فشل المغرب مجددًا في استضافة كأس العالم، بعد أن انتزع منه الملف الخصم، المشترك بين أمريكا كندا والمكسيك، حلم 2026 بـ134 صوتًا مقابل 65.
حلم للمغرب باع طويل في مطاردته، إذ قدَّم قبل ذلك أربعة ملفات لقيت نفس المصير، واعتاد فيها المغاربة سيناريو خيبات الأمل، والبلاد لا توقف إصرارها على الترشح في كل مرة.
إصرار يضمر كثيرًا من الإثارة داخله، إصرار له تفسيرات وتاريخ وجب حكيه، ومن خلال المساحة التي وفرتها لنا الأحداث الأخيرة، نفهم عقدة تنظيم المونديال عند المغاربة، والرهانات التي تقع على كاهلهم لتحصيل هذا الطموح.
كرونولوجيا المحاولات الفاشلة
تعود أولى محاولات نيل شرف تنظيم أكبر عرس كروي إلى سنة 1994. وفي خضَم منافسة شرسة قادتها أمريكا بغرض زيادة شعبية هذه الرياضة في أراضيها، والبرازيل التي طمحت إلى تعويض نهائي 1950 الذي خسرته في استاد «مراكانا» أمام أوروغواي، حقق المغرب تقدمًا ملحوظًا في جلسات التصويت التي احتضنها زيوريخ في الرابع من يونيو 1988، فحل ثانيًا أمام المتصدر الأمريكي بسبعة أصوات، متقدمًا على بلاد السامبا التي حلت ثالثًا بصوتين.
هذا الإنجاز شجع المسؤولين المغاربة على خوض التجربة مجددًا عام 1998، منازعًا في ذلك جاره الشمالي ومحتله القديم: فرنسا. وكانت اجتماعات لجان التصويت، كما هي العادة، في زيوريخ السويسرية، وخسر ملف المغرب للمرة الثانية على التوالي.
هذه الخسارة المتلاحقة لم تنل من العزم المغربي على تحقيق هذا المطلب. وكان الترشح للمرة الثالثة، مرة ستحدد مصير لاحقتها. فقد لجأت «فيفا»، لأول مرة، إلى جولة ثانية للتصويت كي تحسم أمر المنافسة الشرسة التي كان بطليها الملفان الألماني والجنوب إفريقي، فمالت الكفة النهائية ناحية ألمانيا 2006.
بعد خيبة الأمل الثالثة، كان المغرب أبرز المرشحين لنيل شرف تنظيم الكأس، وبخاصة بعدما اعتمدت فيفا قانون التناوب القاري، فكان كل الخصوم من نفس طينتنا هذه المرة. خلال المنافسة انسحب الملف المشترك بين تونس وليبيا، وبقي التباري إلى يوم التصويت قائمًا بين الثلاثة: مصر والمغرب وجنوب إفريقيا. إلى أُعلِنَ فوز الملف الجنوب إفريقي بشكل مثير للجدل.
غير أن عدم الجاهزية المغربية لتنظيم محافل كهذه، وضعف بنيته التحتية، في مقابل تطورها عند منافسيه، كان التعليل المنطقي عند مختلف المغاربة، تعليل يصاحبه ظن آخر قائل بـ«مؤامرات فيفا علينا»، وهذا ظنٌّ فيه بعض الصواب، ما أثبته توالي الفضائح الإدارية والمالية على رأس الاتحاد الدولي للكرة، وبات مؤكدًا بعد أن نشرت جريدة «صانداي تايمز» تحقيقًا يؤكد ارتشاء شخصيات في الاتحاد الدولي من أجل تمكين ملف جنوب إفريقيا من تنظيم مونديال 2010، في ما بات يُعرَف بالقضية التي عصفت بـ«سيب بلاتر» وفريقه خارج المنظمة العالمية، وأحلت عهد «جياني إنفانتينو» واستراتيجياته للقطع مع الفساد.
المغرب 2026: ملف بلون الجدل
منذ أول يوم للإعلان عن ترشح المغرب، للمرة الخامسة، كثاني مضيف عربي لكأس العالم في نسخته الرابعة والعشرين، تصاعد الصخب في الأوساط الشبابية المغربية من ما رأوه رداءةً في اختيار شارته التمثيلية. وعندما لم يكن لهذا النقاش اكتفاء عند هذا الحد، انصب الجدل كصفة لصيقة بهذا الملف، جدل كانت سمته الأساسية الشك في مدى قدرة المغرب على استضافة محفل كهذا.
