دليل المواطن للهلع: متى يجب أن تغضبنا الأخبار، ولماذا؟

الصورة: Wathiq Khuzaie

أحمد حمدي مسلَّم
نشر في 2017/04/30

يفاجئنا رجال السياسة كثيرًا بقرارات صادمة تسبب الغضب لكثير من الناس، مثل خروج الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في إبريل 2017 ليطالب المواطنين بتوفير رغيف خبز من طعامهم يوميًّا، أو اختيار الأمم المتحدة المملكة العربية السعودية لقيادة لجنة حقوق المرأة، أو إعلان الرئيس السوري بشار الأسد أن سوق بلاده مفتوحة أمام الشركات الروسية، وهو ما رآه بعض الناس جزءًا من صفقة سياسية غير نزيهة.

يرد الناس على هذه القرارات وأمثالها بالذعر والغضب الذي يعكس انشغالهم بالشأن العام، لكن لأستاذة العلوم السياسة في جامعة ماركت الأمريكية، «جوليا أتزاري»، رأيًا آخر قدمته في مقال لها على موقع «Vox»، ترى فيه ضرورة تحديد كَمِّ الذعر الملائم الذي ينبغي الشعور به تجاه القرارات السياسية عن طريق مجموعة من الأسئلة النقدية، بدلًا من مجرد الاعتماد على نصائح الخبراء في البرامج الحوارية.

لنلقِ نظرةً على النصائح التي وجهتها أتزاري، ونحاول تطبيقها على تعديلات السلطة القضائية التي أعلنها السيسي مؤخرًا مثلًا، لعلها تفيدنا في فهم وتوجيه وترشيد غضبنا، وتعمل في ما بعد لإرشادنا إلى الطريقة الصحيحة لتلقي الأخبار والتعامل معها.

قبل الغضب: لا تثق في الخبراء

باسم يوسف يعرِّف الخبراء الاستراتيجيين بشكل ساخر

ترى الكاتبة أن الذعر الدائم يمنع أي مناقشة عقلانية بشأن السياسة، وثمة أمثلة كثيرة من الماضي على هذا، لكن مع ذلك يجب مناقشة هذه الفكرة بطريقة أعمق.

يجب على المواطن أولًا أن يبحث عن المعلومات، ويُطالب بإتاحتها لجميع الناس، لأنه رغم اطِّلاع الباحثين والأساتذة الجامعيين في المجال السياسي على كَمٍّ هائل من المعلومات عن حكوماتهم، سواءً السابقة أو الحالية، عن طريق الكتب والمدونات والصحف الإلكترونية وغيرها، وتكريسهم حياتهم لدراسة هذه المعلومات، فإن وجهات نظرهم الخاصة عمَّا يستحق الذعر في الساحة السياسية ليست كافية لتوجيه المواطنين.

في رأي أتزاري، ليس لأحد من الخبراء مهما بلغت معرفته الحق في أن يحدد للآخرين إذا كان عليهم أن يشعروا بالذُّعر أم لا،  خصوصًا لو كان هؤلاء الخبراء يعيشون حياة آمنة لا تضرها القرارات السياسية في شيء.

بناءً على ذلك، فإن هناك عدة تساؤلات يمكن للمواطن طرحها ليفكر بشكل نقدي في القرارات السياسية المختلفة، ويحدد إذا كانت تستحق الذعر من عدمه، ومن ثَمَّ يكوِّن وجهة نظر موضوعية للحكم عليها.

قد يهمك أيضًا: الأخبار تصيبك بأعراض الصدمة النفسية.. والعلاج تخصيص وقت «للنكد»

ترشيد الغضب: تأكَّد من صحة الأخبار وأسباب هلعك

غوغل يقدم لك أداة للتحقق من صحة الأخبار على الإنترنت

فكِّر مرة أخرى في مصدر غضبك: هل هو القرار نفسه، أم آلية اتخاذه، أم ربما الاثنان معًا؟

أول خطوة لمعرفة إذا كان أمر يستحق الذعر أم لا هي التأكد من صحة الخبر، فلا داعي للغضب من أخبار مُضللة. تستطيع التحقق من صحة الأخبار باستخدام بعض الأدوات على الإنترنت، فقد طوَّر موقع غوغل خاصية تتحقق من صحة الأخبار، لذا يمكنك، كخطوة أولى، البدء بالتساؤل عن مدى صحة الخبر المقصود، وهو، في المثال الذي نتبعه، تعديل السيسي قانون السلطة القضائية على نحو بعينه.

