شارلي شابلن: الصعلوك الذي وضع قواعد السينما ثم كسرها
يُعدُّ اسم «شارلي شابلن» ماركة مسجلة للضحك، لا نكاد نسمع اسمه حتى تظهر صورة الصعلوك، ذي الشارب القصير والقبعة والعصا، هذا الذي لا يبالي بأي شيء ويفعل ما يحلو له، أو ما يحلو لنا أن نراه يفعله.
لكن بعيدًا عن ماكياج الشخصية هناك الوجه الحقيقي لشابلن، ذلك الذي لم يمثل فحسب، بل كان يكتب السيناريو ويُخرج ويُنتج ويؤلف الموسيقى التصويرية. هل هناك ما هو أكثر من هذا؟ نعم، فالرجل الذي أمضى طفولته لا يملك ثمن طعامه تحول إلى أيقونة عبقرية تُلهم الملايين، بل ربما غيَّر تاريخ صناعة السينما بما قدمه.
شارلي شابلن: المتمرد الذي غيَّر صناعة السينما
في عام 1972، وبعد غياب دام 20 سنة عن الولايات المتحدة الأمريكية، تلقى شارلي شابلن جائزة أوسكار شرفية بسبب «تأثيره الذي لا يوصف في جعل صناعة السينما أبرز فنون القرن»، وهذه العبارة البسيطة تختصر الكثير جدًّا ممَّا يمكن قوله عن شابلن.
بدلًا من بقاء شخصية الصعلوك الشهيرة واختفاء شابلن، نجح شارلي في تخليد الاثنين معًا.
لم يكن ما قدمه شابلن مجرد أفلام كوميدية ممتعة تبقى في الذاكرة طويلًا، أو شخصية الصعلوك التي تعد واحدة من أشهر الشخصيات السينمائية في التاريخ، بل إن ما قدمه خلف الكاميرا كان أهم بكثير.
طوَّر شابلن من شكل صناعة السينما بالفعل وعلى أكثر من مرحلة، ولم يكن الأمر سهلًا بالطبع، ففي طريقه إلى تطوير الفن الذي كان لا يزال وليدًا عند التحاقه به، كان عليه أن يتمرد على كثير من القواعد ويكسرها، ليبني قواعده الخاصة التي أصبحت هي القواعد العامة لاحقًا.
لكن تحطيم «الصعلوك» للقواعد لم ينتهِ بعد هذا، فمع تطور الصناعة ودخول الصوت والموسيقى، بدأت السينما الصامتة، مملكته، في الانهيار، ولهذا كان أمامه إما أن يرفع شارة النهاية هو أيضًا، أو يواصل التمرد على القواعد الجديدة ويفرض رؤيته مرة أخرى، وهو ما كان، وأثَّر بعد ذلك على حياته ومشواره الفني، فبدلًا من بقاء شخصية الصعلوك واختفاء شابلن، نجح شارلي في تخليد الاثنين معًا.
ميلاد الصعلوك
قادمًا من خلفية مسرحية بنجاح مقبول، انتقل شارلي شابلن من لندن إلى مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، ليوقع عقده السينمائي الأول مع شركة «ستوديوهات كيستون».
لم تكن السينما في عام 1914 كما نعرفها الآن، لا إنتاج بالملايين ولا أفلام طويلة، حتى طريقة صناعة الأفلام لم تكن تخضع للشكل نفسه المتَّبع اليوم، ولم تكن الأفلام الكوميدية تتعدى مجرد فكرة رئيسية ثم مواقف متتالية تنتهي بحدوث مطاردة، وخلال هذه المواقف تتولد الكوميديا.
لم يكن هذا الشكل مناسبًا لرؤية شابلن، كان يرى أن المطاردة لا تعطي الشخصية، أيَّ شخصية، حقها من الظهور، الموقف هو ما يلفت الأنظار وليس الدور. كان يؤمن بأنه لا شيء يفوق الشخصية، لكنه، كممثل جديد، لم يملك حرية فرض رؤيته واختياراته، لهذا قَبِل أن يقدم هذا الشكل من الأفلام، ثم وُلدت شخصية الصعلوك (The Tramp) لتنقلب كل الموازين.