الجواب هنا، كما ورد في عدد من تصريحات اللجنة المكلفة بالملف، كان جازمًا بأننا، كبلد، مستعدون لهذا التحدي. معللين هذا القول بخبرة المغرب التي سعى جاهدًا لاكتسابها بعد أن أنجح مونديالين للأندية على أرضه، واستقبل قمة عالمية للمناخ في مراكش سنة 2016، واستثمر مبالغ ضخمة في بنيته التحتية الرياضية، منشئًا خمسة ملاعب جديدة بمواصفات عالمية.
رغم ما حققه المغرب من إصلاحات طالت كل المجالات لتحقيق حلمه المفقود، فإن النقائص ظلت تلاحقه. ملاحقة تتجلى في تكرار نفس أخطاء الملفات السابقة، والتي من ضمنها الوعد على الورق، دون ما إشارة ضامنة للوفاء بما وُعِدَ بإنجازه. بخاصة أمام ملف منافس جاهز، مشترَك بين دول عظمى كأمريكا وكندا، والتي رغم ضعف ثالثهما، تظل المكسيك متفوقة علينا بخطوات طويلة من التنمية. هذا ما يقوله لسان حال الشعب المغربي.
ما جدوى كل هذا الإصرار؟
خصص المغرب لتنظيم كأس العالم استثمارًا يبلغ 15.8 مليار دولار. تسهم فيه الحكومة بـ70%، ما دفع قوى سياسية من المعارضة للتوجس.
هنا المعنى قائم على سنده التجريبي المحض، والمقصود هو الدفعة التي تحدثها مثيلات هذه المناسبات على اقتصادات الدول المنظمة.
بالأرقام، تصف لنا دراسة مركز الدراسات الأولمبي في برشلونة التحول الذي عرفته هذه المدينة بعد احتضانها الألعاب الصيفية لسنة 1992، فتسجل لنا خلال الفترة بين 1986 و1992 تطور البنية التحتية الطرقية بـ15%، وزيادة المساحات الخضراء 78%، والقدرة الفندقية 38%، وتقلص البطالة بما يقارب النصف، وتحول المدينة إلى إحدى الوجهات السياحية المفضلة عالميًّا، كل هذا بغلاف استثماري بلغت قيمته 11.4 مليار دولار.
كل هذه مغريات تدفع المغرب إلى التشبث بحلمه، طامحًا في إقلاع تنموي يكون عنوانه سحر الكرة ومتعتها، خصوصًا أنه بلد ذو اقتصاد خدماتي بامتياز، تحظى فيه السياحة بحصة الأسد من السياسات العامة، كأحد أهم مصادر العملة الصعبة ومحركات الرواج الاقتصادي.
خصص المغرب لتنظيم كأس العالم استثمارًا يبلغ 15.8 مليار دولار. تسهم فيه القطاعات الحكومية بنسبة تفوق 70%، ما دفع قوى سياسية من المعارضة الممثلة في البرلمان إلى التوجس. وهذا ما عبر عنه نائب تحالف فيدرالية اليسار عمر بلافريج، مسائلًا رئيس الحكومة عن مدى استفادة المناطق المهمشة من ميزانية هذا الاستثمار. لكن النائب لم يعارض الترشيح، مؤكدًا أنه خطوة حسنة، وتستجيب لرهانات التنمية التي تواجه الوطن.
المغرب منافسًا الوحش الأمريكي
هدد الرئيس الأمريكي في تغريدة بأنه سيكون من العيب إذا تحالفت الدول التي تدعمها أمريكا ضد ملفها، فنقل الصراع من ميدانه الرياضي إلى السياسي.
انتظر المغرب حتى الأسبوع الأول من يناير 2018 لينصِّب رسميًّا رئيسًا للجنة القائمة على ملف 2026، متأخرًا عن منافسه الوحيد بثمانية أشهر.
ثمانية أشهر كانت كافية للشركاء الأمريكيين كي يرتبوا أوراقهم، وأن يضمنوا جاهزية ملفهم التواصلية، ويطلقوا حملته الترويجية، بينما الملف المغربي لم يحظ بشارته الرسمية بعد، ولا حتى بموقع تعريفي.
