جاكوب الثري: مؤامرات صنعت أقوى رجل أعمال في التاريخ

الصورة: The Yorck Project

دينا ظافر
نشر في 2017/10/20

يظهر المصرفي الألماني الثري «جاكوب فوغر» في لوحة الفنان «ألبرخت دورر» كرجل حاد الملامح ذي شفتين رفيعتين وعينين قاسيتين، ويتلفع برداء من الفراء وقبعة بنية، وهو زي شديد البساطة مقارنةً بالأزياء السائدة في العصور الوسطى في أوروبا.

في كتابه «The Richest Man Who Ever Lived»، يحكي «غريغ شتاينميتز»، وهو صحفي سابق في «وول ستريت جورنال» ومحلل أوراق مالية حاليًّا، أن فوغر كان أقوى رجل أعمال على الإطلاق، وأغنى رجل عاش على وجه الأرض، ويستعرض مقال على «الإيكونوميست» لمحات من الكتاب، ويعرض بعض الحيل التي لجأ إليها فوغر لجمع ثروته.

جاكوب فوغر: مجهول رغم ثروته الطائلة

5 معلومات عن أغنى رجل في التاريخ، جاكوب فوغر

ولد فوغر في مدينة أوغسبورغ الواقعة جنوبي ألمانيا، وعاش في أواخر القرون الوسطى، ولم يحظَ بصيت واسع مثل المصرفي الإيطالي «كوزيمو دي ميديتشي» مثلًا، أو باقي عائلته، الذين ساعد تذوقهم لفنون عصر النهضة في بروز نجمهم في عالم الصرافة.

كان فوغر مصرفيًّا ماهرًا، حسب شتاينميتز، الذي يرى أنه لو كان حيًّا بيننا اليوم لكان زلزل المراكز المالية في العالم، ومع هذا يبقى تاريخ فوغر مجهولًا لكثيرين، ومع عدم وضوح بعض تفاصيل حياته، تظل قصة طموح فوغر وقسوته وجشعه شائقة، وفق المقال.

رحلة الإثراء: مغامرات مالية ودسائس

ولد جاكوب فوغر في عام 1459 لأسرة غنية من تجار الأقمشة والمصرفيين، وتعاظمت ثروته وازدادت سطوته عندما غامر برأس ماله وسمعته من أجل تمويل الطموحات الإقليمية لآل هابسبورغ، الأسرة الألمانية الحاكمة آنذاك. كان فوغر سعيدًا بعلاقته بآل هابسبورغ، التي بدأت عندما حصل الإمبراطور الروماني «فريدريك الثالث» على قرض من أحد إخوة فوغر، رغم سوء المركز الائتماني للأسرة.

كان لدى فوغر تعطُّش للمعلومات التجارية، فشكَّل شبكة مراسلين ليكون له سبق اختراع أول خدمة إخبارية في العالم.

أصبح فوغر المصرفي الرئيسي الذي يتعامل معه الإمبراطور «ماكسميليان الأول»، الذي أسس الإمبراطورية النمساوية المجرية، وكذلك «كارلوس الخامس» ملك إسبانيا، الذي أدي انتصاره في معركة بافيا إلى تعزيز سيطرة آل هابسبورغ على مقاليد الحكم، وكانت القروض الضخمة التي أعطاها فوغر ذات ضمانات، وكثيرًا ما سددها آل هابسبورغ في صورة عينية.

تمكن فوغر من الحصول على منتجات من الفضة من النمسا، والنحاس من المجر، وبنى مصهرًا لتنقية النحاس وتاجر فيه هو شخصيًّا، وفق المقال. وانضم إلى اتحاد منتجي النحاس في فينيسيا الإيطالية، وعندما اتفق المنتجون على رفع سعره عن طريق تقليل المعروض منه، ضغط على المشاركين معه في المؤامرة ومنافسيه بدلًا من التعاون معهم، فأغرق السوق بالنحاس حتى انهار سعره، وسدد بذلك ضربة قاصمة لمنافسيه.

