هل ينتهي ترهيب الصحفيين في الأردن؟

الصورة: Roya News

أنصار أبو فارة
نشر في 2018/05/16

في عام 2017 تراجعت نسبة الانتهاكات الجسيمة في الأردن من مجموع الانتهاكات التي وقعت بحق الصحفيين، بينما سُجلت النسبة الأكبر للانتهاكات غير الجسيمة، التي تمثلت في منعهم من التصوير أو تغطية قضايا محددة.

كان هذا السبب الأساسي وراء تقدم الأردن ست درجات على مؤشر منظمة «مراسلون بلا حدود»، لكن لا يعني ذلك اختفاء الانتهاكات الجسيمة بشكل كلي، وتوقف اعتقال الصحفيين وتوقيفهم أو الاعتداء عليهم ومعاملتهم بشكل مهين خلال أداء عملهم، فقد كانت 12% من الانتهاكات، التي وثَّقها برنامج «عين» لرصد وتوثيق الانتهاكات بحق الإعلاميين والصحفيين، عام 2017 جسيمة، ولم يتعرض مرتكبوها للمساءلة.

شهدت الساحة الأردنية في 2017 عددًا من الممارسات التي من شأنها تضييق الخناق على حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير التي يكفلها الدستور الأردني، وكانت مسألة توقيف الصحفيين واعتقالهم أكثر تلك الممارسات التي أثارت قلق المؤسسات الإعلامية والحقوقية، فقد سُجِّلَت ثلاث حالات توقيف، ومثلها للاعتقال التعسفي لصحفيين.

استمر توقيف الصحفيين خلال 2018، فقد قرر مدعي عام عمَّان في يناير توقيف الصحفييْن عمر المحارمة وشادي الزيناتي، على خلفية دعوى قضائية من وزير المالية الأردني، عمر ملحس، بعد نشرهما خبرًا مدعمًا بالوثائق حول عدم تقديم الوزير بياناته الكاملة في إقراره الضريبي لدى توزيره.

وجَّه المدعي العام أربع تهم للصحفييْن، استند في اثنتين منهما إلى قانون المطبوعات والنشر الأردني، وإلى قانون الجرائم الإلكترونية في تهمة ثالثة، في حين كانت الرابعة بناء على قانون العقوبات، وفقًا للصحفي المحارمة.

تقرر توقيف الزيناتي والمحارمة لمدة أسبوع، لكنهما خرجا بكفالة عقب توقيفهما لمدة 48 ساعة، تخللتها اعتصامات لنقابة الصحفيين احتجاجًا على الاحتجاز.

لعل تتبع المسؤولين لأقلام الصحفيين يمثل أخطر الإشارات على انكماش حرية التعبير في المملكة، ما يضع المؤسسات الصحافية والإعلامية في حالة من القلق، وبخاصة في ظل تزايد القيود التي تفرضها التشريعات على حرية الصحافة والإعلام.

الأردن: عقوبات سالبة للحرية

نقيب صحفيي الأردن: نعمل على إلغاء النصوص التي تبيح توقيف الصحفيين

التعريف الفضفاض لخطاب الكراهية خلق انطباعًا سيئًا لدى الصحفيين، لأنه يضغط على حرية التعبير.

إن كان الحديث عن ضمان حرية الصحافة، فلا بد من إجراءات تشمل تغيير ترسانة من القوانين المجحفة التي تحاصر أقلام الصحفيين وأدواتهم، إذ يُدان الصحفيين على قيد المهنة في الأردن بناء على عدة قوانين تبلغ 11 قانونًا، ما يجعل الحاجة مُلحة إلى ضبط تلك القوانين من البداية حتى يختفي التغول في حرية الكلمة، بحسب عضو مجلس نقابة الصحفيين الأردنيين خالد القضاة.

تكمن المعضلة في مواجهة الصحفيين اتهامات أخرى غير المتعلقة بحرية التعبير والنشر، تصاغ في قوالب فضفاضة، مثل المساس بأمن الدولة وسياساتها الخارجية، أو الأمن الاقتصادي، أو نشر معلومات ذات طبيعة سرية كالأسرار الخاصة بالدفاع الوطني، وفقًا للقضاة.

أكثر ما خلق انطباعًا سيئًا لدى الصحفيين في 2017 كان المقترَح الذي قدمه ديوان الرأي والتشريع لتعديل قانون الجرائم الإلكترونية، وتحديدًا إضافة تعريف فضفاض لخطاب الكراهية، ما يعد أداة ضاغطة على حرية التعبير، ويفرض عقوبات بالسجن وغرامات مالية مبالَغ فيها، بحسب المدير التنفيذي لمركز حماية حرية الصحفيين نضال منصور.

تضع حالة استمرار التشريعات السالبة للحرية المؤسسات الصحفية والإعلامية في حالة ترقب لانعكاسات أي تعديلات قانونية جديدة قد تشكل بشرى سارة للصحفيين الذين باتوا هدفًا لموجة قمع متنوعة تتراوح بين الاعتداء عليهم، وتوقيفهم، أو اعتقالهم، ومنعهم من أداء عملهم، وحجب المعلومات عنهم.