في أثناء تصوير أحد الأفلام، طلب منه «ماك سينيت»، أحد مخرجي الشركة، أن يضع ماكياجًا كوميديًّا قبل أن يدخل لتصوير المشهد. لم يكن لدى شابلن أي تصور عمَّا يجب عليه أن يفعله، ولكن جاءه الإلهام ليضع هذا الشارب الصغير ويرتدي ملابس متناقضة: سترة ضيقة وبنطالًا واسعًا، قبعة صغيرة وحذاءً ضخمًا، ثم يخرج بهذا الماكياج أمام الكاميرا ويؤدي حركاته، ليضَجَّ الاستوديو بالضحك ويترك الموجودون أعمالهم ليشاهدوا ما يفعله هذا الوجه الجديد.
هكذا وُلدت شخصية الصعلوك مع فيلم «Mabel's Strange Predicament»، وُلدت لتبقى إلى الأبد. كسر شابلن، الذي لم يكن قد أمضى سوى أيامًا معدودة في عالم السينما، أولى قواعد هذا العالم ليُرسِي قواعده الخاصة بشخصية الصعلوك،أجبر المنتجين على تغيير شكل الأفلام اللاحقة لتعطي مساحةً أكبر للشخصية، وليس للمطاردات أو الحدث كما كان معتادًا.
شارلي شابلن مخرجًا
عادةً ما يعمي الممثل نجاحه الساحق في أداء شخصية واحدة عن اختيارات أخرى.
يُعلِّق شابلن في مذكراته قائلًا إن «قواعد الإخراج كانت بسيطة في تلك الأيام، فلم يكن عليَّ إلا أن أعرف يميني من يساري من أجل الدخول والخروج (من الكادر)».
بعد عدة خلافات مع الشركة المنتجة، نال شابلن حريته أخيرًا ليُخرج ويؤلف أفلامه بنفسه، وكان أول فيلم يحمل اسمه مخرجًا ومؤلفًا، وممثلًا بالطبع، هو «Caught in the Rain» (سجين المطر)، في العام نفسه الذي وقَّع فيه عقده الأول، ومنذ ذلك الحين حتى توقفه عن العمل في السينما، كتب وأخرج جميع أفلامه.
اقرأ أيضًا: 4 مخرجين بمثابة مدارس سينمائية مستقلة
الاكتفاء من الكوميديا
كان النجاح الذي حققه شارلي شابلن استثنائيًّا، البعض يراه أول نجوم السينما الأمريكية بمقاييس النجومية حاليًا، من حيث الشهرة وتهافت المعجبين، وتخطت شهرته حدود تخيله هو شخصيًّا فبدأ يدرك ذلك بالتدريج، لم يعد الصعلوك مجرد شخصية كوميدية عبقرية يعشقها الجمهور، بل أصبحت شخصية ملهِمة للآخرين، وطبقًا لمذكرات شابلن، كانت كافة متاجر نيويورك تبيع ألعابًا وتماثيل لشخصية الصعلوك.
شابلن كان ذكيًّا، كان يعلم متى وكيف يضع كلمة النهاية، وكيف يكسر القواعد التي أسسها بنفسه.
عادةً ما يعمي الممثل نجاحه الساحق في أداء شخصية واحدة عن اختيارات أخرى، والأسوأ أن الشخصيات تقتل أصحابها. هل يعرف أحد الاسم الكامل لكلٍّ من لوريل وهاردي؟ هل هناك من يذكر لأيٍّ منهما أدوارًا أخرى؟
في مصر، يُعتبر الراحل إسماعيل ياسين مثالًا شهيرًا لذلك، فقد تألق بحركاته التي أضحكت الجمهور لفترة، وعندما أصرَّ على أن يتابع بالأداء نفسه، أصرَّ الجمهور على مقاطعته، وهو المصير نفسه الذي واجهه محمد سعد لاحقًا، حين كرر شخصية «اللمبي» بتنويعات غير جيدة لم تُضِف إليها أي جديد، وكذلك الفنان السوري ياسر العظمة، الذي استمر لأكثر من 20 عامًا في تقديم المسلسل نفسه: «مرايا».