من بعدها، موَّل فوغر مؤامرة برتغالية لنقل تجارة البهارات والتوابل إلى مدينة لشبونة، ونجح في ذلك نجاحًا كبيرًا قضى على الشأن التجاري لمدينة فينيسيا.

كان لدى فوغر تعطُّش للمعلومات التجارية جعله يشكِّل شبكة من المراسلين، كانت تقاريرهم إلى أوغسبورغ تُطبع وتُوزع على العملاء على هيئة جريدة بدائية، فكان لفوغر سبق اختراع أول خدمة إخبارية في العالم.

اقرأ أيضًا: «غولدمان ساكس»: الإمبراطورية المالية التي تحكم العالم

جشع فوغر يطلق شرارة الإصلاح

جاكوب فوغر في حفل زفافه إلى «سيبيلا آرتزت» - الصورة: Stefan Plogmann

نجح فوغر في استعداء كثيرين تمامًا كما نجح في جمع الأموال، وكان من أعدائه الفلاحون الألمان.

تمكن فوغر من جمع رأس مال جديد لمصرفه عن طريق استغلال حسابات التوفير، التي استُحدثت لأول مرة في مدينة أوغسبورغ وأعطت العملاء فوائد قيمتها 5% في العام، في خرق واضح للحظر الذي وضعته الكنيسة على المُراباة.

لكن فوغر لم يستسلم، فذهب إلى البابا ليو العاشر، الذي كان قد استفاد بشكل شخصي من عطايا فوغر، فغير تعريف المُراباة عام 1515 لتصبح «المكسب الذي يُتحصل عليه دون عمالة، أو تكلفة، أو مخاطرة»، حسب المقال. بذلك أصبحت المخاطرة بمدخرات العملاء عملًا مشروعًا لا ربى فيه، وهذا هو ما مهد الطريق للاقتصاد الحديث كما نعرفه، حسب شتاينميتز.

ربما كان إنجاز فوغر الأغرب، والذي لم يقصده، هو إطلاقه لشرارة الإصلاح، عندما بدأ في بيع ما سُمي «صكوك الغفران»، وهي صكوك تُشترى بالمال لمحو الذنوب ودخول الجنة.  فبالتعاون مع أحد عملائه، باع فوغر صكوك الغفران إلى الراغبين، واقتسم العوائد مع البابا ليو العاشر، الذي استخدم تلك الأموال في بناء كاتدرائية القديس بطرس عام 1517، فاستشاط القس «مارتن لوثر» غضبًا من حيلة صكوك الغفران وألف كتابه الشهير «القضايا الخمس والتسعون»، الذي لعن فيه روما وأشعل فتيل الإصلاح الديني.

قد يهمك أيضًا: نصف ثروات الأرض بين أيدي 8 رجال

ينجو من القتل رغم ما حصد من عداءات

تمثال جاكوب فوغر في المدينة التي أنشأها - الصورة: derfla

مع تقدمه في السن، نجح فوغر في استعداء كثيرين أرادوه ميتًا تمامًا كما نجح في جمع الأموال، فكان من أعدائه «فرسان تيوتون»، وهي طائفة عسكرية مسيحية، والفلاحون الألمان الذين ثاروا على استغلال طبقة التجار التي مثَّلها فوغر، وكان أحد قادة ثورة الفلاحين الألمان في عام 1520 قس شيوعي يدعى «توماس مونتزر»، ظل يعِد أتباعه أن الله سيفتك بفوغر، لكن فوغر وزملاءه من التجار موَّلوا جيوشًا تدافع عن تجارتهم وأعمالهم، ومات فوغر على فراشه في عام 1525.

في شبابه، أقسم كاجوب فوغر أن يظل يحقق المكاسب لأطول فترة من حياته، وقد فعلها، فعند وفاته كان مليونيرًا كبيرًا، وعاش مرفهًا في قصر في مدينة أوغسبورغ. وبغض النظر عن صحة ما ذكره شتاينميتز في كتابه عن ثروة فوغر، فإن الأخير كان سيسعد بكل تأكيد بمعرفة أنه أغنى رجل عاش على وجه الأرض في التاريخ كله.

مواضيع مشابهة