الخطوة التالية مباشرةً تتمثَّل في محاولة الفصل بين القرار وآلية اتخاذه. يُفاجأ كثير من المواطنين بقرارات تكشف حجم السُّلطة التي يحوزها الرئيس أو الحكومة، فيتبادر إلى أذهانهم سؤال «هل من صلاحيات الرئيس فعل ذلك حقًّا؟»، وتكون الإجابة على الأرجح بالإيجاب، لأن الرؤساء أصبح لديهم من السُّلطة ما يكفي لاتخاذ قرارات هائلة أحيانًا، وكثير من الناس يتغافل عن ذلك.

الآن فكِّر مرة أخرى في مصدر غضبك: هل هو القرار نفسه، أم آلية اتخاذه، أم ربما الاثنان معًا؟

لا بد من إثارة هذه التساؤلات حتى إذا كنا نتفق مع الرئيس الحالي، إذ إن تطبيق معايير ديمقراطية لاتخاذ القرار ليس نوعًا من المثالية أو النزاهة الأخلاقية، بحسب أتزاري، وإنما موقفًا عمليًّا يضع في اعتباره إمكانية انقلاب الأوضاع، وصعود خصومنا السياسيين إلى السلطة.

ربما يصعب تمييز الآلية من القرار أحيانًا، وقد يغضب المواطنون إذا اتخذت الحكومة قرارًا أكثر من غضبهم في حال كان الرئيس مصدر هذا القرار، ويغضبون بدرجة مختلفة لو جاء القرار من البرلمان.  

كل هذه العوامل يجب تحليلها وفهمها جيدًا لتحديد مصدر الغضب الفعلي، وعدم الانسياق وراء اعتبارات لا صلة لها بالموضوع.

توجيه الغضب: لُمْ من يملك سُلطة فعلية

قرار ترامب بمنع استقبال اللاجئين الذي أوقف القضاء العمل به لاحقًا

بعد فهم مصدر الذُّعر والتأكد من استحقاقه الغضب، تساءَل عن مدى قوة من تشعر بالغضب من قراراتهم.

تشير الكاتبة إلى توجيه الأمريكيين ذُعرهم عادةً نحو الأقليات، لا نحو السُّلطة أو الرئيس، ويشمل ذلك الغضب الموجَّه إلى الشيوعيين سابقًا، والخوف الحالي من المهاجرين على اختلاف أصولهم وثقافاتهم، والذُّعر الأخلاقي المتعلق بالجنس والنوع الاجتماعي .

اقرأ أيضًا: 14 علامة تخبرك أنك تعيش في «مجتمع فاشي»

بعد فهم مصدر الذُّعر والتأكد من استحقاقه الغضب فعلًا، يجب التساؤل عن مدى قوة من تشعر بالغضب من قراراتهم: هل يمتلكون مثلًا موارد عسكرية أو دعمًا شعبيًّا ضخمًا؟ في هذه الحالة يكون ذعرك مُبررًا، أما إذا كنت تعتمد على الشائعات أو لا تستطيع فهم أهداف هؤلاء الذين تشعر بالذُّعر من قراراتهم، فعليك بالبحث أكثر قبل توجيه غضبك.

ربما لا تعتقد أن الشعور بالذُّعر يحمل من الأهمية ما يجعله موضوعًا لمناقشة كهذه، لكن هذا غير صحيح، فالذُّعر يكون عادةً دافعًا للجوء الجماهير إلى السلطات، والاستسلام للإجابات السهلة، بدلًا من توجيه الأسئلة لمن يستحق المُساءلة حقًّا.

في كل الأحوال، اسعَ لفهم الموقف بنفسك، ولا تستمع إلى الخبراء الذين يطالبونك بالتزام الهدوء.

مواضيع مشابهة