شابلن كان أذكى، كان يعلم متى وكيف يضع كلمة النهاية، وكيف يكسر القواعد التي أسسها بنفسه، وكان لديه خاطر دائم بأن «الفنان الكوميدي يمكن أن تكون أفكاره عن الكوميديا مسرفة في الخطأ»، لهذا كان يجرب ويجدد كل فترة.
أولى محاولات التجديد كانت مع أحد أشهر أفلامه «The Kid»، الذي عُرض عام 1921. استغرق الفيلم قرابة عامين من التحضير، وكان شابلن قد وصل إلى مرحلة من النضج عرف فيها أن شخصية الصعلوك وحدها والمواقف الكوميدية الكثيرة التي يقدمها يجب أن تتطور، لأن الجمهور ذوقه يختلف ولن يرضى بنفس الشكل دائمًا.
هكذا قدَّم شارلي في هذا الفيلم قصة إنسانية تتسم بالكوميديا، وبدأه بالإشارة إلى أنه «فيلم يحمل ابتسامة وربما دمعة»، ليصبح أول فيلم طويل يقدمه.
بعد أن لاقى «The Kid» نجاحًا كبيرًا، قرر شابلن أن يتمادى في التجربة، وقدَّم عقب عامين أول فيلم من إخراجه لكن ليس من بطولته، «A Woman of Paris: A Drama of Fate» (امرأة من باريس: دراما عن القَدَر)، الذي يحكي قصة حب مأساوية وليس فيه أي ملمح كوميدي.
ورغم المستوى الجيد للفيلم بمقاييس ذلك العصر، إلا أنه أخفق في شباك التذاكر، ويرى النقاد أنه كان سيلاقي مصيرًا مختلفًا لو لم يحمل اسم شابلن، لأن الجمهور لم يكن ينتظر منه هذا النوع من الأفلام.
السينما تخرج عن صمتها
لم يحب شارلي شابلن الأفلام الناطقة، بل كان يرى أنها تضر فن السينما.
كان شارلي شابلن «ملكًا متوجًا» في عصر السينما الصامتة، حشود تستقبله في أي مكان يذهب إليه في العالم، وحتى الشخصيات السياسية والأدبية الشهيرة في ذلك العصر كانت تعرفه، مثل الثائر الهندي غاندي، والروائي والكاتب المسرحي الإنجليزي «سومسرت موم»، والمؤلف الأيرلندي الشهير «برنارد شو».
لكن السينما الصامتة التي صنعت نجومية شابلن بدأت في الأفول مع ظهور السينما الناطقة بشكل رسمي، مع إنتاج فيلم «The Jazz Singer» عام 1927، ولم يكن انتقال الفنانين من التمثيل الصامت إلى الناطق سهلًا، إذ أصبحت جودة الصوت عاملًا مهمًّا يبحث عنه صُنَّاع الأفلام، وليس موهبة التعبير بالوجه أو الحركات فقط، ومَن شاهد فيلم «The Artist»، الحائز على جائزة أوسكار أفضل فيلم عام 2012، سيدرك معاناة وانتهاء مشوار الكثير من نجوم السينما الصامتة مع دخول الصوت إلى صناعة الأفلام.
لم يحب شارلي شابلن الأفلام الناطقة، بل كان يرى أنها تضر فن السينما، وكان هذا تحديًا حقيقيًّا له: إما أن ينضم إلى قائمة ضحايا السينما الناطقة، أو ينتصر وتستمر نجوميته، لكن مشكلته الأكبر لم تكن فيما يمكن أن يقدمه، بل كانت المعضلة هي: هل يجعل شخصية الصعلوك تتكلم؟
كان شابلن يؤمن أنه عندما ينطق الصعلوك سيفقد واحدة من أهم مميزاته: لغة التعبير العالمية، وسيصبح مثل أي شخصية أخرى. إذًا، لم يكن الأمر بالنسبة إليه كبقية الفنانين، بل كان يعني الإبقاء أو القضاء على شخصيته التي صنعها وطوَّرها طَوَال سنوات.
قد يهمك أيضًا: فيلم «لوغان»: كيف تكتب النهاية المثالية للأبطال الخارقين؟
شابلن يستمر في الصمت
بعد ما يزيد على ثلاث سنوات من ظهور السينما الناطقة قرر شابلن أنه جاهز للرد، وكعادته جاء رده مختلفًا عن التوقعات والمألوف، فقدم فيلمًا صامتًا آخر هو «City Lights» عام 1931، استخدم فيه الموسيقى فقط دون حوار، الموسيقى التي ألَّفها بنفسه أيضًا.
