فيلم «Black Panther»: إفريقيا تقود العالم من تحت قبعة المستعمِر
«في أوقات الأزمات يشيِّد الحكيم جسورًا، بينما يبني الأحمق حواجز، فلا بد من أن نعتني ببعضنا بعضًا وكأننا قبيلة واحدة». جاءت هذه العبارة على لسان الشاب «تي تشالا» ملك واكاندا، تلك المملكة الإفريقية التي بلغت قمة التطور التكنولوجي والعسكري، لكنها فضلت أن تبقى تحت غبار العالم الثالث.
قدَّم الفيلم الأمريكي «Black Panther» نموذجًا جديدًا عن القارة الإفريقية المعروفة بالقارة السوداء، ليس فقط لسواد بشرة معظم شعوبها، لكن لما تعانيه من جهل ومرض وفقر، ويأتي الاستعمار الأوروبي كأحد أبرز أسبابه، فكان من اللافت أن تظهر إفريقيا في فيلم أمريكي على قمة التقدم البشري الذي لم تصل إليه القوى العظمى المعروفة في يومنا هذا.
وتناولت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، في تقرير لها، ما أسمته بالرؤية الاستعمارية الجديدة التي يقدمها فيلم «بلاك بانثر».
واكاندا: رمز إفريقيا المتناقضة
تدور معظم أحداث فيلم «بلاك بانثر»، أو الفهد الأسود، في مملكة واكاندا التي نشأت منذ خمسة قرون من اتحاد أربعة قبائل إفريقية قامت دولتهم فوق جبل من معدن «الفايبرينيوم»، الذي منح المملكة طفرة في تطوير الأسلحة والأنظمة الدفاعية لم يعرف بها العالم من قبل. وفي الوقت الذي يتسلم فيه الملك الشاب تيتشالا» مقاليد الحكم خلفًا لوالده، يواجه عددًا من المعضلات الداخلية والخارجية تشكل المسارات الرئيسية لأحداث الفيلم.
نجد أن الفيلم، في الظاهر، يخرج إفريقيا من إطار الفكرة التقليدية المعروفة عنها كمستعمرة أوروبية، ومنجم للثروات التي يطمع فيها الرجل الأوروبي الأبيض. وفي الوقت الذي يحطم الفيلم بعض الأفكار الراسخة عن القارة السوداء نجد أنه يقدم ذلك ممزوجًا بمفارقات واضحة، منها أن ممكلة تمتلك تقدمًا تقنيًّا هو الأفضل في العالم ليس لديها آلية لتداول السلطة دون التعثر في مستقعات الصراعات الميتة والانقلابات.
لذلك إذا تحققنا في رسالة الفيلم نجده، من ناحية أخرى، يقترب بمملكة واكاندا الإفريقية من النمط المعروف عن البلدان الإفريقية، وذلك في ما يتعلق بسبب تقدمها الأسطوري، فهي وإن صُوِّرَت كقمة التقدم التقني، فإن ذلك لم يحدث بفضل عقول أبنائها، بل بفضل صدفة سعيدة أسقطت نيزكًا على أراضيها، وكان يحمل معدن «الفايبرينيوم» الذي منحها سر ما تمتلكه من قوى خارقة.
اقرأ أيضًا: «Black Panther»: حين تملك كل الكروت الرابحة.. وتخسر اللعبة
الغرب لإفريقيا: أنتِ لي
يمكننا في هذا الصدد ملاحظة أن مثل تلك الرؤية تنبع من ما يسمى «العقلية الاستعمارية الجديدة»، وهي تلك العقلية الطفولية التي تأبى، رغم ما تملكه تلك المملكة الإفريقية من تقدم، إلا أن تظل مستشعرة حاجتها إلى قوة خارقة تأخذ بيدها إلى الأمام، لذلك قد يتوهم المُشاهد أن الفيلم يعطي صورة لإفريقيا المحررة من سطوة المستعمر الأوروبي، لكنه في الوقت ذاته يقدم رسالة ضمنية بأنه رغم التقدم التكنولوجي، ما تزال تلك الدولة الإفريقية غارقة في الاعتماد على القالب الغربي.