قد يشكل ما جاء به القانون المعدَّل لقانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (32) لسنة 2017 تغييرًا في طريقة تعامل السلطة مع الصحافة، إذ تضمَّن التعديل ربط التوقيف بحالات جرمية محددة لا تحصل في عالم الصحافة والإعلام، ما قد يجنب الصحفيين تجربة التوقيف.

يوضح عبد الرحمن الشراري، المحامي الأردني المختص بقضايا الإعلام، أن التوقيف بات مقيدًا بحالات استثنائية تتضمن الحاجة إلى الحفاظ على أدلة الإثبات أو المعالم المادية للجريمة، أو للحيلولة دون ممارسة الإكراه على الشهود أو المجني عليهم، أو لمنع المشتكى عليه من إجراء الاتصالات بشركائه في الجريمة أو الفرار، أو لحمايته، وفقًا للمادة (114) من القانون المعدَّل.

يوضح الشراري لـ«منشور» أن الحالة والأسباب والشروط يجب أن تتحقق مجتمعةً حتى يصدر قرار التوقيف، لذلك لا يجوز تجزئة المادة (114)، بل تُقرأ كوحدة واحدة، لكن الحالات التي تستدعي التوقيف، كما فُصلت في المادة (114)، لا تنطبق على جرائم الإعلام.

ينظم قانون المطبوعات والنشر عملية النشر عبر وسائل الإعلام المطبوعة والمرئية والمسموعة رغم ما يرد في أي قانون آخر، لذلك يُستثنى كل ما يُنشر عبر وسائل النشر من تطبيق أحكام المادة (114). وإذا تضمن المحتوى المنشور جريمة، لا يجوز فيها التوقيف لأن العقوبات المتعلقة بجرائم الإعلام تتضمن غرامات دون الحبس، ولا يجوز التوقيف في الجرائم التي لا حبس عليها، وفقًا للشرايرة.

ترى نقابة الصحفيين الأردنيين أن التوقيف عقوبة استباقية، ومعظم القضايا التي تُرفَع على صحفيين تصدر فيها أحكام بعدم المسؤولية أو البراءة، ما يدعو إلى ضرورة تطبيق قانون المطبوعات والنشر دون غيره في الجرائم التي تتعلق بأحكام القانون.

اقرأ أيضًا: صُنَّاع الإعلام: كيف سحروا أعين الناس واسترهبوهم؟

شكاوى وانتهاكات

صورة من تقرير مركز حماية وحرية الصحفيين «سند»

وثق تقرير حالة الحريات الإعلامية في الأردن عام 2017، الصادر عن مركز حماية حرية الصحفيين «سند»، 173 انتهاكًا بحق 67 صحفيًّا وإعلاميًّا، كان أعنفها الاعتداء الجسدي على الصحفيين من مجهولين، لم تبد الأجهزة الأمنية جادة في ملاحقتهم ومحاسبتهم، إضافة إلى التوقيف والاعتقال التعسفي والمعاملة المهينة للصحفيين.

بلغ عدد القضايا المرفوعة على صحفيين وإعلاميين 80 قضية في 2017، و130 قضية في 2016، وقد يزيد العدد باحتساب القضايا التي مثُل فيها صحفيون أمام القضاء دون طلب المساعدة القانونية من المركز.

بحسب استطلاع أجراه «سند»، فإن 77% من الصحفيين المشمولين بالعينة يرون أن الحكومة تتدخل في وسائل الإعلام، وتمارس ضغوطًا ومضايقات، مستفيدة من قانون الجرائم الإلكترونية، ما يُظهر تخوف الدولة من اتساع حيز حرية الصحافة بشكل خاص وحرية التعبير بشكل عام، الأمر الذي يدفعها إلى اتخاذ إجراءات تمكنها من احتواء المحتوى المنشور، مهما تبلغ قسوة تلك الإجراءات بحق الصحفيين والإعلاميين.

يضع هذامالحكومة أمام السؤال الأكبر، عن مدى جديتها في التعامل بشكل إيجابي مع أي شكل من أشكال انتقاد سلوكها، وتقبلها لفكرة أن الإعلام رقيب على السلطات، وليس خادمًا لها.

«فريدم هاوس»: صحافة غير حرة في الأردن

صنفت منظمة «فريدم هاوس» حالة الحريات العامة في الأردن بأنها «جزئية» في 2017 والنصف الأول من 2018، وقد تحسنت حالة المملكة من «غير حرة» عام 2016 إلى «حرة جزئيًّا»، نتيجة تحسن تصنيف الحقوق السياسية بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

بينما تراجعت حرية الصحافة عن باقي الحريات لتصنَّف كصحافة «غير حرة»، ويعود تقلص حرية الصحافة في الأردن إلى القوانين السالبة للحرية، وترهيب الصّحفيين بتوقيفهم واعتقالهم، ومقاضاتهم استنادًا إلى قوانين مختلفة، إضافة إلى إعاقة ممارستهم لعملهم والحصول على المعلومات، كما حدث في منعهم من التصوير والتغطية خلال الانتخابات البلدية واللامركزية في أغسطس 2017.

مواضيع مشابهة