كانت هذه وحدها مخاطرةً غير محسوبة، ولكنه قرر أن يأخذ التحدي إلى مستوى آخر. ولمَّا كانت أسعار التذاكر آنذاك هي 85 و35 سنتًا، عرض شابلن فيلمه بسعر 1 و0.5 دولار للتذكرة، ليصبح أعلى سعرًا من منافسيه، وبرَّر هذا بأن الفيلم صامت ولهذا يجب أن يكون أغلى.
لم يحقق الفيلم نجاحًا كبيرًا فحسب، بل جمع لمدة ثلاثة أسابيع 85 ألف دولار أسبوعيًّا من دار عرض سعتها 1,150 كرسيًّا، فيما جمعت الدار المقابلة لها، التي كانت تعرض فيلمًا ناطقًا، 38 ألف دولار فقط في الأسبوع، بحسب ما ذكره شابلن في مذكراته.
دون كلام.. الصعلوك يرحل
أعلن شابلن بكل وضوح أنه ليس كوميديانًا فقط، ولكنه صانع أفلام.
حسم شابلن قراره أخيرًا: الصعلوك لن يتكلم، وهكذا كان فيلم «City Lights» آخر فيلم يظهر فيه بشخصية الصعلوك، على الأقل في تترات الفيلم.
في فيلميه التاليين ظهر شارلي شابلن بشخصية الصعلوك، نفس ملابسها وشكلها، لكنه وظَّفها بشكل مختلف، فكان عامل مصنع في فيلم «Modern Times» (الأزمنة الحديثة)، وعندما طُرد ظهر بملابس الصعلوك، أما الفيلم الثاني «The Great Dictator» (الديكتاتور العظيم) فظهر فيه بالملامح نفسها ولكن في شخصية حلاق يهودي ألماني.
عن طريق الفيلمين السابقين انتقل شابلن تدريجيًّا من السينما الصامتة إلى الناطقة. لم يحتوِ الفيلم الأول على الكثير من جُمَل الحوار، ولكن هذا لا يعني أنه كان صامتًا على الإطلاق، أما الثاني فقد كان رسميًّا أول أفلامه الناطقة بالكامل، وكأن الانتقال على منهج شابلن كان يجب أن يحدث بهذه الطريقة، بحيث لا يعلن استسلامه فجأة للسينما الناطقة التي لا يفضلها، ولا يتمرد عليها إلى الأبد في الوقت نفسه.
هذه الأفلام الثلاثة شهدت نضوجًا أكبر على المستوى السينمائي، واختلافًا على مستوى الموضوعات التي ناقشتها. أعلن شابلن بكل وضوح أنه ليس كوميديانًا فقط، ولكنه صانع أفلام. لهذا، وبكل جرأة، أنهى شخصيته الناجحة، وبكل ثقة انتقل بين الرومانسية وقضايا المجتمع والسياسة، وفي كل مرة كان يسجل نجاحات جديدة.
المدهش أن أفلام شارلي شابلن الناطقة بها الكثير من المتعة على مستوى الحوار، وكأن كاتبها تمرَّس طَوَال حياته في كتابة هذا النوع. لم يجد شابلن أي صعوبة في الانتقال بكل إمكانياته، كممثل ومؤلف ومخرج، إلى العالم الجديد، بل إن فيلميه الناطقين «The Great Dictator» و«Monsieur Verdoux» رُشّحا لجائزة أوسكار أفضل سيناريو.
الفيلم الأخير، «Monsieur Verdoux»، كان أحد أنضج أفلامه على كافة المستويات، وابتعد فيه عن كل قواعده في الأفلام السابقة ليقدم سينما مختلفة تمامًا، حتى إن بوستر الفيلم حمل عبارة «شابلن تغير».
في ذلك الفيلم، الذي لم يشهد ظهور الصعلوك بأي شكل على الإطلاق، مزج شابلن بين قدرته على التعبير بالصورة ومهارته في كتابة الحوار، قلَّل الكوميديا وإن كانت قوية حين ظهرت، وحمَّل القصة كثيرًا من الأبعاد والرسائل السياسية المباشرة، وإن كانت ليست بالمباشَرة الموجودة في فيلم «الديكتاتور»، فكان هذا الفيلم بمثابة مرحلة انتقالية أخرى.
