سلاح داعش النووي: «الخوف» أنقذنا من التجربة

الصورة: Chris McGrath

ترجمات
نشر في 2017/07/26

اشتهر تنظيم داعش بتكتيكاته العسكرية التي لا يمكن اعتبارها تقليدية تمامًا، فقد تطورت مهارات التنظيم الحربية بعد سنين من الحرب المستمرة، لتصبح مزيجًا من تكتيكات الإرهاب وحروب العصابات والمعارك التقليدية.

إذا أضفنا إلى هذه التكتيكات غير التقليدية المظهر الوحشي الذي يحرص داعش على ترويجه لنفسه، كنوع من بناء الهوية (Branding)، باللجوء إلى أساليب قتل بدائية من العصور الوسطى، أصبح مفهومًا تمامًا لماذا يبدو سؤالنا الحالي عن امتلاك التنظيم لسلاح «إشعاعي» غريبًا وفي غير محله، فلا ينتظر أحد من تنظيم يلجأ إلى حرب العصابات وذبح الأسرى أن يستخدم أسلحة من هذا النوع، تُصنَّف ضمن أسلحة الدمار الشامل، ويبدو أن التنظيم نفسه قد أجاب على سؤالنا عندما أعلن أن «البروباغندا أقوى من القنابل الذرية».

لكن لدى الصحفي وباحث العلوم السياسية «غرايم وود» أسبابًا قوية للتساؤل بشأن قدرة داعش على إنتاج سلاح إشعاعي واستخدامه، وتحديدًا «قنبلة قذرة»، وهي قنبلة تستخدم متفجرات تقليدية لنثر مواد مشعة في محيط انفجارها.

ما السبب الذي يجعل وود يتساءل بهذا الخصوص؟ أنه أسهم في إيصال مادة «كوبالت-60» المشعة بنفسه إلى العراق، وهي القصة التي يحكيها في مقال منشور على موقع «ذي أتلانتيك».

المادة المشعة التي امتلكها داعش

المواد المشعة التي استحوذ عليها تنظيم داعش

يحكي وود عن زيارته الموصل عام 2005 في أثناء عمله مع شركة شحن جوية، لإيصال صندوق خشبي تسلمته جامعة الموصل، واحتوى هذا الصندوق على معدات طبية بالإضافة إلى مادة كوبالت-60 المشعة، وانتهى الأمر بهذه الشحنة في المستشفى التعليمي التابع لجامعة الموصل.

يُستخدم كوبالت-60 كعلاج إشعاعي لقتل خلايا السرطان، ولهذا الغرض يوضع داخل أجهزة ثقيلة العزل، لكن يمكن استخدامه كسلاح مدمر كذلك، وفي هذه الحالة يستطيع قتل البشر بغزارة الغبار النووي الذي ينشره في محيط واسع، مؤديًا إلى تسمم البيئة والكائنات الحية على مساحة ونطاق زمني كبيرين نسبيًّا، وهو الأمر الذي يميز قنبلة الكوبالت عن غيرها من القنابل الإشعاعية، أو «القنابل القذرة» الأخرى.

يوظف داعش قطاعًا بحثيًّا عسكريًّا يعمل باستمرار على تطوير آلياته الحربية.

بعد تسع سنوات من تسليم هذه الشحنة، سقطت مستشفى الموصل تحت سيطرة داعش، وكانت المخابرات الأمريكية على علم بحيازة التنظيم لكوبالت-60 الموجود في المستشفى، وراقبت الموقف في تأهب للعثور على أي دليل يشير إلى استخدام المادة المشعة عسكريًّا، لكن تقريرًا لجريدة الواشنطن بوست يشير إلى أن هذا الاستخدام لم يحدث أبدًا، ربما لأن التنظيم لم يعرف ما هو كوبالت-60، أو لأن أفراده خافوا قتل أنفسهم في محاولة استخدامه.

هل داعش مستعد لتجريب السلاح الإشعاعي؟

ما القنبلة القذرة؟

يرى الكاتب أن التنظيم يقبل مبدئيًّا استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد أعدائه. ورغم أن الشريعة الإسلامية تحرم التدمير الكامل لأراضي الأعداء أو إبادة مجموعات كاملة من السكان، وترفض إفساد مصادر المياه والحقول المزروعة والتربة، فإن بعض الفقهاء رأوا أن هذه التكتيكات قد يُسمح بها أحيانًا في «الظروف الاستثنائية».

