة مع شخصيات أخرى، كل هذا لبناء شخصية واحدة، وبعض الشخصيات يمكن أن يكون لها أكثر من ألف عدد.
خذ شخصية «سبايدر مان» مثلًا، فسلسلة الكوميكس الأولى كانت بعنوان «Amazing Spider-Man» واستمرت لأكثر من 400 عدد، وتلتها سلاسل أخرى لاحقًا، ثم تحولت إلى فيلم «Spider-Man» عام 2002. تميز هذا الفيلم والجزء التالي له بمستوًى فني مرتفع، ويُعد الجزء الثاني تحديدًا أحد أفضل أفلام الكوميكس في نظر الكاتب، فيما لم ينجح الجزء الثالث أو حتى جزئي السلسلة اللاحقة «The Amazing Spider-Man» في تحقيق النجاح نفسه، فلماذا؟
بحسب الكاتب، قدم «سام ريمي» مؤلف ومخرج الفيلمين الأوَّلين معالجة ركزت على الشخصيات وتطورها بجانب الصراعات التقليدية ومشاهد الحركة، لكنه في الجزء الثالث اقترب من أجواء مجلات الكوميكس أكثر، فقدم ثلاث شخصيات شريرة بدلًا من واحدة، وانخرط في حبكات جانبية في محاولة فاشلة لإثارة الحواس بنفس طريقة الكوميكس.
حاولت سلسلة «The Amazing Spider-Man» بعد ذلك تناول تفاصيل ظهرت من قبل فكان استقبالها فاترًا، لأن قراء الكوميكس قد يتقبلون فصول القتال الطويلة وينتظرون التغيرات والتحولات البطيئة في سير الأحداث بعد أعداد من القصة، لكن المعادلة نفسها صعبة التحقق في الفيلم، لأن بداية الحركة تعني تواري الشخصيات.
ستبقى أفلام الكوميكس مسلية لا أكثر حتى يعود المخرجون للاهتمام بكل التفاصيل.
يعرف المُشاهدون أن الأبطال خارقون وأن الأشرار سيئون، وليسوا في حاجة إلى تذكيرهم بذلك.
ما يجذب المُشاهد فعلًا هو ما وراء الشخصيات، وكلما كان بناء الشخصية وتطورها يُعرَضان بدقة على الشاشة، ازداد المشاهد تعلُّقًا بها، ولهذا اجتمع أداء «هيث ليدجر» الرائع مع شخصية الجوكر المكتوبة بعناية في فيلم «The Dark Knight» لإخراج شخصية لا يمكن نسيانها أبدًا، كما جسد «روبرت داوني جونيور» شخصية الثري العبقري المغرور العابث «توني ستارك» في «Iron Man»، فأحب المُشاهدون الشخصية والفيلم.
قد يهمك أيضًا: لماذا يحظر لبنان فيلم «وندر وومان»؟
هل اقتربت نهاية أفلام الكوميكس؟
لا يعني كل ما سبق أن معظم أفلام الكوميكس سيئة، فصُنَّاعها يجتهدون ليصلون إلى مستوًى جيد، والكثير منها ينقصه بعض التفاصيل ليصبح ممتازًا.
سيأتي على الأرجح يوم ينصرف فيه الجمهور عن أفلام الكوميكس، لكن ربما لا يكون هذ اليوم قريبًا، ويشير الكاتب إلى أنه منذ فيلم «Spider-Man»، أنتجت شركة «مارفل» 36 فيلم كوميكس، كما تعمل على إنتاج 10 أفلام أخرى منذ لحظة كتابة المقال وحتى نهاية 2019، بينما أنتجت منافستها «دي سي» 15 فيلمًا، بالإضافة إلى أربعة أفلام ستظهر حتى نهاية 2019.
تعني هذه الأرقام أننا في ذروة عصر أفلام الكوميكس ببساطة، وقد تستمر هذه الأفلام في التدفق طالما حافظ صُنَّاعها على تقديم ما يريده الجمهور.
لكن أفلام الكوميكس ستبقى مسلية لا أكثر حتى يعود المخرجون للاهتمام بكل التفاصيل، وإيجاد التوزان المطلوب بين الجانب الإنساني والجانب الخارق للشخصيات.
أندرو محسن