على الرغم من كل ذلك، إلا أن «Monsieur Verdoux» لم ينجح عند عرضه الأول في أمريكا بسبب وجود موجة معاداة ضد شابلن في ذلك الوقت لاتهامه بالشيوعية، بعد أن ألقى خطابًا سياسيًّا استعمل فيه، من باب المزاح، كلمة «يا رفاق» المعروفة كمصطلح يستخدمه الشيوعيون، وهي تهمة كان لها وقع مناصرة «الثورة السورية» بالنسبة لمؤيدي بشار الأسد، أو اﻻنتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين في نظر أنصار عبد الفتاح السيسي.
وهنا قرر شارلي شابلن أن يقدم تحديه الأخير.
تحت أضواء المسرح.. شارلي شابلن يرحل
تحدٍ آخر لا ينجو منه كثير من الممثلين هو التقدم في العمر. وبالنسبة إلى شارلي شابلن، تزامن الكِبَر مع هجوم الجمهور عليه، هذه مأساة تليق بالسينما، وهكذا حوَّل شابلن مأساته إلى فيلم.
قد يعجبك أيضًا: فيلم «Dreams»: هلاوس المخرج الياباني «أكيرا كوروساوا»
قبل أن يُنهي مسيرته السينمائية عام 1967، كان آخر الأفلام التي صنعها في أمريكا «Limelight» (الأضواء) عام 1952، وعكس ما قد يفعله أي فنان آخر، قرر شابلن أن يتخيل نهايته بنفسه عن طريق هذا الفيلم.
يحكي «Limelight» عن كوميديان مسرحي يبتعد عنه الجمهور لأنه لم يعد قادرًا على مواكبتهم، يلتقي راقصة باليه شابة وينقذها من الانتحار، فترد له الجميل عن طريق منحه فرصة أخيرة للعودة إلى المسرح. يستغل الكوميديان الفرصة ويقدم عرضًا رائعًا، إلا أن صحته لا تحتمل ما قدمه، فيموت وهو يشاهد الفتاة تقدم فقرتها من كواليس المسرح.
هذا الفيلم له خصوصية شديدة بالنسبة إلى شابلن إذا ربطناه بظروف حياته وقت إنتاجه. لم يمانع أن يعاني بطله من الفقر إلى حدِّ عزف الموسيقى طلبًا للصدقة، واستعرض سخرية الجمهور منه وابتعادهم عنه بأكثر من طريقة، لكنه في المقابل منحه أفضل نهاية ممكنة، وهي دون شك النهاية التي أرادها لنفسه، فبعد نجاح العرض، يرحل البطل على الخشبة وتحت الأضواء مصحوبًا بتصفيق الجمهور ومحتفظًا بكامل نجوميته.
قدَّم شارلي شابلن في هذا الفيلم أداءً استثنائيًّا، فظهر للمرة الأولى دون شارب لنشاهد وجهه الحقيقي بغير ماكياج، وكم كان وجهه أداةً عظيمة للتعبير عن حالة الانكسار والصدمة التي يعانيها.
وعلى طريقته، قدَّم في الفيلم تحيةً خاصة إلى تاريخه، فتدور الأحداث في لندن حيث وُلد، وتبدأ في 1914، العام نفسه الذي بدأ فيه مسيرته السينمائية، كذلك نلمح في البداية رجلًا يقف إلى جوار صندوق موسيقى ويرتدي ملابس الصعلوك، ويَرِدُ على لسان البطل تبريرًا لأحد أفعاله الغريبة بأنه «ربما كان الصعلوك بداخلي».
هذا الصعلوك المتمرد داخل شارلي شابلن، الذي قرر أن يقدم كل شيء بطريقته الخاصة، هو ما جعل الممثل الكبير «جاك ليمون» يقول، أثناء تقديمه في حفل الأوسكار، إنه «ليس مجرد اسم، بل هو مصطلح في مفردات السينما، وكل مُشاهد للسينما مدين له».
أندرو محسن