أمام هذا التأخير غير المفهوم عدد من التساؤلات، أهمها: ألم يكن أجدر بالمغرب استغلال البطولة القارية على أراضيه ليشرع في حملة الترويج الإعلامي لملفه؟ أليس من الصائب أن يضمن لنفسه الدعم الإفريقي المطلق خلال قمة الـ«CAF» التي احتضنتها الدار البيضاء؟
هذه أسئلة تجيبنا عنها، بشكل أو بآخر، التصريحات الصحفية لفوزي لقجع، رئيس الاتحاد المغربي، والذي أرجع من خلالها الضغط على المغرب كي لا يروج لملفه خلال مؤتمر الاتحاد الإفريقي، إلى انحياز إنفانتينو إلى الملف الأمريكي. وأكد ظنه بعدما قرر الاتحاد الدولي للكرة تغيير معايير تقييم الملفات المترشحة، مشددًا على أنه «لا يوجد شخص محايد تمامًا. بالتأكيد سيكون هناك انحياز، وأخبرت إنفانتينو بوضوح خلال زيارته للدار البيضاء، عن تأكدي من رغبته في فوز أمريكا باستضافة المونديال، لكن هذا موقفه الشخص، وليس لأنه رئيس للاتحاد الدولي، ومنصبه الرسمي هو ما يهمني، وليس موقفه الشخصي».
كل هذه الأمور لا تغير حقًّا في واقع الأخطاء التي سقط فيها الملف المغربي، والتي إضافة إلى عدم ضبط التوقيت الصحيح لتحركاته، ظلت تعيد سيناريوهات المحاولات السابقة التي كان عدم الجاهزية التنظيمية «الشبح» الذي يتهدده في كل مرة.
غير أن الفساد الذي لطخ هذا الموضوع لسنين خلت، فقد وجدت له الفيفا حلًّا نهائيًّا في ظنها، وهو إحقاق الشفافية المطلقة بعلنية التصويت، وتعميم على كل رؤساء الاتحادات المنضوية تحتها، وهي الفرصة التي كان ترامب أول مقتنصيها.
مع اعتماد نظام التصويت الجديد من طرف الاتحاد الدولي، أتت تغريدة الرئيس الأمريكي مهددة بأنه «سيكون من العيب إذا تحالفت الدول التي ندعمها ضد ملف ترشحنا. لماذا سنستمر في دعم هذه الدول إذا لم تدعمنا في المقابل؟». واضعًا بين قوسين «بما في ذلك دعمنا لهم في الأمم المتحدة».
نقل ترامب الصراع من ميدانه الرياضي إلى السياسي، مبرزًا واحدة من الأعراض الجانبية التي أحدثها النظام المعتمَد من منظمة «جياني إنفانتينو»، بأن العلنية، وإن كانت تحصن التصويت من الفساد والرشى، فإنها تفتحه أمام آليات الضغط السياسي التي تمارسها دول كأمريكا بشكل احترافي.
انتهت مهمة ترامب إلى هدفها المنشود. وكان لملف دولته التفوق بحيازة أكثر من ثلثي الأصوات في مؤتمر للفيفا عقد في 13 يونيو 2018.
الرهانات المستمرة
وضع تصويت 13 يونيو المغرب أمام محك آخر ورهانات جديدة. فمن جهة لم يتخلَّ عن حلم تنظيم كأس العالم، وذلك ما أعلنته الحكومة من نية في الترشح لاحتضان نسخة 2030، ومن جهة أخرى أصبح من الضروري مواصلة البناء والإصلاح التي وعد بها في ملفاته السابقة.
رهان سيكلفه ميزانية 15.4 مليار دولار، وتهتم بإنشاء تسعة ملاعب جديدة، أربعة ثابتة، وخمسة قابلة للتفكيك، مع تهيئة الملاعب الخمسة الكبرى التي يتوفر عليها، إضافة إلى 130 منشأة للتدريب. أما في ما يخص البنية التحتية غير الرياضية، فعلى المغرب، كما تورد التقارير، أن يستثمر، على الأقل، 12.6 مليون دولار لتقوية بنيته الطرقية، ويفتح سوق الاستثمارات في القطاع الفندقي، خصوصًا أننا نتكلم عن 48 دولة مشاركة في هذه النسخ الحديثة من المونديال.
تستمر حملة التشكيك في قدرة المغرب على الاستجابة لهذه الشروط، بنفس الشكل الذي يستمر فيه العناد المغربي الجميل في طموحه ليكون في مصاف الدول الكبرى التي نالت احتضان شرف الكأس الغالية.
في حين رفرفت أحلام في الأفق، مفادها أن تصلح الرياضة ما أفسدته السياسة، تعددت المطالبات من الأقطار المغاربية كافة، والدعوات إلى تقديم ملف ترشيح مشترك أبطاله الإخوة الثلاثة: المغرب وتونس والجزائر. مطالب لنا أمل في قيادات المغرب الكبير أن تستجيب لها، ولنا أمل أكبر في أن يكون مونديال 2030 على أرض المغرب الغالية.