بناءً على ذلك، أفتى الجهادي السعودي ناصر الفهد في عام 2003 بجواز استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد الكفار، لأن العالم الإسلامي بحسبه يعيش الآن ظروفًا استثنائية، وفي هذه الحالة تصبح ضربة نووية واحدة ردًّا مقبولًا من المسلمين على عدد لا يُحصى من القذائف التي أُطلقت عليهم، بل ربما تصبح هذه الضربة طريقة وحيدة لضمان بقاء الإسلام في مواجهة حملات الكفار ضده.

يشير وود إلى أن ناصر الفهد أعلن مبايعته لداعش من محبسه في السعودية عام 2015، ممَّا يضيف دليلًا إلى التقارب الفكري المعروف مُسبقًا بين التنظيم الجهادي وهذا النوع «الاستثنائي» من الفتاوى.

قد يعجبك أيضًا: لاجئ سوري يحكي تجربته في الفرار من سوريا

داعش كان مستعدًا للنووي، لولا بعض الصعوبات

هل يقدر داعش على صناعة قنبلة قذرة أو شيء أسوأ؟

تؤتي التكتيكات المعتادة ثمارها بالنسبة إلى التنظيمات الإرهابية بقدر كافٍ ومرضٍ تمامًا.

يرى وود مع ذلك أن التنظيم أبلى بلاءً حسنًا بالابتعاد عن كوبالت-60 وعدم محاولة استخدامه، لأن مثل هذه الأسلحة الإشعاعية تستلزم تدريبًا طويلًا لتعلم التعامل معها، ولن يبقى المرء على قيد الحياة في حجرة واحدة مع كوبالت-60 غير معزول لأكثر من ثلاث دقائق.

لهذه الأسباب ربما يكون من إهدار الموارد والطاقات أن يضع داعش قدرات بعض أفضل رجاله في مشروع كهذا، خصوصًا بالنظر إلى أن التنظيم يحقق بالفعل نتائج جيدة باستخدام أسلحة تقليدية تمامًا، حتى لو كانت قديمة وكلاسيكية مثل «الكلاشنيكوف».

لا يعني هذا أن داعش يفتقر إلى الإبداع في المجال الحربي، إذ يشير وود إلى أن التنظيم طوَّر بالفعل سيارات مفخخة عالية الكفاءة، بالإضافة إلى طيارات مقاتلة دون طيار، ويوظف داعش قطاعًا بحثيًّا عسكريًّا يعمل باستمرار على تطوير آلياته الحربية، لكن يبدو أن الخطط الكبيرة والطموحة تحدث على الورق فقط، ولا تُنفَّذ أبدًا في الواقع.

يشير الكاتب في هذا السياق إلى طموحات تنظيم القاعدة العسكرية، التي اشتملت على مخططات لتفجير محطات بنزين، ومحو مدن كاملة من الوجود باستخدام النابالم، وقطع الحبال الفولاذية التي تربط جسر بروكلين الأمريكي المعلق، وإغراق ناقلات النفط، وغير هذا من أفكار طموحة لم يُنفَّذ أيٌّ منها على أرض الواقع، وعادةً يعود الجهاديون دائمًا إلى ممارساتهم المألوفة، مثل طعن الناس في الشوارع أو تنفيذ تفجيرات صغيرة.

اقرأ أيضًا: قصة أول فتاة بريطانية تحارب داعش في سوريا

يبدو لوود أن التكتيكات المعتادة تؤتي ثمارها بالنسبة إلى التنظيمات الإرهابية بقدر كافٍ تمامًا، وبالدرجة التي تجعلهم راضين باللجوء إليها كأساس لنشاطهم العسكري، خصوصًا أن اعتماد تنظيم مثل داعش على البروباغندا بصورة كبيرًا يجعله يتجنب المخاطرة بتجارب ربما تُخفق إخفاقًا هائلًا، في الوقت الذي يعرف فيه أن مجموعة من الهجمات التي ينفذها بوسائل تقليدية تمامًا قد تبث القدر الذي يحتاجه من الرعب بالضبط.

ربما مع تطور التهديد الذي يحيط بالتنظيم حاليًّا، ومع كل الآفاق التي حملها تطوير سلاح بهذه القوة على مستويي البروباغندا والقدرة على الأرض، هل أخطأ داعش بعدم العبث بالكوبالت-60 الذي كان في حوزته قبل سقوط الموصل؟

مواضيع مشابهة