كان الجمهور ينتظر من فيلم «Black Panther» وممثليه من ذوي البشرة السوداء أن يقدم صورة تليق بإفريقيا، إلا أنه في الواقع خيب ظنونهم، إذ قدَّم إفريقيا على أنها اختراع أوروبي أمريكي، وركز على الكليشيهات التي استخدمها الغرب على مدار قرون للتقليل من شأن إفريقيا، وذلك بتقديمهم كشعب ذي عقل مظلم في قارة سوداء، وهي الخرافة التي روَّج لها الأوروبيون بشتى الطرق، بدايةً من الأدب مرورًا بالسينما وصولًا إلى الأساليب السياسية.
أكدت مجلة «نيويوركر» الأمريكية فكرة مشابهة عندما نقلت ما شعر به «ريان كوغلر»، مخرج الفيلم، عندما قال إنه يتألم من داخله لأن الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية فقدوا الأشياء التي شكلت هويتهم الإفريقية، مسلطًا الضوء على تناول الفيلم موضوع التنافر الشديد بين إفريقيا وأمريكا، وذلك لما لمسه من شعور السكان المحليين تجاهه في إحدى رحلاته إلى السنغال، على الرغم من أنه أمريكي من أصول إفريقية.
ترمز أحداث الفيلم للأمريكيين من ذوي الأصول الإفريقية بشخصية «كيلمونغر»، الذي يُنفى من مملكة واكندا، ما يربي لديه مشاعر عدوانية تجاه الملك تي تشالا، تدعوه إلى العودة مرة أخرى بعد موت الملك الأب «تي تشاكا»، ومحاربة الملك الجديد على السلطة، ويساعده على ذلك مهاراته القتالية وحنكته الاستراتيجية.
بلاك بانثر: لا تخيفني أيها المستعمر
رفض كوغلر الصورة النمطية التي رسخها عدد من الأفلام الأمريكية عن الرجل الإفريقي الكسول، وحاول إيصال رسالة سياسية محملة بمشاعر الأمريكيين الأفارقة تجاه بلادهم، حتى وإن بعدوا عنها آلاف الكيلومترات.
بخلاف غيره من أفلام الأبطال الخارقين التي قدمتها شركة «مارفل»، لم يقدم فيلم «بلاك بانثر» بطله الخارق في صورة محارب يواجه غزوًا فضائيًّا، أو مناضل في وجه عصابة من الأوغاد، بل يسلط الضوء على تداعيات الهيمنة الغربية على القارة السوداء، إذ نجد فكرة الرجل الأبيض المستعمر حاضرة بقوة، وهو ما عبر عنه المشهد الذي جمع «شوري»، الشقيقة الصغرى للملك تي تشالا، بعميل الاستخبارات الأمريكية، وهو رجل أبيض بطبيعة الحال، حين تقول له: «لا تخيفني بهذه الطريقة أيها المستعمر».
يأتي إبراز دور المرأة السياسي كأحد النقاط التي تُحسب لصناع الفيلم، إذ تلقت شركة مارفل كثيرًا من الانتقادات في أفلامها السابقة بسبب تجاهلها إبراز دور إحدى شخصياتها النسائية بالشكل المطلوب، ليأتي «Black Panther» كي يرضي منتقدي تلك المسألة بتقديم المرأة في قالب الند للرجل، تشاركه رؤيته في الحكم وقراراته المصيرية، بل وتحارب جنبًا إلى جنب معه، وضده إن لزم الأمر.
نستخلص من كل ذلك أنه كما أخفت مملكة واكندا تقدمًا تقنيًّا وعسكريًّا لا مثيل له تحت ركام بلد إفريقي بدائي، يخفي فيلم «بلاك بانثر» رسالة مفادها أن إفريقيا حتى وإن بلغت قمة المجد العلمي، وعرفت معنى حقوق الإنسان والمرأة، فستظل ذلك العبد الأسود التابع لسيده الأبيض ذي القبعة، يدين له بالولاء، ويعترف له بالفضل.
أيمن محمود